الجمعة، 30 ديسمبر 2011

الديمقراطية داخل حزب المؤتمر الشعبي العام

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجاعة صنعاء

يتركز ثقل صنع القرار السياسي المتصل بالدولة اليمنية وداخل المؤتمر الشعبي العام في المركز وتحديدا بيد  علي عبد الله صالح والمقربين منه حتى وان لم يكونوا اعضاء في المؤتمر. ويتحكم  صالح في كافة اشكال التعيين الى الوظيفة العامة، توزيع الموارد، وتحديد توجهات الدولة والمؤتمر. ولا يمكن النظر الى المؤتمر كحزب يعمل على تجميع المصالح والإستجابة لها بل يمكن النظر اليه كتنظيم يحشد الدعم للسياسات التي يتبناها رئيسه. فاللجنة العامة، التي يرأسها رئيس المؤتمر، يخولها النظام الداخلي مهام عديدة ابرزها: أ) "تسمية واقرار مرشحي المؤتمر لعضوية مجلس الوزراء"؛ ب) "تسمية مرشحي المؤتمر للانتخابات النيابية"؛ ج) "متابعة نشاط هيئات المؤتمر في مجالس النواب والوزراء والشورى وتوجيهها بما يؤدي الى تنفيذ برامج وخطط المؤتمر المقرة." 
لكن اللجنة لا تعدو، كما وصفها احد اعضائها، عن كونها في الكثير من الحالات جهاز تصفيق لما يتم اتخاذه من قرارات. وللتمثيل فقط، فقد حاولت بعض قيادات اللجنة العامة التمسك بحق اللجنة في مشاركة رئيس المؤتمر سلطة اختيار رئيس الوزراء والوزراء بعد انتخابات عام 2006 الرئاسية، ونجحت اللجنة في تأجيل تشكيل الحكومة لقرابة 4 اشهر الإ ان الأمر انتهى بانفراد الرئيس بالقرار.
ومع ان اللجنة العامة نجحت في اقناع الرئيس بضرورة الإنتقال من تعيين المحافظين الى انتخابهم الإ ان الأمر سرعان ما أنتهى في بعض المحافظات، وفي ظل مقاطعة المعارضة، الى تنافس شديد بين مرشحي المؤتمر. وفي حين نجح اعضاء المؤتمر في تحويل اللجنة العامة الى ساحة للنقاش بعد المؤتمر العام السابع في نهاية عام 2005 عن طريق زيادة عدد الأعضاء المنتخبين عن المعينيين الا أن ما حدث هو ان الرئيس: أ) قام بتعيين بعض اعضاء اللجنة العامة المنتخبين في مواقع بعيدة عن العاصمة وبحيث صارت الأغلبية للمعينيين في اللجنة؛ ب) أوكل خلال الفترة اللاحقة رئاسة اجتماعات اللجنة العامة لنائبه أ. عبد ربه منصور هادي الذي لا يملك سلطة اتخاذ القرار.
وبالنسبة للجنة الدائمة التي زاد عدد الأعضاء المنتخبين فيها عن الأعضاء المعينيين بعد المؤتمر السابع في نهاية عام 2005 فقد صار من النادر دعوتها الى الإنعقاد. ولا تعدو الإجتماعات القليلة التي تعقدها اللجنة التي يبلغ عدد اعضائها اكثر من الألف عن كونها مناسبات احتفائية لإظهار الولاء والتأييد لرئيس المؤتمر. وينطبق ذات الأمر على المؤتمر العام. ولعل الهيئة الوحيدة داخل المؤتمر التي تشهد الكثير من النقاش بحكم طبيعة عملها هي الكتلة البرلمانية والتي وصل عدد اعضائها قبل قيام الثورة الشبابية اليمنية الى حوالي 246 عضوا من اصل 301 عضو في مجلس النواب اليمني. وتنسق الحكومة المواقف من مشاريع القوانين المختلفة مع الكتلة البرلمانية للمؤتمر عن طريق عقد لقاءات دورية.
وكما ان هيئات المؤتمر، فيما عدا الكتلة البرلمانية، ليست مؤسسات للنقاش وصنع القرار فان المؤتمر لا يملك آليات واضحة لإشراك القادة أو الأعضاء في صنع القرار والأمر متروك لرئيس المؤتمر الذي بامكانه دائما ان يشاور بعض الأعضاء أو يركن في صناعة قرار محدد على جهاز ما أو شخص محدد أو مجموعة من الأشخاص سواء من داخل المؤتمر أو من خارجه. ونتيجة لضعف الدور الذي يلعبه المؤتمر وأجهزته المركزية في صنع القرارات العامة المتصلة بالحزب وبالسياسات العامة، فان عددا من قادته والمحللين السياسيين يطلقون عليه "حزب الحاكم" بدلا عن "الحزب الحاكم" لإن التسمية الأخيرة تعكس طبيعة العمل الذي يقوم به والذي يقتصر على حشد التأييد للحاكم في المواسم الإنتخابية أو عند الضرورة.
ولا يلتزم حزب المؤتمر باللوائح والقوانين والسياسات والبرامج التي يضعها والإعتبارات السياسية لرئيس المؤتمر والدولة هي التي تحدد حقوق الأعضاء. ولا تمثل عضوية المؤتمر مصدر الحقوق أو مناط الواجبات. وتلعب الوجاهة الإجتماعية والثراء والروابط الأولية أو العلاقات الشخصية بقيادات المؤتمر دورا كبيرا في تحديد فرص عضو الحزب والحقوق التي يمكن ان يحصل عليها أو يحرم منها. وتلعب الشلل المؤتمرية داخل مؤسسات الدولة وخارجها دورا كبيرا في تحديد ما يحصل عليه العضو أو يحرم منه.
وقد وصل الوضع بالمؤتمر ان قام رئيسه في اواخر يناير عام 2008 باحالة الشيخ محمد ابو لحوم وهو واحد من ابرز اعضاء اللجنة العامة، وكان حينها رئيسا لدائرة العلاقات الخارجية، الى التحقيق بتهمة تسريب بعض المعلومات الى الدكتور ياسين سعيد نعمان امين عام الحزب الإشتراكي المعارض بشأن احدى الموضوعات التي ناقشتها اللجنة. وفي حين أن القاعدة العامة هي ان الأحزاب لا تفصح عن عدد أعضائها فان المؤتمر الحاكم يقول ان عدد اعضائه يصل الى أكثر من 3 ملايين عضو وكبر حجم العضوية مقارنة بعدد السكان قد يؤخذ كمؤشر على الشمولية وليس الديمقراطية.
وشهد المؤتمر خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتزامن مع تزايد أزمات البلاد والتضييق المستمر لدائرة السلطة والثروة وتفاقم الفساد، ظهور تنوع في الأصوات داخل المؤسسات بل وظهور مطالب داخل المؤتمر بتنفيذ اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة. ويتم التعبير عن الأراء داخل مؤسسات المؤتمر وخصوصا في اللجنة العامة التي تتميز بصغر حجم العضوية أو حتى في اللجنة الدائمة والمؤتمر العام وان كان الأخيرين بحكم عضويتهما الكبيرة لا يمثلان مؤسسات حزبية تسمح بقيام نقاش جاد. كما تجد تيارات المؤتمر المتصارعة مع بعضها البعض ومع تيارات اخرى داخل السلطة متنفسا لها من خلال تأسيس صحف شبه مستقلة او اللجوء الى صحف المعارضة لإسماع صوتها.
وتقتصر المسائلة التي يمارسها اعضاء المؤتمر الحاكم على تلك التي تتم داخل الكتلة البرلمانية خلال الإجتماعات التنسيقية التي تتم بين الكتلة البرلمانية للمؤتمر والحكومة والتي لا يترتب عليها أي عقوبات كسحب الثقة مثلا. ويعزو الكثير من المؤتمرين سبب ضعف مسائلتهم للحكومة الى تركز السلطة بيد رئيس الحزب والى ان الحكومة لا تمتلك سلطات فعلية في اتخاذ القرارات. 
وقد اقتصر التطور في جانب المسائلة على صعيد المجالس المحلية في المديريات والمحافظات والتي بدأ اعضائها في مسائلة واحيانا اقالة مدراء المكاتب التنفيذية كالصحة والتعليم والبلدية وغيرها، و في حالات نادرة مدراء المديريات و محافظي المحافظات. ولا يقتصر الضعف على المسائلة من الأدنى الى الأعلى بل يشمل ايضا المسائلة من الأعلى الى الأدنى. ففي عام 2003 مثلا اتخذ المؤتمر قرارا بفصل العشرات من اعضائه الذين نزلوا لمنافسة مرشحيه في بعض الدوائر لكنه سرعان ما تم التراجع عن فصل الأعضاء الذين تمكنوا كمستقلين من الفوز بالدوائر التي نزلوا فيها ثم الغى رئيس المؤتمر القرار الخاص بالفصل بحق الأعضاء الآخرين.
ويعتمد المؤتمر الشعبي العام في الحشد بشكل أساسي على: أ) مراكز القوى التقليدية.. شيوخ القبائل والمناطق، والقضاة.. والتي يعمل على تقاسم الموارد المحلية والمركزية معها وتعزيز دورها المحلي—ولو على حساب مؤسسات الدولة— واعطائها درجة كبيرة من الإستقلالية في السيطرة على المواطنين وممارسة القهر والإرغام ضدهم لإجبارهم على تبني مواقف سياسية معينة؛ ب) قيادات واجهزة الدولة المختلفة بما في ذلك مؤسسات الجيش والأمن والإستخبارات والمدارس والوحدات الصحية والضمان الإجتماعي وأئمة المساجد والتي تقوم بدور معزز ومكمل لأدوار القوى التقليدية. 
وقد شهدت السنوات القليلة الماضية العديد من المحاولات لمأسسة المؤتمر عن طريق اكسابه شخصية متميزة ومستقلة وبنائه من الأسفل الى الأعلى وتحويله الى حزب مؤسسي ديمقراطي لكن تلك المحاولات التي اتخذت شكل الطفرة لم تحقق النجاح المأمول منها.
ويمكن النظر الى المؤتمر على أنه تأسس وما زال الى حد كبير حزب رئيسه والى حد أقل حزب نخبة مكونة بشكل أساسي من مراكز القوى التقليدية وكوادر الدولة. ولا يخضع موقع رئيس المؤتمر أو نوابه أو موقع الأمين العام للإختيار عن طريق الإنتخابات بالرغم من ان النظام الداخلي للمؤتمر ينص على اختيارهم عن طريق الإنتخابات. ويتم التجديد للرئيس بالتزكية من قبل المؤتمر العام وهو الذي يقترح نوابه والأمين العام بينما يتولى اعضاء المؤتمر العام التزكية برفع الأيدي. ويتم الجمع بين الإنتخاب والتعيين في تشكيل المؤتمر العام، اللجنة الدائمة، اللجنة العامة، الأمانة العامة وغيرها من الأجهزة. 
ويعين رئيس المؤتمر على صعيد الممارسة رئيس الحكومة واعضائها ورئيس مجلس النواب بينما نجح اعضاء الكتلة النيابية للمؤتمر خلال السنوات الثلاث الماضية في انتزاع حق اختيار نواب رئيس البرلمان من خلال انتخابات تجري داخل الكتلة البرلمانية ثم يتم تبنيها في قاعة مجلس النواب. وقد لوحظ في آخر انتخابات لهيئة رئاسة مجلس النواب في 22 فبراير 2010 وهي الانتخابات التي تجري كل سنتين أن النائب المؤتمري عبد العزيز جباري نافس النائب المؤتمري والرئيس الحالي لمجلس النواب الشيخ يحيى الراعي المرشح (المعين) للموقع من قبل الرئيس علي عبد الله صالح، على رئاسة المجلس، وعندما لم يحصل الراعي على الأغلبية المطلوبة في الجولة الأولى بسبب المنافسة، اضطر جباري الى الإنسحاب في الجولة الثانية.
وتتنوع اساليب إختيار مرشحي المؤتمر في الإنتخابات لتشمل التعيين من الأعلى، الشراكة بين المستويات العليا والمستويات الدنيا، وانفراد المستويات الدنيا بالإختيار. وبالنسبة لمرشح المؤتمر لرئاسة الجمهورية فياتي كتحصيل حاصل وقد تم تبنيه في عام 2006 في مؤتمر عام استثنائي بالرغم من ان النظام الداخلي للمؤتمر يعطي اللجنة الدائمة للمؤتمر حق انتخابه. وفي حين يعطي النظام الداخلي للجنة الدائمة حق تزكية مرشح المؤتمر لموقع نائب الرئيس الا ان النص لم يتم تطبيقه خلال انتخابات 2006.
ويتم اختيار مرشحي المؤتمر لعضوية مجلس النواب بالشراكة بين المستويات الدنيا في المؤتمر والمستويات العليا. فوفقا للنظام الداخلي، فان فرع المؤتمر في الدائرة الإنتخابية يقترح من خلال مؤتمر عام عادي أو استثنائي مرشح المؤتمر لعضوية مجلس النواب عن الدائرة وتصادق اللجنة الدائمة بالمحافظة أو امانة العاصمة على المقترح وتتولى اللجنة العامة تسمية المرشحين. ويلاحظ ان النظام الداخلي قد ترك الأمر مفتوحا للاجتهاد ولم يحدد طريقه معينة لإختيار المرشح كالإنتخاب مثلا. وتختلف طريقة الإختيار من دائرة الى أخرى. فقد يتم اختيار المرشح عن طريق التوافق أو عن طريق التزكية عندما يكون هناك اكثر من مرشح. وتلعب مراكز القوى الإجتماعية المسيطرة على مستوى بعض الدوائر دورا كبيرا في فرض المرشحين وتحديد نتائج الإنتخابات ودون ان تعقد مؤتمرات محلية أو تتشاور مع الأعضاء. وفي دوائر أخرى قد يتم فرض مرشحين من أعلى. ويحدث كثيرا أن ينافس المؤتمر نفسه في بعض الدوائر الإنتخابية وخصوصا عندما يكون اختيار المرشح الأصلي قد تم من اعلى أو بدون التوافق حوله أو التزكية له. وفي حالة مثل هذه فإن احد المرشحين ينزل باسم المؤتمر بينما ينزل آخر (أو آخرون) كمستقل.
وفي حين يتولى فرع المؤتمر في الدائرة اقرار مرشحي المؤتمر لعضوية المجلس المحلي فان اختيار مرشحي المؤتمر لمواقع امناء عموم المجالس المحلية ورؤوساء اللجان في تلك المجالس يخضع على الصعيد النظري لذات الأجراءات المتبعة في اختيار مرشحي المؤتمر لعضوية مجلس النواب. وقد أظهرت الإنتخابات غير المباشرة لمحافظي المحافظات في مايو 2008 والتي قاطعتها أحزاب المعارضة خلافا حاد بين هيئات المؤتمر العليا وهيئات المحافظات حول اسماء المرشحين وانتهى الأمر بتعيين للمحافظين في بعض المحافظات وقيام الهيئة الناخبة بالتزكية، وبتنافس مؤتمري-مؤتمري بين مرشحي هيئات المحافظة ومرشحي هيئات المؤتمر العليا في محافظات أخرى. وتظهر تجربة المؤتمر ان اعطاء القواعد حق اختيار المرشحين في الدوائر بطريقة واضحة عن طريق التوافق أو التزكية يقلل من الإنشقاقات وفرص الخلاف وذلك على العكس من محاولة فرض المرشحين من قبل القيادات العليا.
وتضم الأمانة العامة للمؤتمر قطاعا للمرأة يرأسه امين عام مساعد بالإضافة الى دائرتين للمرأة احداهما تختص بالتدريب والتأهيل والأخرى بالأنشطة، ودائرة للشباب والطلاب.
كما ان الإشتمال في المؤتمر، الذي لا يمكن اعتبار اعضائه مصدر السلطة أو عضويته مصدر الحقوق، هو اشتمال شكلي وعضوية في مؤسسات لا تصنع قرارات في الغالب واذا كان له من عائد فان ذلك العائد يتجه الى الفرد المعني وليس بالضرورة الى الجماعة التي يمثلها الا اذا عين ذلك الفرد في موقع حكومي يمكنه معه تعيين افراد الجماعة التي يمثلها وخصهم بالمنافع دون غيرهم من الجماعات وهو ما يحدث عادة.
أما على صعيد التطبيق للديمقراطية داخل الأحزاب فقد تأرجح المؤتمر بين الديمقراطية ونقيضها. وكان هناك محاولة جريئة قادها أ. عبد القادر باجمال، الذي تولى رئاسة الحكومة خلال الفترة (2001-2007) وجمع بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة للمؤتمر خلال الفترة (2005-2007)، لمأسسة المؤتمر واحداث نقلة نوعية في مجال ترسيخ الديمقراطية داخله. وقد نجح في اعادة هيكلة الحزب وزيادة عدد الأعضاء المنتخبين عن الأعضاء المعينيين من قبل رئيس المؤتمر في كل من المؤتمر العام، اللجنة الدائمة، واللجنة العامة. كما نجح ايضا في احداث احلال كبير للنخبة الحزبية زادت نسبته عن 80%، وفي اعطاء المرأة 15% في جميع المواقع المنتخبة داخل المؤتمر. وبينما كان باجمال يحاول تقوية البنية الفكرية والتنظيمية اصيبت التجربة بنكسة اولا بخروج باجمال من رئاسة الحكومة في عام 2007 ثم بخروجه من الأمانة العامة اثر اصابته بجلطة دماغية في عام 2008. وتتمثل نجاحات المؤتمر في توسيع المشاركة في صنع القرار على المستويين المحلي والإقليمي، وفي تفعيل المسائلة على مستوى المحافظات وفي دعم مستتر لإنفتاح اعلامي واسع يواجه هو الأخر مأزقا في ظل القمع الذي تمارسه السلطات الأمنية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق