الاثنين، 7 يوليو 2008

"باص المشترك"، و "كفيفات ديمتروف"




تناقلت المواقع الإخبارية وخصوصا تلك المقربة من المعهد الديمقراطي الأمريكي الأسبوع الماضي خبرا مفاده قيام المعهد يوم 18 يونيو 2008 بتوقيع مذكرة تفاهيم مع عدد من المنظمات اليمنية الغير حكومية لإنشاء شبكة جديدة للرقابة على الإنتخابات. والمثير حقا هو قائمة المنظمات التي تم التوقيع معها وهي:
1. جمعية الأمان لرعاية الكفيفات؛ صنعاء
2. منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان؛ صنعاء
3. جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي – مأرب؛
4. جمعية الإخاء للتنمية والسلم الاجتماعي؛ شبوة
5. جمعية السلم والتنمية؛ غير معروفة
6. المنظمة الوطنية للتنمية الاجتماعية؛ غيرمعروفة
7. جمعية النشئ الحديث؛ شبوة
وقائمة المنظمات التي ستراقب الإنتخابات مع المعهد الديمقراطي هي عجيبة بالفعل من حيث انها ومنذ البداية تحتوي على بعض المنظمات غير المعروفة وعلى بعض المنظمات التي تهتم بالنشىء الحديث. أما جمعية الأمان لرعاية الكفيفات فمجال عملها معروف والأسم يشرح ذاته.
والقائمة محيرة بالفعل وتثير مليون سؤال وسؤال. وقد تكون القائمة الغريبة تعبير عن واقعية سياسية جديدة توصل اليها المعهد الديمقراطي. ففي الإنتخابات الماضية قيل ان استمارات الرقابة على الإنتخابات تم توزيعها على مراقبي المعهد قبل بدء الإقتراع وهي معبأة جاهزة. لكن يبدو ان مراقبي عام 2006 كانوا يملكون القدرة على الإبصار وقراءة ما هو مكتوب في الإستمارة وكذلك القدرة على التعقل والتجريد وهي صفات مضادة للديمقراطية اليمنية. ولذلك تدارك خبراء الديمقراطية في المعهد ذلك الخطأ وقرروا ايكال مهمة الرقابة على الإنتخابات القادمة الى "الكفيفات" والى "القصر" بشكل عام وذلك بما يتناسب وديمقراطية اليمن.
ولا تتوقف عجائب المعهد الديمقراطي الأمريكي في صنعاء عند حد. فخلال الأسبوع قبل الماضي، وكما تناقلت مواقع الإنترنت، فان بيتر ديمتروف مدير المعهد المهتم بنشر الديمقراطية في اليمن والجزيرة العربية قد بعث برسالة الى الحزب الإشتراكي اليمني يهدده فيها بقطع العلاقة بسبب قيام صحيفة "الثوري" الناطقة باسم الحزب بنشر مقالين ينتقدان ما قاله ديمتروف— في مقابلة مع احدى الصحف— الأول للدكتور محمد علي السقاف والثاني للناشطة الحقوقية توكل كرمان رئيسة منظمة "بلا قيود." والمقالان وان اتفقا في نقد ديمتروف فانهما قد اختلفا في الجوانب التي يتم نقدها. ويبدو ان ديمتروف "اراد" كما يقول المثل اليمني "ان يكحلها فعماها."
ومع ان المعهد يقدم نفسه على انه رسول الديمقراطية والحوار وحرية التعبير الإ ان مذكرة ديمتروف الى الحزب الإشتراكي تظهر المعهد كمؤسسة تفوق في استبداديتها السلطة القائمة في اليمن. ولعل ذلك هو السبب في سيل السخرية الذي تم به الرد على ديمتروف ومعهده. فقد عنون الأستاذ الدكتور محمد عبد الملك المتوكل استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء مقاله في صحيفة "الوسط" في عدد الأسبوع قبل الماضي ب"المعهد الديكتاقراطي" في حين وصف الكاتب والناشط في تيار المستقلين الجنوبيين الخضر الحسني ديمتروف ب"ثور في قفص من زجاج." وفي حين ذهب الدكتور المتوكل في مجمل مقاله الى ان اقوال ديمتروف هي جزء من النفاق الدولي الذي يهتم بمقتل حيوان ولا يهتم بمقتل شعب باكمله والى ان ديمتروف مهتم بضمان استمرار الحصول على مرتبه الشهري فان مقالات الحسني والسقاف وغيرهم قدر ركزت على عدم المام ديمتروف بالحياة السياسية والإجتماعية في اليمن وهو ما ينطبق على السياسة الأمريكية ككل ليس فقط في اليمن ولكن في الشرق الأوسط بشكل عام.
ولعل من المهم وفي خضم الهجوم الذي يشن على ديمتروف من العديد من الشخصيات السياسية والهجوم المضاد الذي يشن دفاعا عن "ديمتروف" القاء بعض الضوء على المعهد الديمقراطي الأمريكي ونشاطاته في اليمن ومديره الجديد المثير للجدل وربط كل ذلك بالسياسة الأمريكية في اليمن.
المعهد الوطني الديمقراطي
يعرف المعهد الوطني الديمقراطي للشئون الدولية، ومقره العاصمة الأمريكية واشنطن، ذاته في موقعه على شبكة الإنترنت بانه منظمة غير ربحية تعمل على تقوية ونشر الديمقراطية على المستوى العالمي وانه يقدم الدعم للقادة السياسيين والنشطاء المدنيين الذين يعملون على تعميق قيم ومؤسسات وممارسات الديمقراطية. ويعمل المعهد الذي تعود جذوره الى فترة الحرب الباردة وهي الفترة التي شهدت تبني الأمريكيين للديمقراطية كسلاح في مواجهة المد الشيوعي في العالم. وقد ازدهرت اعمال المعهد مع تحول العديد من البلدان الواقعة في وسط ووشرق اوروبا وغيرها من المناطق من النظم الشمولية الى النظام الديمقراطي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.
وقد بدأ المعهد عمله في اليمن في عام 1993 حيث قام بتقديم بعض الدعم الفني خلال انتخابات ابريل 1993 بتمويل من قبل وكالة التنمية الأمريكية. ثم تحول مقره في صنعاء من مجرد مكتب صغير الى مركز اقليمي يضم 40 موظفا. وحيث ان المعهد ممول بشكل كلي من قبل الحكومة الأمريكية وان ادعى عكس ذلك فان مواقفه وبرامجه والمعرفة التي يروج لها تعكس بشكل اساسي المصالح والرؤى الأمريكية. ويقول اكاديمي يمني يعيش الان في المنفى ان موظفي المعهد الديمقراطي منذ بداية التسعينات وحتى نهاية العقد كانوا دائما يتقاطرون الى صنعاء للحصول على الساعات الفخمة التي نقش عليها صورة الرئيس وبدل السفر وليصدروا بعد ذلك شهادات الجودة للديمقراطية اليمنية التي كانت دائما تحتضر وتعيش على التنفس الإصطناعي الذي تقدمه تلك الشهادات. وقد كانوا يفعلون ذلك لإن واشنطن كانت راضية تماما عن النظام اليمني.
وفي الوقت الذي يزعم فيه المعهد بانه يعمل مع الديمقراطيين في كل اقليم من اقاليم الكرة الأرضية لبناء المنظمات السياسية والمدنية ودعم المشاركة والشفافية والمساءلة في الحكومة فان المتفحص في الأنشطة التي يقوم بها المعهد يجد انه—كمؤسسة—لا يتمثل في تنظيمه وبرامجه أوفي سلوكه ايا من القيم التي يتباهى بنشرها. والواضح ان المعهد في الحالة اليمنية مصاب بهوس اسمه "مارب، شبوة، والجوف" ولذلك فان اي نشاط او برنامج عمل يقوم به هو موجه بشكل اساسي لتلك المحافظات وفي امور لا علاقة لها من قريب او بعيد باهداف المعهد. ولا يريد الكاتب التطرق بالتحليل لأهداف المعهد في شمال وشرق اليمن لإن تحليل هذا الجانب لن يساعد كثيرا على تحسين العلاقات اليمنية الأمريكية التي تمر في الوقت الحالي بمرحلة انحدار.
ويكفي الإشارة الى ان المعهد يعمل في اطار من الغموض والسرية تجعل الإنسان يحتار في طبيعة العمل الذي يقوم به ويجد صعوبة في الحكم بموضوعية على انشطته...ولا يحتوي موقع فرع المعهد في اليمن على اي معلومات عن ال40 موظفا الذين ذكرهم ديمتروف في احدى المقابلات او عن انشطتهم او عن خلفياتهم او عن البرامج التي ينفذها المعهد أو الخطط التي يتبعها. وتظهر مقابلات ديمتروف ان المعهد هو نموذج للفوضى والإرتجال. فهاهو ديمتروف يقول في احدى مقابلاته بان مبادرة الرئيس اعجبته فقرر بين عشية وضحاها ان يدعمها وقام بتنظيم ندوة لذلك الغرض احضر لها الخبراء من بيروت. وعندما سأل ديمتروف عما اذا كانت الحكومة اليمنية قد طلبت منه ذلك اجاب بالنفي.
بيتر ديمتروف
تقول السيرة الذاتية المقتضبة التي ينشرها المعهد الديمقراطي الأمريكي (المركز الرئيسي) لبيتر ديمتروف على موقعه على الشبكة العالمية للانترنت بان ديمتروف الكندي الجنسية ولد في اقليم كلومبيا البريطانية لأم بلغارية واب الماني، وانه حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من الكلية الملكية العسكرية الكندية ثم حصل على الماجستير في الإدارة العامة من جامعة كارلنتون. وبالنسبة للمواقع التي شغلها ديمتروف قبل التحاقه بالمعهد الديمقراطي، فليس هناك سوى معلومات شديدة العمومية. فبين عامي 1984 و1996 عمل ديمتروف في سلاح المدفعية داخل كندا وفي المانيا، ثم فيما كان يعرف بيوغسلافيا. كما عمل ايضا مع الحزب الليبرالي الكندي في حملاته الإنتخابية على المستويات المحلية والفدرالية. وعمل مستشارا لنائب رئيس الوزراء الكندي. وعمل قبل التحاقه بالمعهد الديمقراطي الأمريكي كرئيس لمساعدي وزير الدولة الكندي لشئون وسط وشرق اوروبا والشرق الأوسط. ولا يذكر المعهد لماذا غادر ديمتروف كل موقع شغله من المواقع السابقة وهو ما يثير الكثير من علامات الإستفهام.
وكان اول موقع شغله ديمتروف بعد التحاقه بالمعهد الديمقراطي هو مدير مكتب المعهد في مقاطعة بركو في البوسنة والهرسك. ثم عين بعد ذلك مديرا مقيما للمعهد في افغانستان. وبعد ذلك عين في صنعاء في اواخر عام 2006 خلفا للدكتورة روبن مدريد. ومن الواضح ان خبرة ديمتروف العسكرية وقدرته على العمل في مناطق تعيش حالة من الحرب الأهلية او مرشحة للدخول في حرب أهلية هي الأسباب الأساسية وراء تعيينه في صنعاء. وعلى العكس من روبن مدريد المديرة السابقة للمعهد والتي كانت تعمل بسرية تامة فان ديمتروف كثير الكلام وكثير الظهور في الصحف وبحيث فاق في ظهوره الإعلامي في بعض الفترات ظهور رئيس الجمهورية نفسه.
وتثير مقابلات "ديمتروف" الصحفية وهي في الغالب "مدفوعة الأجر" الكثير من علامات الإستفهام عن الدور الذي يلعبه في الحياة السياسية اليمنية وخصوصا في ظل تناقضاته الصارخة وفي ظل تناوله لقضايا حساسة لا يفترض ان يخوض فيها. فعلى سبيل المثال فقد طلع على الناس في احدى المقابلات يطالب اللقاء المشترك بتحديد موقف واضح من الحرب في صعدة ناسيا ان يطلب ذات الشي من الحكومة التي يعمل لصالحها او من المعهد الذي يترأسه رغم وجود مؤشرات قوية على تورط امريكي في الأحداث. أما تحريض ديمتروف لأحزاب اللقاء المشترك ضد الحوثيين والذي صفق له الكثير من المعلقين فانه يثير الكثير من المخاوف عندما يأتي من شخص يفترض ان يكون رسول سلام.
وبالرغم من ان ديمتروف يصف احزاب اللقاء المشترك بالخمسة الذين ركبوا باصا واغلقوا الباب خلفهم ولم يسمحوا لأي راكب جديد بالصعود في الطريق—وهو نقد في محله من وجهة نظر الكاتب— الإ ان "ديمتروف" –ربما بسبب قلة الخبرة بالمجتمع اليمني— لا يعرف ان المعهد الديمقراطي—فرع اليمن ذاته هو اشبه ما يكون بقطار لا يسمح فيه بالصعود الا لفئات معينة من الناس واعتمادا على فحوص "الدي ان اي" وهذا أسوأ بكثير من باص اللقاء المشترك. وعلى الرغم من ان ديمتروف نشأ في بلد بنظام برلماني الإ انه كان وما زال من اشد المتحمسين للنظام الرئاسي الى الحد الذي جعله ياتي بمنظر لبناني ليقنع اليمنيين بان "الشمس تشرق من جهة الغرب." وتحزب ديمتروف يتناقض بشكل صارخ مع مقتضيات العمل الذي يقوم به المعهد. أما تحريضه لليمنيين ضد بعضهم فانه يمثل خروجا على ابسط قواعد العرف الدولي.
التغيير المطلوب
دأبت ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن على الرهان على الخيارات السيئة في سياساتها الداخلية والخارجية. ولم تكن سياستها ازاء اليمن باهدافها وادواتها استثناء للقاعدة العامة. ومع التأكيد على ان تسخير العلاقات اليمنية الأمريكية لدعم الحاكم الفرد في اليمن خطأ فانه لا بد من التأكيد أيضا على ان تسخير العلاقات اليمنية الأمريكية لخدمة شلة خطأ مرتين. اما مشايخ اليمن وقبائله وعلمائه وسلفيه ومستقليه وسنييه وقوميه فقوى موجودة على الأرض لايمكن الغائها بصفقة تعقدها الحكومة الأمريكية مع بضعة افراد او بمؤامرات تدفع بالبلاد الى دائرة من العنف تبدأ ولا تنتهي. ولا يمكن اضعاف انصار حماس او اصدقاء بن لادن او علماء الدين في اليمن بوضعهم في السجون الأمريكية او على قوائم الإرهاب. كما لا يمكن اضعاف الشيعة والجيش بضربهم ببعضهم البعض. ولا يمكن تغيير التركيبة السياسة لليمن عن طريق تصريحات "ديمتروف" ومقابلاته الصحفية او دعم مجموعة من الصحف والمواقع. ولا يمكن للولايات المتحدة كسب تعاطف الناس في اليمن عن طريق ادارة الظهر لهم ومطالبتهم بالتوقف عن القات لمدة ثلاث سنوات قبل تقديم طلبات الهجرة الى الولايات المتحدة. فكل تلك السياسات كفيلة بتحقيق شيىء واحد وهو المزيد من الإزدراء للسياسات الأمريكية.
هامش
الأستاذ نصر طه مصطفى قامة وطنية كبيرة وقد اثبت خلال سنوات عمله في وكالة سبأ للأنباء بأنه يتمتع بقدرات عقلية غير عادية وبولاء كبير للنظام. لكن الإبقاء على الأستاذ نصر في نفس الموقع لكل هذه السنوات يحرم البلاد من الطاقات الخلاقة التي يمتلكها والتي يمكن الاستفادة منها بشكل أفضل في موقع مختلف وارفع من الموقع الحالي. وإذا كان لا يوجد في الداخل منصب يليق بهذه الشخصية الوطنية فما أحوج البلاد إلى مثله في إحدى سفاراتها الهامة. ومع ان الكاتب يكره تزكية الأشخاص الا انه لا يتردد أبدا في ذلك عندما تقتضي المصلحة الوطنية مثل تلك التزكية.
عن صحيفة ايلاف بتاريخ 8 يوليو 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق