الأربعاء، 11 ديسمبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية (غير مسلسل 20)


تدافع الحجيج في منى

"لم يكن هناك مهرب، كنت ترى آباء يتركون صغارهم والمسنين لكي ينجوا بأنفسهم."
الحاج النيجيري
داهيرو شيتو إبراهيم

”كانت أمي تمسك بيد أبي لكن يدها أفلتت، وحين التفتت تبحث عنه كان قد سقط، لك أن تتصور شعورها في تلك اللحظة التي رأت فيها شريك حياتها يفقد حياته“
محمد عمر عارف-لاهور، باكستان

ارتبطت حوادث الحج الكبرى التي تترك خلفها مئات من القتلى منذ تولي آل سعود السلطة في السعودية بتوفر ثلاثة شروط: الأول، الخلاف بين أبناء عبد العزيز على السلطة؛ والثاني، وجود توتر حاد في العلاقات السعودية-الإيرانية؛ والثالث، وجود اضطراب في العلاقات السعودية الأمريكية. وكانت كل تلك الشروط متوفرة في سبتمبر 2015 والذي جعل منه الرئيس الأمريكي باراك اوباما بمثابة شهر المظلومية الأمريكية وعمل خلال السنوات الأخيرة من حكمه على قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين خلاله.  
     
رمي الجمرات الثلاث

شهد يوم الوقوف بعرفة، أي يوم 23 سبتمبر 2015 تعطل النظام الآلي للأبواب في قطار المشاعر، وقد أدى ذلك إلى حدوث 204 إصابة بين الحجاج وهم في الطريق إلى عرفة. ونتجت الإصابات كما قيل عن الإغماء والإجهاد والإعياء. وكان حادثا كهذا يعكس حالة من التوتر في عمل النظام.  وفي خطبة الوقوف بعرفة، وصف مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ الحوثيين (وهم من شيعة اليمن) بأنهم "جماعة مجرمة آثمة ظالمة تحمل فكرا خبيثا، سبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  وكفروا خليفتي المسلمين ابو بكر وعمر."  

وعند منتصف ليل الأربعاء الـ23 من سبتمبر 2015 كان اثنين مليون حاج قد وصلوا إلى مزدلفة، والتي تقع في شرق مكة على مسافة حوالي 20 كم  وشرعوا في جمع الحصى التي سيرمون بها الجمرات الثلاث بدءا من صباح أول يوم من أيام التشريق، أو ما يعرف بيوم النحر.   


وفي الساعة التاسعة من صباح يوم الـ24 من شهر سبتمبر 2015 الموافق العاشر من شهر ذو الحجة، وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك، حدث تدافع بين حشود الحجاج في منطقة منى على الطرق المؤدية إلى جسر الجمرات. وأدى "الحادث"، بحسب تقديرات أولية،  إلى مقتل حوالي 800 شخص وإصابة قرابة 900 آخرين. 

وذكرت وكالة اسوشيتد برس حسبما نقلت عنها بي بي سي في 19 أكتوبر أن عدد الضحايا وصل إلى 2121 منهم 1051 قتيلا. لكن السعودية لم تعلق على التقرير ولم تنشر أي تحديثات تتعلق ببياناتها عن الضحايا التي أعلنتها في مؤتمر صحفي لوزير الصحة السعودي حينها خالد الفالح. وبحسب بيانات جمعت من إعلانات الدول عن ضحاياها فقد بلغ عدد الضحايا من الإيرانيين 464 والمصريين 138 والاندونيسيين 91 والنيجيرين 64 والماليين 60 والهنود 51 والباكستانيين 46.

ووصفت اجنس فرانس برس الحادث بأنه الأسوأ منذ ربع قرن وأن إدارة الحج واجهت انتقادات واسعة، وأن الملك أمر عشية وقوع التدافع بفتح تحقيق لتحديد المسئولين عن الحادث.

تدافع ديني أم سياسي

هناك قرائن قوية على أن تدافع "منى" في 24 سبتمبر عام 2015 كان تدافعا سياسيا وليس دينيا، وأهم تلك القرائن ما يلي:

أولا، ارتفاع عدد الضحايا من الإيرانيين.

ثانيا، جاء التدافع بعد أسبوعين من سقوط الرافعة في الحرم، وهو ما يعني حادثين كبيرين خلال موسم حج واحد، وهذا أمر يصعب قبوله.
  
ثالثا، وقع التدافع، كما يذكر موقع ارم نيوز الإخباري،  في مكان غير مصنف على أنه من نقاط الاختناق. والأكثر من ذلك كما يضيف الموقع هو أن:

"...الجانب الأكبر من المليارات التي أنفقتها السعودية على تأمين الحشود في موسم الحج انصب على تطوير منطقة رمي الجمرات، فتم توسيع الطرق وأقيمت عدة طوابق يتسنى منها رمي الجمار كما زادت نقاط الدخول والخروج لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجيج وتأمينها، كما تتيح أنظمة المراقبة المتطورة وكاميرات الفيديو للسلطات السيطرة على حركة الحجيج والتأكد من أنهم لا يصلون إلى الموقع على نحو أسرع مما ينبغي قبل أن تغادره الأفواج التي سبقتهم."

رابعا، وقع التدافع بعد أن حققت إيران نجاحا كبيرا في مفاوضاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وتأكد ذلك النجاح بفشل الكونجرس الأمريكي في 10 سبتمبر أي قبل أسبوعين من حادثة التدافع في الاعتراض على الاتفاق الذي قادته إدارة اوباما. وكان نجاح إيران في التوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب يعني فشلا سعوديا ذريعا في الإبقاء على إيران محاصرة اقتصاديا ومنعها من بيع نفطها في الأسواق الدولية، ناهيك عن اعتراف المجتمع الدولي بسلمية وقانونية البرنامج النووي الإيراني.  

رابعا، للسعوديين تاريخ طويل في قتل الشيعة عن طريق الأعمال الإرهابية سواء داخل السعودية ذاتها أو في الدول الأخرى، وقد وظفت الاستخبارات السعودية بشكل متكرر الجماعات المتطرفة لتنفيذ تلك الأعمال. فقد قتل آل سعود منذ عام 1979 بشكل مباشر أو غير مباشر عشرات الآلاف من الشيعة الأفغان والباكستانيين قبل أن تنتقل عملياتها إلى العراق وبعدها إلى اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من دول العالم ويحدث ذلك أحيانا بتواطىء، وأحيانا أخرى بمشاركة أمريكية.

وكما أن الناس لا يتحدثون اليوم عن قتلى الإرهابيين السعوديين في العراق أو سوريا أو في اليمن من الشيعة أو غير الشيعة، فإنهم لم يتحدثوا كذلك عن المذبحة المروعة التي نفذتها "طالبان" ربيبة السعودية ضد سكان مدينة مزار شريف من الشيعة، باستخدام سيارات دفع رباعي وأسلحة رشاشة كانت قد حصلت عليها من السعودية بشكل مباشر أو عبر دولة خليجية أخرى.  وقد خلفت المذبحة، التي وقعت بعد زيارة قام بها الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية إلى أفغانستان في يونيو عام 1998، ما بين 6 إلى 8 قتيل من الرجال والنساء والأطفال الشيعة الساكنين في المدينة.           

رد فعل إيران

أعلنت إيران العزاء 3 أيام على ضحاياها من الحجاج. وانتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، كما نقلت اجنس فرانس برس، "الإجراءات غير الملائمة" التي أدت إلى وقوع التدافع وطالب السعودية بتحمل مسؤولياتها حيال الحادث. وظل الحادث موضوعا للتراشقات الإعلامية بين الإيرانيين والسعوديين لشهور. وبينما طالب الإيرانيون كما نقلت البي بي سي العربية في 4 أكتوبر بـ"تسديد التعويضات إلى أسر الضحايا، ومعاقبة الضالعين في الكارثة، وتقديم السعودية الاعتذار إلى الحكومات والشعوب التي سقط لها ضحايا في الحادث، وتقديم ضمانات للحيلولة" دون تكراره، فقد استمرت شكاوي أقارب الضحايا من مختلف الدول بشأن عدم تجاوب السعودية في موضوع التعويضات.   

الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

تجربتي مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (3+4)

حمل مقترحي البحثي المقدم الى المركز بشكل مبدئي العنوان التالي :  

النزوح القسري في الجمهورية اليمنية (2015-2019):
تأثير الحرب،  جهود الاستجابة، النتائج الماثلة والمتوقعة، والتحديات والفرص

كنت اعرف جيدا أن عنوانا مثل هذا سيكون مزعجا للتحالف ولأمريكا وبريطانيا وخصوصا في مسألة "تاثير الحرب"..لأن الحديث عن تأثير للحرب يرتب حقوقا عامة وخاصة.. بينما قد يفضل التحالف أن يتحدث الباحث عن تأثير النزوح على الحرب، وهو ما يمكن ان يرتب حقوقا للقتلة قبل الضحايا. 





لكني كنت أعول على كل حال على تبعية المركز للديوان الأميري وعلى قومية عزمي بشارة وعلى حقيقة أن الحرب هي التي أدت إلى النزوح وأن النزوح لم يؤد الى الحرب.  كما كنت اراهن ايضا على أن الهدف من الورشة هو مناقشة مآسي النزوح والنازحين وليس تكريم الجبناء من مجرمي الحرب. 

وكتبت في التفاصيل المبدئية للإشكالية أيضا ما يلي:

"شهد اليمن مجزئا وموحدا استقرارا نسبيا بدأ في عام 1970 واستمر لأربعة عقود ونصف قبل أن ينتهي بقيام تحالف مكون من عدد من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية الجار الشمالي لليمن في أواخر مارس عام 2015 بالتدخل عسكريا في اليمن لإعادة ما سمي بـ"الحكومة الشرعية."
 
وعلى الضد تماما من الحروب الداخلية الخاطفة التي شهدها اليمن الجمهوري المشطر (1967-1990) ثم الموحد (1990-2014)، فإن التدخل العسكري الخارجي قد قاد إلى حرب طويلة ممتدة توشك بأبعادها الداخلية والخارجية أن تكمل سنتها الخامسة دون وجود أي مؤشر على أنها  ستضع غبارها عن قريب.

وبالرغم من الآثار المدمرة والمتعددة الأوجه للحرب التي بدأت في أواخر مارس عام 2015 وما قادت إليه من نشؤ أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن هذه الورقة تركز على جانب واحد فقط إلا وهو تأثير الحرب الممتدة على ظاهرة النزوح القسري  لليمنيين داخليا وخارجيا، استجابة أطراف الصراع والمجتمعين الإقليمي الدولي، والتحديات الحالية والمستقبلية المتوقعة الناجمة عن الظاهرة محل الدراسة." 
*****

عندما يرسل احد الباحثين مقترحا إلى مركز بحثي محترم فإنه يفترض أن تكون هناك لجنة تنظر في المقترح. وبغض النظر عن تبعية المركز والجهة التي تموله، فإن اللجنة تتعامل مع المقترحات التي لا تتوافق مع ما يريد المركز الوصول اليه باحدى طريقتين.

يمكنها من جهة ان ترفض المقترح باسلوب مهذب وخصوصا عندما يأتي المقترح بناء على دعوة؛ أو بامكانها ان تصدر ملاحظات توجيهية للباحث بشأن ما يريده المركز، وما يتوافق مع توجهه.

وقد يختار الباحث بناء على الملاحظات التي يتلقاها المشاركة في المشروع البحثي أو يفضل عدم المشاركة اذا كان يجد صعوبة في التوفيق بين افكاره وتوجهاته وملاحظات المركز. 

بالنسبة لمركز حمد بن خليفة وعزمي بشارة وشركائهم من القاعدة وداعش والممول من المخابرات السعودية والأمريكية، فلم يتعامل معي بهذه الطريقة لأن البحث العلمي لا يمثل هدفا للمركز. وما حاجته الى البحث العلمي اساسا اذا كان لديه اصلا فرق من القاعدة وداعش لفبركة الأبحاث واستطلاعات الراي التي تتوافق مع الأجندات الاخوانجية والسعودية والأمريكية.

ولذلك فقد أكتفى المركز الذي يهتم أساسا بمعرفة الطريقة التي يفكر بها الباحثون أكثر من اهتمامه بالبحوث نفسها بالموافقة على مقترحي البحثي دون تقديم اي ملاحظات.

الجمعة، 15 نوفمبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 19)


بحاح يعود إلى عدن

فشلت المحاولة الأولى لخالد بحاح نائب الرئيس اليمني المنفي-رئيس الوزراء في العودة مع بعض أعضاء حكومة المنفى إلى مدينة عدن في مطلع أغسطس 2015  بسبب الأوضاع التي تعيشها المدينة. وبينما ظلت حكومة المنفى تعلن باستمرار نيتها العودة إلى عدن واتخاذها عاصمة مؤقتة للبلاد، فإن المحاولة الثانية لبحاح للعودة إلى عدن قد جاءت في 16 سبتمبر 2015، أي بعد يومين فقط من التعديلات الوزارية التي ادخلها هادي على تشكيلة مجلس الوزراء. وقد عاد بحاح هذه المرة  مع 7 وزراء.

وقد وصفت خطوة بحاح بالعودة إلى عدن ومعه بعض الوزراء بـ"الشجاعة" من قبل بعض المراقبين" بالنظر إلى الوضع الأمني الهش في المدينة، كما قيل.  وفسر البعض عودة بحاح، ربما مغرضا، برغبة بحاح في الدخول في مفاوضات مع الحوثيين والرئيس السابق من منطلق قوة ووجود على الأرض، بينما ذهب آخرون بأنه عاد نتيجة لضغوط إقليمية عليه، ربما في إشارة للسعودية. وإذا صح القول الأخير، فإن المقصود به جناح معين في الأسرة السعودية الحاكمة وليس المملكة بمعنى الكلمة. وقال فريق ثالث أن قرار العودة ربما كان له علاقة بالخلافات المتصاعدة مع الرئيس هادي.  




ورحبت أطراف إقليمية ودولية بما أسمته عودة حكومة بحاح إلى عدن، ومنها فرنسا واحمد الهروان رئيس البرلمان العربي، والأخير مؤسسة جد شكلية وخاضعة للنفوذ السعودي الإماراتي. لكن الترحيب الظاهري بعودة بحاح وتصويره كانتصار للتحالف السعودي الإماراتي لم  يشمل الجميع.

ففي اليوم الذي وصل فيه بحاح  إلى عدن قيل أن "مسلحون مجهولون" يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة  أضرموا النار في كنيسة "القديس يوسف" التي تقع في منطقة البادري بمديرية كريتر، مما أدى إلى نشوب حريق كبير داخل الكنيسة.
  
وفي 18 سبتمبر 2015، أي بعد يومين فقط من عودة بحاح إلى مدينة عدن، قتلت طائرات تعمل باسم التحالف  14 جنديا على الأقل من اليمنيين الذين يقاتلون في صف التحالف في غارات نفذتها على مواقع في مديرية حريب بمحافظة مآرب. وقد وصفت العملية لاحقا بـ"الخطأ" بينما بدت في توقيتها وكأن طرفا ما في التحالف الذي تقوده السعودية ظاهريا غير راض عن عودة بحاح إلى عدن.

وفي 20 سبتمبر، ذكرت أنباء أن مسلحين من الحراك الجنوبي حاصروا بحاح في مقر إقامته في عدن، وطالبوا بمغادرته للمدينة، لأن حكومته همشت الفصائل التي ينتمي إليها المسلحون.

غياب الرؤية

نقلت وسائل إعلامية يوم عودة بحاح تصريحات قيل أنه نشرها على حسابه في فيس بوك، وقد جاء في تلك التصريحات، التي لم ينفها بحاح  التالي:

-"اليوم وبعد عدة شهور قضيناها بين أهلنا فى السعودية وبعد تحرير عدن وغيرها من المناطق التى دمرتها مليشيات الحوثى وحليفهم صالح ها هى الدولة بحكومتها تعود إلى عدن لممارسة مهامها الوطنية فى مرحلة استثنائية من عمر وطن يحلم بالدولة المدنية."
-"الحكومة تعى حجم المعاناة الكبيرة، التى يعيشها المواطن فى المدن المحررة، وكل التحديات القائمة، غير أنها تدرك بأن لا مناص من تولى المسؤولية والاستجابة لنداء الوطن فكما كان عملها فى الخارج من أجل استعادة الدولة والانتصار على قوى الشر فإن عملها فى الداخل لن يألو جهدًا لإكمال النصر وتطبيع الحياة وإعادة البناء والتأهيل لكل جميل تم تدميره."
- ""لا شك بأن ملف الإغاثة وإعادة الأعمار والبناء يشكل أولوية حكومية لتعود الحياة إلى طبيعتها وبناء مدن تتمتع بروح المدنية وطابعها الحقيقى بعد سنوات عجاف مضت عليها."
- "لن ننسى المقاومة الوطنية البطلة والعمل على دمجها في الحياة المدنية والأمنية والعسكرية بروح مسئولة فهم الحماة لهذا الانتصار وهذا الوطن."
- "سنعمل بكل ما أوتينا من قوة لأجل وطن يسوده الأمن والاستقرار ويعيش أهله في كنف التعليم والتطور والتنمية."
- "كفى الإنسان احترابا فقد حان وقت البناء، ولتكن عدن أنموذجا للتعايش والتسامح والمدنية."

ورغم التصريحات الرومنسية جدا التي ترفع التوقعات، فإنه لم يكن لدى خالد بحاح أي رؤية محددة للكيفية التي يمكن أن يبدأ بها في عدن بدون أي موازنة أو مخصصات للنفقات التشغيلية أو لإعادة البناء. وربما أن سبب محاصرة مسلحي الحراك الجنوبي لبحاح هو التصريحات التي كان قد أطلقها يوم عودته حول نية حكومته دمج "قوات المقاومة البطلة" في الحياة المدنية والأمنية العسكرية.

 وقد جاءت اللقاءات التي عقدها في عدن جد شكلية ولا هدف لها سوى التقاط الصور ومقاطع الفيديو التي يمكن لحكومته وللتحالف توظيفها إعلاميا للضحك على الناس بأن هناك شيئا ما يحدث على الأرض.

فقد التقى بحاح في يوم 20 سبتمبر وفد هيئة الهلال الأحمر الإماراتي برئاسة الأمين العام للهيئة محمد عتيق الفلاحي. ونقل إليه الوفد الإماراتي، كما ذكرت وسائل إعلامية بالحرف، "تحيات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، وممثل الحاكم في المنطقة الغربية رئيس هيئة الهلال الأحمر الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، إلى خالد بحاح"، وأبلغه بأن الهلال الأحمر الإماراتي يقوم بتنفيذ  13 من المشاريع التنموية والتعليمية والصحية والاجتماعية في عدن و"ستظهر نتائجها الطيبة على الشعب اليمني عما قريب."

أما حقيقة تلك المشاريع فلم تكن تزيد عن طلاء جدران المدارس بالرنج ورسم صور علم الإمارات العربية المتحدة عليها باعتبارها قوة استعمارية ناشئة، وطمس علم الجمهورية اليمنية، أو في أحسن الأحوال ترميم مبنى مركز صحي. وللإنصاف، فلابد أن دخول الإمارات إلى عدن قد شهد ازدهارا ملحوظا لتجارة الرنج والحناء، وإن كان قليلون قد لمسوا اثر ذلك في حياتهم.

وفي مساء ذات اليوم، 20 سبتمبر، التقى بحاح مدراء قطاع التربية والتعليم، والتعليم المهني بمحافظة عدن،  وأكد لهم أن الحكومة تعمل على توفير الاحتياجات الأساسية لبدء العام الدراسي غير أنه لم يطرح أي إجراءات محددة أو جدول زمني. وكان يكفي فقط أن يقول أن الحكومة مهتمة، ثم ينتظر أن يقوم التحالف أو فاعلوا الخير.   





تجربتي مع المركز العربي للأبحاث والدراسات (1+2)


الإهداء...إلى صديقي اللدود الدكتور محمد بن ناصر..لقد وصلتني جميع رسائلك وفهمتها جيدا وخصوصا الأخيرة منها، ولن أقول سوى عودا حميدا ولينصرن الله من ينصره. 




هكذا بدأت تجربتي كباحث في التعاون مع المركز العربي للأبحاث والدراسات ومقره الدوحة. فقد تلقيت في مايو الماضي دعوة لكتابة ورقة للمشاركة في ورشة عمل حول النزوح القسري في الدول العربية.

وانحصرت معلوماتي السلبية عن المركز حينها في جانبين:
الأول، انني نزلت ذات مرة من موقع المركز استبيانا مفبركا حول اليمن يزور اتجاهات الراي العام نحو ما حدث في موفنبيك، وما زلت احتفظ بالاستبيان، واصر على أنه مفبرك 100% ؛
والثاني ان دبلوماسي اجنبي  كان يخدم في الدوحة واتحفظ عن ذكر اسمه قال لي ذات مرة وفي سياق غلب عليه الهزل أن اثنين من اجهزة الاستخبارات يتنازعان السيطرة على المركز أحدهما الجهاز الذي نفذ هجمات الـ11 من سبتمبر، والثاني  الجهاز الذي قام بالتغطية على عمليات الأول.


وقد اعتبرت مقولته حينها بمثابة مزحة ثقيلة رغم حدسي القوي بأن أي مركز بحثي بحجم المركز العربي، او مركز المستقبل العربي، والأخير مقره في بيروت، لا يمكن له البقاء خارج نطاق سياسات الهيمنة الدولية والاقليمية، وهي هيمنة تتصف حاليا بالعداء للإنسان وحرياته وحقوقه الاساسية.  



**********
كنت قد أمتنعت منذ بداية الحرب رغم ظروفي القاسية التي لا يعلمها سوى الله عن المشاركة في اي عمل بحثي، وهذا التزام اخلاقي ذاتي نابع من احساسي بأن كل ما يمكن ان يكتب في ظل الحرب يمكن للعدو اللئيم المتربص أن يستفيد منه بطريقة أو بأخرى في شرعنة حصار وقتل وتجويع اليمنيين واستدامة مثل هذه الدوامة. 

دعوكم من شلة "مالك ابن الأشتر"، وشلة "اموت فيك يا امريكا ويا اسرائيل" وشلة "سيادة" فهناك اكاديميين في مختلف الجامعات اليمنية يقبضون على القيم كما يقبض الانسان على الجمر." 

لكن مع حلول السنة الخامسة من الحرب، ومع موضوع بريء مثل "النزوح القسري" الناتج عن الحرب، وجدت أنه من الصعب أن أقول "لا." فالنزوح الناتج عن الحرب هو أسوأ جوانب الأزمة الانسانية التي صنعها العدوان في اليمن والبحث في هذه الظاهرة مهما كانت صعوبة الظروف سيعطي هذه الشريحة الاجتماعية صوتا وقد يحدث تغييرا ايجابيا في أوضاعهم مهما كان محددوا. 



وربما أن ما شجعني على الاستجابة للدعوة هو خمسة اسباب على الأقل:

اولا، تبعية المركز للديوان الأميري بقطر ولا يعقل بمركز بحثي يتبع ديوان الأمير في دولة أن يمارس تصرفات غير أميرية تمثل الأمير أسوأ تمثيل.

ثانيا، أن رئيس المركز هو المفكر القطري من أصل فلسطيني عزمي بشارة صاحب هذه الهالة والأمبراطورية الاعلامية الكبيرة والذي لا يعقل أن يدير مركزا توظفه اجهزة الاستخبارات لشن الحروب النفسية والتعذيب النفسي وسرقة الباحثين باساليب بلطجية.

ثالثا، مهما كان سوء اخلاق وإنحطاط أي منظمة بحثية فإنها لا بد كحد أدنى أن تفرق بين قضايا انسانية بحتة يجب أن تبحث على أنها كذلك وبين قضايا الحرب والسلم.

رابعا، هناك فرق بين السياسة كممارسة لا تخضع  في عصرنا لأي قيمة اخلاقية محددة خارجة عنها وبين البحث العلمي في الظاهرة السياسية.

خامسا، يعمل الباحثون الجادون عادة في إطار ما يسمى بالنموذج البحثي أو الايديولوجية البحثية أو المدرسة أو البرادايم، وايا كان نوع ذلك النموذج فإنه يقوم على قيم اخلاقية معينة يصعب الاستخفاف بها أو الخروج عنها الا على السذج الذين يظنون أن القوة بالفعل يمكنها ان تصنع المعرفة.
  

وفي ظل الاعتبارات السابقة وافقت واقترحت موضوع ورقتي ...    

الأربعاء، 23 أكتوبر 2019

سياسات البقاء الترامبية!



(1)
منذ شرع الديمقراطيون في الكونجرس الأمريكي في التحقيق بجرائم أو جنح محتملة يمكن ان يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ارتكبها، وهو يعمل على إعادة التموضع على الصعيد الدولي عن طريق حشد التوترات والأزمات الدولية، لعل وعسى أن يضغط بها على خصومه في الداخل. ويعتمد ترامب في هذا الجانب على الكثير من الحلفاء الدوليين وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورؤوسا الصين وكوريا الشمالية وحكام السعودية والإمارات، ويمكنه الرهان كلما اقتضى الأمر حتى على الإيرانيين والأتراك والأكراد. أما الخليجيين، فإنهم أقرب إلى ترامب من كل قريب، وجاهزون دائما للمهمات الصعبة التي يتم تكليفهم بها. ففي كل عمل دنيء تجدهم سباقون على غيرهم.

وتعد الإدارة بالأزمات بمثابة أسلوب ترامب المفضل والذي يربك به الأصدقاء والأعداء على السواء داخل أمريكا وعلى المستوى الدولي، وإن كان أحيانا يبالغ به كثيرا. ويعد المستوى الدولي أكثر اتساعا وأكثر تسامحا مع أساليب ترامب في ممارسة التوحش بحكم طبيعته غير المستأنسة. فالأزمة مع الصين بسبب التجارة، وبغض النظر عن ما هو حقيقي وما هو مسرحي فيها، يتم إشعال أوارها وتصعيدها عندما يكون ترامب في حاجة إليها ثم تنطفئ النار تحتها فجأة، وبدلا من الحديث عن المزيد من التعريفات الجمركية على السلع، يسود الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري.
لقد كان احد المسئولين الصينيين صادقا عندما شكى من أن ترامب هو الذي يرفض التوصل إلى اتفاق نهائي مع بلاده. فالأزمة مع الصين في التحليل النهائي هي أقوى أوراق ترامب ربما بسبب التأثير العميق الذي تتركه عند اشتعالها ليس فقط على المستوى الدولي ولكن وهو الأهم في الداخل الأمريكي وخصوصا في أسواق الأسهم وأسواق النفط التي تتحرك صعودا وهبوطا. أما مسرحية هونج كونج فمستمرة بلا توقف، ولا يبدو أن الصينيين يتضايقون منها.

(2)

عمل السعوديون وادارة ترامب، في إطار سياسات البقاء التي يطبقها ترامب، على تصعيد الهجوم على شركة ارامكوا السعودية بكل الطرق بما في ذلك اتهام ايران بتنفيذه. وتحدثوا عن نتائج ثم عن تحقيقات ثم عن نتائج وأوصلوا الصراع كما اعتقد كثيرون حول العالم إلى نقطة الانفجار. وانغمس الأمريكيون مرارا في دراسة ارسال 3 جندي اضافي الى السعودية، ورحب السعوديون بدورهم مرارا بالضيوف الجدد.

وظن الناس بعد أن عمر ترامب سلاحه Locked and Loaded بأن الأزمة بين السعودية وامريكا من جهة وايران من جهة ثانية قد وصلت الى نقطة اللارجوع. وبعد كل السن اللهب المتصاعدة، أنتهي كل شيء فجأة وكأن المسألة اسطورة من اساطير الأولين! وحتى أسعار النفط التي قيل أنها ارتفعت سرعان ما عادت إلى ما كانت عليه. وفي حين ظن الناس أن السعوديين على وشك غزو إيران، بدت نغمة السعوديين فجأة أكثر تصالحية بعد أسابيع من ضجيج الطبول الفارغة.



ويمكن قول ذات الشيء عن ثورة المصريين على عبد الفتاح السيسي، وعن ثورة العراقيين التي نسي كاتب السيناريو من شدة العجلة أن يضع لها أهدافا. وتبخرت الثورة المصرية ضد السيسي. كما تبخرت ايضا صور ملايين العراقيين التي لم يتضح حتى الان ماذا كانت مطالبها بالضبط.

ولا يختلف الأمر بالنسبة لأزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا وإن كان التصعيد الذي شهدته الأخيرة قد أتسم بأنه سيئ السيناريو والإخراج. فقد بدا الخلاف التصعيدي جد مفتعل، وغير مقنع، والدليل على ذلك اعلان السيسي بانه سيلتقي رئيس وزراء اثيوبيا في موسكو.

(3)

 ربما كانت أزمة العمليات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا هي الأكثر ميلودرامية من بين الأزمات الدولية التي تحمل بصمات سياسات البقاء الترامبية. فقد اختلط في هذا العمل الميلودرامي الرديىء في معظم الأحيان والمثير في احيان قليلة الجانب المسرحي الفكاهي بالضغائن والأحقاد السوداء التي عبر عنها فريق "المرددين." لكن أداء أبطال هذا العمل الدرامي لم يكن على المستوى المطلوب وبدا في الكثير من الأحيان أن المؤدين يرتجلون المواقف والتعبيرات مما اضعف ادائهم إلى حد كبير. وبينما جرت العادة في الفصول السابقة أن يهدد الأتراك باجتياح شمال شرق سوريا، بينما يعارض الأمريكيون الخطوة، وينتهي الأمر باتفاق ما بين الأتراك والأمريكيين على عمل مشترك لتحييد مخاوف الأتراك.

أما هذه المرة، فقد اختلفت الديناميكية. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ردا على التهديدات التركية المعتادة، بأنه سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، وهو ما يعني إعطاء الإشارة للأتراك بأن يبدأوا عملياتهم العسكرية. ثم هدد ترامب بسحق الاقتصاد التركي إن قضى الأتراك على الأكراد، الأمر الذي فهم منه أن ترامب لا اعتراض لديه أذا قضى الأتراك على معظم الأكراد ولكن ليس كلهم. ولم ينس ترامب، في تبرير غير مباشر للعمليات العسكرية التركية، أن يشير إلى أن باراك اوباما هو الذي دعم مسلحي البي كي كي الذين تستهدفهم تركيا في عملياتها، وكان ادائه في هذه النقطة قويا لأنه كان صادقا وهو نادرا ما يصدق.

وبالغ فريق المرددين كثيرا في أداء أدوارهم وكشفوا عن ضغائن واحقاد مكبوتة ساهمت في الايهام بأن شيئا عظيما سيحدث خصوصا بعد دعوة اوروبية لمجلس الأمن الدولي لعقد جلسة خاصة لمناقشة ما أطلق عليه "الغزو التركي لسوريا." وجاءت تصريحات مصر والسعودية والإمارات وفرنسا وأمين عام الجامعة العربية واسرائيل لتعبر عن تناغم مثير للغرابة. فقد أدانت السعودية، مثلا عملية "نبع السلام" وهو الاسم الذي أطلقته تركيا على عمليتها في شمال شرق سوريا، ووصفتها بـ"العدوان التركي." 

ولم تكتف مصر بالإدانة بل طالبت أيضا باجتماع عاجل للجامعة العربية. وحتى جامعة الدول العربية، التي ظن كثيرون أنها ماتت وشبعت موتا، عقدت اجتماعا على مستوى وزاراء الخارجية وأصدرت بيانا قويا لم يعترض عليه سوى قطر والصومال ولاحقا ليبيا والمغرب. وربما ان البيان كتبه بومبيو كالعادة!

وفي حين كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها من شمال شرق سوريا كما أعلنت، فقد ذكرت وسائل أعلام أمريكية أن القوات التركية هاجمت في 11 أكتوبر القوات الأمريكية الخاصة في شمال سوريا عن طريق الخطأ. وكان على أمريكا أن تسحب قواتها من شمال شرق سوريا مرة أخرى. وخرج ترامب هذه المرة مدافعا عن تركيا بشكل مبطن فقال أن الأكراد أطلقوا الإرهابيين لجر بلاده الى التدخل في شمال تركيا!

وبينما يواجه ترامب وادارته غدا الخميس الـ17 من اكتوبر واحدة من أسوأ فصول "اوكرانيا جيت" فإنه قد قرر للتغطية على الفضيحة التي تتكشف فصولها الصادمة ببطء شديد ارسال نائبه ووزير خارجيته الى انقرة، وقد رد السلطان اردوغان في تصعيد درامي ملحوظ انه لن يقابل نائب الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته احتجاجا على الإساءة التي لحقت باسرته في الكونجرس الأمريكي!!!!

(4)

يحصل دونالد ترامب كما سبق الاشارة في حلقة سابقة في محنته هذه على دعم من أطراف دولية كثيرة، وأحيانا من أطراف غير متوقعة. ففي رسالة تضامن مع ترامب في محنته، اعلنت طالبان أنها قتلت 8 جنود أمريكيين و10 افغان في هجوم على موكب عسكري، في رسالة مفادها ان الأمريكيين في افغانستان في خطر في ظل انشغال ترامب بالحفاظ على كرسييه. 

وبالمثل، فإن زعيم كوريا الشمالية أصبح يختبر الصواريخ على نحو يومي بينما يتولى ترامب بعد كل عملية اختبار طمأنة المجتمع الدولي بان تلك الاختبارات لن تؤثر على المحادثات الأمريكية مع كوريا الشمالية وكأن هناك من يهتم! 

وبينما اشتعلت حرائق الغابات المفتعلة في مناسبة مشابهة خلال العام الماضي في اسرائيل، فإنها هذا العام أنتقلت إلى لبنان، غير البعيد في موقعه عن اسرائيل.   

وهكذا تتصاعد الأزمات ثم تنطفأ، وفي بعض الأحيان تجد الأطراف نفسها في خضم عمل درامي لا تعرف ماذا يعني أو الى أين يقود لكنها بالرغم من ذلك تمضي في اداء دورها كما حدد لها أحيانا على مضض وإن كانت تحاول أن تسخر الدور لصالحها.

ولأن مثل هذه الأمور لم يعد من الممكن بعد "اوكرانيا جيت" أن تناقش بالتلفون ولا أن ترسل عبر السفراء، فقد أصبح خالد بن سلمان يذهب الى واشنطن ويعود من واشنطن في رحلات متكررة  لا تتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية ولكن بالطرق التي يمكن بها إنقاذ ترامب من ورطاته. 

وكان على رئيس الوزراء العراقي أن يطير فجأة الى الرياض بعد أن عاد خالد بن سلمان من واشنطن، ليتلقى التعليمات الخاصة بالثورة العراقية وما يجب عليه أن يفعله، ثم بعد عودته إلى بلاده اندلعت الثورة. وبعد رحلة لسفير النوايا السيئة خالد بن سلمان إلى واشنطن، طار سيد الكرملين إلى الرياض لتلبية دعوة سابقة للزيارة ولتلقي رسائل ترامب!

(5)

رغم أن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما يعد المهندس الحقيقي للأزمة الخليجية لأسباب ليس هنا المكان المناسب لتناولها، ورغم أن الحزب الديمقراطي هو المستفيد الأكبر منها، إلا أن ترامب، وبحسب قواعد اللعبة السياسية الأمريكية،  قد تولى إطلاق صفارة الإنذار لبدء الأزمة خلال أول زيارة له إلى السعودية في مايو 2017.  ومع أن ترامب حرص خلال السنوات الأولى من حكمه، كما تقتضي السياسة الخارجية الأمريكية، على  لعب دور الوسيط غير النزيه، وعمل على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الأزمة  بحلب جميع الأبقار، إلا أنه حاول بدون حماس شديد وضع نهاية للأزمة بعد أن بدأت تنخر في شرعيته وقدرته على الهيمنة، لكن بدون تحقيق اي نجاح كبير بسبب تعنت وغطرسة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.  

وتغير الأمر فجأة بعد أن بدأ خصوم ترامب في مجلس النواب الأمريكي إجراءاتهم الهادفة لعزله.  فقد قرر ترامب تكتيل حلفائه الميسورين دوليا وفي مقدمتهم السعودية وقطر والإمارات في جبهة واحده خلفه. وبدأ باتخاذ إجراءات قسرية لمهاجمة الأزمة.

وفي هذا الإطار، وجه ترامب أجهزته الأمنية بغلق ألاف الحسابات الوهمية على تويتر وفيس بوك والتي كانت تستخدم في الحرب الالكترونية بين الدول الثلاث، وفرض ستارا حديديا على الذكرى الأولى لمقتل الصحفي جمال خاشقجي، وعمل على الحد من أنشطة رواد الشبكات الاجتماعية بكل الطرق، وأعاد التنسيق الأمني والعسكري الخليجي في معظم المجالات إلى ما كان عليه، وتم الضغط على القطريين لإلغاء أنشطة وفعاليات وسياسات تثير انزعاج السعوديين والإماراتيين!

وعلى الرغم من ذلك، فإن قدرة ترامب على توحيد الخليجيين في مهمة إنقاذه تبدو شبه مستحيلة وخصوصا بعد فشله في إلزام مسئولي إدارته، ليس فقط السابقين، ولكن الحاليين أيضا، في عدم التعاون مع التحقيقات التي تجريها بعض اللجان في مجلس النواب الأمريكي في الاتهامات ضده. وما يدل على ذلك هو أن التراشقات بين الدول الثلاث سرعان ما عادت إلى الواجهة، هذه المرة بسبب تباين المواقف حول العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، وقد لوحظ هذه المرة أن محمد بن زايد ولي عهد دبي هو الذي بدأ التراشقات.   

ومع أن محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي في السعودية،  يعتبر ترامب أفضل رئيس في تاريخ أمريكا يمكن أن يخدم مصالح السعودية ويعتبر أي مبالغ يمكن أن تنفقها المملكة، وأي مؤامرات يمكن أن تدبرها أجهزته لإنقاذ ترامب، بمثابة استثمار في رئيس يمكن أن يضع مصالح السعودية أولا بدلا عن مصالح أمريكا، إلا أنه لوحظ مؤخرا،  ربما بسبب تضعضع الوضع الداخلي لإدارة ترامب، أن الموقف السعودي بدأ يفقد حماسه. 

صحيح أن عزل ترامب سيكون له استحقاقات كبرى بالنسبة للسعوديين الذين القوا بكل بيضهم في سلته أو هكذا يبدو إذا ما عوملت السعودية كفاعل واحد، إلا أن ذلك ليس أسوأ ما يمكن أن يحدث لهم. فتورطهم في محاولات انقاذ ترامب، وربط حمارهم بجانب حماره، قد يكون له نتائج وخيمة على علاقاتهم بأمريكا ذاتها.