الثلاثاء، 29 يناير 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 3)



ظلت الخلافات في صفوف حكومة المنفى تتفاقم منذ منتصف ابريل 2015 دون أن تخرج من الدوائر الضيقة إلا على شكل شائعات أو تسريبات يثور حولها الكثير من الشكوك. وبينما تجاوز هادي اللواء الركن علي محسن الاحمر في تعيين نائب الرئيس، أنتظر الكثيرون أن يعينه رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش أو وزيرا للدفاع خصوصا وأن المنصب الأخير قد ظل شاغرا منذ اسر الحوثيين في 25 مارس 2015  اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع في حكومة التكنوقراط التي شكلها خالد بحاح في أواخر عام 2014. وتلاشت آمال المناصرين للأحمر بعد أن اصدر هادي قرارا في 3 مايو 2015، عين بموجبه اللواء الركن محمد علي المقدشي المدعوم من امريكا رئيسا للهيئة العامة لأركان الجيش.  

وفي 9 مايو 2015 نشر الدكتور القطري محمد المسفر مقالا تناقلته الكثير من المواقع بعنوان "كنت في الرياض مع الهم اليمني" تحدث فيه عن رحلة قام بها إلى العاصمة السعودية الرياض ومناطق أخرى في المملكة، والتقى خلالها عددا من القيادات اليمنية النازحة إلى السعودية ومنهم اللواء الركن علي محسن الأحمر.  وكشف  مقال المسفر، في ما اعتبر سابقة، صحة ما كان يتردد، وعلى خلاف ما كان يعتقد علي عبد الله صالح الرفيق اللدود لمحسن، بأن محسن ليس الفاعل الرئيس ولا حتى من ضمن الفاعلين الرئيسيين.



يقول المسفر الذي من الواضح انه احد المعجبين بمحسن، وقد بينت التطورات اللاحقة أن إعجابه به لم يكن في محله، أو على الأقل قد كان مبالغا به إلى حد كبير:

"سوف أذكر شخصية ممن التقيت بهم في الرياض من الإخوة اليمنيين والذي أعاد لي توازني بعد يأس من حوارات جرت مع البعض في الفندق الذي أسكنه، إنه الجنرال علي محسن، ذلك العسكري الصلب صاحب النظرة الثاقبة وصاحب العزم الذي لا ينكسر، قاد أكثر من ثماني حروب يمنية ــ يمنية لم يعرف الهزيمة فيها، وواحدة كانت هزيمته الوحيدة وكانت نتيجة خيانة القيادة السياسية في صنعاء ولا غيرها. كان يشرح لي طبوغرافية الحدود السعودية اليمنية وكأنه راسم كنتوراتها الطبوغرافية. يعرف اليمن من شماله إلى جنوبه كما يعرف طبوغرافيته بجباله وسفوحه ووديانه وسواحله، يعرف نقاط الضعف والقوة في تلك الشواطئ التي يمكن أن تكون ملاذات ومنافذ المهربين إلى اليمن ومنه للسعودية (مهربي السلاح، والمرتزقة، والمخدرات، وغير ذلك)، عف اللسان، لم يتطاول على غيره كما يفعل الآخرون."

وقد حاول المسفر من خلال المقال تسويق محسن كرجل عسكري خبير في طبوغرافيا اليمن، مهملا في ذات الوقت طبوغرافيا الأزمة السياسية اليمنية والأدوار التي تلعبها القوى الإقليمية والدولية، رغم أن العوامل الأخيرة لا تقل أهمية عن الأولى إن لم تزد عليها في صياغة المشهد اليمني. 
  
ثم ينقل المسفر بعد ذلك حوارا دار بينه وبين الأحمر على النحو التالي:

"قلت: لماذا لا تكون في الميدان مع جندك الذين عهدتهم وتقود عملية تحرير المدن الجنوبية؟ قال: أتمنى ذلك وفي أسرع وقت، وأنا على استعداد هذه الليلة أن أذهب إلى ميدان المعركة وسوف يكون النصر بإذن الله لنا.
قلت: وما المانع؟ قال: أنا ضيف ووضعت كل أمري وحياتي تحت تصرف المضيف.
قلت: هناك وشايات تحاك ضدك، قال: أعلم ذلك علم اليقين، ولكن صدقني بالله وملائكته وكتبه ورسله أني بريء من كل ما يقال، لكن لعل إخوة لنا لا يرغبون في أي دور أؤديه اليوم نتيجة وشايات وأحقاد ونميمة.
سألته ولماذا لا تتصل بالقيادة المضيفة لكم جميعا وتشرح الحال؟ قال: هنا قيادة يمنية رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء نائب الرئيس وهو من الناس الطيبين والممتازين ولا أسمح لنفسي أن أتجاوزهم، نائب الرئيس السيد بحاح رجل صادق ويحسن الظن بالكثير من الناس، عف اللسان حتى الحوثيين الذين اعتقلوه وآذوه يكنيهم عند ذكرهم بالإخوة الحوثيين وهو يعلم ما يفعلونه باليمن، إنه نقي لم يتلوث بألاعيب بعض الساسة اليمنيين لكونه عاش طويلا خارج اليمن. إني أدعو له من كل قلبي بالنجاح من أجل اليمن، وإني أعلن وقوفي معه في أي مهمة ميدانية يوكلني بها من أجل إنقاذ اليمن مما هو فيه اليوم."

ويبدو أن المسفر لم يفطن إلى اللغة المراوغة التي استخدمها محسن في إطراء نائب الرئيس-رئيس الوزراء خالد بحاح، أو أنه كان يؤدي دورا محدد مسبقا في مقاله. فوصف الأحمر لبحاح بأنه "رجل صادق ويحسن الظن بالكثير من الناس" قد أراد به القول أن "بحاح غر ينقصه الخبرة السياسية"، وقد أثبتت التطورات اللاحقة بأن الأحمر كان مصيبا ودقيقا في هذا الجانب.  أما قول الأحمر بأن بحاح "عف اللسان حتى الحوثيين الذين اعتقلوه وآذوه يكنيهم عند ذكرهم بالإخوة الحوثيين وهو يعلم ما يفعلونه باليمن" فقد أرد من خلاله القول أن بحاح موال للحوثيين أو على الأقل متعاطف معهم.   

ويخلص  المسفر في نهاية المقال إلى تعميم حول محسن على النحو التالي:

" الجنرال علي محسن الأحمر قائد عسكر(ي) فذ يعرف مداخل اليمن ومخارجه صاحب تجربة ميدانية مشهود لها بالإنجاز، ونائب الرئيس خالد بحاح يحتاج إلى رجال أمثال الجنرال الأحمر اقتداء بقول ابن خلدون، الحاكم يحتاج إلى رجلين، حامل السيف وحامل القلم، فهل يقدم بحاح ويجعل حوله رجل القوة ورجل الحكمة أتمنى ذلك."

وفيما يتصل بهادي، فإن المسفر يكتفي بكتابة نصف جملة تشكل وصمة في تاريخ هادي المليء بالوصمات في أوله ووسطه , وآخره. وقد جاء في نصف تلك الجملة بغض النظر عن مدى عدالتها ما يلي:   

"(أما) عبد ربه هادي لا رهان عليه فاليمن يحترق وهو صامت كصمت أبي الهول أو أشد من صمت القبور، فهل يتقدم بحاح برفع الصوت ليسمعه الشعب اليمني في هذه المحنة الرهيبة؟"

وتكمن أهمية مقال المسفر في أنه يلقي الضوء، رغم قصره، على التوتر السائد في علاقات ثلاثة أطراف يمنية تشكل حكومة المنفى وهي: هادي، الأحمر، وبحاح، وإن كان الطرف الثاني لا يتولى أي منصب. كما أن المقال قد عكس بشكل واضح التوزيع النسبي للقوة بين بحاح من جهة وهادي من جهة ثانية. ورغم أن المقال يغفل الدورين السعودي والأمريكي  في الصراع الدائر والتوزيع المختل للسلطة والقوة إلا أن المرجح أنه يفعل ذلك عن قصد.   

ولم يؤد مقال المسفر إلى حدوث التغيير الذي ربما انتظر البعض حدوثه، ذلك لأن توزيع السلطة والقوة بين بحاح وهادي كان يمثل انعكاسا امينا لهيمنة ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما المطلقة على القرارين السعودي واليمني خلال تلك المرحلة.  

  

السبت، 26 يناير 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 2)



بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع على تعيين هادي لبحاح نائبا للرئيس-رئيسا للوزراء، دب الخلاف أسرع مما كان متوقعا بين هادي، صاحب المنصب الواحد، ونائبه متعدد المناصب. وقد بدأ الخلاف بسبب حقيبة الخارجية، في حكومة شكلية تشبه إلى حد كبير حكومة "الأطفال."

كان خالد بحاح أثناء عمله مندوبا لليمن في الأمم المتحدة قد تعرف كما يبدو على الدكتور عبد الله الصايدي، وهو سفير سابق لليمن لدى الأمم المتحدة، يقيم في نيويورك. وعندما عاد إلى صنعاء لتشكيل حكومة الكفاءات، اسند بحاح حقيبة الخارجية إلى الدبلوماسي الصايدي، وعندما قدم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء استقالاتهما في 22 يناير 2015 ، لجأ الحوثيون إلى فرض الإقامة الجبرية على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وبعض الوزراء ومنهم الصايدي.

وبعد أن فر الرئيس هادي في 21 فبراير إلى مدينة عدن قام في 21 مارس 2015، بناء على ضغوط سعودية، بتكليف وزير الصحة في حكومة الكفاءات رياض ياسين (عبدالله) الذي كان متواجدا في عدن القيام بأعمال وزير الخارجية. ثم تطورت الأمور إلى مواجهات عسكرية، تدخل عسكري خارجي، وفرار هادي وبعض أنصاره وأركان حكمه إلى السعودية. ويبدو أن الصايدي بعد أن رفعت عنه الإقامة الجبرية قد سافر إلى نيويورك لزيارة أسرته، ثم انتظر حتى استدعاه بحاح ، فوصل إلى السعودية في 5 مايو.    


وكان يفترض أن يكون حضور وزير الخارجية في حكومة الكفاءات ذو الخبرة الدبلوماسية الطويلة سبب كاف بحد ذاته لأن يتخلى الوزير المكلف عن مهام الخارجية، غير أن رياض ياسين رفض "بشكل قطعي" كما نقلت مواقع، التخلي عن الخارجية، و "طلب من هادي إبقائه في الموقع." وربما يرجع سبب تمسك ياسين بالخارجية إلى أن عدد الوزراء الذين كانوا يعملون من الرياض لم يزد مع مطلع مايو 2015 على 8 وان عودته إلى منصبه كوزير صحة في حكومة منفى يعني أنه لن يجد ما يعمله في حين أن عمله كوزير للخارجية يتضمن الكثير من المزايا والسفريات والاعتمادات المالية والمقابلات في وسائل الإعلام، ويفتح الباب للترقي نحو الأعلى.  

وعلى الرغم من أن الكثيرين في معسكر الشرعية بالرياض كانوا يأخذون على رياض ياسين، الذي لا خبرة له في العمل الدبلوماسي، حبه للظهور في القنوات الفضائية وكثرة التصريحات التي يدلي بها وافتقاره إلى حس دبلوماسي فطري، إلا أن  هادي تمسك بدوره بوزير الخارجية المكلف (اختيار السعودية)، ورفض استبداله بوزير الخارجية في الحكومة العاملة الدكتور الصايدي (اختيار بحاح).  

وربما كانت الطريقة الوحيدة لتفسير موقف هادي، الذي يبدو غير عقلاني، هي الإشارة اولا إلى شعور هادي المتنامي، وبتحريض من المقربين له مناطقيا وجماعات أخرى، بأنه يتعرض للتهميش، وأن بحاح يتمدد في دوائر السلطة بطريقة غير مقبولة، والثاني هو أن رجال العهد الجديد وبعض رموز العهد القديم من السعوديين لم يكونوا يشعرون بالارتياح للوزير الصايدي وقد تجلى ذلك واضحا في ضغوطهم على هادي بتكليف رياض ياسين وزيرا للخارجية قبل بدء التدخل العسكري. كما تجلى عدم الرضا عن الصايدي أيضا في أن وسائل الإعلام السعودي بدأت  تتعامل معه إعلاميا على أنه "مبعوث خاص للرئيس هادي."   

وشغل الناشطون على الشبكات الاجتماعية، بالتزامن مع الصراع الدائر بين تيارات الشرعية،  بالحديث  عن فلم وثائقي بعنوان "الطريق إلى صنعاء" أعدته وبثته قناة الجزيرة في 21 مايو (عشية التفجير الإرهابي في المنطقة الشرقية من السعودية) ويحكي قصة سقوط مدينة عمران،  ومقتل اللواء الركن حميد القشيبي قائد اللواء 310 مدرع. ورأى بعض الناشطين أن الفلم، الذي لا يبدو منفصلا عن الصراع الدائر، يثبت بالدليل القاطع ارتكاب الرئيس هادي واللواء محمد علي المقدشي، الذي عين رئيسا للأركان في 3 مايو، لجريمة الخيانة، فيما رأى آخرون أن توقيت بث الفلم سيء للغاية وتعجبوا  كيف سيقود المقدشي القوات من مأرب، أو من أي مكان آخر في حين أنه خان القشيبي  وتآمر على إسقاط عمران. وكانت الحلقة الضائعة في الفلم تتصل بالدور الخارجي.

وبالتزامن مع عقد مؤتمر الرياض لجلساته (17-19 مايو 2015)، كانت مواقع إخبارية تتحدث عن أربعة أشخاص مرشحين لقيادة اليمن في المستقبل خلفا للرئيس عبد ربه منصور هادي وهم: خالد محفوظ بحاح؛ احمد محمد لقمان؛ محمود احمد الصبيحي؛ وعبده حسين الترب.  وركزت التحليلات كثيرا على خالد بحاح،  في محاولة يعتقد أن الهدف منها كان بشكل أساسي، دق أسفين بين هادي وبحاح بتنبيه الأول إلى الخطر الذي يمثله الثاني.   

وفي 27 مايو، قصفت طائرات التحالف المقر الرئيس لقوات الأمن الخاصة في ميدان السبعين بصنعاء. وكانت تلك القوات الموالية للرئيس السابق وأقاربه تعرف بالأمن المركزي قبل أن يغير هادي تسميتها في إطار الهيكلة إلى قوات الأمن الخاصة وقيل أن  القصف تم أثناء تسليح مئات الجنود وأن عدد القتلى وصل إلى 40 على الأقل.

وفي ذات اليوم، طالب الصحفي محمد جميح المقرب من اللواء الأحمر في حديث مع إذاعة الرياض بإعادة الحكومة إلى الأراضي اليمنية  مؤكدا أن وجودها في السعودية لفترة طويلة يمكن أن يضعفها.

وأظهرت المواقع والصحف ووسائل الإعلام الأخرى المحسوبة على الأحمر ضيقا بالسياسة السعودية غير الواضحة، وبالتركيز على عمليات القصف الجوي، ووصف عبد الناصر المودع في تصريح لموقع "خبر" تلك الضربات بأنها غير مجدية. وما أراده الأحمر، كما  فهم حينها، هو  حرب على الأرض يحتشد فيها كل المناهضين للحوثيين والرئيس السابق في جبهة واحدة، غير أن ما أراده الأمريكيون والسعوديون والإماراتيون، كان أمرا مختلفا تماما.

وبينما يقول المودع في تصريحاته المشار إليها بعاليه، وفيما فهم على أنه تعليق على استهداف التحالف لقوات الأمن الخاصة في العاصمة صنعاء، أن قصف الجيش بهذه الطريقة سيضعف قدرة السيطرة ويدفع نحو المزيد من الفوضى، فإنه إما لم يكن مدركا أو كان مدركا ولكن غير قادر على التصريح، بان ذلك بالضبط ما تريده أمريكا والسعودية.

وكان من الواضح أن معسكر محسن يتعامل مع الوضع بناء على افتراضين خاطئين: الأول، أن السعودية تتدخل في اليمن لنصرة ما سمي بـ"الشرعية"؛ والثاني، أن السعودية سيدة نفسها وأن القرار السعودي بشأن اليمن مستقل تماما عن القرار الأمريكي.

وتعرض هادي وحكومته إلى انتقادات شديدة من اليمنيين المتواجدين في الرياض والمحسوبين على الشرعية بسبب الطريقة التي كان يدير بها الأزمة وظهر ذلك حتى في وسائل الإعلام السعودية التي كانت تستضيف الشخصيات اليمنية المتواجدة هناك للتعليق على الأحداث.


السبت، 12 يناير 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 1)

في الـ2 من ابريل 2015، وقعت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مضافا إليها ألمانيا والتي تعرف بدول الـ5+1 من جهة ، والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية، في مدينة لوزان السويسرية على الاتفاق الإطاري العام حول البرنامج النووي الإيراني. وفي ذات اليوم، وفيما بدا على أنه احد جوانب الرد السعودي على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي تتزعم المفاوضات مع إيران، أصدرت الأمانة العامة في حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يضم حركة الإخوان المسلمين وأنصارها، بيانا يؤيد التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن والذي كان قد بدأ في الـ26 من مارس 2015.

أما الردود السعودية الأخرى والتي وقعت في اليوم ذاته، فقد تمثلت في استيلاء عناصر تنظيم القاعدة الارهابي على مدينة المكلا، وانشقاق احمد عبيد بن دغر نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، عن الرئيس السابق والتحاقه بحكومة المنفى.    


   
وفي 14 يوليو 2015، وقعت إيران ودول الـ5+1، اتفاقا نهائيا بشأن البرنامج النووي الإيراني.  وشهدت السعودية، التي تصنف حركة الإخوان المسلمين منذ مارس 2014 كجماعة إرهابية، خلال الأيام التالية لتوقيع الاتفاق حول نووي إيران، عددا من التطورات غير المألوفة التي يعتقد أنها جاءت كرد فعل رسمي سعودي على الاتفاق، وإن اتخذت من حيث الشكل طابعا ضمنيا.

ففي يومي 15، و16 يوليو 2015، قام خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (إخوان مسلمين)، على رأس وفد رفيع،  بزيارة مفاجأة للسعودية لأداء العمرة  وتهنئة خادم الحرمين، وولي عهده، وولي ولي العهد بعيد الفطر.

وتمكن الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان في اليمن والقيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمين)، بفضل التطورات الدولية، من مغادرة مخبأه في مدينة تعز اليمنية مع أفراد أسرته والوصول إلى السعودية عبر منفذ الوديعة في 17 يوليو بعد أن تجاوز كما ذكرت وسائل الإعلام حينها 31 نقطة للحوثيين دون اكتشاف أمره. وعد ما قام به الزنداني معجزة أخرى لا تقل في أهميتها عن معجزة اكتشافه علاجا لمرض الإيدز. 

وانعكس التقارب المفاجئ بعد طول جفاء  بين السعودية من جهة، وحركة الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية من جهة ثانية، والموجه أساسا إلى الأمريكيين، على شكل توتر كبير في العلاقات السعودية المصرية نتيجة لحساسية وضع نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية والذي قاد انقلابا دمويا ضد الإخوان في منتصف عام 2013 وأطاح بالرئيس الإخواني المنتخب، وبدأ يطبق برنامجا مشابها في بعض أوجهه لما طبقه كمال أتاتورك في تركيا في مرحلة ما بعد انتهاء الخلافة العثمانية.

وفي مؤشر على ذلك التوتر، نشرت صحيفة السفير اللبنانية في 21 يوليو مقابلة مع  الصحفي والمؤلف المصري الراحل محمد حسنين هيكل المقرب من الأمريكيين ومن الرئيس المصري، هاجم فيها السعودية، ودول الخليج، وكال المديح لإيران، ولوح  بإمكانية قيام تحالف مصري إيراني في مواجهة السعودية رغم الضغوط التي تمارسها بعض الدول، التي لم يسمها لمنع التقارب بين مصر وإيران. وكان أهم ما قاله في المقابلة ما يلي:

"(...) المعركة تدور حالياً في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران. والرئيس السيسي يستمع ويهتم ولكن هناك محاولات لكي لا يحصل التقارب أو الانفتاح. الدول القوية قد تقوم ببعض الأشياء التي تستسهل أن تقدم عليها هي، ولكن لا تسمح لك أن تفعلها أنت. فهي قد تسمح لبعض الدول التي يمكن ان تسيطر عليها ان تقدم على ذلك، ولكن ان تقوم بها أنت، ثم غيرك، ثم ثالث ورابع وتكر السبحة، فهذا لن يكون مقبولا."

وقد أراد هيكل أن يقول من خلال المقطع السابق أن أمريكا تمارس ضغوطا على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمنع انفتاحه على إيران لأن مصر دولة قوية ولها مكانتها، وأن أمريكا قد تسمح للدول الصغيرة مثل الإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان (وربما أراد العراق أيضا) بالتقارب مع إيران لأنها تسيطر عليها تماما ولا تخش بالتالي من أي مترتبات يمكن أن تنتج عن تقارب تلك الدول مع إيران.  ويتابع هيكل:

"(...) الموقف الأميركي يهتم بإيران أكثر من اهتمامه بما حولها. إيران مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضارة طويلة وقوة (...) هناك حقائق في الجغرافيا، فالسعودية تهيمن على الخليج وهناك إيران وتأثير الهند وباكستان، ولكن لإيران التأثير الأكبر في المنطقة."

وفي هذا المقطع يتحدث هيكل عن الاهتمام الأمريكي بإيران النابع من وجهة نظره، من كونها "دولة حقيقية"، ذات عمق تاريخي وحضاري، مقارنة، وإن كان لم يقل ذلك صراحة، بدول الخليج، التي رسمها الانجليز كخطوط على الرمال، أو عملوا على تجميعها على عجل عن طريق الضم والإلحاق دون أن يعملوا على دمجها لتكون "دولا." وما يؤخذ على هيكل في المقطع السابق هو "التعميم" في الصياغة في حين أن الحكم لا ينطبق سوى على فترة الرئيس الأمريكي باراك اوباما التي اهتمت بإيران بالمعنى الايجابي.  ويمضي هيكل فيقول:      

"نقاط الارتكاز (...) في المنطقة هي تركيا إلى حد ما وإيران إلى حد ما والهند إلى حد ما. أما باكستان فلديها مشاكل كثيرة وخطيرة. أما الدول العربية، فمصر مشغولة  ولا يوجد هناك تحالف عربي يمكن ان يحل محلها في الدور الذي يمكن ان تلعبه، والسعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة. وإذا عدنا إلى أساس الموضوع فالسعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها. أما البدائل فلا بدائل! ولا أحد عنده سلطة تخوله ان يكون البديل. هناك مشكلة حقيقية وهذا هو ما يبقي السعودية. الجيش يتحكم به (...) أمراء الأسرة. هم أذكياء إلى درجة ان الوحدات الرئيسية في الجيش هي بقيادة أمراء. هل هناك من يملك المصداقية المطلوبة؟ لا أدري. كلهم يتساوون ولا أحد يظهر انه البديل، حالة الصراع الموجودة هي مع البرجوازية الناشئة."

ويبدو هيكل في المقطع السابق أقرب إلى الموضوعية وأكثر بعدا عن الشوفينية الوطنية سواء في تقييمه للدول المهمة في المنطقة أو في توصيفه للدور السعودي والخليجي، وقد كان هيكل محقا بدرجة كبيرة  في قوله أن السعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة. كما كان محقا بذات القدر في حديثه عن مأزق السعودية.  وينتقل هيكل بعد ذلك للمقارنة بين التدخل المصري في اليمن في ستينيات القرن العشرين والتدخل السعودي في اليمن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، فيقول:    

"سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن. عندما تدخّل عبد الناصر هناك كان يساعد حركة تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقة لها، أما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن ولقد استولوا على محافظتين فيها. اليمن مرهق وسترهق السعودية حتماً في دخولها في حرب مع اليمن ولكنها حذرة جداً. فالقبائل يعرف بعضها بعضاً جيداً. ولن يتوغل السعوديون في الداخل اليمني سيواصلون الضرب من الخارج. وهم يعرفون المصائب الموجودة هناك.
السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي، ولكن يمكنها أن تشكو الى الأميركيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم. الاماراتيون اتخذوا موقفا ايجابياً حتى الآن. ثم انه علينا ان ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنة. كلهم يتساوون في الخوف من إيران، وقد قامت دول الخليج بالتحريض على إيران في الفترة الأخيرة والتشكيك في نياتها."

ورد الصحفي السعودي خالد الدخيل، المقرب أيضا من الأسرة الحاكمة في السعودية ومن الأمريكيين،  على هيكل مؤكدا أن السعودية تسعى للحفاظ على أمن واستقرار مصر وتخشى أن الحل الأمني (في إشارة إلى الطريقة التي يتعامل بها السيسي مع الإخوان) قد يقود إلى سقوط مصر بعد العراق وسوريا. وقال الدخيل أن السعودية ترفض الحل الأمني والإقصاء  كما ترفض الإرهاب أيضا  وأنها مع استقرار مصر وتسعى الى تحقيق مصالحة  ووقف الإعمال الدموية وليست ضد السيسي. وحول الإخوان، قال الدخيل، في تغيير واضح في الموقف السعودي منهم، أن السعودية لا ترى ضرورة للصدام معهم. 

وبشأن قيادة العالم العربي، قال الدخيل أن المسالة فرضت على السعودية مع انهيار سوريا والعراق والاضطرابات، في مصر وأكد أنه لا يوجد أي بلد عربي قادر على أن يتصدى بمفرده للقضايا العربية، وأن السعودية بحاجة إلى مصر لكن مصر ما زالت "مترددة."

وفي 31 يوليو 2015  نشرت صحيفة النيويورك تايمز على موقعها مقالا يذهب كاتبه إلى أن سعي السعودية للتحالف مع الجماعات السنية المعتدلة في العالم العربي (يقصد الإخوان المسلمين)  يمكن أن يخلق الثنائية القطبية ذات الطابع الطائفي  وهو ما سيجعل الولايات المتحدة ودول الغرب تنأى بنفسها عن صراع مثل هذا، لكن المقال لم يقدم للسعودية بديلا عن الإخوان للتحالف معه في مواجهة إيران، ولم يتطرق كذلك لاحتمال أن تتحالف السعودية أيضا مع الجماعات الشيعية كما فعل صدام حسين في حربه مع إيران.