السبت، 12 فبراير 2011

اليمن وثورة الحرية في العالم العربي

د. عبد الله الفقيه
بالأمس سقط باي تونس، واليوم يجب أن يسقط فرعون مصر، وغدا سيسقط إمام اليمن، ولن تتوقف ثورة الديمقراطية في العالم العربي. فسيسقط الحكام الدكتاتوريون بعون الله واحدا اثر الآخر كما تتساقط أحجار الضمنة المصفوفة إلى جانب بعضها طال الزمن أو قصر..هذا هو لسان حال الشارع العربي اليوم. لقد تأخرت ثورة العرب 20 عاما. فعندما تساقطت أنظمة الحكم الدكتاتورية في وسط وشرق أوروبا مع نهاية ثمانينيات القرن العشرين ظلت الأنظمة الموروثة من العصور الوسطى في العالم العربي محمية من ثورة شعوبها من قبل الغرب وتحديدا الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. وكتب على العرب حينها أن يظلوا لعقدين آخرين يعانون الأمرين في ظل أنظمة أشبه ما تكون بالعصابات منها إلى النخب الحاكمة.
أما اليوم فها هو الإنسان العربي، الذي لطالما قالوا عنه انه يعشق الأنظمة الوراثية ويقدس الدكتاتورية، يرفع رأسه للمرة الأولى ليقول للآخرين انه ليس اقل كرامة من أمم الأرض الأخرى وانه لا يرضى بان يتحكم بمصيره أفردا واسر. لقد خرج الملايين من التوانسة والمصريين إلى الشوارع ليواجهوا بصدورهم العارية اشد الأنظمة دكتاتورية ودموية ولصوصية على وجه الأرض وليؤكدوا بان العربي الذي حرم من الحرية لوقت طويل قد شب عن الطوق ولن يقبل بعد اليوم أن ينتقص المستبدون من حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد أصبح التغيير في العالم العربي مطلبا شعبيا لن يتمكن الشرق أو الغرب أو الاثنين معا من منع حدوثه، وليس هناك أمام العصابات الأسرية الحاكمة سواء أكانت ملكية أو جمهورية أو جملوكية (نصف جمهورية ونصف مليكة) اليوم سوى أن تتصالح مع شعوبها بسرعة أو تنتظر لتواجه مصيرها المظلم.
سقوط الباي في تونس
يأخذ الحاكم المستبد باليسار ما يعطيه باليمين..في البداية قد يعطي الحاكم المستبد أبناء شعبه الخبز والماء وربما الأمن لكنه سرعان ما يأخذ من أبناء شعبه كل شيء ليمنحه لأفراد أسرته وأنسابه. ولا تخرج قصة الزوجين ليلى وزين العابدين بن علي عن غيرها من قصص المستبدين الإ في بعض التفاصيل الطفيفة...في البداية يجد الاستبداد لنفسه تبريرا قد يكون حقيقيا أو وهميا ثم يبني بعد ذلك دولة بوليسية تصنع القمع وليس التنمية على رأس أولوياتها، ثم تتحول الأسرة الحاكمة إلى مافيا تمارس الجريمة المنظمة. لقد صعد زين العابدين بن علي المولود في عام 1936 إلى الرئاسة بطريقة دراماتيكية لا تضاهي بالطبع الطريقة المخزية التي خرج بها. فقد عينه الحبيب بورقيبة في أكتوبر 1987 رئيسا للحكومة وبعد حوالي شهر أصبح بن علي رئيسا للجمهورية بعد أن تمكن من الإطاحة براعيه السياسي الحبيب بورقيبة الذي كان قد أصيب بالخرف بسبب التقدم في العمر والإصابة بمرض شلل الأطفال.
وقد عمل بن علي في البداية على تضمين الدستور التونسي نصا يمنع الرئيس من الترشح لأكثر من مرتين مدة كل واحدة منهما خمس سنوات لكنه سرعان ما عمد بعد ذلك إلى خوض انتخابات رئاسية خلت من أي تنافس حقيقي حيث خاض انتخابات 1989 و 1994 بدون وجود أي منافس وفاز بنسبة 100 في المائة، ثم فاز في انتخابات عام 1999 بنسبة 99.4 في المائة، وفاز في انتخابات عام 2004 بنسبة فاقت الـ90 في المائة وفي عام 1999 بنسبة 89 في المائة.
وقد عمد بن علي في سبيل البقاء في السلطة إلى العبث بالدستور عن طريق التعديل المتكرر لنصوصه وبما يكفل له البقاء في السلطة بالرغم من انف شعبه. ففي عام 2002 مثلا تخلص بن علي من المادة التي تمنع المواطن التونسي من الترشح للرئاسة لأكثر من فترتين. كما عدل النص الدستوري الذي يشترط أن لا يزيد عمر المرشح للرئاسة عن 70 عاما وبحيث أصبح النص يقضي بان لا يزيد عمر المرشح عن 75 عاما وكان يتوقع أن يعمد بن علي من جديد إلى تعديل الدستور خلال السنوات القادمة حتى يتمكن من الترشح من جديد في عام 2014.
تبنى بن علي خطابا سياسيا يناقض تماما ما يفعله على ارض الواقع. فبينما تحدث عن الديمقراطية فقد لجأ إلى خنق حرية الرأي والتعبير ومنع قيام منظمات المجتمع المدني ومارس كل أشكال اللصوصية بما في ذلك الدخول كشريك في المشروعات الاستثمارية. ولجأ بن علي في التجنيد السياسي إلى اختيار أشخاص معينين ليعملوا على خدمته وأسرته أولا وتونس ثانيا. وبينما تتعدد الجرائم التي ارتكبها الزوجان بن علي في حق الشعب التونسي وحقوقه فإن الفساد السياسي والمالي يعد الجريمة الأهم والتي ستطيح بالزوجين في 14 يناير 2011.
ولعل أعظم مظاهر الفساد قد تمثلت في تركيز السلطة والثروة في الأقارب والأنساب والسعي إلى تأبيد السلطة وتوريثها في المافيا الأسرية الحاكمة. نهبوا الأراضي وفرص الاستثمار والعقود العامة والمواقع الهامة في الدولة وامتدت أياديهم حتى إلى الممتلكات الخاصة. فقد سرق عماد ومعز الطرابلسي، وهما اثنان من أبناء إخوة الرئيس، يختا يملكه مستثمر فرنسي وقاما بطلائه بلون مختلف. وعندما فجرت الصحافة الفرنسية الفضيحة وكادت الواقعة تفجر أزمة في العلاقة بين تونس وفرنسا تم إعادة القارب بسرعة إلى المستثمر. وفي عام 2008 اصدر الإنتربول الدولي مذكرة توقيف بحق أقارب الرئيس فتم تقديمها إلى القضاء التونسي بهدف التغطية وذر الرماد في عيون المجتمع الدولي.
وجمعت ليلى بن علي التي تنتمي إلى عائلة الطرابلسي من السلطة ما فاق تلك التي يملكها رئيس وزراء البلاد أو الوزير الأول كما يسمونه. وبينما كان زوجها يصارع السرطان ويتقدم في السن وتتدهور حالته الصحية يوما بعد آخر كانت ليلى تحكم قبضتها على السلطة وتعد نفسها لخلافته وتسرق هي وأفراد أسرتها كل ما له قيمة في البلاد. وأصبح الرئيس الذي يقضي معظم وقته في اللعب مع ابنه الصغير في مقر إقامته يتصرف كما تأمره زوجته. وفي عام 2007 حصلت حاكمة قصر قرطاج، كما سماها كتاب صدر في باريس، على أرضية من الحكومة مجانا لتبني عليها مدرسة أجنبية خاصة لأبناء النخبة بالإضافة إلى دعم حكومي للمشروع بلغ 1.5 مليون دولار وخلال أسابيع عبدت الحكومة وسفلتت الطرق المؤدية الى المدرسة وركزت إشارات المرور، ثم باعت بن علي المدرسة لمستثمر أجنبي بمبلغ كبير لم يتم الإفصاح عنه.
الفرعون الذي لا يفهم
ابتليت الشعوب العربية، كما يذهب بعض الباحثين، بقيادات مصابة بعقدة العظمة التي تجعلها تبالغ في الحديث عن منجزاتها العملاقة وقدراتها الخارقة ومعجزاتها غير المسبوقة ومواهبها الفريدة وتتحسس كثيرا عندما يتحدث الآخرون، ولو بحسن نية وموضوعية، عن إخفاقاتها أو عن سياساتها غير الموفقة أو حتى عن انتمائها إلى فصيلة بني الإنسان. وبالنسبة لتلك القيادات فان بناء الأسرة يعني بناء الدولة، واللصوصية تعني تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمالة للأجنبي تعني الحفاظ على السيادة، وقتل الناس يعني تحقيق الاستقرار. وتتوقع تلك القيادات التي تعيش في خيالات النجاحات الوهمية من الناس أن يظهروا إعجابا غير منقطع بها وان يتعاملوا معها على أنها كائنات خارقة لا يعتريها النقص من أي جهة وان ما تستحقه من شعوبها هو الطاعة العمياء.
وبدلا من أن تتولى الزعامات العربية قيادة الناس فإنها تتولى إعطاء الأوامر والتعليمات في كل شاردة وواردة وتسعى بشكل مستمر لأن تكون محور الكون وحديث الناس وتشعر بتهديد كبير وبشكل مرضي إذا ما تم استثنائها من الذكر أو اختلف الآخرين معها أو نسب النجاح لغيرها . وتنسب القيادات العربية كل نجاح إن وجد لنفسها بينما تحمل الآخرين مسئولية الإخفاقات وتعتقد أن الشلل المحيطة بها هي وحدها التي تستطيع فهمها.
ويمثل فرعون مصر حسني مبارك المولود في عام 1928 نموذجا مثاليا لنرجسية الحاكم العربي. فمبارك الذي قضى ثلاثة عقود كاملة في السلطة وحول مصر من أم الدنيا إلى أم الأسرة الحاكمة لم يكتفي بخروج 8 مليون مصري يطالبونه بالرحيل وأصر على خطاب آخر ثقيل الدم بليد الفكر والإحساس يكشف عن مقدار تورطه وأسرته في نهب مصر سلطة وثروة وحضارة وثقافة ودور. وبينما يتهاوى فرعون مصر في العصر الحديث إلى هوة سحيقة، فإن التقديرات الدولية تشير إلى انه وأسرته قد سرقوا من مصر ما يتراوح بين بـ40و70 مليار دولار. لقد اختار السادات حسني مبارك نائبا له لأنه لم ير فيه خطرا عليه فإذا بمبارك يحكم مصر بالحديد والنار ويوجه عائداتها لصالح أسرته ولصالح مجموعة من رجال الأعمال موالية لنجله جمال بينما الملايين من المصرين لا يقلون عن ربع عدد سكان مصر البالغ 80 مليون نسمة يعيشون على اقل من دولارين في اليوم.
لقد بدأ مبارك عهده ببعض الإنجازات لكنه سرعان ما أطبق على الحقوق والحريات والثروة واضعف المؤسسات واحل اللصوص وزعماء العصابات والبلاطجة مكان الشرفاء والوطنيين، وتحولت الانتخابات التي كانت نزيهة بعض الشيء في ثمانينيات القرن العشرين إلى انتخابات مزورة بالكامل في مطلع العقد الأول من القرن العشرين. وبينما كان الفرعون الفاقد لحواس السمع والبصر والذي حكم مصر بقانون الطوارئ يعد العدة لتقديم مصر كجارية لنجله وخلانه من عرابدة السياسة والاقتصاد اذ بمصر الحرة تفأجأه كما لم يخطر على باله في أسوأ كوابيسه.
مصير إمام اليمن
هناك نتيجة تتجاهلها السلطة والمعارضة في اليمن وهي انه ولأسباب كثيرة يطول شرحها سيؤدي سقوط نظام الفرعون في مصر إلى سقوط نظام إمام اليمن تلقائيا. وسقوط النظام هنا ليس المقصود به سقوط الفرد وصعود آخر لكنه سقوط الإيديولوجية والمنظومة الفكرية والثقافية والقيمية وسقوط هذه يعني سقوط كل شيء. ومن سوء حظ اليمن أن نظام الرئيس صالح قد قام على محاكاة ساذجة لأساليب الفرعون وهذه المحاكاة لها مترتباتها على النظام والبلاد.
وغير خاف على احد بان الشارع اليمني يعاني من حالة احتقان تفوق بكثير ما يعانيه أي شعب عربي آخر إذا ما تم استثناء الصومال والسودان. فالرئيس علي عبد الله صالح المولود عام 1942 والذي حكم اليمن قرابة 33 عاما قد ركز السلطة والثروة في أفراد أسرته وإخوانه وأنسابه وبحيث أصبحت "العصابة الحاكمة" كما يسميها الشعب اليمني تسيطر على الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية ومؤسسات المال والأعمال والجامعات. وقد أدت سياسات صالح إلى جر البلاد إلى ست حروب في صعدة والى ضرب الشعور بالوحدة الوطنية بين جزء هام من مكونات الشعب اليمني والى إثارة كافة أشكال النعرات بين أبناء الشعب اليمني.
وبينما كان صالح قد عقد العزم على التمديد والتأبيد للسلطة في أسرته مقتديا بالفرعون جاءت أحداث تونس ومصر لتمثل زلزالا فأجا الجميع وأصبح التوريث والتأبيد وتركيز السلطة والثروة في الأبناء والإخوة والأنساب حديث الناس. وتنامت وستتنامى بسرعة مطالب التغيير. وسيتطلب بقاء النظام الكثير من التضحيات والتنازلات التي من المستبعد أن يقدم عليها صالح الذي لا يوجد، ومثله في ذلك مثل مبارك، ما يدل على استيعابه لما يحدث، وستكون النتيجة سيئة سواء بالنسبة لصالح ونظامه أو بالنسبة للشعب اليمني. وما حدث يوم 3 فبراير، من خروج غير مسبوق لليمنيين ومن مطالبات برحيل صالح عن السلطة، لم يكن سوى رأس جبل الثلج الذي تنامى وسط محيط التناقضات اليمنية. ورغم أن صالح ما زال محظوظا من حيث امتلاكه لمعارضة رسمية مدمنة "حوار"، الإ ان ما حدث في مصر يؤكد أن الشعوب أقوى من الأنظمة والأحزاب وأن المعارضة غير الرسمية هي التي ستسقط الأنظمة العربية واحدا اثر الآخر. 
عن صحيفة اليقين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق