الأحد، 14 أكتوبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(35)



لعب الإرهاب دورا هاما في عملية التحضير طويلة المدى للحرب الأمريكية-السعودية على اليمن والتي بدأت بعد التوقيع على اتفاقية الحدود بين اليمن والسعودية في عام 2000 ولا يتسع المجال لاستعراض تفاصيل ذلك الدور، بل يقتصر التركيز هنا على دور الإرهاب خلال مرحلة المفاوضات النهائية بين إيران ودول الـ5+1.

وكما سبق الإشارة، فقد بدأت الحرب الجوية على اليمن في ذات اليوم الذي بدأت فيه الجولة الأولى من مفاوضات المرحلة النهائية بين إيران ودول الـ5+1 في لوزان بسويسرا (26 مارس 2015). وبعد أسبوع فقط، أي في الـ2 من ابريل، انتهت الجولة الأولى من المفاوضات بتوصل الأطراف المشاركة إلى الاتفاق الإطاري المبدئي وعلى أن تستمر المفاوضات حتى التوصل إلى الاتفاق النهائي شريطة أن لا يتجاوز السقف الزمني للمفاوضات الـ30 من يونيو 2015.

ويلاحظ أن جماعات القاعدة في جزيرة العرب، قد كثفت من عملياتها خلال فترة المفاوضات  حيث سيطرت في 2 ابريل (اليوم الذي توصلت فيه المفاوضات بشأن النووي الإيراني إلى الاتفاق الإطاري) على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، واقتحمت السجن المركزي في  المدينة وحررت 150 سجينا بينهم أعضاء ينتمون إلى القاعدة، وفي مواجهة ذلك بدأ رجال القبائل في 4 ابريل محاولات إخراج القاعدة من المدينة. وشن متهمون بالانتماء إلى القاعدة هجوما على موقع حدودي سعودي في 7 ابريل وقتلوا 2 من جنود الموقع. وفي 12 ابريل قتلت عناصر القاعدة عقيدا في الجيش في وسط محافظة شبوة. وفي  16 ابريل وسعت القاعدة نطاق سيطرتها في المكلا لتشمل مطار الريان، ميناء المكلا، وميناء تصدير النفط. وفي 17 ابريل، سيطرت القاعدة على معسكر بمدينة المكلا وغنمت ما بداخله من أسلحة. وفي 30 ابريل نشرت جماعة قيل أنها تنتمي إلى "داعش" فيديو يعرض قتل 4 جنود عن طريق قطع الرأس و 10 عن طريق إطلاق النار.

  
وفي المقابل، كثفت الطائرات الأمريكية بدون طيار من عملياتها خلال المرحلة. فشنت في 12 ابريل غارة قيل أنه قتل فيها القيادي في القاعدة ابراهيم الربيش مع آخرين. وفي ليلة 16/17 ابريل قتلت 2 من المشتبه بانتمائهم إلى القاعدة في محافظة شبوة. وفي 18 ابريل قتلت طائرة بدون طيار 3 من العناصر المشتبه بانتمائها إلى القاعدة كانوا على متن سيارة في منطقة الصعيد بشبوة. وفي 22 ابريل قتلت طائرة بدون طيار 7 من العناصر المشتبه في انتمائها إلى القاعدة في مدينة المكلا.

وبينما تصدر التصعيد العسكري والدبلوماسي خلال الثلثين الأول والثاني من شهر مايو أدوات الثواب والعقاب للإيرانيين والسعوديين على السواء، فقد عادت عصا الإرهاب لتنشط من جديد بحلول الثلث الأخير من مايو.    وقد بدأت الأحداث في يوم الجمعة الـ22 من مايو 2015 بتفجير انتحاري يرتدي حزاما ناسفا نفسه في مسجد الإمام علي ابن أبي طالب الخاص بالشيعة في بلدة القديح بمحافظة القطيف السعودية مما أدى إلى  مقتل 22  وجرح العشرات من المصلين.  وفي ذات اليوم ذكرت مصادر أن عبوة ناسفة انفجرت، بينما تم إبطال أخرى، في مسجد الصباح بصنعاء مما أدى إلى جرح عدد من المصلين. وأعلن تنظيم داعش مسئوليته عن تفجيري  صنعاء والقطيف. 

ووصفت إذاعة طهران العربية هجوم بلدة القديح بأنه "إرهاب وهابي" في إشارة إلى المذهب السائد في السعودية. واتهمت الجماعات الشيعية في المنطقة كحزب الله في لبنان، وجماعة مقتدى الصدر في العراق، الحكومة السعودية بالضلوع في التفجيرات ضد أتباع آل البيت، أي  المتشيعون لآل البيت.

وبينما قوبل التفجير في مسجد الإمام علي بإدانات واسعة داخل السعودية وخارجها، ونظر إليه كمؤامرة تهدف إلى جر السعودية إلى حرب طائفية، فقد طالب الآلاف من الذين شاركوا في تشييع الضحايا يوم 26 مايو بأقفال القنوات المتشددة التي تحرض على الشيعة في السعودية، والتخلي عن ازدواجية الخطاب  فيما يتصل بالمسألة الطائفية.

وفي يوم الجمعة الـ 29 من مايو، استهدف تفجير إرهابي مسجد "الحسين" الخاص بالشيعة في حي العنود في مدينة الدمام بالسعودية، لكن الإرهابي الذي قيل انه كان يرتدي ملابس نسائية، لم يتمكن هذه المرة من تحقيق هدفه بالدخول إلى المسجد وتفجير نفسه بين المصلين. فقد أعترضه اللجنة الشعبية التي تحفظ أمن المسجد، وأرادت تفتيشه، مما اضطره كما يبدو إلى تفجير نفسه في  مرآب المسجد، وهو ما أدى إلى سقوط 4 قتلى و10 جرحى. وأعلن في صنعاء مساء ذات اليوم إبطال عبوة ناسفة زرعت في حذاء في مسجد الكبسي بشارع الزراعة.

واتهمت وسائل إعلامية محسوبة على إيران النظام السعودي باللامبالاة بحياة المواطنين الشيعة. وتحدث السعوديون صراحة في استجاباتهم للعمليات الإرهابية في القطيف والدمام عن وجود المذهبية في مجتمعهم وعن رفضهم لمحاولات التفريق والتمييز وإثارة النعرات بين أبناء المجتمع الواحد وطالبوا بسن قوانين لحماية الوحدة الوطنية.  

وفي 8 يونيو، عبر مجلس الوزراء السعودي عن استنكاره لمحاولات أطراف إرهابية زعزعة الاستقرار في مملكة البحرين. وجاء الموقف السعودي بعد إعلان البحرين، ذات الأغلبية السكانية الشيعية، تمكنها من اكتشاف وتفكيك خلية إرهابية كانت تعد لتنفيذ عمليات إرهابية في الدولة وفي دول خليجية أخرى.   وعرض تلفزيون البحرين مخططا إرهابيا، مشيرا في السياق أن عددا من قيادات الخلية تلقوا التدريب في العراق ثم عادوا إلى البحرين في اتهام ضمني لإيران.

وفي 20 يونيو، ذكرت أنباء أن سيارة مفخخة انفجرت أمام جامع قبة المهدي في مدينة صنعاء القديمة باليمن مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.  وبلغت موجة الإرهاب الصيفي ذروتها في يوم الجمعة الموافق 26 يونيو 2015 (التاسع من رمضان)، أي قبل 4 أيام فقط من الموعد المحدد لانتهاء المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وهو 30 يونيو.

ففي الكويت، قتل 27 شخصا وجرح العشرات غيرهم  بعد أن قام إرهابي قيل انه سعودي  بتفجير نفسه في مسجد "الإمام الصادق" الخاص بالشيعة. وتعد الكويت أقل محافظة اجتماعيا من السعودية وتضم أعلى نسبة من الشيعة بين سكانها قياسا  بدول الخليج الأخرى، ويتمتع سكان الكويت، بخلاف شيعة دول الخليج الأخرى  ببعض الحقوق، بما في ذلك حق التمثيل السياسي. وقتل في مدينة سوسة التونسية كما قيل 38 شخصا (30 منهم بريطانيين وثلاثة أيرلنديين وألمانيين وروسي وبلجيكي وبرتغالي) وجرح آخرون في هجوم إرهابي قيل أن مسلح وصف بأنه "إسلامي" شنه على فندق "مرحبا ريو امبريال" السياحي ذو الخمسة نجوم. وفي فرنسا قتل شخص وجرح آخر في هجوم قيل أن شخص على صلة بالحركة السلفية اسمه ياسين صالحي (35 عاما) قام به على مصنع للغاز يقع في جنوب غرب البلاد، وتضاربت الأنباء حول الحادث وذكر بعضها انه تم العثور على جثة بدون رأس في مكان قريب من منطقة الحادث.

وفي حين أكدت تلك الأعمال الإرهابية لإيران مقدار المخاطر التي يواجهها الشيعة وأهمية العودة للانخراط كعضو فاعل في المجتمع الدولي مهما كانت التنازلات التي يتم تقديمها، فإنها أكدت للسعوديين والخليجيين ما سبق أن قاله لهم باراك أوباما من أن الإخطار التي تواجه دولهم ستأتي من الداخل وليس من الخارج، أي ليس من إيران، بل من الجماعات الدينية السنية المتطرفة داخل حدودها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق