الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(32)



حضر القمة الخليجية-الأمريكية من قادة دول الخليج كل من أمير قطر وأمير الكويت، وهما دولتان تشعران بالقلق من سياسات السعودية، في ظل حكم سلمان، أكثر مما تشعران بالقلق من امتلاك إيران للسلاح النووي. وأرسلت سلطنة عمان التي كانت قد لعبت دورا هاما في الوساطة بين إيران ودول الـ5+1 خلال المراحل الأولية من المفاوضات (عقدت في مارس 2013) ممثلا عن السلطان الذي لا تسمح له حالته الصحية بالحضور، ولم تكن السلطنة على أي حال بحاجة إلى أي طمأنة فيما يتصل بإيران، وإذا كان قد ساورها أي نوع من القلق، فإنه قد اتصل باحتمال أن  يحاول السعوديون الانتقام منها بسبب دور الوساطة الذي لعبته.   

ومثّل الإمارات في القمة، بدلا عن رئيسها الشيخ خليفة بن زايد الذي يعاني من متاعب صحية، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي يرى أن الإخوان المسلمين، الذين لا يحتلون أي من جزر بلاده، أكثر خطرا على الإمارات من امتلاك إيران، التي تحتل ثلاثا من جزر الإمارات، للسلاح النووي.   أما أمير البحرين، والذي يعد الأكثر عداء لإيران، وإن كان الأقل تأثيرا في مجرى الأحداث، فقد اختار ولي عهده سلمان بن حمد  ليحضر بدلا عنه.  وكان أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج من ضمن المشاركين أيضا.       



وفي اليوم ذاته الذي أقر فيه مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون الذي يعطي الكونجرس بمجلسيه حق مراجعة أي اتفاق تتوصل إليه إدارة اوباما مع إيران، وهو 14 مايو 2015، صدر البيان الختامي عن قمة "كامب ديفيد" الخليجية-الأمريكية.  وقد بدأ البيان، بحسب النسخة التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية التي تصدر من لندن في 16 مايو، على النحو التالي:

"اجتمع مساء أمس في كامب ديفيد ممثلو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمين العام لمجلس التعاون، مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأعضاء حكومته، بهدف تأكيد وتوطيد الشراكة القوية والتعاون بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون. وأكد القادة على التزامهم المشترك حيال شراكة إستراتيجية بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون، لبناء علاقات أوثق في كافة المجالات، بما فيها التعاون في المجالين الدفاعي والأمني، ووضع حلول جماعية للقضايا الإقليمية، وذلك لتعزيز اهتمامهم المشترك في الاستقرار والازدهار."

ويفهم من المقطع الأول من البيان أن قمة اليومين قد تحولت إلى مجرد لقاء مسائي عقد في اليوم السابق على صدور البيان (13 مايو) بحسب النسخة العربية من البيان، بينما عقد بحسب النسخة الانجليزية من البيان المنشورة على موقع البيت الأبيض، يوم 14 مايو.  

وبعد إيراد جملتين إنشائيتين يخلص البيان إلى القول:         

"إن الولايات المتحدة على استعداد للعمل سويا مع دول مجلس التعاون لردع والتصدي لأي تهديد خارجي يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة لسلامة أراضي أي من دول مجلس التعاون، وفي حال وقوع مثل هذا العدوان أو التهديد به، فان الولايات المتحدة على استعداد للعمل على وجه السرعة مع شركائها في مجلس التعاون لتحديد الإجراء المناسب الواجب اتخاذه باستخدام كافة السبل المتاحة، بما في ذلك إمكانية استخدام القوة العسكرية، للدفاع عن شركائها في مجلس التعاون.
وكما حدث في عملية (عاصفة الحزم)، فإن دول مجلس التعاون ستقوم بالتشاور مع الولايات المتحدة عند التخطيط لعمل عسكري خارج حدودها، خاصة عند طلبها لمساعدة الولايات المتحدة فيه.
وبهذه الروح، وانطلاقاً من مبادئ (منتدى التعاون الاستراتيجي) بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون، بحث القادة تأسيس شراكة إستراتيجية جديدة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون، لتعزيز عملهم الهادف إلى تحسين التعاون الدفاعي والأمني، خاصة فيما يتعلق بسرعة الإمداد بالأسلحة، ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري، والأمن الإلكتروني، والدفاع ضد الصواريخ الباليستية".

ولا تخلو الإشارة التي وردت في المقطع السابق إلى عملية "عاصفة الحزم" من دلالة تتجاوز معاني الكلمات التي وظفت لتوليد المعنى، وإن كانت تبعث على القلق أكثر من الطمأنينة. فالحالة اليمنية تعني، عندما تستخدم كنموذج، أن ترهن الدول الخليجية سيادتها للأمريكيين خلال مراحل التخطيط والتنفيذ لعملية عسكرية، وأن يتم امتصاص مواردها وقدراتها لعقود، وأن يظل نظامها قريبا من الحافة معتمدا في بقائه أو زواله على القشة الأمريكية التي يتعلق بها كما هو عليه حال السعودية والامارات اليوم.

ويمضي البيان، فيؤكد على ما يلي:

"تعارض الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون وستعمل معا للتصدي لأي أنشطة إيرانية تزعزع الاستقرار في المنطقة ، وتشدد على ضرورة أن تتعاون إيران في المنطقة وفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سلامة الأراضي بما يتفق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وضرورة أن تقوم إيران باتخاذ خطوات فعلية وعملية لبناء الثقة وحل النزاعات مع جيرانها بالطرق السلمية."

والمقطع السابق يشبه النصيحة الأخلاقية التي يلقيها الناس على بعضهم دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء إتباعها، وكان يمكن أن يكون لتلك النصيحة معنى في حالة واحدة فقط هي جعل التفاوض حول الدور الإقليمي الذي تلعبه إيران في المنطقة جزءا من التفاوض على البرنامج النووي الإيراني، لكن مثل هذا الأمر الذي ليس من السهل أن تقبل به إيران، لم يكن أيضا ليخدم توجه أوباما.   

ولا يمكن بالطبع لبيان يصدر عن قمة خليجية-أمريكية أن  يكتفي بذكر إيران بشكل عابر دون أن يعطيها شيئا ما يلين مواقفها على مائدة التفاوض، ولذلك فقد نص البيان على ما يلي:

"بحث القادة أفضل السبل لمعالجة الصراعات الإقليمية والتخفيف من حدة التوترات المتنامية، وفي هذا السياق بحث القادة أكثر الصراعات حدة في المنطقة، بما فيها سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، وما يمكن القيام به لحلها، واتفقوا على مجموعة من المبادئ ، بما فيها الإدراك المشترك بأنه ليس هناك من حل عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة، والتي لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة كافة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والحاجة لوجود حكومة تشمل كافة المكونات في المجتمعات التي تعاني من مثل هذه الصراعات، وكذلك حماية جميع الأقليات وحقوق الإنسان.
في الشأن اليمني، شددت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة على ضرورة بذل جهود جماعية لمواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ، مؤكدين على الحاجة للانتقال السريع من العمليات العسكرية إلى العملية السياسية من خلال مؤتمر الرياض تحت رعاية مجلس التعاون، ومفاوضات تشرف عليها الأمم المتحدة على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وأخذاً بالاعتبار الاحتياجات الإنسانية للمدنيين، رحب الجانبان ببدء الهدنة الإنسانية لمدة خمسة أيام لتسهيل توصيل مساعدات الإغاثة لكافة المحتاجين، وعبروا عن الأمل بأن تتطور الهدنة لوقف إطلاق نار مستدام لمدة أطول. وأعرب الجانبان عن تقديرهما للمنحة السخية البالغة 274 مليون دولار التي قدمتها المملكة العربية السعودية لمتطلبات الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن. وأكدت الولايات المتحدة مجددا التزامها، بالشراكة مع دول مجلس التعاون وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي، بالسعي لمنع تزويد قوات الحوثيين وحلفائهم بالأسلحة والذي يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2216."

واتفق الطرفان كما ورد في نهاية البيان على عقد اجتماعهم الثاني في عام 2016 "بهدف التقدم والبناء على الشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية التي تم الإعلان عنها اليوم."

وما يفهم من البيان الذي لا يساوي في قيمته السياسية ثمن الحبر الذي كتب به، ومن التناقض بين النسختين العربية والإنجليزية في بعض المواضع، هو أن الخلافات بين الطرفين (أمريكا والسعودية بشكل أساسي) قد وصلت  في العام السابع من رئاسة أوباما إلى درجة غير مسبوقة من التدهور، وإن حرص الطرفان على إظهار العكس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق