الأحد، 14 يوليو 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 16)

في يوم الخميس الثالث من سبتمبر 2015، غادر الملك سلمان ونجله محمد ولي-ولي العهد وزير الدفاع المملكة المغربية حيث كان ملك السعودية يقضي أجازته السنوية متوجهين إلى الولايات المتحدة الأمريكية  في أول زيارة رسمية  يقوم بها الملك منذ توليه السلطة. وجاءت الزيارة بعد أن قام ملك السعودية بابعاد الكثير من المحسوبين على سلفه الملك عبد الله ومعظمهم كانوا مقربين من الإدارة الأمريكية.

وذكرت تقارير إعلامية نشرت قبل الزيارة وأثنائها بان الملك سلمان سيعقد لقاء قمة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتناول العديد من الملفات وفي مقدمتها  ملف الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وسبل تفعيل مقررات قمة "كامب ديفيد" الأمريكية الخليجية التي  عقدت في مايو 2015، وتخلف الملك سلمان حينها عن حضورها، وملفات اليمن وسوريا والحرب على القاعدة وداعش.



وقد أستأجر السعوديون، كما ذكرت وسائل إعلامية فندق الفور سيزونز في جورج تاون (احد أحياء العاصمة الأمريكية واشنطن)، بالكامل قبل وصول الملك ليكون مقرا لأقامته، وأعادوا تجديد الديكور ونشروا السجاد الأحمر في كل مكان وأضفوا مسحة ذهبية على كل شيء بما في ذلك المرايا ومعالق القبعات.

وفي حين حرص أوباما على أن تتم زيارة الملك سلمان قبل أن يبدأ  الكونجرس في مناقشة الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران، فقد ذكرت تقارير أن اوباما كان قد حشد بحلول الـ3 من سبتمبر 2015 دعم 38 عضوا في مجلس الشيوخ ما يعني أن تعبير السعوديين عن شكوكهم حول الاتفاق في الجلسات الخاصة أو العامة لم يعد يحمل الكثير من الأهمية.

وفي يوم الجمعة 4 سبتمبر 2015، وقبل ساعات فقط من استقبال الرئيس أوباما للملك سلمان ونجله محمد في البيت الأبيض لإقناعهم بأهمية الاتفاق النووي الذي أبرمته دول الخمسة زائدا واحد مع إيران، توالت الأنباء السيئة من أرض المعركة على ساكني فندق الفور سيزونز الواحد تلو الآخر.

مذبحة الإماراتيين

بدأ يوم الجمعة الـ4 من سبتمبر 2015 بإطلاق أطراف الداخل في اليمن صاروخا روسيا ارض-ارض من نوع توشكا على معسكر صافر بمحافظة مآرب والذي كان قد جهز حديثا لاستقبال قوات التحالف والقوات اليمنية الدائرة في فلكها، ويبدو أن الصاروخ قد أصاب مخزنا للأسلحة داخل المعسكر مما أدى إلى تفجرها. وقد قتل نتيجة ذلك العشرات من جنود حكومة المنفى ودول التحالف، واحرقت عشرات الآليات وعدد من طائرات الاباتشي.

وأعلنت رئاسة هيئة الأركان العامة في حكومة المنفى في البداية مقتل 33 جنديا يمنيا وإماراتيا في المعسكر نتيجة  انفجارات في مخزن للسلاح، فيما أعلنت الإمارات العربية المتحدة بشكل أولي مقتل 22 من جنودها بصاروخ ارض-ارض، ثم قامت بعد ذلك برفع عدد  القتلى إلى 44 جنديا، ولم تكن تلك هي الحصيلة النهائية. وكان مقتل أكثر من 50 جنديا إماراتيا يمثل أكبر صفعة تلقتها الإمارات في تاريخها، لكن مقتل ذلك العدد لم يحدث خللا سكانيا في النهاية، كما توقع البعض.

وفيما تضاربت الأنباء بشأن الكيفية التي قتل بها هذا العدد الكبير من الجنود، فقد سارع البرلمان العربي إلى نعي الجنود الإماراتيين الذين سقطوا في الهجوم في حين انه لم يكن حتى ذلك اليوم قد نعى الآلاف من المدنيين اليمنيين الذين قتلوا ظلما وعدوانا، وأتصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنظيره الإماراتي للتعزية، وكأن الجنود كانوا في رحلة سياحية إلى مدينة مآرب، وأعلن الأردن، بحكم علاقة النسب التي تجمعه بالإماراتيين، وقوفه إلى جانب الإمارات وتضامنه معها.  

وأعلنت الإمارات الحداد لمدة ثلاثة أيام، وأكدت أنها ستواصل ما وصفته بـ"دعم الشرعية" في اليمن رغم ما حدث، ومهما كان الثمن. وغرد محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي على تويتر قائلا "إن أبناء الإمارات ماضون في إزاحة الظلم والضيم عن إخوانهم في اليمن." وكان من الغريب أن يتحدث واحدا من عيال زايد عن إزاحة الظلم والضيم عن اليمنيين في حين أن تاريخهم كأسرة حاكمة يعج بالظلم والانتهاكات وباستغلال العمال الفقراء وقتلهم وتعذيبهم أحيانا حتى الموت.

لكن ما أعلنته الإمارات يومها شيء وما مارسته بعدها شيء آخر. فقد جاءت مذبحة الجنود الإماراتيين تحديدا في وقت كثر فيه الحديث عن خلافات سعودية إماراتية، ناهيك بالطبع عن خلافات الإمارات مع الإخوان المسلمين ومع دولة قطر. ولذلك أخذت الأطراف التي يفترض أنها تحارب في جبهة واحدة تتبادل التهم فيما بينها، وتلقي كل منها اللوم على الأخرى. وظن عيال زيد أن مقتل 50 من جنودهم يجعلهم أصحاب "مظلومية" ويعطيهم الحق في إدارة الأطراف اليمنية وخصوصا حكومة المنفى. ولما لم يبالي احد بتوقعاتهم، فقد شكوا في الجميع وحقدوا على الجميع بما في ذلك الرئيس اليمني السابق، وعملوا على الانتقام من الجميع.

وتؤكد مصادر أن محمد بن زايد اسر إلى بعض خلصائه بعد صعود بن سلمان إلى ولاية العهد أنه سيحول مدينة مآرب طال الزمن أو قصر إلى مقبرة للإخوان المسلمين في اليمن تماما مثلما حول حافظ الأسد مدينة "حماة" إلى مقبرة لإخوان سوريا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.   

مقتل سعوديين وبحرينيين

أعلنت أطراف الداخل اليمني في ذات اليوم القضاء على 16 من جنود العدو السعودي في كمين بالقرب من موقع مشعل الحدودي في السعودية. وقد أعلنت البحرين يومها مقتل 5 من جنودها على الحدود الجنوبية مع السعودية، بينما ذكرت إذاعة الرياض وبما يناقض الرواية البحرينية، بأن 5 من الجنود البحرينيين و10 من الجنود السعوديين قتلوا في محافظة مآرب اليمنية نتيجة، وهذا على خلاف الرواية الإماراتية، انفجار في مخزن للأسلحة يجري التحقيق في أسباب حدوثه. وأكدت الرواية البحرينية، التي من الواضح أنها كانت الرواية الصحيحة بحكم أن البحرين لم ترسل أي جنود إلى اليمن منذ بداية الحرب وحتى الآن، رواية أطراف الداخل بشأن الكمين الذي نفذوه بالقرب من موقع مشعل الحدودي.     

اقتحام الجعملاني
 
حققت قوات الجيش واللجان الشعبية (القوات الموالية لأطراف الداخل) في يوم 4 سبتمبر 2015 انتصارا ثالثا تمثل في اقتحام  معسكر الجعملاني في مديرية مكيراس بمحافظة البيضاء وإصابة واسر العديد من المقاتلين الموالين للتحالف. وقالت "وكالة يقين" التابعة للحوثيين (أنصار الله) أنه تم قتل 30 ممن وصفتهم بـ"الإرهابيين" واسر 10.  وكانت مواقع قد ذكرت في الـ2 من سبتمبر، أن القوات الموالية لأطراف الداخل قد تقدمت نحو معسكر الجعملاني شرق مديرية مكيراس من محورين وأن القوات الموالية للتحالف حاولت الالتفاف عليها، إلا أنها تصدت لتلك القوات وألحقت بها خسائر فادحة مما اضطرها إلى التراجع.

وانتهت قمة واشنطن بين ملك السعودية ونجله من جهة، والرئيس الأمريكي من جهة أخرى والتي ناقشت الاتفاق النووي مع إيران  والعديد من الملفات الأخرى باحتفاء إعلامي وتأكيد على تجديد التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية. ودعا العاهل السعودي  الرئيس الأمريكي أوباما إلى زيارة السعودية خلال عام 2016  لوضع اللمسات الأخيرة على الإستراتيجية التحالفية الجديدة بين السعودية والولايات المتحدة للقرن الواحد والعشرين.  ولوحظ أن الملك سلمان، وعلى عكس الدعايات والشائعات قد ظهر في الملاحظات التي أدلى بها الزعيمان بكامل قواه العقلية وفي غاية التركيز. كما أنه استقبل على هامش الزيارة في فندق الفور سيزونز اثنين من رؤوسا أمريكا السابقين وهم الجمهوري جورج دبليو بوش (بوش الأبن)، والديمقراطي بيل كلينتون.

وأشار البيان الصادر عن القمة بين الزعيمين، وهذا أهم ما فيه بالنسبة لأوباما، إلى أن السعودية تدعم الاتفاق النووي مع إيران. وكان هذا الموقف يقوي بشكل أو بآخر موقف الرئيس أوباما في مواجهة الكونجرس حتى وأن كان قد سرب قبل لقاء القمة بأنه قد ضمن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ إلى جانبه مما يجعله قادرا على تعطيل أي اعتراض يبديه الكونجرس على الاتفاق.

وبالنسبة للملف اليمني فلم يظهر الجانبان أي تناقض في المواقف. وتضمن البيان الصادر عن القمة،  فيما يتصل بالحرب على اليمن، ما يمكن اعتباره النواة التي بني عليها اتفاق ستوكهولم الذي سيتم توقيعه في نهاية عام 2018:

"وفي الشأن اليمني، أكد الجانبان على ضرورة الوصول إلى حل سياسي في إطار المبادرة الخليجية ونتائج الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 وابداء الزعيمان قلقهما من الوضع الانساني في اليمن، واكد خادم الحرمين الشريفين التزام المملكة العربية السعودية بتقديم المساعدة للشعب اليمني والعمل مع أعضاء التحالف والشركاء الدوليين بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة للسماح بوصول المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة وشركائها بما في ذلك الوقود للمتضررين في اليمن والعمل على فتح الموانئ اليمنية على البحر الأحمر لتشغيلها تحت إشراف الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الواردة من الأمم المتحدة وشركائها، ووافق الزعيمان على دعم ومساندة الجهود الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة."

وبينما توجه رئيس حكومة المنفى هادي من مقر إقامته في الرياض في يوم 5 سبتمبر     2015 إلى ابو ظبي لتقديم واجب العزاء، فقد أعفى الملك سلمان في 10 سبتمبر سعد بن خالد الجبري من موقعه كوزير دولة، وهو الموقع الذي عين فيه  في 24  يناير من ذات العام. وذكر المغرد السعودي الشهير مجتهد أن الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي في ذلك الوقت، كان يعتمد على الجبري في تسيير 80% من أعمال وزارة الداخلية، وأن الجبري كان مسئولا عن ملف الاستخبارات فيما يخص اليمن.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق