الثلاثاء، 9 يوليو 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 15)



في ظل تنامي أزمة النازحين السوريين وأزمة اللجوء بشكل عام وبلوغ الحملة الإعلامية حول اللاجئين السوريين ذروتها في مطلع شهر سبتمبر 2015 ، وجهت بعض وسائل الإعلام سهام اللوم بشأن مآسي اللاجئين السوريين إلى السعودية ودول الخليج ليس فقط لأنها دول غنية، بل أيضا لأنها لعبت أدوارا هامة في ظهور واستمرار الصراعات في المنطقة. وفي سياق هذا التأطير الإعلامي للمأساة (إلقاء اللوم على السعودية ودول الخليج)،   كتب الصحفي البريطاني من أصل فلسطيني عبد الباري عطوان على موقع "رأي اليوم" الذي يرأس تحريره:

"انهار من الحبر والدموع تتدفق هذه الأيام تباكيا على مأساة اللاجئين السوريين الذين يركبون البحر والشاحنات المبردة بحثا عن البقاء، وليس حياة كريمة، بعد أن تآمرت قوى عديدة، داخلية وخارجية، بحسن نية أو سوئها، على تدمير بلادهم، وقتل مئات الآلاف منهم.
المفارقة الكبرى أن الدول العربية، والخليجية منها بالذات، التي صدعت رؤوسنا عبر إمبراطورياتها الإعلامية والتلفزيونية الجبارة بدعمها للشعب السوري، وحرصها على تحريره من الطاغية، وتوفير الاستقرار والرخاء له، وتنفق مليارات الدولارات على تسليح معارضته، هذه الدول لم تستقبل لاجئا سوريا واحدا، وأغلقت حدودها في وجههم، وأشاحت بوجهها إلى الناحية الأخرى."  


وبعد أن يقارن بين مواقف الدول العربية المعدمة والدول الأوروبية الكافرة التي يرى أنها تفتح أبوابها للاجئين السوريين من جهة، وبين مواقف الدول الخليجية المتخمة والتي يؤمن حكامها وشعوبها بالإسلام، وتغلق أبوابها أمام النازحين السوريين، من جهة ثانية، يتوقف  عطوان عند ما حدث للنازحين في مخيم الزعتري في الأردن، فيقول:

"من زار مخيم الزعتري في الأردن في بداية أزمة تدفق المهاجرين السوريين عبر الحدود بحثا عن الأمان من القصف، سمع قصصا مرعبة عن الذئاب الهرمة، المتخمة جيوبها بالمال، التي كانت تحوم حول المخيم مع سماسرة اللحم البشري بحثا عن فتاة قاصر لشرائها، بغرض متعة محرمة بلباس شرعي مزور، وهناك العشرات من التقارير والأفلام الوثائقية التي تؤكد ما نقول.
حولوا الصبايا السوريات إلى سبايا، بينما حكوماتهم تشارك بالمجازر وتصب الزيت على نار الأزمة، ليس حرصا على الشعب السوري، مثلما تدعي، وإنما للثأر وإشفاء الأحقاد من رئيس سوري وصفهم بأشباه الرجال لتقصيرهم في مواجهة مشاريع الهيمنة الخارجية الذي ثبت بالدليل أنهم طرف رئيسي في تسهيلها وتمريرها، ولتورطهم في مخططات تفتيت هذه الأمة وتقسيمها على أسس طائفية تحت ذرائع متعددة."

وبعد استدعاء عددا من صور المعاناة التي يلقاها النازحون السوريون في محاولاتهم الحصول على ملجأ آمن في أوروبا، يكتب عطوان متسائلا عن سر سلبية علماء الدين الذين كانوا قد أصدروا فتاوي تنتصر للسوريين وتدعو للجهاد في وجه النظام، عندما يتعلق الأمر بالفظائع التي يتعرض لها النازحون السوريون، وعن السبب في امتناعهم عن إصدار فتاوي تلزم دول الخليج بإيواء النازحين:
  
"توقعنا، وبعد أن شاهدنا أطفال سوريا وأمهاتهم جثثا تقذفهم أمواج البحر، أو أشلاء متحللة في شاحنات مجمدة، أو حرائر تتسول المرور عبر البوابات الأوروبية، توقعنا أن نسمع أو نقرأ فتاوى لشيوخنا الأفاضل مثل القرضاوي والعريفي والسديس والعودة والعرعور تلزم الدول التي يقيمون فيها بإيواء هؤلاء الضحايا، وتنتصر لهم ولمعاناتهم، مثلما انتصروا لهم في وجه النظام، ودعوا إلى الجهاد من اجل إنقاذهم، ولكن هؤلاء صمتوا صمت القبور، وما زالوا، فلماذا لا يطالبون السعودية وقطر والإمارات والكويت بنجدة هؤلاء؟ أليسوا مسلمين؟ أليسوا من أبناء المذهب السني؟" 

وفي الـ7 من سبتمبر 2015، وجهت سارة حشاش الصحفية بالبرنامج الإعلامي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية انتقادات لدول الخليج الغنية لا تختلف كثيرا في مضمونها عن ما ورد في مقال عطوان، ورأت أن موقف دول الخليج تجاه اللاجئين "شائن تماما." ونشرت رويترز في 8 سبتمبر 2015 تقريرا كتبه الصحفي محمد طاهر بعنوان "لماذا توصد دول الخليج أبوابها في وجه اللاجئين السوريين؟" وتساءل فيه عن السر في "تدفق اللاجئين السوريين غربا" وانقطاع طرقهم بشكل تام "شرقا" نحو دول الخليج الغنية.  

ويقتبس تقرير رويترز عن عبد الله العذبة رئيس تحرير صحيفة العرب القطرية قوله، في تبرير لموقف قطر من اللاجئين، أن قطر بلد صغير ولا يستطيع استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين لأسباب وصفها باللوجستية، لكنها تقدم الدعم المالي للاجئين في تركيا والأردن وشمال العراق. أما عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي الإماراتي المتخصص في العلوم السياسية، فقد برر موقف بلاده بالإشارة إلى أن 90% من المقيمين في بلاده هم من الأجانب، ولعله يعني أن نصف مليون سوري مثلا يمكن أن يحدثوا خللا في التركيبة السكانية ويحولوا الإماراتيين إلى أقلية في بلادهم. وقدم الكويتي فهد الشليمي تبريرا سمجا لسياسة بلاده يخلط بين "اللجوء" و"السياحة" حيث ذكر أن اللاجئين السوريين يعانون من "مشاكل عصبية ونفسية" وأن ارتفاع تكلفة المعيشة في الكويت يجعل من الصعب على اللاجئين العيش فيها.  

وفي 11 سبتمبر 2015، تناقلت وسائل إعلام تصريحات نسبت إلى مسئول في وزارة الخارجية السعودية يرد بها على الانتقادات الموجهة لبلاده بشأن موقفها من اللاجئين السوريين، وكان ابرز ما جاء في تلك التصريحات ما يلي:  

-"المملكة العربية السعودية لم تكن ترغب في الحديث عن جهودها في دعم الأشقاء السوريين في محنتهم الطاحنة، لأنها ومنذ بداية الأزمة تعاملت مع هذا الموضوع من منطلقات دينية وإنسانية بحتة، وليس لغرض التباهي أو الاستعراض الإعلامي، إلا أنها رأت بأهمية توضيح هذه الجهود بالحقائق والأرقام، رداً على التقارير الإعلامية وما تضمنته من اتهامات خاطئة ومضللة عن المملكة."
-"استقبلت المملكة منذ اندلاع الأزمة في سوريا ما يقارب المليونين ونصف المليون مواطن سوري، حرصت على عدم التعامل معهم كلاجئين، أو تضعهم في معسكرات لجوء، حفاظاً على كرامتهم وسلامتهم، ومنحتهم حرية الحركة التامة."
- "منحت المملكة لمن أراد البقاء منهم في المملكة، الذين يبلغون مئات الألوف، الإقامة النظامية أسوة ببقية المقيمين، بكل ما يترتب عليها من حقوق في الرعاية الصحية المجانية والانخراط في سوق العمل والتعليم، حيث تجلى ذلك بوضوح في الأمر الملكي الصادر في عام 2012."
- "جهود المملكة لم تقتصر على استقبال واستضافة الأشقاء السوريين بعد مأساتهم الإنسانية في بلدهم، بل وامتدت جهودها لتشمل دعم ورعاية الملايين من السوريين اللاجئين إلى الدول المجاورة لوطنهم في كل من الأردن ولبنان وغيرها من الدول."
- الجهود شملت تقديم المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع حكومات الدول المضيفة لهم، وكذلك مع منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية، سواء من خلال الدعم المادي أو العيني."

ولم تكن التصريحات السعودية لتنجح في إقناع النقاد حتى وإن بدأت باستحضار تعبيرات عاطفية مثل "الأشقاء السوريين"، "منطلقات دينية وإنسانية بحتة." أما زهد التصريحات بـ"التباهي" و"الاستعراض الإعلامي" فقد جاء مناقضا ليس فقط للأنماط السلوكية المطبقة في السياسة الخارجية السعودية، ولكن أيضا لفكرة التصريحات ذاتها والأسلوب الذي اتبع في صياغتها.

وقد سارعت منظمة العفو الدولية إلى الرد على التصريحات السعودية بالتشكيك في الأرقام التي أوردتها التصريحات والتأكيد على أنه لا يوجد طريقة يمكن بها التيقن من مصداقية تلك الأرقام. وكانت المنظمة محقة تماما في هذه النقطة لأن رقم الـ2.5 مليون سوري كان مبالغا به إلى حد كبير. وبالمثل، فان الحديث عن استيعاب مئات الآلاف من السوريين في سوق العمل السعودي لم يخلو من تهويل.  وذهبت المنظمة في تبرير عدم قدرتها على التأكد من صحة الأرقام التي أوردتها الخارجية السعودية، دون أن يجانبها الصواب، إلى أن المملكة لا تسمح  للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان بدخول أراضيها، ولا تجيب حتى على الاستفسارات وطلبات المعلومات التي ترسلها إليها تلك المنظمات.

وهناك من رأى بأن منح المملكة حق الإقامة للنازحين السوريين كعمال أجانب يجعلهم عرضة للطرد في أي وقت، وذلك بعكس إضفاء وضع اللاجئين عليهم، والذي يجعل من الصعب على الحكومة السعودية  طردهم   قبل أن تستقر الأوضاع في بلادهم. وقد أثبتت الأيام صحة هذا النقد ونفاذ بصيرته. فسرعان ما بدأت المملكة، وإن بأساليب ملتوية، بطرد السوريين واليمنيين وغيرهم عن طريق فرض ضريبة "الرؤوس" على المرافقين وسياسة "السعودة" لبعض القطاعات، ثم أوقفت الحكومة السعودية قبول أبناء السوريين واليمنيين ممن قدموا إلى المملكة بسبب الحروب في بلادهم في المدارس والجامعات السعودية العامة، وانتهى الأمر  بحرمان النازحين إلى السعودية من اليمنيين والسوريين من أي خدمات مجانية.  

وكان طرد السعودية لعشرات الآلاف من المغتربين اليمنيين عن طريق سياسات التضييق المختلفة وبالتزامن مع الحرب التي تشنها على بلادهم والحصار البري والبحري والجوي الخانق الذي تفرضه عليهم حدثا كاشفا لتناقضات السياسة الخارجية السعودية ولمقدار النفاق الذي تنطوي عليه.  وبينما أدعت السعودية، وما زالت تدعي حتى اليوم، أنها تشن حربا على اليمن استجابة لطلب من "الحكومة الشرعية"، فإن تلك الحكومة ذاتها قد طالبت القيادة السعودية مرارا وتكرارا باستثناء اليمنيين من السياسات الدراكولية القاتلة التي تفرضها على الأجانب تقديرا للظروف الاستثنائية التي أوجدتها الحرب  وما ترتب عليها من انهيار اقتصادي، لكن السعودية المستعدة بطريقة عجيبة لإنفاق مئات المليارات على عمليات قتل اليمنيين وتدمير بلادهم وفرض الحصار عليهم، لم تكن مستعدة في المقابل لأن تستثني اليمنيين المغتربين فيها من سياسات التضييق والتطفيش والطرد.  

وصحيح أن السعودية تبرعت لوكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى التي تعني بالسوريين وخصوصا في عهد الملك عبد الله غير أن مثل تلك التبرعات التي كانت تصل أحيانا  إلى مئات الملايين من الدولارات كانت تهدف في الأساس إلى الدعاية الإعلامية رغم ادعاء السعودية زهدها في هذا الجانب، وبناء النفوذ للسعودية وحلفائها داخل تلك المنظمات والوكالات، وشراء المواقف واستخدام تلك المنظمات كقنوات للحصول على المعلومات، وفي النهاية لم يكن يصل للاجئين السوريين في نهاية المطاف سوى الفتات.        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق