الخميس، 1 يناير 2009

احتكار السلطة والثروة والسلاح : وإستدعاء الخارج للتغيير في اليمن

د محمد عبد الملك المتوكل
عبر تاريخ صراع اليمنيين على السلطة والثروة كانت هناك ظاهرتان مختلفتان كلفتا اليمن واليميين الكثير والكثير.

الظاهرة الأولى: إن العامل الخارجي كان حاضرا وعاملا أساسيا في حسم الصراع لصالح هذا الطرف أو ذاك وغالبا ما تنتهي الأمور إلى هيمنة الطرف الخارجي الذي استدعاه أحد أطراف الصراع.. وحين يحس اليمنيون -بعد فترة زمنية- بوطأة النصير الخارجي الذي استعدوه يعملون على محاربته وقد يستنصرون عليه بنصير خارجي آخر.. وهكذا دواليك منذ استدعي سيف بن ذي يزن الفرس في الزمن الغابر وحتى استدعاء المصريين في ستينيات القرن الماضي.. والقبول بالنفوذ الأمريكي والاستعانة بالمال السعودي والليبي والخليجي في زمننا الحاضر.

أما السبب الرئيس في لجوء اليمنيين إلى نصير خارجي فيعود إلى أن الفئة التي تستولي على السلطة تقوم باحتكار السلطة والثروة والسلاح، فيجد المعارضون أنفسهم في العراء مجتمعاً فقيراً غير قادر على دعمهم وجمهوراً سلبياً يردد حكمته المشهورة من تزوج أمنا كان عمنا.

وأصحاب الثروة من تجار وصناع وزراع يربطون مصالحهم بمصالح الحاكمين ويخشون معاداتهم لكي لا تتأثر مصالحهم، وحينها لا يجد المعارضون خيارا سوى البحث عما يسميه اليمنيون (ظهرا) يرتكنون إليه.

الظاهرة الثانية: في صراع اليمنيين على السلطة والثروة أن القوى المعارضة حين تنتصر يتركز همها الأساسي في القضاء على الحاكمين السابقين ونهب ممتلكاتهم وتشريد نسائهم وأطفالهم والقيام بالحكم على نهج من سبهم في احتكار السلطة والثروة وإقصاء وتهميش الآخرين وقتل ومطاردة المعارضين وقد روي - والعهدة على الراوي- أن السلال اشترط لقبول رئاسته الثورة "أن من زقمناه قتلناه" وهكذا دواليك حتى يدور الزمن دورته.

ألم يحن الوقت لتغيير هذا النهج المتخلف الذي حول اليمن من يمن سعيد إلى يمن شقي وتعيس؟

ألم يحن الوقت لندخل العصر الحديث عصر الحضارة والحوار والمشاركة واحترام حق الآخر ورأيه؟

أما آن لمراكز القوى العسكرية والمشائخية والتكنوقراط الانتهازي أن يدركوا أن الزمن قد تغير وأن الوطن قد اتسع وأن المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني قد نمت وأن الحراك الاجتماعي أصبح أكبر من أن يستوعب لا بالترغيب ولا بالترهيب، ولا بالتضليل؟

أما آن لهم أيضا أن يدركوا أن نذر التغيير قد دقت أجراسه وأن الحكمة تستدعي بألا نسمح بتكرار ظواهر الصراعات المتخلفة والمدمرة؟

أما آن أن يعود الجميع إلى كلمة سواء وعلى القاعدة الإسلامية لا ضرر ولا ضرار؟

إذا لم نكن كمجتمع وكنخب قد هضمنا الديمقراطية بمفهومها الحضاري الذي يحتكم الجميع فيه إلى الإرادة الشعبية الحرة والمتساوية والمباشرة فلنجرب الديمقراطية التوافقية حيث لا غالب ولا مغلوب وفي إطار أسس تساعد على الانتقال إلى ديمقراطية الأغلبية خلال زمن منظور يكون فيه قد اتسعت قاعدة الحراك الاجتماعي بشكل أكبر وتعمقت في العقول والنفوس ثقافة ديمقراطية الأغلبية وأصبحت مراكز القوى أكثر استعدادا لقبولها وأقل خوفا من نتائجها.

وديمقراطية التوافق التي نقصدها لا تعني بأي حال من الأحوال أن تكون اقتساما للغنيمة أو تكون على حساب المصلحة العامة ومصلحة الغالبية من أبناء الشعب وإنما هي عملية تهدف إلى تفادي الصراع المدمر.

وتطمين من قد استفادوا أو أساء أنه لن يضار وبإمكانه ضمان ذلك من خلال شراكته في مرحلة تصحيح الأوضاع في الطريق السليم، طريق بناء الدولة الديمقراطية المؤسسية التي يتم الاحتكام فيها إلى رأي الأغلبية من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة، لا استقواء فيها بسلطات الدولة وإمكانياتها.

وعليه فالديمقراطية التوافقية التي نقصدها هي الديمقراطية التي تلتزم بأمر الله تعالى في التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

وديمقراطية التوافق عملية يصدق عليها قول الزعيم الروسي الراحل لينين: خطوة إلى الوراء في سبيل التقدم خطوتين إلى الأمام.

والدخول في الحوار للوصول إلى التوافق يتطلب في البداية أن تعترف مراكز القوى العسكرية والمشائخية والتكنوقراط الانتهازي أن الاحتكار الكامل للسلطة والثروة وتغييب وتهميش القوى الاجتماعية الجديدة أصبح عملية خطرة تعيد الزمن إلى دورة الصراع التقليدي والذي لن يكون بأي حال لمصلحة مراكز القوى لأنها تسير ضد الزمن وعكس حركة التاريخ وهي بحكم التطور ونمو الحراك الاجتماعي قوى متراجعة وإصرارها على موقفها من احتكار السلطة والثروة سوف يجعلها في النهاية تخرج من المولد بلا حمص وحتى الحمص الذي جمعته خلال مرحلة حكمها سوف تخسره إن لم تخسر ما هو أغلى من ذلك .



وعلى قوى التغيير - أيضا- أن تدرك أن منهج الاعتدال والتسامح والواقعية ليس خيانة وطنية ولا عملا من أعمال الشيطان فترك المفاسد مقدم على جلب المصالح والعمل السياسي القائم على الحدية في السواد والبياض عمل لا يتسم بالحكمة في كل الاوقات وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا ومعلمنا فإن صلح الحديبية نموذج سياسي رائع أثبتت الوقائع سلامة نهجه.

والعمل الوطني يجب أن لا نسمح بأن تحكمه الضغينة والرغبة في الانتقام، أو نتعامل معه بعواطف غير منضبطة بحكمة العقل وإلا تحول إلى عمل غير وطني وتجارب شعبنا القديمة والجديدة أكدت مدى خطورة وبشاعة ما خلفته الصراعات المفعمة بالحقد والضغينة وحب الانتقام.



دعوة الرئيس إلى كلمة سواء ودعوة المشترك إلى التشاور والحوار الوطني هما الفرصة للدخول في حوار مسئول بين مراكز قوى السلطة وقيادات المجتمع المدني ورموزه الاجتماعية للوصول إلى كلمة سواء في إطار القاعدة الإسلامية لا ضرر ولا ضرار ولا غالب ولا مغلوب.

ليس أمام مجتمعنا سوى خيارات ثلاثة ديمقراطية الأغلبية بكل متطلباتها.

أو الديمقراطية التوافقية والشراكة بين القوى الحاكمة والقوى المتطلعة في تنفيذ برنامج إصلاحي نصل في نهايته إلى القبول مطمئنين بحكم الأغلبية، أو الصراع المدمر لبلد ليس فيه ماء.

وما دمنا غير قادرين وغير مطمئنين إلى ديمقراطية الأغلبية فنتكل على الله ونخوض تجربة الديمقراطية التوافقية ومن مشنقة إلى مشنقة فرج.

والممسكون اليوم بالسلطة والمتصرفون بالثروة هم من يتحمل المسئولية الأولى في تفادي الصراع المتخلف وهم أول من سوف يكتوي بنار الصراع لو أصروا على غيهم.

ومن الغباء أن ترى أمامك الهاوية وتصر على تجاهلها حتى تسقط فيها.

وقد قال الرئيس في ذكرى الشيخ الأحمر لنتنازل لمواطنينا خير من التنازل للخارج فجربوا ولن تندموا.


اللهم أشهد أني قلتها بصوت عال ووحدي أتحمل مسئولية هذا الرأي الذي يمكن بلورته لو تم قبوله من حيث المبدأ.

* يذكرني هذا التاريخ بفجيعة أمتنا بقتل الشهيد جار الله عمر رحمه الله.

أحد ضحايا الصراع المتخلف.

لقد فقدنا أربعة من أخيار رجالنا لو كانوا معنا اليوم لكان لهم رأي وموقف جار الله عمر، يحيى المتوكل، مجاهد أبو شوارب، عبدالله بن حسين الأحمر تغمدهم الله برحمته وأسكنهم فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المقال عن موقع شبوة برس http://shabwahpress.com/id2501.html



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق