الثلاثاء، 29 يناير 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 3)



ظلت الخلافات في صفوف حكومة المنفى تتفاقم منذ منتصف ابريل 2015 دون أن تخرج من الدوائر الضيقة إلا على شكل شائعات أو تسريبات يثور حولها الكثير من الشكوك. وبينما تجاوز هادي اللواء الركن علي محسن الاحمر في تعيين نائب الرئيس، أنتظر الكثيرون أن يعينه رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش أو وزيرا للدفاع خصوصا وأن المنصب الأخير قد ظل شاغرا منذ اسر الحوثيين في 25 مارس 2015  اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع في حكومة التكنوقراط التي شكلها خالد بحاح في أواخر عام 2014. وتلاشت آمال المناصرين للأحمر بعد أن اصدر هادي قرارا في 3 مايو 2015، عين بموجبه اللواء الركن محمد علي المقدشي المدعوم من امريكا رئيسا للهيئة العامة لأركان الجيش.  

وفي 9 مايو 2015 نشر الدكتور القطري محمد المسفر مقالا تناقلته الكثير من المواقع بعنوان "كنت في الرياض مع الهم اليمني" تحدث فيه عن رحلة قام بها إلى العاصمة السعودية الرياض ومناطق أخرى في المملكة، والتقى خلالها عددا من القيادات اليمنية النازحة إلى السعودية ومنهم اللواء الركن علي محسن الأحمر.  وكشف  مقال المسفر، في ما اعتبر سابقة، صحة ما كان يتردد، وعلى خلاف ما كان يعتقد علي عبد الله صالح الرفيق اللدود لمحسن، بأن محسن ليس الفاعل الرئيس ولا حتى من ضمن الفاعلين الرئيسيين.



يقول المسفر الذي من الواضح انه احد المعجبين بمحسن، وقد بينت التطورات اللاحقة أن إعجابه به لم يكن في محله، أو على الأقل قد كان مبالغا به إلى حد كبير:

"سوف أذكر شخصية ممن التقيت بهم في الرياض من الإخوة اليمنيين والذي أعاد لي توازني بعد يأس من حوارات جرت مع البعض في الفندق الذي أسكنه، إنه الجنرال علي محسن، ذلك العسكري الصلب صاحب النظرة الثاقبة وصاحب العزم الذي لا ينكسر، قاد أكثر من ثماني حروب يمنية ــ يمنية لم يعرف الهزيمة فيها، وواحدة كانت هزيمته الوحيدة وكانت نتيجة خيانة القيادة السياسية في صنعاء ولا غيرها. كان يشرح لي طبوغرافية الحدود السعودية اليمنية وكأنه راسم كنتوراتها الطبوغرافية. يعرف اليمن من شماله إلى جنوبه كما يعرف طبوغرافيته بجباله وسفوحه ووديانه وسواحله، يعرف نقاط الضعف والقوة في تلك الشواطئ التي يمكن أن تكون ملاذات ومنافذ المهربين إلى اليمن ومنه للسعودية (مهربي السلاح، والمرتزقة، والمخدرات، وغير ذلك)، عف اللسان، لم يتطاول على غيره كما يفعل الآخرون."

وقد حاول المسفر من خلال المقال تسويق محسن كرجل عسكري خبير في طبوغرافيا اليمن، مهملا في ذات الوقت طبوغرافيا الأزمة السياسية اليمنية والأدوار التي تلعبها القوى الإقليمية والدولية، رغم أن العوامل الأخيرة لا تقل أهمية عن الأولى إن لم تزد عليها في صياغة المشهد اليمني. 
  
ثم ينقل المسفر بعد ذلك حوارا دار بينه وبين الأحمر على النحو التالي:

"قلت: لماذا لا تكون في الميدان مع جندك الذين عهدتهم وتقود عملية تحرير المدن الجنوبية؟ قال: أتمنى ذلك وفي أسرع وقت، وأنا على استعداد هذه الليلة أن أذهب إلى ميدان المعركة وسوف يكون النصر بإذن الله لنا.
قلت: وما المانع؟ قال: أنا ضيف ووضعت كل أمري وحياتي تحت تصرف المضيف.
قلت: هناك وشايات تحاك ضدك، قال: أعلم ذلك علم اليقين، ولكن صدقني بالله وملائكته وكتبه ورسله أني بريء من كل ما يقال، لكن لعل إخوة لنا لا يرغبون في أي دور أؤديه اليوم نتيجة وشايات وأحقاد ونميمة.
سألته ولماذا لا تتصل بالقيادة المضيفة لكم جميعا وتشرح الحال؟ قال: هنا قيادة يمنية رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء نائب الرئيس وهو من الناس الطيبين والممتازين ولا أسمح لنفسي أن أتجاوزهم، نائب الرئيس السيد بحاح رجل صادق ويحسن الظن بالكثير من الناس، عف اللسان حتى الحوثيين الذين اعتقلوه وآذوه يكنيهم عند ذكرهم بالإخوة الحوثيين وهو يعلم ما يفعلونه باليمن، إنه نقي لم يتلوث بألاعيب بعض الساسة اليمنيين لكونه عاش طويلا خارج اليمن. إني أدعو له من كل قلبي بالنجاح من أجل اليمن، وإني أعلن وقوفي معه في أي مهمة ميدانية يوكلني بها من أجل إنقاذ اليمن مما هو فيه اليوم."

ويبدو أن المسفر لم يفطن إلى اللغة المراوغة التي استخدمها محسن في إطراء نائب الرئيس-رئيس الوزراء خالد بحاح، أو أنه كان يؤدي دورا محدد مسبقا في مقاله. فوصف الأحمر لبحاح بأنه "رجل صادق ويحسن الظن بالكثير من الناس" قد أراد به القول أن "بحاح غر ينقصه الخبرة السياسية"، وقد أثبتت التطورات اللاحقة بأن الأحمر كان مصيبا ودقيقا في هذا الجانب.  أما قول الأحمر بأن بحاح "عف اللسان حتى الحوثيين الذين اعتقلوه وآذوه يكنيهم عند ذكرهم بالإخوة الحوثيين وهو يعلم ما يفعلونه باليمن" فقد أرد من خلاله القول أن بحاح موال للحوثيين أو على الأقل متعاطف معهم.   

ويخلص  المسفر في نهاية المقال إلى تعميم حول محسن على النحو التالي:

" الجنرال علي محسن الأحمر قائد عسكر(ي) فذ يعرف مداخل اليمن ومخارجه صاحب تجربة ميدانية مشهود لها بالإنجاز، ونائب الرئيس خالد بحاح يحتاج إلى رجال أمثال الجنرال الأحمر اقتداء بقول ابن خلدون، الحاكم يحتاج إلى رجلين، حامل السيف وحامل القلم، فهل يقدم بحاح ويجعل حوله رجل القوة ورجل الحكمة أتمنى ذلك."

وفيما يتصل بهادي، فإن المسفر يكتفي بكتابة نصف جملة تشكل وصمة في تاريخ هادي المليء بالوصمات في أوله ووسطه , وآخره. وقد جاء في نصف تلك الجملة بغض النظر عن مدى عدالتها ما يلي:   

"(أما) عبد ربه هادي لا رهان عليه فاليمن يحترق وهو صامت كصمت أبي الهول أو أشد من صمت القبور، فهل يتقدم بحاح برفع الصوت ليسمعه الشعب اليمني في هذه المحنة الرهيبة؟"

وتكمن أهمية مقال المسفر في أنه يلقي الضوء، رغم قصره، على التوتر السائد في علاقات ثلاثة أطراف يمنية تشكل حكومة المنفى وهي: هادي، الأحمر، وبحاح، وإن كان الطرف الثاني لا يتولى أي منصب. كما أن المقال قد عكس بشكل واضح التوزيع النسبي للقوة بين بحاح من جهة وهادي من جهة ثانية. ورغم أن المقال يغفل الدورين السعودي والأمريكي  في الصراع الدائر والتوزيع المختل للسلطة والقوة إلا أن المرجح أنه يفعل ذلك عن قصد.   

ولم يؤد مقال المسفر إلى حدوث التغيير الذي ربما انتظر البعض حدوثه، ذلك لأن توزيع السلطة والقوة بين بحاح وهادي كان يمثل انعكاسا امينا لهيمنة ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما المطلقة على القرارين السعودي واليمني خلال تلك المرحلة.  

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق