السبت، 12 يناير 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 1)

في الـ2 من ابريل 2015، وقعت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مضافا إليها ألمانيا والتي تعرف بدول الـ5+1 من جهة ، والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية، في مدينة لوزان السويسرية على الاتفاق الإطاري العام حول البرنامج النووي الإيراني. وفي ذات اليوم، وفيما بدا على أنه احد جوانب الرد السعودي على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي تتزعم المفاوضات مع إيران، أصدرت الأمانة العامة في حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يضم حركة الإخوان المسلمين وأنصارها، بيانا يؤيد التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن والذي كان قد بدأ في الـ26 من مارس 2015.

أما الردود السعودية الأخرى والتي وقعت في اليوم ذاته، فقد تمثلت في استيلاء عناصر تنظيم القاعدة الارهابي على مدينة المكلا، وانشقاق احمد عبيد بن دغر نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، عن الرئيس السابق والتحاقه بحكومة المنفى.    


   
وفي 14 يوليو 2015، وقعت إيران ودول الـ5+1، اتفاقا نهائيا بشأن البرنامج النووي الإيراني.  وشهدت السعودية، التي تصنف حركة الإخوان المسلمين منذ مارس 2014 كجماعة إرهابية، خلال الأيام التالية لتوقيع الاتفاق حول نووي إيران، عددا من التطورات غير المألوفة التي يعتقد أنها جاءت كرد فعل رسمي سعودي على الاتفاق، وإن اتخذت من حيث الشكل طابعا ضمنيا.

ففي يومي 15، و16 يوليو 2015، قام خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (إخوان مسلمين)، على رأس وفد رفيع،  بزيارة مفاجأة للسعودية لأداء العمرة  وتهنئة خادم الحرمين، وولي عهده، وولي ولي العهد بعيد الفطر.

وتمكن الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان في اليمن والقيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمين)، بفضل التطورات الدولية، من مغادرة مخبأه في مدينة تعز اليمنية مع أفراد أسرته والوصول إلى السعودية عبر منفذ الوديعة في 17 يوليو بعد أن تجاوز كما ذكرت وسائل الإعلام حينها 31 نقطة للحوثيين دون اكتشاف أمره. وعد ما قام به الزنداني معجزة أخرى لا تقل في أهميتها عن معجزة اكتشافه علاجا لمرض الإيدز. 

وانعكس التقارب المفاجئ بعد طول جفاء  بين السعودية من جهة، وحركة الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية من جهة ثانية، والموجه أساسا إلى الأمريكيين، على شكل توتر كبير في العلاقات السعودية المصرية نتيجة لحساسية وضع نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية والذي قاد انقلابا دمويا ضد الإخوان في منتصف عام 2013 وأطاح بالرئيس الإخواني المنتخب، وبدأ يطبق برنامجا مشابها في بعض أوجهه لما طبقه كمال أتاتورك في تركيا في مرحلة ما بعد انتهاء الخلافة العثمانية.

وفي مؤشر على ذلك التوتر، نشرت صحيفة السفير اللبنانية في 21 يوليو مقابلة مع  الصحفي والمؤلف المصري الراحل محمد حسنين هيكل المقرب من الأمريكيين ومن الرئيس المصري، هاجم فيها السعودية، ودول الخليج، وكال المديح لإيران، ولوح  بإمكانية قيام تحالف مصري إيراني في مواجهة السعودية رغم الضغوط التي تمارسها بعض الدول، التي لم يسمها لمنع التقارب بين مصر وإيران. وكان أهم ما قاله في المقابلة ما يلي:

"(...) المعركة تدور حالياً في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران. والرئيس السيسي يستمع ويهتم ولكن هناك محاولات لكي لا يحصل التقارب أو الانفتاح. الدول القوية قد تقوم ببعض الأشياء التي تستسهل أن تقدم عليها هي، ولكن لا تسمح لك أن تفعلها أنت. فهي قد تسمح لبعض الدول التي يمكن ان تسيطر عليها ان تقدم على ذلك، ولكن ان تقوم بها أنت، ثم غيرك، ثم ثالث ورابع وتكر السبحة، فهذا لن يكون مقبولا."

وقد أراد هيكل أن يقول من خلال المقطع السابق أن أمريكا تمارس ضغوطا على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمنع انفتاحه على إيران لأن مصر دولة قوية ولها مكانتها، وأن أمريكا قد تسمح للدول الصغيرة مثل الإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان (وربما أراد العراق أيضا) بالتقارب مع إيران لأنها تسيطر عليها تماما ولا تخش بالتالي من أي مترتبات يمكن أن تنتج عن تقارب تلك الدول مع إيران.  ويتابع هيكل:

"(...) الموقف الأميركي يهتم بإيران أكثر من اهتمامه بما حولها. إيران مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضارة طويلة وقوة (...) هناك حقائق في الجغرافيا، فالسعودية تهيمن على الخليج وهناك إيران وتأثير الهند وباكستان، ولكن لإيران التأثير الأكبر في المنطقة."

وفي هذا المقطع يتحدث هيكل عن الاهتمام الأمريكي بإيران النابع من وجهة نظره، من كونها "دولة حقيقية"، ذات عمق تاريخي وحضاري، مقارنة، وإن كان لم يقل ذلك صراحة، بدول الخليج، التي رسمها الانجليز كخطوط على الرمال، أو عملوا على تجميعها على عجل عن طريق الضم والإلحاق دون أن يعملوا على دمجها لتكون "دولا." وما يؤخذ على هيكل في المقطع السابق هو "التعميم" في الصياغة في حين أن الحكم لا ينطبق سوى على فترة الرئيس الأمريكي باراك اوباما التي اهتمت بإيران بالمعنى الايجابي.  ويمضي هيكل فيقول:      

"نقاط الارتكاز (...) في المنطقة هي تركيا إلى حد ما وإيران إلى حد ما والهند إلى حد ما. أما باكستان فلديها مشاكل كثيرة وخطيرة. أما الدول العربية، فمصر مشغولة  ولا يوجد هناك تحالف عربي يمكن ان يحل محلها في الدور الذي يمكن ان تلعبه، والسعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة. وإذا عدنا إلى أساس الموضوع فالسعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها. أما البدائل فلا بدائل! ولا أحد عنده سلطة تخوله ان يكون البديل. هناك مشكلة حقيقية وهذا هو ما يبقي السعودية. الجيش يتحكم به (...) أمراء الأسرة. هم أذكياء إلى درجة ان الوحدات الرئيسية في الجيش هي بقيادة أمراء. هل هناك من يملك المصداقية المطلوبة؟ لا أدري. كلهم يتساوون ولا أحد يظهر انه البديل، حالة الصراع الموجودة هي مع البرجوازية الناشئة."

ويبدو هيكل في المقطع السابق أقرب إلى الموضوعية وأكثر بعدا عن الشوفينية الوطنية سواء في تقييمه للدول المهمة في المنطقة أو في توصيفه للدور السعودي والخليجي، وقد كان هيكل محقا بدرجة كبيرة  في قوله أن السعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة. كما كان محقا بذات القدر في حديثه عن مأزق السعودية.  وينتقل هيكل بعد ذلك للمقارنة بين التدخل المصري في اليمن في ستينيات القرن العشرين والتدخل السعودي في اليمن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، فيقول:    

"سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن. عندما تدخّل عبد الناصر هناك كان يساعد حركة تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقة لها، أما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن ولقد استولوا على محافظتين فيها. اليمن مرهق وسترهق السعودية حتماً في دخولها في حرب مع اليمن ولكنها حذرة جداً. فالقبائل يعرف بعضها بعضاً جيداً. ولن يتوغل السعوديون في الداخل اليمني سيواصلون الضرب من الخارج. وهم يعرفون المصائب الموجودة هناك.
السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي، ولكن يمكنها أن تشكو الى الأميركيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم. الاماراتيون اتخذوا موقفا ايجابياً حتى الآن. ثم انه علينا ان ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنة. كلهم يتساوون في الخوف من إيران، وقد قامت دول الخليج بالتحريض على إيران في الفترة الأخيرة والتشكيك في نياتها."

ورد الصحفي السعودي خالد الدخيل، المقرب أيضا من الأسرة الحاكمة في السعودية ومن الأمريكيين،  على هيكل مؤكدا أن السعودية تسعى للحفاظ على أمن واستقرار مصر وتخشى أن الحل الأمني (في إشارة إلى الطريقة التي يتعامل بها السيسي مع الإخوان) قد يقود إلى سقوط مصر بعد العراق وسوريا. وقال الدخيل أن السعودية ترفض الحل الأمني والإقصاء  كما ترفض الإرهاب أيضا  وأنها مع استقرار مصر وتسعى الى تحقيق مصالحة  ووقف الإعمال الدموية وليست ضد السيسي. وحول الإخوان، قال الدخيل، في تغيير واضح في الموقف السعودي منهم، أن السعودية لا ترى ضرورة للصدام معهم. 

وبشأن قيادة العالم العربي، قال الدخيل أن المسالة فرضت على السعودية مع انهيار سوريا والعراق والاضطرابات، في مصر وأكد أنه لا يوجد أي بلد عربي قادر على أن يتصدى بمفرده للقضايا العربية، وأن السعودية بحاجة إلى مصر لكن مصر ما زالت "مترددة."

وفي 31 يوليو 2015  نشرت صحيفة النيويورك تايمز على موقعها مقالا يذهب كاتبه إلى أن سعي السعودية للتحالف مع الجماعات السنية المعتدلة في العالم العربي (يقصد الإخوان المسلمين)  يمكن أن يخلق الثنائية القطبية ذات الطابع الطائفي  وهو ما سيجعل الولايات المتحدة ودول الغرب تنأى بنفسها عن صراع مثل هذا، لكن المقال لم يقدم للسعودية بديلا عن الإخوان للتحالف معه في مواجهة إيران، ولم يتطرق كذلك لاحتمال أن تتحالف السعودية أيضا مع الجماعات الشيعية كما فعل صدام حسين في حربه مع إيران.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق