الأحد، 12 يونيو 2011

الثورة الشبابية اليمنية ومعضلة الدستور

لعل أول مسألة يمكن ان تثار عند الحديث عن ترتيبات فترة الانتقال من الحكم الأسري لعائلة علي صالح الى حكم الشعب اليمني هي تلك المتعلقة بوضع الدستور النافذ وهل من المناسب تعليق العمل بالدستور أم الاستمرار في العمل به وترتيب فترة الانتقال وفقا للنصوص الواردة فيه. وتتمثل المشكلة في ان الدستور الحالي قد تعرض للكثير من التشويه وتم كتابته واعادة كتابته ليناسب مقاس الصالح وحاجات اسرته الحاكمة وهو ما يجعله غير صالح البتة لترتيب فترة نقل السلطة من الأسرة المغتصبة لها الى الشعب صاحب الحق فيها.
وللتدليل فقط على الصعوبات التي يمكن ان تنشأ في حال اتفقت القوى السياسية على تنظيم الفترة الانتقالية وفقا لنصوص الدستور الحالي فإن المادة رقم ( 116) تنص على انه "في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها اجراء انتخابات جديدة للرئيس، وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معا يتولى مهام الرئاسة مؤقتا رئاسة مجلس النواب، واذا كان مجلس النواب منحلا حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتا، ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب الجديد."
وبداية فإن اول اشكالية تنطوي عليها المادة التي ترتب انتقال السلطة هي انها تعطي نائب رئيس الجمهورية اذا شغر منصب الرئيس الحق في تولي السلطة لمدة ستين يوما فقط يتم خلالها انتخاب رئيس جديد. واخذا في الاعتبار الأوضاع السياسية والمؤسسية والاقتصادية والاجتماعية التي تجعل من المستحيل انتخاب رئيس جديد خلال ستين يوما فإن المادة تصبح عديمة الفائدة في تنظيم الفترة الانتقالية. ضف الى ذلك أن نائب رئيس الجمهورية يمارس اختصاصاته منذ انتخابات عام 1999 بدون صدور قرار جمهوري بتعيينه وهي خطوة حرص عليها صالح لضمان بقاء السلطة بأيدي اسرته في حال فقدانه القدرة على ممارسة اختصاصاته وسيكون تولي نائب الرئيس للرئاسة في ظل عدم وجود قرار بتعيينه بمثابة مخالفة دستورية. وهناك عائق ثالث امام نائب الرئيس وهو عائق سياسي. فالواضح ان هناك معارضة قوية داخل الحزب الحاكم لتولي امينه العام للرئاسة وهي معارضة متشعبة في أسبابها ولا يتسع المجال لشرحها هنا.
وعودة الى المادة رقم (116) فان الملاحظ انها تنص على انه في حال خلو منصب الرئيس ونائبه وهو الوضع الذي نحن بصدده (بالنسبة لنائب الرئيس لعدم صدور قرار بتعيينه) فإن رئاسة مجلس النواب تتولى الرئاسة مؤقتا ولكن الإشكالية تكمن في ثلاث جوانب: الأول ان مجلس النواب هو في حكم المنحل وهذه المسألة يمكن الالتفاف عليها من خلال التوافق بين القوى السياسية؛ والثانية هي ان هيئة رئاسة مجلس النواب انتهت فترتها القانونية بحسب اللائحة الداخلية للمجلس ولم يتم اعادة انتخابها؛ والثالثة هي أن رئيس مجلس النواب هو من ضمن ضحايا الهجوم على النهدين.
أما المخرج الأخير الذي تقدمه المادة فهو اسناد مهام الرئاسة الى الحكومة في حال ان الخيارات السابقة ليست ممكنة وهنا يلاحظ ان الدستور لم يضع قيدا على طول الفترة التي يمكن ان تتولى خلالها الحكومة الرئاسة وهو ما قد يمثل مخرجا في حال ان الحكومة الحالية لم تكن قد أقيلت منذ مارس الماضي. ومع ان البعض يتكلم عن البدء بتشكيل حكومة الإ انه ليس من الواضح كيف يمكن ان تتشكل مثل تلك الحكومة بدون ان يتم اولا تعليق العمل بالدستور.
وعلى ضوء ما سبق فإن اول خطوة في ترتيب الفترة الانتقالية لا بد ان تكون تعليق العمل بالدستور وإصدار إعلان دستوري ينظم الفترة الانتقالية..وما لم تنجح الثورة الشبابية في تعليق العمل بالدستور كما حدث في مصر فإنها تكون قد فشلت في تحقيق الحد الأدنى من اهدافها..وعلى الجميع ان يدرك انه حان الوقت لصرف النظر عن المبادرة الخليجية التي تراهن على نصوص دستورية تفتقر الى المرونة وعلى شخص رضي على نفسه لسنوات ان يشغل موقع نائب الرئيس بدون قرار تعيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق