الأربعاء، 25 يناير 2012

تحديات الشهر الأخير من رئاسة صالح

لا يكفي رحيل صالح عن البلاد ولا حتى رحيله عن السلطة ليشعر اليمنيون بان الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد قد انتهت. فهناك في الواقع خمس تحديات آنية تواجه اليمن خلال الشهر المتبقي لصالح في السلطة كرئيس فخري، وبعضها ربما سيظل يواجه اليمن لبعض الوقت في المستقبل. وتتمثل تلك التحديات في : التدهور الأمني، اختطاف الدولة، الثورات الصغيرة، الانتخابات الرئاسية، ومستقبل بقايا النظام.
التدهور الأمني
غادر صالح اليمن وقد عمل كل ما في وسعه لإطلاق الشيطان من قمقمه. وهناك ما يبعث على الاعتقاد ان صالح لن يعود الى اليمن رئيسا وقد لا يعود اليها ابدا. لكن من الواضح ان سفر صالح او بقائه داخل اليمن لن يغير كثيرا من معادلة الأزمات اليمنية المتشابكة ما لم يتبعه اجراءات اخرى. فقد عمل صالح خلال الأشهر الماضية على تعميق الأزمات والنفخ في كيرها بكل ما اوتي من قوة ولم يكن تسلميه لمدينة رداع لخليط من ارهابي القاعدة وانصار الشرعية الضائعة التي تمسك بها صالح طويلا قبل ان يبيعها بحصانة من المحاكمة سوى حلقة من حلقات الفوضى التي اراد صالح ان ينهي بها عهده لعلى وعسى ان تؤدي تلك الفوضى المنظمة الى الكشف عن فضائل صالح لأبناء شعبه الذين اصروا على خلعه باي ثمن. والواضح ان الوضع اليمني يشهد انحدارا مخيفا ينم عن وجود ايادي خفية تسعى لنشر الفوضى وتمكين القاعدة والجماعات الخارجة على القانون من اجل تحقيق اهداف سياسية لا يمكن تحقيقها باي وسيلة من الوسائل.
الدولة المختطفة
رحل صالح عن السلطة لكن الدولة اليمنية الهشة ما زالت في جيبه وجيوب اقاربه والنافذين داخل النظام. فالدولة في اليمن في هذا المنعطف التاريخي ليست سوى قوات الجيش والأمن. وربما ان صالح لم يسخر قوات اليمن العسكرية والأمنية واسلحتها لصالح جماعات القاعدة كما يعتقد البعض. لكن الشيء المؤكد هو ان صالح لم يسخرها ضد القاعدة ولا ضد اي من التهديدات الأمنية التي تتصاعد اليوم بسرعة كبيرة. لم يفعل ذلك بالأمس ولن يفعل ذلك اليوم أو غدا وحتى يوم 21 فبراير.
ومع ان اللجنة العسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار التي خرجت من رحم المبادرة الخليجية اثبتت فاعلية في ازالة المتاريس والضغط على الأطراف لسحب قواتها من الشوارع، الإ ان قدرتها على ممارسة اي سيطرة على قوى الجيش والأمن تبدو منعدمة. ولذلك تجد اليمن نفسها اليوم في سباق صعب، ويفتقر الى التكافؤ، مع جماعات القاعدة. وتبدو حظوظ اليمن في تأجيل ذلك السباق، او الحد من السرعة التي يتطور بها، محدودة. والحال ان اليمن يحتاج وبسرعة الى استعادة السيطرة على ادوات الدولة التي يمكن بها مواجهة القاعدة وغيرها من المخاطر الأمنية المتصاعدة. وعندها فقط يمكن ان يكتسب رحيل صالح معنى واضحا.
الثورات الصغيرة
تشهد اليمن منذ اسابيع ثورات متفرقة داخل عشرات من الأجهزة المدنية والعسكرية والمؤسسات العامة والمختلطة، وكلها تطالب بالتصحيح ورحيل المسئولين الفاسدين الذين تولى صالح تربيتهم خلال 3 عقود. ويلاحظ ان تلك الثورات قد انطلقت بشكل تلقائي ودون ان يقف خلفها اي تنظيم سياسي او حزبي رغم الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب. وجاء رحيل صالح ليزيدها زخما وعلى اعتبار ان صالح نفسه هو ابو الفساد وامه وخاله وعمه. ولم تشمل تلك الثورات كل الجهات وانما شملت جهات محددة عرف عن مسئوليها الفساد الكبير وانتهاك الحقوق لسنوات عديدة. ولا شك ان الثورات الصغيرة مهمة في بناء ثقافة حقوقية وفي دعم النزاهة والشفافية والمسائلة. وتزداد اهمية تلك الثورات عندما تمتد لتشمل قطاعات مثل المدارس الثانوية للبنات.
لكن تلك الثورات الصغيرة وبقدر ما تقدمه من فرص للتغيير الإيجابي فانها ايضا تنطوي على الكثير من المخاطر في ظل التدهور الأمني ووقوف حكومة باسندوة مكتوفة الأيدي وعاجزة عن التصرف السريع وتحقيق التغيير المطلوب وبالسرعة المطلوبة. فبعد اكثر من شهر من المسيرات والاعتصامات لمدرسات وطالبات مدرسة سنان حطروم الإعدادية الثانوية ازدادت مديرة المدرسة صلفا على صلف ولجأت الى استقدام بلاطجة للاعتداء على الطالبات ناهيك بالطبع عن الشلل الذي اصاب العملية التعليمية والشعور بالخذلان بين المدرسات والطالبات وفقدان الثقة بالحكومة. ولجأ محمد صالح الأحمر الأخ غير الشقيق لصالح، الى الاستعانة بقوات الأسرة من حرس جمهوري وامن مركزي لقمع الاحتجاج الذي نفذه جنود وضباط الدفاع الجوي غير مكترث لسلطة هادي او باسندوة ولحقيقة تاريخه الطويل المليىء بالانتهاكات لحقوق منتسبي الدفاع الجوي.
الانتخابات الرئاسية
تمثل الانتخابات الرئاسية المباشرة المقرر اجرائها في 21 فبراير تحد حقيقي لليمن رغم انها شكلية جدا. وينبع التحدي من ان صالح الذي اعلن انه سيعود من الخارج يوم 21 فبراير لتتويج هادي رئيسا وتسليمه دار الرئاسة يراهن على ما يبدو من خلال الشواهد على تنصيب جماعات القاعدة وتسليمها دار الرئاسة بنفس الطريقة التي سلم بها مدينة زنجبار الى تلك الجماعات.
ومع ان الانتخابات الرئاسية المبكرة يمكن ان تجرى تحت اي ظرف من الظروف الا ان التحديات الأمنية المتنامية والتعقيدات التي تتضمنها تلك الانتخابات والمخاطر المحتملة التي سترافقها تجعل المرء يتساءل عما اذا كان من الحكمة انتخاب هادي بشكل مباشر او الركون الى خيار الانتخاب غير المباشر وعلى اعتبار ان طريقة الانتخاب لا تهم مادام هادي قد اصبح رئيسا توافقيا.
وصحيح ان هناك من يعتقد ان تلك الانتخابات ستجعل هادي اكثر قوة الإ ان الأمر ربما ليس كذلك. فاذا كانت الانتخابات الرئاسية التنافسية لم تفد صالح عندما انتفض عليه الشعب، فان الانتخابات غير التنافسية لن تفيد هادي اذا قرر الشعب الثورة على هادي. ويظل انتخاب هادي من قبل مجلس النواب الطريق الأقل تكلفة والأكثر أمنا. فهادي لا يملك المليارات التي يمكنه توزيعها على مراكز القوى لتقوم بحشد الناخبين كما كان يفعل صالح، والدولة اليمنية لا تملك تلك المليارات لتدفع فواتير هادي. وحتى لو كانت تملك مثل تلك المليارات، فانه سيكون من العبث توجيهها للإنفاق على عمل مسرحي بهذه السطحية اراد به صالح ابتزاز بلاده حتى آخر ثانية من رئاسته. وسواء تم انتخاب هادي بشكل مباشر او بشكل غير مباشر فان الشيىء الأكيد هو ان الذين يفتقدون ضوء الكهرباء طوال الليل ولا يجدون القوت الكافي خلال الليل والنهار لن تهمهم الإنتخابات الإ اذا كانت ستنطوي على وجبات غذائية مجانية وبدل تنقل.
مستقبل بقايا النظام
تكمن المشكلة في اليمن في انه لا المؤتمر حزب حقيقي ولا احزاب المعارضة احزاب حقيقية. لقد لامس صالح حياة الأشخاص والأحزاب والقيم فأحال كل شيء وضع عليه يده الى فحم. ومع ذلك فانه يمكن التمييز بين نوعين من بقايا النظام. فهناك الموالون للأسرة الحاكمة بشكل اعمى والذين حتى وان وجدوا داخل الحزب الحاكم فانهم كالأنعام تحركهم الحاجات الأساسية، وهؤلاء سيتكفل بهم الزمن. وبالنسبة للمؤتمر فصحيح ان هناك بعض الأشخاص الذين ما زال بالإمكان الرهان عليهم، الا ان المؤتمر ككل ما زال وكما كان دائما يمثل جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل. وفي حين يراهن البعض في الداخل والخارج على ان يلعب المؤتمر دورا هاما خلال المرحلة القادمة فانه من الواضح ان امكانية استمرار المؤتمر كقوة سياسية سيرتبط بشكل اساسي بقطع الحبل السري الذي يربطه بالأسرة الحاكمة، وهي مهمة شاقة بالتأكيد على الكثيرين في المؤتمر الذين لم يرون انفسهم يوما الإ كجنود لصالح واسرته.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق