(4)
سارع الجانب السعودي إلى التأكيد بنبرة أكثر حدة بأن بلاده تواجه تحديا
حقيقيا في التعامل مع قطر هذه المرة، وأن الموضوعات محل الخلاف تمثل تهديدا لا شك
فيه لأمن السعودية، واضاف الجانب السعودي ان بلاده لا تملك ادنى حد من المرونة للتعاطي مع قطر
بشكل مختلف. فبتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لمسئولية القيادة كما قال
وحلول لحظة انتقال السلطة إلى الجيل الثالث داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، وفي
ظل ظروف داخلية وخارجية ضاغطة على السعودية للقيام بإصلاحات جذرية سياسية
واقتصادية واجتماعية وثقافية تشمل مختلف
جوانب الحياة، لم يعد ممكنا الحفاظ على الترتيبات والتوازنات التي نتجت عن
"الملكية التشاركية" بين أبناء
الملك المؤسس.
وبينما تستهدف الإصلاحات التي يجري تنفيذها، كما ذكر المتحدث السعودي، بشكل
أساسي إضعاف الحركات والجماعات الدينية المتجذرة اجتماعيا وفي مقدمتها الوهابية
وحركة الإخوان، فإن قطر بحكم إتباعها للمذهب الوهابي وعلاقتها بالإخوان المسلمين
وجوارها للسعودية وامتلاكها للموارد واستعدادها الدائم لتحدي السياسات السعودية
ومعارضتها ورفضها تكييف سياساتها بما بتوائم مع التوجهات السعودية ، تمثل في هذه
الحالة بالذات تهديدا للنظام السعودي بما يمكن أن تتيحه من مجال وتوفره من دعم
للجماعات التي يستهدفها النظام السعودي. ولذلك، فإن الإجراءات التي اتخذتها
السعودية ضد قطر يمكن النظر إليها على أنها إجراءات وقائية تهدف بالأساس إلى منع
قطر من التحول إلى قاعدة للجماعات المناهضة للنظام في السعودية أو مصدر للدعم لتلك
الجماعات. كما تهدف تلك الإجراءات أيضا إلى الضغط على النظام القطري للعمل على تكييف مواقفه في هذه الجوانب الحساسة
بما يتوافق مع التوجهات السعودية.
قال الجانب الأمريكي أن هناك شعور بأن الطريقة التي مهدت بها الدول الأربع
لاتخاذ الإجراءات لم تكن مناسبة ولا ترقى إلى المستوى الذي يفترض أن تتعامل به
الدول مع بعضها أو إلى مستوى الإجراءات التي تم اتخاذها. وقال انه لا يفهم كيف
يمكن أن تفرض عقوبات بذلك الحجم دون تهيئة إعلامية لوقت كاف ودون حدوث تدرج والعمل على تلافي إلحاق الضرر بالمدنيين
والأطراف الأخرى. أما قائمة المطالب التي طرحتها الدول الأربع على قطر لتنفيذها،
فقد تضمنت جوانب قال انها تمس سيادة الدولة، ومثلت محاولة للإذلال وليس طريقة لحل
المشكلات، وقد كان الأجدر بالدول الأربع أن تطرح ما ورد في القائمة كقضايا للتفاوض
حولها والأخذ والعطاء وليس كقرارات جاهزة للتنفيذ.
وذهب الجانب الأمريكي إلى أن ما تبديه السعودية من تشدد ومن إصرار على أن
تكون هي وحدها المرجعية في الحل ورفضها لأي وساطة بما في ذلك الدور الأمريكي يضعف
المكانة الإقليمية لإدارة ترامب ويحرمها من اكتساب أي دور يمكن من خلاله التأثير
على السلوك القطري غير المرغوب.
(5)
تساءل الجانب الأمريكي بنفاذ صبر عما إذا كانت قطر أو الجماعات السياسية
السعودية القريبة منها تعارض انتقال السلطة في السعودية إلى محمد بن سلمان، ورد
الجانب السعودي بالنفي مشيرا إلى أن أمير قطر كان من أوائل الزعماء والقادة الذين
هنئوا الأمير محمد بن سلمان بتعيينه وليا للعهد في يونيو 2017 ، لكنه أشار على
سبيل الاستدراك إلى أن ما تخشاه بلاده
بالضبط على ضوء برنامج الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي
يتبناه ولي العهد السعودي، أن تتحول قطر إلى ملجئ آمن للجماعات السعودية المعارضة
للتوجهات الجديدة، أو أن توفر قطر لتلك الجماعات المنابر الإعلامية، أو تقوم
بدعمها ماديا. وبعد توقف قصير لأخذ نفس طويل، قال أن بلاده لا تريد أن تقوم قطر في
مواجهة السعودية بذات الدور الذي تقوم به تركيا بالنسبة لإخوان مصر، أو بذات الدور
الذي تقوم به قطر ذاتها الآن بالنسبة لإخوان مصر والإمارات وشيعة البحرين.
وعبر الجانب الأمريكي عن خشيته من أن يكون ما سعت السعودية إلى تجنبه من
خلال السياسات المتشددة التي تبنتها ضد قطر هو ما تحقق على أرض وما أصبحت قطر
تمارسه باسم الدفاع عن السيادة والاستقلال وحرية الإعلام وحقوق الإنسان في مواجهة
استهداف سعودي غير مبرر ولا يتناسب في حجمه مع القضايا الخلافية بين البلدين.
رد الجانب السعودي بطريقة لا تخلو من تكرار بأن الإجراءات التي اتخذتها
بلاده وقائية وأنها تهدف بالأساس إلى منع قطر من الاتصال بالمواطنين السعوديين
داخل المملكة بشكل مباشر أو غير مباشر، وكذلك منع السعوديين في الداخل من الاتصال
بقطر بأي شكل، وحرمان قطر بالتالي من تقديم أي دعم للأفراد أو الجماعات التي تناهض
النظام في السعودية. وأضاف أن بلاده تريد أيضا حرمان قطر من الحصول على موارد
مالية ضخمة بهدف منعها من استخدام تلك
الموارد في دعم الجماعات أو البرامج المناهضة للسعودية.
قال الجانب الأمريكي أن بلاده تشعر بأن الخسائر التي تتكبدها اقتصادات
الخليج نتيجة الأزمة تضعف الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة وتهدر موارد يمكن
توظيفها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية السائدة. وأضاف أن الولايات
المتحدة تحتفظ بعلاقات ممتازة مع قطر والسعودية ومع الأطراف الأخرى في الأزمة وأنها تشعر بخيبة الأمل لعدم قدرتها على حلحلة
الأزمة بسبب الموقف السعودي المتشدد وغير المفهوم والذي يرفض حتى فكرة أن تكون
بلاده وسيطا. وأضاف
أن التحالف الاستراتيجي بين بلاده والسعودية، وما أثمره من تحالف تاريخي بين
الجمهوريين وآل سعود، يقتضي التعامل بوضوح
وشفافية بين الجانبين مهما اختلفت وجهات النظر، ومهما كان ما يقال قاسيا.
وأشار الجانب الأمريكي في مداخلته أن الأزمة في الخليج لا تخدم إدارة ترامب
ولا مصالح الولايات المتحدة وأنه في الوقت الذي يتطلع فيه ترامب لانجاز شيء ما من
الموضوعات الأساسية على أجندة السياسة الخارجية فيما يتصل بالصراع
الفلسطيني-الإسرائيلي وباحتواء إيران وبرنامجها النووي والتهديد الذي تمثله لحلفائها
فإن سياساته تواجه بمعارضة من روسيا والصين وأوروبا. وقال أنه لا يمكن احتواء
إيران بالاكتفاء بالتحالف مع السعودية والإمارات وإسرائيل رغم أهمية هذه الدول
بالنسبة لبلاده، وانه لا بد من العمل على رأب الصدع في الخليج وتنشيط مجلس التعاون
الخليجي، وإعادة الحد الأدنى من التضامن الخليجي، والحرص على أن تضطلع السعودية
ومصر بذات الدور التاريخي الذي اضطلعت به.
قال الجانب السعودي مقاطعا، أنه يخشى أن لا يترك لبلاده من طريقة للتعامل
مع قطر سوى خيار رابعة (ربما يقصد غزو
قطر) وطريقة أوباما، رد الجانب الأمريكي أن ذلك الخيار يجب استبعاده تماما
في المرحلة الحالية إلا إذا كان بإمكان السعوديين إقناع إيران بالقيام بذلك
بالنيابة عن السعوديين. رد الجنوب السعودي، أن ذلك قد يكون ضروريا إذا ما أرادت
الولايات المتحدة قطع دابر الإرهاب.
وهنا قاطع احد المتحدثين من الجانب الأمريكي المتحدثين محذرا مما وصفه بانجرار
الجميع في الشرق الأوسط بوعي وبدون وعي إلى الدفع بأجندة هيلاري كلينتون وباراك
أوباما ذات المضمون الليبرالي المتطرف والتي تستخدم غطاء الحرب على الإرهاب لاستهداف
الأديان وضرب القيم المحافظة حول العالم. وأقر المتحدث أن إدارة ترامب والحزب
الجمهوري عموما يتحملون الجزء الأكبر من المسئولية لانسياقهم خلف أجندة
الديمقراطيين التي أصبحت تتخفى خلف محاربة الإرهاب وعدم قدرتهم على تطوير رؤية
تحارب الإرهاب دون أن تفرط بالقيم المحافظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق