الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

تحالف الحراك والقاعدة..كيف يمكن فهمه؟

افترض المحللون، ومنهم كاتب هذه السطور، خلال السنوات الماضية  اعتمادا على فرضية ليبرالية الجنوب (بفعل تأثير الإستعمار البريطاني) وتقدميته (تأثير النظام الإشتراكي الذي حكم جنوب اليمن لقرابة 20 عاما)  أن قيام تحالف بين عناصر الحراك من جهة والقاعدة من جهة أخرى أمر بعيد الإحتمال نظرا لإنتماء عناصر الحراك الى اليسار بينما تقع القاعدة في اقصى اليمين.

لكن التطورات تعكس بشكل متزايد: 

أ. وجود تحالف بين عناصر الحراك وجماعات القاعدة؛ 

ب.  ان الحراك بشكل عام يتجه بشكل متزايد نحو اليمين في مؤشر على ان اي دولة تقوم في جنوب اليمن كنتيجة لجهود الحراك لن تكون سوى دولة تسيطر عليها جماعات دينية متشددة.  

ومن وجهة نظر كاتب هذا التحليل، فإن هناك العديد من العوامل التي تفسر مايحدث بعضها يرتبط باحداث العقدين الماضيين والبعض الآخر يرتبط بتاريخ الجنوب.

أولا، ان تأثير الإستعمار البريطاني  (1839-1967) على جنوب اليمن كان في الواقع محدودا من حيث نطاقه الجغرافي، وعمقه الإجتماعي. فعلى مستوى الجغرافيا فقد ركز البريطانيون وجودهم في عدن، وعلى عكس  السياسات التي تبناها الإستعمار الفرنسي في شمال افريقيا ومحاولته "فرنسة" المجتمعات فان الإستعمار البريطاني كان يركز على  تحقيق مصالحه ولا يوجد ما يؤكد على انه كان لديه سياسة لإحداث تغيير ثقافي في المجتمعات التي استعمرها. ولذلك فأن التأثير الثقافي للبريطانيين لم يقتصر فقط على عدن لكنه وداخل عدن ذاتها اقتصر على بعض الأسر وهو ما يعني ان المجتمع الجنوبي ورغم انفتاحه على العالم مقارنة بمجتمع الشمال ظل شديد التقليدية.

 ثانيا، لم  يختلف حكم الإشتراكيين لجنوب اليمن  من حيث سطحيته ومحدوديته عن الحكم البريطاني. فقد اقتصر تأثير النظام الإشتراكي بشكل اساسي على مدينة عدن وداخل عدن ذاتها على كوادر الحزب. 

ثالثا، لم يحظ الحكم الإشتراكي لجنوب اليمن والذي لم يدم سوى قرابة 20 عاما باي تأييد شعبي حقيقي شأنه في ذلك شأن الكثير من الأنظمة اليسارية التي ظهرت خلال فترة الحرب الباردة،  ولم يتمكن الحزب الإشتراكي حينها من تحقيق اي تغلغل داخل المجتمع وهو ما جعل النخبة الحاكمة في الجنوب كما يذهب الى ذلك الكثير من الباحثين منفصلة عن المجتمع. وقد بدا ذلك الإنفصال واضحا خلال حرب عام 1986 وكذلك خلال حرب عام 1994وهو ما يفسر الحسم السريع للحربين.

رابعا، واجه نظام علي عبد الله صالح المتخلف نفس ما واجهته الأنظمة السابقة من حيث عدم قدرته على التغلغل وردم الفجوة بين النخبة التي تمارس السلطة وبين المجتمع. 

خامسا، صحيح ان نظام علي صالح سعى  لدعم الجماعات المتشددة  والقوى القبلية والسلاطينية التي كان قد تم اضعافها بالعنف وليس بالتنمية، الإ انه سيكون من الخطأ عزل ما يحدث في الجنوب عن اوضاح المجتمع الجنوبي ذاته وتجاربه وصراعاته. فما كانت تلك القوى المتشددة والتقليدية التي دعمها صالح ستنمو وتنتشر  لو لم يكن هناك استعداد ذاتي  لدى الجنوبيين انفسهم للتعايش والتحالف مع تلك الجماعات. وما كان للعصبية القبلية ان تحيا من جديد لو لم تلامس لدى المجتمع الجنوبي قبولا وترحيبا.  لقد بدا واضحا بعد قيام الوحدة مباشرة ان معظم النساء الجنوبيات اللاتي كنا يسرن دون نقاب حتى داخل مدينة عدن قد بدأنا في تغطية وجوههن مثلهن مثل نساء الشمال ليس لإن هناك من كان يرغمهن على ذلك ولكن ربما كردة فعل اجتماعية على  السياسات الإشتراكية.

سادسا، رغم ان الحراك  بدأته كوادر الحزب الإشتراكي التي تم اخراجها من السلطة  عقب حرب عام 1994 الإ ان الملاحظ ان تلك الكوادر ذات التوجهات اليسارية قد تراجع دورها بشكل كبير في اوساط الجنوبيين مما افسح المجال للجماعات اليمينية المتشددة بمختلف انواعها للظهور والتكاثر والإنتشار. 

سابعا، تمثلت تركة النظام الإشتراكي الذي حكم الجنوب في مرحلة ما قبل قيام الوحدة في مواطن لا يرى في نفسه سوى تابع للحزب..فالحزب هو الذي يملك كل شيىء وهو الذي يفكر ويخطط وينتج ويوزع ويتخذ كل القرارات. وكان من الطبيعي في مرحلة ما بعد خروج الحزب من السلطة ونهب الأراضي والممتلكات ان يحدث فراغا لم يتمكن نظام صالح ذو الطبيعة "اللصوصية" والذي غلبت عليه "السطحية" من ملئه. وكانت الجماعات الدينية وفي مقدمتها الإخوان المسلمين هي الأقدر على شغله  والتغلغل في المجتمع. ثم جاءت الجماعات السلفية ومنها السلفية الجهادية لتحقق تغلغلا اكبر داخل المجتمع وخصوصا بعد ظهور الحراك وبحيث تبدو الجماعات الأكثر تشددا في الجنوب هي الأكثر حظا في السيطرة على  السلطة هناك اذا ما اتيح لها ذلك بطريقة أو باخرى.

ثامنا، بالنسبة لما تبقى من عناصر اليسار فإنه لا يتوقع لها ان   تلعب اي دور في  مستقبل الجنوب اذا ما تم اعادة تجزئة اليمن  ذلك لإن التجزئة ذاتها ستكون بمثابة آخر فشل يتحقق لتلك العناصر التي ينظر اليها الجنوبيون منذ وقت طويل بازدراء شديد ويحملونها مسئولية كل كارثة لحقت بالجنوب وهم محقون في ذلك.            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق