الأربعاء، 18 مارس 2009

"اليمن المطلوب تغييره" للدكتور عبدالله الفقيه:القادم..أسوأ


عبد الرزاق الحطامي

* يعرف الدكتور عبدالله الفقيه بكتاباته السياسية، التي تتبع منهجية تحليلية نوعية، تكاد تدل عليه. فالكاتب الذي يعمل أستاذاً للعلوم السياسية- جامعة صنعاء، ما فتئت أطروحاته التي ينشرها على صدر صحف، تثير جدلاً وقلقاً، بما تتمتع به من جرأة طرح ودقة معلومة وحدة ما، في أغلب ما تقدمه من رؤى ووجهات نظر، لكاتب لا يراوغ، كما لا يترك الباب موارباً، فهو يفتحه على الحقيقة، بمصراعيه.
* /’’اليمن المطلوب تغييره/’’ الذي يأتي –رابعاً- في سلسلة إصدارات صحفية /’’العاصمة/’’ بعد كتابي /’’التفكير ذلك المتاح الأعظم/’’ و/’’الجاهزيات/’’ للمفكر الإسلامي الأسودي و/’’السلطة على محك التداول/’’ لفريق من هيئة تحرير الصحيفة- يعد مرجعية لا غنى عنها، بالنسبة للمهتمين بشؤون الوطن من ساسة وباحثين وقادة رأي وقراء، على وجه العموم، وهو وإن انزحم –بكثافة مطبعية ملحوظة- في 84 صفحة من القطع المتوسط نجا –بحصافة- من سوءتي الإملال والتكرار، كما تفعله هكذا دراسات، من هذا النوع، عادة ما تقحل من عذوبة الكلمة ورهافة الرؤية، ودماثة السطر، وذلك ما تحاشاه تماماً /’’اليمن.. المطلوب تغييره/’’ منذ غلافه الناصع كمضمونه.
* في الغلاف الذي تصدره العنوان بلونين، تلفَّعت اليمن بالأحمر، ربما لأنه لون الفاجعة وثوب الخطر، لكن الصورة قد توحي أكثر، ففي الإطار البني لقطة فوتوغرافية مقلوبة من صنعاء القديمة، بفنها المعماري الأنيق، وهي الصورة التي احتجز بسببها الكتاب، خارج قائمة /’’أبو لو/’’ حيثما انعقاد المؤتمر الرابع للتجمع اليمني للإصلاح، وحيثما كان مقرراً نفاذ كمية منه، لولا أفراد من الأمن السياسي، وجدوا في غلافه ما ظنوا أن سيدلل على نباهة أمنية لديهم وربما أعمتهم نشوة الاستنباه رؤية الفارق بين القصر الجمهوري وصنعاء القديمة.
* وهكذا يمضي الكتاب من غلافه.. يحلل ويبرهن، يعالج ويناقش، يثير ويستفز، يحتد ويتأمل. من لحظة بكاء الطفل اليمني، يعايش ويساير الدكتور الفقيه محطات ومراحل عمرية بائسة ترافقه منذ لحظة ميلاده، على كل مولود يمني أن يتجرع غصصها، وكأنها القدر.
* إنه رحلة متمعنة، يرافقك فيها الفقر، شاملاً، وبأدق وأوجع التفاصيل، في بلد غني بثرواته ومع ذاك فهو مدقع فقير، حكومة غنية وشعب فقير، وقادم تميل المؤشرات الرقمية الكارثية، حالياً، إلى كونه أسوأ من القائم، ما دامت الأمور السياسية للدولة تسير، بعيداً عن سياق المنطق وصراط العقل.
* فقر كثير.. في التعليم والصحة والدخل والغذاء والمال والضوء والمواصلات والاتصالات والعمل والأمن ثم ثمة فقر الدعم الخارجي وفقر المهاجر.
* على مدى 14 فصلاً، كثاً بحقائق مرة واستقصاءات تنكأ الروح، راح الكاتب في جهد بالغ يدعم تأملاته وتألماته المتشبعة بكيمياء الوطن بآخر ما استجد من تقارير رسمية وخارجية عن بلده الذي لا يحسد عليه.
14 فصلاً تسلسلت وتماسكت خيوطها، وشدّ بعضها بعضها، وقد تمكنت فعلاً من الإلمام الكامل، بكل ما جاء من أجله هذا الكتاب القيم. لكن الفصل 15 والذي حمل عنوان /’’غنى الوطن/’’ آخر الكتاب فهو وإن وقف على الضفة الأخرى للكتاب وفصوله المدقعة، إلا أنه يكشف حجم المؤامرة والفاجعة، وكيف أن هذا الوطن إن لم يكن يقف الآن على شفير الهاوية، فهو حتماً يسير على شفا جرف هار.
* وبهكذا لمعة أدبية ودعا به قد تكون ناكِئة كتلك التي تتصدر عناوين الفصول /’’رسائل المعايدة مثلاً/’’، أو تلك التي تصادفك في طيات السطور، يأتي /’’اليمن المطلوب تغييره/’’ متخففاً كثيراً من جفافات الرقم وقسوة الجداول التقريرية، وصرامة الطرح الأكاديمي، المتخصص سياسياً.
* وحسب رئيس تحرير صحيفة العاصمة الزميل عبدالله مصلح فالكتاب الذي يهدف إلى القضاء على عدة فقورات في إطار الفقر الشامل لليمن، نجح في تحقيق أول وأهم أهدافه وهو القضاء على /’’فقر المعلومة/’’، وأحسبه كذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق