السبت، 23 أكتوبر 2010

واقع ومستقبل الحوار الوطني الشامل

د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء
عن صحيفة اليقين العدد 3 ، 23 اكتو بر 2010

مرت حتى الآن قرابة 100 يوم على توقيع اتفاق 17/7 بين السلطة والمعارضة بشأن الحوار الوطني، ومع ذلك فإن الحوار الذي ينظر الكثيرون إلى مسألة نجاحه بعين الشك والريبة ما زال في الواقع يراوح مكانه وما زالت العقبات العسيرة تقع أمامه وليس خلفه. أما ما تم تحقيقه خلال الأشهر السابقة، فقد تمثل في نجاح حزب السلطة وأحزاب اللقاء المشترك في الدوران حول المضمار والقفز على كل الحواجز ثم العودة إلى نقطة البداية. وتمثلت ابرز الحواجز الثلاثة التي تخطتها الأحزاب بشكل عام أولا في محاولة السلطة غير الحزبية بعث جثة اللجنة العليا للانتخابات، وثانيا في محاولتها إحياء سيء الذكر "مشروع تعديل قانون الانتخابات" وتقديمه إلى مجلس النواب، وثالثا، في محاولة السلطة غير الحزبية بناء حاجز جديد أمام القوى السياسية المدنية تمثل في لجنة المرجعية.
وقد تهاوت الحواجز الثلاثة بسرعة والى غير رجعة كما لو كانت قصور من ورق ليس بسبب رشد السلطة ولا نتيجة لقوة أحزاب اللقاء المشترك ولكن استجابة لفعل سياسي خارجي مستمر ومركز وهادف ربما دفع ثمنه السفير البريطاني في صنعاء. وقد تم دفن اللجنة العليا للانتخابات من جديد، وإعيد مشروع قانون الانتخابات إلى الدرج الصدئ الذي خرج منه. أما لجنة المرجعية فقد تم نزع أنيابها في قرار تشكيلها، والأرجح أن دورها لن يأتي الإ حين تختلف قوى الحوار الوطني حول "نواقض الوضوء" بحسب تعبير الدكتور الإرياني.
بالنسبة للنجاحات والإخفاقات التي شهدتها الأشهر السابقة، فقد تمثلت بالنسبة للحاكم وأدواته الحزبية في نجاحه في الحد من النشاط السياسي للمعارضة وإدخالها في حالة سبات عميق وإثارة البلبلة في أوساط قواعدها والاستمرار في إضاعة الوقت وتحقيق هدفه في تأجيل انتخابات ابريل 2011 إلى موعد غير معلوم كسياسة أمر واقع. ورغم أن الحاكم حاول استخدام اتفاق 17 يوليو لإشعال حرب سابعة في صعدة وضرب اللقاء المشترك بإثارة الخلافات بين صفوفه واللعب على أوراق الاختلافات السلالية والمناطقية والإيديولوجية داخله، الإ أن ما تحقق لم يكن بمستوى ما تم التخطيط له، ولا بمستوى الهجمة الإعلامية المنظمة، ولا بمستوى شراء الولاءات الذي تم ولا بمستوى الاستثمارات غير الأخلاقية من قبيل "قرية موناكو." وعلى صعيد الخسائر، فإن خطوات الحاكم وبقدر ما أضعفت المعارضة المدنية فإنها أعطت دفعة قوية للمعارضة الأخرى. ومني الحاكم بخسارة أخرى تمثلت في كشف بعض كروته داخل المشترك مما سيحرمه مستقبلا من اللعب بها.
أما أحزاب المعارضة فقد حققت نجاحين: الأول إقناع الجميع في الداخل والخارج بما في ذلك الحاكم بأن الحوار الوطني الشامل الذي لا يستثني احد بما في ذلك التمرد الحوثي والحراك ومعارضة الخارج هو المدخل الوحيد للتعاطي مع الأزمات القائمة وهذا النجاح لا يمكن لها ادعاء احتكاره. فالكثير من الأصوات داخل الحزب الحاكم وداخل السلطة وخارج اللقاء المشترك لعبت دورا جوهريا في تحقيق هذا النجاح وتثبيته كمبدأ سيكون من الصعب على أي قوة كانت على الساحة محاولة القفز عليه.
أما النجاح الثاني فقد تمثل في تمكنها كذلك ولأول مرة في تاريخها من التحول من لا عب داخلي ثانوي إلى لاعب إقليمي ودولي شأنها في ذلك شأن التمرد الحوثي الذي كان قد تحول إلى لاعب دولي خلال الحرب السادسة وشأن القيادات التاريخية للجنوب التي تمكنت خلال الفترة الماضية ولأول مرة من اكتساب الشرعية كفاعل دولي. وقد بدا ذلك الانتقال واضحا من خلال حرص وكيل وزارة الخارجية الأمريكية وليم بيرنز على اللقاء بها أثناء زيارته لليمن ومن خلال بيانات ووثائق ومواقف مجموعة أصدقاء اليمن. لكن هذا النجاح ذاته لا يعول عليه كثيرا ويخشى أن يتحول إلى قيد على أحزاب اللقاء المشترك وخصوصا وان ما يبحث عنه الخارج هو بيد السلطة وليس في جيوب المعارضة. كما أن هناك الكثير من الغموض حول قدرة أحزاب اللقاء المشترك على القيام بالدور الجديد في ظل حالة "الإملاق" التي تعيشها.
بالنسبة للوضع الحالي للحوار، فإنه يتم التركيز خلال هذه المرحلة على التواصل مع قيادات معارضة الخارج والحراك لدعوتها إلى الالتحاق بالحوار وهناك مؤشرات على أن جميع الأطراف ستقبل بالجلوس إلى مائدة الحوار وذلك لان الضغوط الخارجية، الإقليمية منها والدولية، تعمل في كل اتجاه وبقوة لا قبل لأحد بمقاومتها. لكن الحوار سيصطدم في القريب العاجل، وقبل أن ينتقل من مرحلة التحضير، إلى مرحلة النقاش والتقرير بعقبتين: الأولى هي اختلاف وجهات النظر حول مكان التفاوض؛ والثانية هي الاختلاف حول الدور الذي ينبغي أن يلعبه الخارج.
بالنسبة لمكان الحوار فهناك ثلاثة أطراف رئيسية لن تقبل بعقدة في الداخل نتيجة لأسباب تتعلق بالأمن وهذه نقطة تحظى بتفهم تام من قبل المجتمع الدولي ومن قبل الكثير من القوى في الداخل. ومع أن نقل الحوار من الداخل إلى الخارج ليس شيئا جديدا على اليمنيين أو غير اليمنيين، الإ أن المسألة في الوقت الحالي وفي ظل المعطيات السياسية القائمة لن تخلو من تعقيدات وخصوصا وان الحوار سيأخذ وقتا طويلا ولن يكون بالإمكان انجاز أجندته في أسبوع أو أسبوعين. وهناك بالطبع الكثير مما يمكن عمله، إذا ما حسنت النوايا وتعاون الجميع ووضع مصلحة الوطن نصب عينيه، لتجاوز هذه العقبة في حال حسنت النوايا..
أما العقبة الثانية، فستكمن في الخلاف الذي سينشأ حول الدور الذي يفترض أن يلعبه الخارج في حوار اليمنيين. من جهة، فإن حقائق السياسة والتاريخ والجغرافيا تقول أن قيام أي حوار بين اليمنيين، ناهيك عن إمكانية نجاح مثل ذلك الحوار، لن يكون ممكنا بدون وجود دور خارجي فاعل ومستمر. وتبين حقائق الواقع أن الخارج قد كان بمثابة الوقود الذي حرك قطار السياسة اليمنية في اتجاه الحوار خلال الفترة المنصرمة وقام بدور الكابح حتى الآن في منع انزلاقها خارج القضبان. من جهة ثانية، فإن الدور الذي يمكن أن يلعبه الخارج سيحتاج هو ذاته إلى إدارة وإرادة يمنية تتأكد باستمرار من بقائه جزءا من الحل وتمنعه من التحول مع مرور الزمن إلى جزء من المشكلة القائمة. ولن يخلو تعاظم الدور الخليجي من مخاطر أبرزها انه سيجعل الحوار والعملية السياسية ومستقبل البلاد مرهونا بظروف الخارج وتوجهاته وأجنداته المتغيرة ومخاوفه الأمنية.
ولا تمثل العقبات السابقة كل العقبات المتوقعة والتي يمكن أن تحول بين اليمنيين وبين الدخول إلى قاعة الحوار. كما أنها تقتصر على مرحلة التهيئة للحوار ولا تشمل العقبات التي ستظهر خلال الحوار ذاته. لكن هناك ما يبعث على الاعتقاد بأن العقبتين السابقتين ستكونان الأبرز والأصعب وسيتوقف عليهما مستقبل الحوار. أما بعد أن يجلس المتحاورون إلى مائدة الحوار فستكون هناك عقبات أخرى لكن ربما ليس بحجم العقبتين المشار إليهما أعلاه.
وستكون الأشهر الثلاثة القادمة بمثابة اختبار لمدى قدرة الأطراف السياسية اليمنية في السلطة والمعارضة على تحقيق تقدم واضح وملموس على صعيد الحوار. وستعلن نتيجة ذلك الاختبار في مؤتمر الرياض القادم الذي يتوقع عقده في فبراير 2011..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق