الجمعة، 1 أغسطس 2014

الوزير الترب وصراع المراكز المقدسة في اليمن


لم يشك كاتب هذا التحليل ولو للحظة واحدة منذ استلام  اللواء عبده حسن الترب مهام منصبه كوزير للداخلية في الثلث الأول من شهر مارس 2014 بأن الوزير الجديد الذي جاء متحررا من كل الإنتماءات في ممارسته لمهامه الأمنية ذات الطابع السيادي سيصطدم بسرعة بالرئيس عبدربه منصور هادي وفريق عمله.

وربما كان الجزء الأكبر من مشكلة الترب، الذي ينتمي الى المناطق الوسطى في اليمن، هو أنه لا ينتمي الى المركز الشمالي المقدس الذي يستهدفه الرئيس هادي بالتفكيك والتصفية بعد قرابة ربع قرن من الهيمنة على السلطة، ولا الى المركز الجنوبي المقدس الذي هيمن على السلطة في جنوب اليمن لمعظم سنوات ما بعد الإستقلال (1969-1986) ويسعى الرئيس هادي الى ترميمه واعادة بنائه ليتمكن من جديد من فرض هيمنته،هذه المرة ليس فقط على الجنوب، ولكن على اليمن بكامله!

ونظر الترب، غير المثقل بالمكائد والمؤامرات والصراعات الدائرة على السلطة بين المركزين المقدسين، الى المشكلة الأمنية في اليمن على انها مشكلة قيادة وموارد وعصابات وجماعات ارهابية وميليشيات، ولم يفطن أو ربما تظاهر بذلك، الى أن المشكلة الأمنية الحالية في اليمن تمثل في خطوطها العريضة انعكاسا لمشروع سلطوي عصبوي مناطقي يشق طريقه عن طريق "الإدارة بالفوضى" ويسعى من ضمن اهداف كثيرة الى إضعاف وتصفية المؤسسات العسكرية والأمنية المحسوبة على المركز الشمالي المقدس واحلالها بقوات عسكرية وامنية موالية للمركز المقدس الذي يسعى الى التشكل من جديد !

وفي حين اعتبر الترب الإرهاب تحديا وطنيا يجب مواجهته على كل شبر من اراضي البلاد، فقد حصر الرئيس هادي جهوده، وفق ضرورات مشروعه السلطوي، في محاربة الإرهاب بشكل مستمر في محافظتي ابين وشبوة باعتبارهما موطن المركز المقدس الجنوبي. واقتصرت حروب هادي على الإرهاب خلال عامي 2012 و2014 على الدفع بالجماعات الإرهابية خارج ذلك المركز ذو الأهمية الخاصة غير مبال بالعواقب التي ستترتب على المناطق الأخرى وخصوصا محافظة حضرموت التي كان وما زال من الواضح ان الجماعات الإرهابية تتقهر دائما نحوها. كما لم يبال ايضا بالتداعيات المحتملة لسياسته تلك على أمن الدول المجاورة لليمن.

وحدث تباين مماثل في نظرة الطرفين الى المتمردين الحوثيين. ففي حين رأى الترب أن الحوثيين جماعة متمردة خارجة عن القانون وتشكل تهديدا للدولة اليمنية والدول المجاورة، وان تطهير محافظتي ابين وشبوة من خطر القاعدة لا بد ان يتبعه اخضاع المتمردين الحوثيين في الشمال لسيادة الدولة، فقد كان الرئيس هادي يرى في الحوثيين، منذ وقت مبكر ، حليفا قويا يمكن توظيفه لتفكيك المركز المقدس في الشمال واستكمال هيمنة المركز المقدس "الأبيني" على اليمن معتقدا اعتمادا على نصائح وتطمينات اطراف داخلية ودولية واقليمية ان بامكانه بعد القضاء على خصومه ومنافسيه احتواء القوة المتصاعدة للجماعة ضمن تنظيم سياسي موحد وتوظيفها بعد ذلك لتثبيت نظامه في مواجهة الداخل والخارج.

ولم يكن هناك مفر، في ظل تلك التباينات، من أن يصطدم الوزير الترب بالرئيس هادي ووزير دفاعه وأن يوجه الأول بنقل اختصاصات الأخير الى نائب وزير الداخلية اللواء علي ناصر الأخشع المنتمي الى المركز المقدس الأبيني، وهو ما دفع وزير الداخلية الى تقديم استقالته. وتكشف رسالة الإستقالة المطولة والمفصلة، والتي تداولها النشطاء عبر الشبكات الإجتماعية والمواقع الإخبارية على نحو واسع، الإختلافات العميقة في الأهداف والرؤى والمواقف بين الوزير والرئيس.

لقد حقق الترب، الذي أظهر في زمن قياسي قدرات قيادية استثنائية، نجاحات سريعة وحاسمة ضد عصابات القتل المأجورة، وجماعات الإرهاب والتخريب. وليس من قبيل المبالغة القول أن القدرات التي اظهرها الوزير الترب والنجاحات التي حققها قد أحرجت كثيرا الرئيس هادي وفريق عمله بما عرف عنهم من قدرات قيادية متواضعة ومن اعتماد شبه كلي على المؤامرات التي يحيكها الخارج كلما كان ذلك محققا لمصالحهم الذاتية، ولو على حساب الوطن وأمنه واستقراره.كما ان تلك النجاحات قد اربكت كثيرا مشروع الرئيس هادي في اقامة نظام عصبوي، ويمكن لها ان استمرت ان تقضي عليه تماما.

ولا يعتقد، رغم ان الرئاسة ما زالت صامتة بشأن الإستقالة، أن التباينات القائمة بين وزير الداخلية ورئيس الجمهورية يمكن تجاوزها. واذا كان اسدال الستار على دور الوزير الترب كوزير للداخلية يبدو حتميا، فإنه لا يعتقد أن الدور السياسي للترب سينتهي عند هذا الحد!





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق