قضى خادم
الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية عبد الله بن عبد العزيز نحبه في
وقت ما قبل غروب شمس يوم الخميس الموافق الـ22 من شهر يناير 2015، لكن الحكومة السعودية، التي أصبح يقودها الأمير
سلمان، تكتمت على الوفاة لأسباب تتصل بأمن
الدولة، ومنعت وصول الخبر حتى لأعضاء الأسرة المالكة أنفسهم.
وبدلا من أن
يتوجه انتباه الراي العام الاقليمي والدولي نحو السعودية، حدث العكس تماما. فقد
وجهت وسائل الاعلام الاقليمي والدولي، والناشطون على الشبكات الاجتماعية، انتباههم
الكامل والحصري إلى التطورات الدرامية التي شهدها اليمن خلال الدقائق التي تلت
غروب شمس ذلك الخميس.
بدأت تلك
التطورات بتقديم رئيس الوزراء اليمني ابن اليمن البار خالد بحاح استقالته إلى
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مبررا خطوته، كما ورد في نص الاستقالة التي
وجهها الى الرئيس هادي، بما يلي:
"تعلمون أننا في حكومة الكفاءات قبلنا تحمل مسئولية
قيادة اليمن وتنميتها في ظروف صعبة ومعقدة جدا وجئنا من مختلف المجالات والتخصصات
العلمية والاجتماعية من اجل ان نخدم وطننا ونساهم في إحلال الأمن والاستقرار
الاقتصادي والاجتماعي.
وبالرغم من الفترة القصيرة التي عملنا فيها منذ السابع
من نوفمبر 2014 والحصول على ثقة البرلمان في 18 ديسمبر 2014، إلا أننا استطعنا ان
نعطي الشعب والقيادة مؤشرات حقيقية تدل على ما كان يمكن أن نقدمه لهذا الوطن، ولكن
يظهر بأن الأمور تسير في طريق آخر. لذلك فأننا ننأى بأنفسنا أن ننجر إلى متاهة
السياسة غير البناءة والتي لا تستند الى قانون أو نظام.
ويشهد الله أننا كحكومة كفاءات حاولنا ما أمكن ان نخدم
هذا الشعب وهذا الوطن بكل ما استطعنا من قوة وعلم وكفاءة ومسئولية وضمير. وعندما
أدركنا أن هذا لا يمكن قررنا اليوم أن نقدم استقالتنا لفخامة رئيس الجمهورية والى
الشعب اليمني، حتى لا نكون طرفا فيما يحدث وفيما سيحدث ولا نتحمل مسئولية ما يقوم
به غيرنا أمام الله وأمام الشعب.
نعتذر اليك أيها الشعب اليمني الصابر، ونسأ الله أن يخرج
اليمن الى بر الأمان."
كان خالد بحاح، الذي عاد خصيصا من
نيويورك لإنقاذ بلاده، قد كلف في 13 أكتوبر 2014 بتشكيل حكومة كفاءات، لكنه ظل
يتصرف كسلحفاة ولم تشكل حكومته سوى في 7
نوفمبر، ثم لم تنل تلك الحكومة ثقة مجلس النواب سوى في 18 ديسمبر 2014، أي انها
بالكاد أكملت شهرا منذ حصولها على الثقة. ولم يكن هناك أي مؤشر على أن بحاح، الذي
تتلمذ على يد الملياردير السعودي من أصل يمني عبد الله بقشان، غير مسرور بما يجري
أو انه ينوي تقديم استقالته. وكان من الطبيعي والوضع كذلك أن تأتي استقالته كـ"الزحرات"
المكتومة التي يصدرها المصاب بإمساك شديد عندما يجلس على كرسي الحمام.
وتؤكد تلك المفارقات مع الغموض المشوق
الذي حملته استقالة بحاح وخصوصا قوله بأن "الأمور تسير في طريق آخر" أن
الكل كان ينتظر حدثا غامضا ليقدم وطنه وابناء شعبه قربانا لذلك الحدث الهام والذي يمكن
أن يغير مجرى حياة الإنسان جذريا، كما يمكن أن تفعل ليلة القدر إذا مرت بإنسان وتصرف
بالشكل، وفي الوقت المناسب.
كما تلقي رسالة الاستقالة التي كتبها
بحاح الضوء أيضا على الأسباب والدوافع التي كانت تقف خلف الإصرار على أن يشكل بحاح
حكومة كفاءات وليس حكومة أحزاب رغم أن الأحزاب تقاسمت مقاعد الحكومة (9 حقائب
للمشترك، 9 للمؤتمر، 6 للحراك، و6 للحوثيين-انصار الله). ولو كان بحاح قد ترأس
حكومة أحزاب، لاحتاج على الأقل لعقد
اجتماع لأعضائها قبل أن يتخذ قرارا باستقالة الحكومة.
إذا كانت استقالة خالد بحاح رئيس
حكومة الكفاءات اليمنية بعد دقائق من غروب شمس يوم الخميس الـ22 من يناير 2015 قد
جاءت مليئة بالغرابة، فإن الأغرب منها هو الطريقة التي استجاب بها الرئيس اليمني
الانتقالي عبد ربه منصور هادي، الذي يفوق الخنازير في نهمه للمال والسلطة، لاستقالة رئيس وزرائه.
فمع أن مصطلح "الاستقالة"
ليس من مفردات القاموس السياسي لهادي، ومع أنه كان مستعدا لبيع كل ذرة تراب على
ارض اليمن في سوق النخاسة وإهلاك الحرث والنسل حتى يبقى في موقعه الذي يمارس من
خلاله كل أشكال الامتصاص الداخلي والخارجي، إلا أنه تحول عقب غروب شمس الـ22 من
يناير 2015 إلى كائن آخر مختلف تماما.
فلم يكتف هادي بقبول استقالة بحاح في لحظتها وساعتها، بل أن عاصفة من صحوة الضمير قد اجتاحته وتلبسته
كأنها جنية، فقرر هو الآخر تقديم استقالته إلى هيئة رئاسة وأعضاء مجلس النواب، حتى
لا تفوته ليلة القدر. وقد جاء في استقالة هادي ما يلي:
"لقد
تحملنا مسئولية الرئاسة منذ 25 فبراير 2012 م وانتم لستم بحاجة لشرح الظروف
السياسية والأمنية والاقتصادية في ذلك الظرف وحتى يومنا هذا..
ونظرا
للمستجدات التي ظهرت منذ 21 سبتمبر 2014 م على سير العملية الانتقالية للسلطة
سلميا والتي حرصنا جميعا على أن تتم بسلاسة ووفقا لمخرجات الحوار الوطني التي
تأخرت لأسباب كثيرة وانتم على علم بها.
ولهذا
فقد وجدنا اننا غير قادرين على تحقيق الهدف الذي تحملنا في سبيل الوصول اليه
الكثير من المعاناة والخذلان وعدم مشاركتنا من قبل فرقاء العمل السياسي في تحمل
المسئولية للخروج باليمن الى بر الامان ولهذا نعتذر لكم شخصيا ولمجلسكم الموقر
وللشعب اليمني بعد أن وصلنا إلى طريق مسدود.
ولهذا
(كررها مرة ثانية) أتقدم إليكم باستقالتنا من منصب رئاسة الجمهورية اليمنية والى
مجلسكم الموقر."
والواضح أن هادي، وشأنه في ذلك شأن
بحاح، قرر أن يبتز شعبه وطنيا وعاطفيا حتى النهاية بإشارته إلى أن سبب استقالته هي
المستجدات التي ظهرت منذ 21 سبتمبر 2014 في إشارة منه إلى سيطرة الحوثيين على
صنعاء، لكن هادي، بقدراته المحدودة
بطبيعتها على عقلنة الأقوال والأفعال، لم يلحظ أن الوقت كان متأخرا جدا وأنه لو
كان يعني ما يقول لكان قد قدم استقالته في
يومها وساعتها كما فعل رئيس وزرائه المخضرم محمد سالم باسندوة. أما أن يضع هادي
ضميره في ثلاجة لأربعة أشهر، ثم يقرر فجأة أن يستقيل دون أن يقدم حتى سببا واحدا
مقنعا لما يفعل، فذلك لا يعني سوى أن هادي قد وجد كنزا ثمينا. أما توظيف هادي في
ختام استقالته لتعبير "أتقدم إليكم باستقالتنا" في مخاطبة مجلس النواب،
فيستحق أن يدون في سجلات التاريخ بماء الذهب لما ينطوي عليه من فصاحة لما يسبقه
إليها احد من الإنس والجان.
وباستقالة رئيس البلاد، ورئيس الوزراء
وعلى مرأى ومسمع وسائل الإعلام الدولي، سقطت اليمن بشكل كامل بأيدي الحوثيين، ما
يعني بحسب تفسيرات وسائل الإعلام، سقوطها بأيدي إيران. الملفت للانتباه هو أن بحاح
وهادي في استقالاتهما لم يشيران بالتصريح إلى دور إيراني فيما يحدث في اليمن وتركت
تلك المسألة لكامل لوسائل الإعلام لتقوم بعجنها وخبزها حسب ما يتطلبه الوضع.
ولم يكن هناك ليلة الخميس/ الجمعة
(22-23 يناير 2015) من خبر أو موضوع يمكن أن ينافس تطورات اليمن التي لعب هادي وبحاح
دور البطولة فيها. وحتى وسائل الإعلام التي لم تكن عادة تهتم بالشأن اليمني كثيرا
أو قليلا، عملت في تلك الليلة على تعويض تقصيرها من خلال تغطياتها المكثفة للشأن اليمني. واستضافت القنوات الفضائية مئات
من المحللين بعضهم كان يظهر لأول مرة ليدلوا بدلوهم في شرح وتفسير ما يعنيه سقوط
اليمن بأيدي إيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق