الثلاثاء، 2 أبريل 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية (غير مسلسل 11)



عملت إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما في إطار مساعيها لإقناع السعوديين بجدوى وأهمية الاتفاق النووي الذي وقعته دول الـ5+1 مع إيران في 14 يوليو 2015 على التركيز على المسار الدبلوماسي بما يتضمنه ذلك من تكثيف التفاعلات الدبلوماسية المباشرة (بين الأمريكيين والسعوديين) أو غير المباشرة (تتم بين السعوديين وأطراف ثالثة كمسئولي الدول التي شاركت في المفاوضات مع إيران بشأن البرنامج النووي)  والتي يتخلل المباشر منها الشروح والتفسيرات والتأكيد المتكرر على التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها في مواجهة أي تهديد يمكن أن تمثله إيران دون أن يتم الإسهاب في الحديث عن النقطة الأخيرة.   

ودشن اوباما الجهود الدبلوماسية الأمريكية المباشرة الموجهة على نحو خاص إلى السعوديين في اليوم ذاته الذي شهد توقيع الاتفاق مع إيران حيث أجرى اتصالا هاتفيا مع  الملك سلمان قدم  خلاله شرحا موجزا حول تفاصيل الاتفاق الذي تم توقيعه مؤكدا في الوقت ذاته على التزام الولايات المتحدة  بأمن واستقرار الإقليم. وبدوره، أكد الملك سلمان خلال الاتصال بأن السعودية تدعم أي ترتيبات تضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وهو الرد الذي يمكن أن يفهم بطرق مختلفة، لكنه لا يتضمن قبولا أو رفضا قاطعا للاتفاق الذي تم التوصل إليه.    

وفي إطار تلك الجهود الدبلوماسية، عقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 16 يوليو، بتوقيت واشنطن، جلسة مباحثات مع نظيره السعودي عادل الجبير الذي كان الملك سلمان قد أرسله لاستطلاع الوضع في واشنطن عن كثب. وقال كيري خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب الجلسة بالحرف "نحن ملتزمون (أمريكا والسعودية) بالعمل معا على مواجهة أي تنظيم متطرف، بما في ذلك أنشطة إيران في الإقليم، وأي تحديات أخرى للأمن والاستقرار في المنطقة." وأضاف انه ناقش مع الوزير الجبير بعض جوانب الاتفاق مع إيران، لكنه أضاف مستدركا، في إيحاء ضمني بوجود اختلافات في وجهات النظر، أن لديه الثقة بقدرة الدولتين على الاستمرار في العمل معا.  




وفي  17 يوليو  2015، والذي صادف أول أيام عيد الفطر في السعودية، التقى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في واشنطن كلا على حده: الرئيس الأمريكي باراك اوباما؛  جون بايدن، نائب الرئيس؛ وسوزان رايس مستشارة الأمن القومي. وذكرت تسريبات، ربما قصد منها ممارسة المزيد من الضغوط على  السعوديين من جهة وإظهار العلاقات السعودية-الأمريكية بصورة تجافي ما كانت عليه، أن اوباما، الذي من النادر أن يلتقي مسئولين اقل في درجاتهم من رؤوسا الدول، قد قابل الوزير السعودي عادل الجبير في إجراء استثنائي، لأن الملك سلمان طلب منه ذلك.

وفي 20 يوليو، طرح على وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة (الأمريكية) سؤال عما إذا كان الاتفاق مع إيران سيساهم في نمو الاقتصاد الإيراني وجعل إيران بالتالي أكثر قوة وقدرة على التأثير في دول المنطقة، فأجاب كيري بالنفي معللا ذلك بوجود أسباب تمنع حدوث مثل ذلك الأمر وتتمثل في: وجود حواجز طبيعية بين فارس والعالم العربي (ربما قصد الحاجز الجغرافي المتمثل في الخليج العربي)، وجود اختلافات مذهبية بين مسلمي إيران ومسلمي الدول العربية (سنة-شيعة)؛  كون السنة يمثلون الغالبية العظمى من المسلمين قياسا بالشيعة؛  ولأن أمريكا، حسب قوله اتفقت مع دول الخليج على أنه في حال استمرار إيران في دعم الأنشطة المزعزعة للاستقرار في الدول العربية، فإنه سيتم الرد على ذلك بقوة.            

وإذا كانت جهود وزير السلم (الاسم غير الرسمي الذي يطلق على وزير الخارجية الأمريكي أحيانا) الذي كثيرا ما يتردد على السعودية في إقناع السعوديين غير كافية، فقد قام آشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي (وزير الحرب) في 22 يوليو، بتكليف من البيت الأبيض، بزيارة السعودية في إطار جولة إلى المنطقة  بدأها  بإسرائيل التي كانت معارضتها للاتفاق أكثر صلابة وتشددا من الموقف السعودي.

وقد التقى كارتر، خلال زيارته القصيرة للسعودية التي استمرت لبضع ساعات فقط، الملك سلمان في قصر السلام بجدة، بحضور، بالإضافة إلى مسئولين آخرين، كل من الأمير محمد بن نايف ولي العهد-وزير الداخلية، والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد-وزير الدفاع. وجدد كارتر خلال اللقاء التزام بلاده بأمن حلفائها، وقال عقب اللقاء، في تصريحات نقلها عنه راديو سوا، أن الملك سلمان رحب بالاتفاق النووي مع إيران، لكنه ( أي الملك) أبدى تحفظا حول الآليات التي تلزم إيران بالتنفيذ من جهة، وتضمن إعادة فرض العقوبات في حال فشلت  إيران في الإيفاء بالتزاماتها. 

وفي 3 أغسطس، حضر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، اجتماعا لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي استضافه وزير الخارجية القطري خالد العطية بمدينة الدوحة. وعقب الاجتماع قال العطية، في مؤتمر صحفي عقده مع كيري، أن الاتفاق النووي مع إيران يمثل "الخيار الأفضل من بين خيارات أخرى"، وأن هناك ثقة بأن ما تم التوصل إليه "يجعل الإقليم أكثر أمنا واستقرارا."

وحول ما طرحه الجانب الأمريكي أثناء اللقاء، أشار العطية إلى أن كيري أعاد تكرار تطميناته بأن الولايات المتحدة ستمنع إيران من الحصول على سلاح نووي إذا أخفقت طهران في الإيفاء بما التزمت به، وأن الولايات المتحدة ستعمل على تعزيز جهودها في تدريب القوات الخاصة في دول الخليج وإجراء التمارين العسكرية المشتركة، وستزيد من حجم المعلومات الاستخبارية التي تشاركها مع دول الخليج بما في ذلك تلك المتصلة بعملاء إيران الذين يعملون على إثارة الشعوب، وستساعد دول الخليج في تعزيز دفاعاتها الصاروخية، وتطوير قدراتها على إفشال المحاولات الإيرانية لتهريب السلاح والأفراد.   وذهب العطية أيضا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، اتفقوا على طرق لتسريع الدعم العسكري الذي وعد به الرئيس اوباما خلال قمة كامب ديفيد في مايو 2015.

وفي 24 أغسطس، في تأكيد جديد على الأهمية التي توليها إدارة اوباما للموقف السعودي من الاتفاق، استقبل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في منزله الصيفي في جزيرة  نانتوكيت بولاية ماساتشوستس، حيث كان يقضي إجازته، وزير خارجية السعودية عادل الجبير. وذكرت التقارير أن الوزيرين ناقشا العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك ملفات سوريا وإيران واليمن.

ولأن الكثير من المسئولين الأمريكيين والسعوديين قد اختاروا شهر أغسطس لقضاء إجازاتهم، فقد اتسمت اللقاءات الدبلوماسية بين الجانبيين بالتراجع الكبير قياسا بكثافتها في شهر يوليو. وكان الكل يتطلع إلى الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الملك سلمان إلى واشنطن في مطلع شهر سبتمبر تلبية لدعوة رسمية تلقاها من الرئيس اوباما، وكشف عنها  وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر خلال زيارته للسعودية في الثلث الأخير من يوليو.

وكان الكل يراهن على أن قمة سلمان-اوباما  ستكون بمثابة تتويج للجهود الدبلوماسية الهادفة إلى التقريب بين وجهتي نظر الجانبين وردم أي فجوة ما زالت قائمة بينهما والعمل على تجديد وتعزيز التحالف الاستراتيجي بين الدولتين.  وعلى عكس ما حدث في شهر مايو، حين غير الملك سلمان خططه فجأة ولم يحضر القمة الأمريكية-الخليجية في كامب ديفيد، فقد كان هناك شعور بالاطمئنان هذه المرة بأن الملك لن يخلف وعده من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق