الثلاثاء، 24 يونيو 2008

لجنة الانتخابات بين القضاة والسياسيين

تنص المادة رقم (59) من الدستور على ان "تتولى الإدارة والإشراف والرقابة على إجراء الانتخابات العامة والاستفتاء العام لجنة عليا مستقلة ومحايدة. ويحدد القانون عدد أعضاء اللجنة والشروط اللازم توفرها فيهم وطريقة ترشيحهم وتعيينهم. كما يحدد القانون اختصاصات وصلاحيات اللجنة بما يكفل لها القيام بمهامها على الوجه الأمثل." وكما يتضح من النص الدستوري فان أهم شرط في اللجنة العليا للانتخابات هو شرط الاستقلال والحياد. والاستقلال يعني عدم خضوع اللجنة لأي سلطة سوى سلطة "الدستور" والقانون. أما الحياد فيعني في هذه الحالة أن اللجنة غير منحازة لطرف سياسي معين على الساحة. والمحاكم بالطبع هي وحدها صاحبة الحق في تحديد ما إذا كانت اللجنة قد التزمت الحياد والاستقلال في أدائها لوظائفها أم لا في حال الطعن بحيادية اللجنة.
وقد تم إضعاف حيادية واستقلال اللجنة العليا للانتخابات خلال السنوات الماضية بعدة طرق. أولا، نظرت الأحزاب (سلطة ومعارضة) إلى عضوية اللجنة على أنها حقائب وزارية بحسب تعبير احد المؤرخين وبالتالي مغنم لأعضائها. وبناء على ذلك فقد فسرت الأحزاب الحياد والاستقلال على انه يعني ان يتم تشكيلها من الأحزاب على ان يقوم أعضاء الأحزاب المعينين في اللجنة بتجميد عضويتهم في أحزابهم خلال فترة عملهم في اللجنة. وهذا التفسير بالطبع لا يحقق للجنة الاستقلال المطلوب الذي يتوافق مع روح الدستور بقدر ما يحقق للأحزاب الهيمنة على اللجنة وتوظيفها لصالحهم في مواجهة أي قوة أخرى محتملة كالمستقلين مثلا. لكن الأحزاب، وخصوصا تلك التي في اللقاء المشترك، تشير إلى عدم وجود شخصيات مستقلة بما تعنيه الكلمة. كما تشير أيضا إلى ان سيطرة الحزب الحاكم على ثروات البلاد قد جعلته يتمكن من شراء ولاءات بعض ممثليها في اللجنة ..فما بالك بالمستقلين. وهذا القول لا يمكن ان يكون صحيحا سوى جزئيا.
ثانيا، نصت الفقرة (أ) من المادة رقم (19) من القانون رقم (13) لسنة 2001 بشأن الانتخابات العامة والاستفتاء على أن "تشكل اللجنة العليا للانتخابات من سبعة أعضاء (عدل إلى تسعة قبل انتخابات سبتمبر 2006) يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين قائمة تحتوي على (15) اسما يرشحهم مجلس النواب ...الخ." وهذا النص ينسف مبدأ الحياد والاستقلال الذي نص عليه الدستور ويعطي السلطة التنفيذية الكلمة الأخيرة في تشكيل اللجنة. والملاحظ ان هذا النص السيئ الذي يكرس الوصاية السياسية قد دخل وان بكلمات مختلفة في أول قانون انتخابات اقر في البلاد وهو القانون رقم (41) لسنة 1992 . لكنه حينها لم يكن مثار جدل لان أعضاء مجلس الرئاسة الذين كان لهم حق الاختيار لأعضاء اللجنة من بين قائمة ال15 التي يقرها مجلس النواب لم يكونوا أنفسهم منتخبين بشكل مباشر من قبل الشعب، وبالتالي لم يكن تناقض المصالح واضحا كما هو عليه الحال اليوم.
والنص الوارد في المادة (19) قد يكون مقبولا في ظل نظام ملكي يمكن فيه لرأس السلطة ان يلعب دور الحكم بين القوى السياسية وان يرجح المصالح العليا للبلاد أو في ظل نظام جمهوري برلماني لا ينتمي فيه رئيس الدولة إلى أي حزب سياسي كما هو الحال في الهند أو في ظل نظام سياسي لا يكون للجنة العليا للانتخابات أي دور في انتخاب الرئيس. أما في ظل نظام جمهوري ينتمي فيه رئيس الجمهورية إلى حزب سياسي ويصل إلى السلطة ويحتفظ بها لفترة محددة عن طريق انتخابات تديرها اللجنة العليا للانتخابات فان إعطاء الرئيس أي سلطة كانت في اختيار أعضاء اللجنة لا بد أن يثير الكثير من اللغط.
وإذا كانت ألأحزاب الممثلة في البرلمان وغير الممثلة في مجلس الوزراء قد قبلت في السابق بإعطاء رئيس الجمهورية سلطة معينة في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات فانه يمكن تفسير ذلك بالعودة إلى السياق السياسي السابق لانتخابات عام 2003 البرلمانية والذي كانت معظم القوى السياسية خلاله تنظر للرئيس على انه محل إجماع وانه حكم سياسي بينها وليس منافسا. وقد عزز من تلك النظرة حقيقة ان منصب رئيس الجمهورية قد كان محل توافق وطني حتى سبتمبر 2006. أما بعد الانتقال بمنصب رئيس الجمهورية من "التوافق" إلى "التنافس" فان إعطاء رئيس الجمهورية حق اختيار تسعة من بين 15 مرشحا يختارهم البرلمان لم يعد مقبولا.
وفي الوقت الذي ساد فيه مبدأ التقاسم الحزبي للجنة العليا للانتخابات خلال ال18 سنة الماضية فان الخلاف الذي ظل قائما بين الأحزاب قد تركز على مسألة الحصص. واختلفت النسب باختلاف المراحل السياسية وتبعا لطبيعة العلاقة بين السلطة والمعارضة. لكن الملاحظ هو ان الحزب الحاكم—ورئيسه بالتحديد—ظل مسيطرا على أغلبية اللجنة في كل دورة انتخابية وذلك بحجة قطع الطريق على المعارضة ومنعها من عرقلة إعلان نتائج الانتخابات وإحداث فراغ دستوري.
وكانت اللجنة التي أدارت انتخابات عام 1993 ليس فقط أنزه لجنة ولكن أيضا الأكثر تمثيلا للطيف السياسي اليمني. فقد ضمت اللجنة 17 عضوا يمثلون 11 حزبا بالإضافة إلى المستقلين. وكانت تلك اللجنة هي الوحيدة—من بين اللجان التي شكلت منذ قيام الوحدة وحتى اليوم—والتي ضمت بين صفوفها امرأة. ولم يكن التميز الذي ظهرت به أول لجنة انتخابات سوى انعكاس للتوازن الذي اتصف به المشهد السياسي في اليمن بين عامي 1990 و1994. أما في المرحلة التالية لحرب عام 1994 فقد تغير المشهد السياسي بشكل جذري مما اثر على الكثير من جوانب الحياة وفي مقدمتها اللجنة العليا للانتخابات. أما اللجنة التي شكلت في عام 1996 فقد ضمت 11 عضوا ثم تم تخفيض العدد إلى 7 أعضاء. وضمت اللجنة الثالثة والتي شكلت في عام 2001 سبعة أعضاء كذلك. ولم يتغير الأمر الا قبل انتخابات سبتمبر عام 2006 عندما أصرت أحزاب اللقاء المشترك على تحسين تمثيلها في لجنة الانتخابات حيث تم إضافة عضوين جديدين إلى اللجنة ليرتفع العدد إلى تسعة أعضاء.
الأزمة القائمة
يدور الجدل اليوم بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك ليس فقط حول طريقة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات ولكن حول النظام الانتخابي بشكل عام. ويقصد بالنظام الانتخابي هنا "القواعد القانونية والإجرائية التي تحكم العملية الانتخابية." وعادة ما تتوزع تلك القواعد القانونية بين الدستور وقانون الانتخابات ولائحته التنفيذية والتعليمات التي تصدرها الهيئة التي تدير الانتخابات..ويحدد النظام الانتخابي من له الحق في التصويت وأين ومن له حق الترشح، وكيف تتم الدعاية الانتخابية ومن أين يتم تمويل الحملة، والجهة التي تدير الانتخابات، وكيف يتم تحديد الفائز؟...الخ.
ويعاني النظام الانتخابي اليمني بمفهومه الواسع من اختلالات تراكمت مع الزمن وأصبحت هي الآلية التي تعيد إنتاج النخبة السياسية الحاكمة وتجرد المواطنين إلى حد كبير من القدرة على ممارسة حقهم في الإختيار. فقد تم العبث بالدوائر الانتخابية وتحويلها إلى شيء أشبه ما يكون بمتاهات الصحف وذلك للعمل على تشتيت أصوات المعارضين وتجميع أصوات الموالين. وتم إعادة كتابة قانون الانتخابات الصادر في عام 1992 في عام 1996 ثم أعيد كتابته مرة أخرى في عام 2001. ومثلت كل كتابة للقانون عودة بالحياة السياسية ألف خطوة إلى الوراء. وبلغت المهزلة ذروتها بتحويل مكان العمل إلى موطن انتخابي وذلك بهدف فرض أقصى درجات الرقابة على القيد والتصويت.
وتم إهدار العديد من المبادئ الدستورية المتصلة بالمساواة وتكافوء الفرص وحياد المال العام والمؤسسات العامة. وتم العبث بالسجل الانتخابي بحيث زاد عدد الناخبين في بعض الدوائر عن عدد سكان الدائرة الذين يحق لهم التصويت. ووصلت الأسماء المكررة في السجل الانتخابي وأسماء صغار السن والمتوفيين إلى مئات الآلاف. وبفضل الإستقواء بالجيش والأجهزة الأمنية والمالية العامة للدولة والوظيفة العامة والإعلام العام تمكن الحزب الحاكم من السيطرة على أكثر من 80% من أعضاء مجلس النواب.
وبالنسبة للجنة العليا للانتخابات فقد ضمت في الغالب أشخاصا موالين للحزب الحاكم حتى وان كانوا مستقلين ظاهرا أو من أحزاب المعارضة. وكانت سياسات الترغيب والترهيب وإغراءات التعيين في المواقع الهامة بعد قضاء فترة الخدمة في اللجنة العليا كفيلة باستقطاب البعض بينما وجد البعض الآخر نفسه أمام خيارات صعبة. وعملت السلطة على الحد من استقلالية اللجنة العليا للانتخابات بطرق مختلفة بما في ذلك النصوص القانونية الفضفاضة التي لا تمنح اللجنة ضمانات الاستقلالية السياسية والمالية والاختصاصات الواضحة والإمكانات المادية الكافية.
ولعل أهم ما يطالب به اللقاء المشترك بالنسبة للنظام الإنتخابي هو الانتقال من نظام الدائرة الفردية ذات الأغلبية النسبية الذي يعمل على تكريس القبلية والبني السياسية التقليدية إلى نظام القائمة النسبية الذي يعمل على دعم الأحزاب وتعميق الديمقراطية والانتقال التدريجي بالمجتمع من التنظيم القبلي السائد إلى "الدولة" المدنية الحديثة القائمة على أساس المواطنة المتساوية. وفي الوقت الذي يتمسك فيه الحزب الحاكم بوضع "محلك سر" والى "الخلف در" حفاظا على المكتسبات الخاصة مشروعة كانت أو غير مشروعة فان أحزاب اللقاء المشترك تطالب بإعادة النظر في الوضع الراهن وبما يخدم مصالحها التي لا تتناقض بحكم وجودها خارج السلطة مع مصالح اليمنيين في بناء الدولة الحديثة.
ويصر الحزب الحاكم على تشكيل اللجنة إما من القضاة التابعين للسلطة التنفيذية 100%، أو بحسب عدد المقاعد لكل حزب في مجلس النواب وذلك بحكم ان لدى الحزب الحاكم أكثر من 80% من مقاعد المجلس، أو تشكيلها من الأحزاب وفقا لعدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب وهو ما يعطي الحزب الحاكم الأغلبية وبحيث يكون لدى الحزب الحاكم خمسة أعضاء على الأقل مقابل أربعة للمشترك
أما أحزاب اللقاء المشترك فتطالب بتشكيل اللجنة العليا من الأحزاب الممثلة في مجلس النواب بالتساوي وفقا للمبدأ المتعارف عليه دوليا في تشكيل الأجهزة التي يناط بها إدارة الانتخابات، أو تشكيل اللجنة بطريقة متوازنة وبحيث يعطى احد الأطراف خمسة أعضاء (الأغلبية) في حين يعطى الطرف الآخر أربعة أعضاء بما في ذلك رئاسة اللجنة، أو تشكيل اللجنة العليا من الحاكم والمشترك بالتساوي (أربعة/أربعة) مع اختيار رئيس اللجنة بالتوافق بين الجانبين..
ولا تتمثل المشكلة في غياب الحلول بقدر ما تتمثل في غياب الحوار كنتيجة لغياب الثقة بين أطراف العملية السياسية. ولو توفرت النية لحل الإشكالية فانه يمكن التفاوض حول إدخال بعض التعديلات على أي من الخيارات المطروحة من اللقاء المشترك على اعتبار أنها أكثر واقعية ومنطقية. فما المانع مثلا ان تشكل اللجنة من الطرفين بالتساوي وعلى ان يتم التوافق على العضو التاسع ودون اشتراط ان يكون رئيسا للجنة. ومع ان هذا الخيار يعطي المؤتمر رئاسة اللجنة الا انه لا يخل بالحد الأدنى من التوازن.
مستقبل الخلاف
هناك من يطرح بان الحزب الحاكم يسعى إلى إعادة تفصيل الدستور من جديد بما يكفل الاستحواذ على السلطة كاملة غير منقوصة بما في ذلك رئاسة الجمهورية التي يفترض ان تنتهي فترة شاغلها الحالي في عام 2013 دون ان يحق له الترشح من جديد. ويرى أصحاب وجهة النظر تلك ان الحزب الحاكم سيسعى إلى تمرير تعديلات دستورية لن تكون مقبولة من الشعب في ظل الظروف الحالية وانه لذلك يعمل على ضمان السيطرة على اللجنة العليا للانتخابات كي يمرر تلك التعديلات وكي يضمن الحفاظ على أغلبيته الكبيرة في مجلس النواب بالطرق الشرعية أو غير الشرعية. وإذا صحت وجهة النظر تلك فان احتمال لجوء الحزب الحاكم إلى التوافق بشأن تشكيل اللجنة قد لا يكون خيارا مطروحا للتفاوض بالنسبة له.
وفي المقابل هناك من يرى أن أحزاب اللقاء المشترك تنظر إلى تشكيل اللجنة العليا للانتخابات على انه يمثل حجر الزاوية في إصلاح النظام الانتخابي وفي بدء مشروع بناء الدولة الديمقراطية الحديثة. وترى أحزاب اللقاء المشترك وفقا لوجهة النظر تلك ان هدف الحزب الحاكم خلال المرحلة القادمة هو إلغاء وجودها من الخريطة السياسية وتحويلها إلى صورة كربونية لأحزاب المجلس الوطني للمعارضة والتي لا يزيد عدد أعضاء كل حزب فيها عن العضو الواحد وهو رئيس الحزب والذي يصوت للحزب الحاكم عند اللزوم. ومن غير المتوقع، إذا صح هذا التشخيص لموقف أحزاب اللقاء المشترك، ان تتراجع تلك الأحزاب عن موقفها المصر على تشكيل اللجنة بشكل متوازن وبما يضمن عدم توظيفها لصالح طرف على حساب الآخر.
ومع ادراك الفارق في المسئولية بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك فان لا أحد يمكنه ان يطالب الأحزاب بالتضحية بمصالحها من اجل الوطن. وأقصى ما يمكن ان يطالب به الإنسان هو ان لا تضحي تلك الأحزاب بالوطن من اجل مصالحها.. ومن المهم ان يدرك الجميع ان تشكيل اللجنة العليا ينبغي ولأسباب عملية ان يكون النقطة الأولى على جدول الحوار لان اللجنة لا بد أن تشكل وبسرعة حتى تبدأ في أداء واجبها في التحضير للانتخابات.
إشارات...
o سيكون المؤتمر القادم للصحفيين اليمنيين محطة هامة في مسيرة الصحافة اليمنية لأنه يأتي في وقت اشتدت فيه الهجمة على الصحافة وحرية التعبير وتكالبت فيه محاولات الخارج لفرض قيمه ومصالحه على الداخل. وسيكون على الصحافيين في مؤتمرهم القادم القيام باختيارات صحيحة في انتخاب قياداتهم والتفريق بين مرشحي الداخل ومرشحي الخارج وبين الشخصيات "الظلية" التي تعمل ك"الخفافيش" في الظلام ولا تمانع من التحول إلى خنجر في يد الأجنبي يطعن به خصر الوطن تارة باسم "التحديث" وأخرى باسم "الحرب على الإرهاب" وثالثة باسم "الاستثمار" ورابعة باسم "حقوق الإنسان" وبين الشخصيات المنحازة إلى قيم المهنية والصدق والشفافية والمواجهة وتحمل المسئولية والالتزام بالمصالح العليا للشعب اليمني.
o يتقدم الكاتب بالأصالة عن نفسه ونيابة عن كافة أبناء بني علي بخالص العزاء واصدق مشاعر المواساة إلى الأخ احمد غالب الحيدري بوفاة نجله الأستاذ رشيد والذي كان مثالا للشباب الطامح والصادق والمستقيم. لقد آلمنا جميعا رحيل رشيد الأستاذ والمربي والابن البار لبني علي وهو ما زال في ريعان شبابه. وعزاؤنا جميعا هو ان رشيد لم يرحل الا وقد ترك بعده الأثر الحسن الذي سيظل حيا في قلوب كل النزيهين والشرفاء. نسأل الله عز وجل ان يسكن الراحل فسيح جناته وان يلهم أبيه وإخوانه وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان وان لله وان إليه راجعون.

عن الأهالي بتاريخ २३ يونيو http://www.alahale.net/details.asp?id=2722&catid=44

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق