بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع على تعيين هادي لبحاح نائبا للرئيس-رئيسا
للوزراء، دب الخلاف أسرع مما كان متوقعا بين هادي، صاحب المنصب الواحد، ونائبه
متعدد المناصب. وقد بدأ الخلاف بسبب حقيبة الخارجية، في حكومة شكلية تشبه إلى حد
كبير حكومة "الأطفال."
كان خالد بحاح أثناء عمله مندوبا لليمن في الأمم المتحدة قد تعرف كما يبدو
على الدكتور عبد الله الصايدي، وهو سفير سابق لليمن لدى الأمم المتحدة، يقيم في
نيويورك. وعندما عاد إلى صنعاء لتشكيل حكومة الكفاءات، اسند بحاح حقيبة الخارجية
إلى الدبلوماسي الصايدي، وعندما قدم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء استقالاتهما في
22 يناير 2015 ، لجأ الحوثيون إلى فرض الإقامة الجبرية على رئيس الجمهورية ورئيس
الوزراء وبعض الوزراء ومنهم الصايدي.
وبعد أن فر الرئيس هادي في 21 فبراير إلى مدينة عدن قام في 21 مارس 2015،
بناء على ضغوط سعودية، بتكليف وزير الصحة في حكومة الكفاءات رياض ياسين (عبدالله)
الذي كان متواجدا في عدن القيام بأعمال وزير الخارجية. ثم تطورت الأمور إلى
مواجهات عسكرية، تدخل عسكري خارجي، وفرار هادي وبعض أنصاره وأركان حكمه إلى السعودية.
ويبدو أن الصايدي بعد أن رفعت عنه الإقامة الجبرية قد سافر إلى نيويورك لزيارة
أسرته، ثم انتظر حتى استدعاه بحاح ، فوصل إلى السعودية في 5 مايو.
وكان يفترض أن يكون حضور وزير الخارجية في حكومة الكفاءات ذو الخبرة
الدبلوماسية الطويلة سبب كاف بحد ذاته لأن يتخلى الوزير المكلف عن مهام الخارجية،
غير أن رياض ياسين رفض "بشكل قطعي" كما نقلت مواقع، التخلي عن الخارجية،
و "طلب من هادي إبقائه في الموقع." وربما يرجع سبب تمسك ياسين بالخارجية
إلى أن عدد الوزراء الذين كانوا يعملون من الرياض لم يزد مع مطلع مايو 2015 على 8
وان عودته إلى منصبه كوزير صحة في حكومة منفى يعني أنه لن يجد ما يعمله في حين أن
عمله كوزير للخارجية يتضمن الكثير من المزايا والسفريات والاعتمادات المالية
والمقابلات في وسائل الإعلام، ويفتح الباب للترقي نحو الأعلى.
وعلى الرغم من أن الكثيرين في معسكر الشرعية بالرياض كانوا يأخذون على رياض
ياسين، الذي لا خبرة له في العمل الدبلوماسي، حبه للظهور في القنوات الفضائية
وكثرة التصريحات التي يدلي بها وافتقاره إلى حس دبلوماسي فطري، إلا أن هادي تمسك بدوره بوزير الخارجية المكلف (اختيار
السعودية)، ورفض استبداله بوزير الخارجية في الحكومة العاملة الدكتور الصايدي
(اختيار بحاح).
وربما كانت الطريقة الوحيدة لتفسير موقف هادي، الذي يبدو غير عقلاني، هي
الإشارة اولا إلى شعور هادي المتنامي، وبتحريض من المقربين له مناطقيا وجماعات
أخرى، بأنه يتعرض للتهميش، وأن بحاح يتمدد في دوائر السلطة بطريقة غير مقبولة،
والثاني هو أن رجال العهد الجديد وبعض رموز العهد القديم من السعوديين لم يكونوا يشعرون
بالارتياح للوزير الصايدي وقد تجلى ذلك واضحا في ضغوطهم على هادي بتكليف رياض ياسين
وزيرا للخارجية قبل بدء التدخل العسكري. كما تجلى عدم الرضا عن الصايدي أيضا في أن
وسائل الإعلام السعودي بدأت تتعامل معه
إعلاميا على أنه "مبعوث خاص للرئيس هادي."
وشغل الناشطون على الشبكات الاجتماعية، بالتزامن مع الصراع الدائر بين
تيارات الشرعية، بالحديث عن فلم وثائقي بعنوان "الطريق إلى
صنعاء" أعدته وبثته قناة الجزيرة في 21 مايو (عشية التفجير الإرهابي في
المنطقة الشرقية من السعودية) ويحكي قصة سقوط مدينة عمران، ومقتل اللواء الركن حميد القشيبي قائد اللواء
310 مدرع. ورأى بعض الناشطين أن الفلم، الذي لا يبدو منفصلا عن الصراع الدائر،
يثبت بالدليل القاطع ارتكاب الرئيس هادي واللواء محمد علي المقدشي، الذي عين رئيسا
للأركان في 3 مايو، لجريمة الخيانة، فيما رأى آخرون أن توقيت بث الفلم سيء للغاية
وتعجبوا كيف سيقود المقدشي القوات من مأرب،
أو من أي مكان آخر في حين أنه خان القشيبي
وتآمر على إسقاط عمران. وكانت الحلقة الضائعة في الفلم تتصل بالدور
الخارجي.
وبالتزامن مع عقد مؤتمر الرياض لجلساته (17-19 مايو 2015)، كانت مواقع
إخبارية تتحدث عن أربعة أشخاص مرشحين لقيادة اليمن في المستقبل خلفا للرئيس عبد
ربه منصور هادي وهم: خالد محفوظ بحاح؛ احمد محمد لقمان؛ محمود احمد الصبيحي؛ وعبده
حسين الترب. وركزت التحليلات كثيرا على
خالد بحاح، في محاولة يعتقد أن الهدف منها
كان بشكل أساسي، دق أسفين بين هادي وبحاح بتنبيه الأول إلى الخطر الذي يمثله الثاني.
وفي 27 مايو، قصفت طائرات التحالف المقر الرئيس لقوات الأمن الخاصة في
ميدان السبعين بصنعاء. وكانت تلك القوات الموالية للرئيس السابق وأقاربه تعرف
بالأمن المركزي قبل أن يغير هادي تسميتها في إطار الهيكلة إلى قوات الأمن الخاصة
وقيل أن القصف تم أثناء تسليح مئات الجنود
وأن عدد القتلى وصل إلى 40 على الأقل.
وفي ذات اليوم، طالب الصحفي محمد جميح المقرب من اللواء الأحمر في حديث مع
إذاعة الرياض بإعادة الحكومة إلى الأراضي اليمنية
مؤكدا أن وجودها في السعودية لفترة طويلة يمكن أن يضعفها.
وأظهرت المواقع والصحف ووسائل الإعلام الأخرى المحسوبة على الأحمر ضيقا
بالسياسة السعودية غير الواضحة، وبالتركيز على عمليات القصف الجوي، ووصف عبد
الناصر المودع في تصريح لموقع "خبر" تلك الضربات بأنها غير مجدية. وما
أراده الأحمر، كما فهم حينها، هو حرب على الأرض يحتشد فيها كل المناهضين للحوثيين
والرئيس السابق في جبهة واحدة، غير أن ما أراده الأمريكيون والسعوديون
والإماراتيون، كان أمرا مختلفا تماما.
وبينما يقول المودع في تصريحاته المشار إليها بعاليه، وفيما فهم على أنه
تعليق على استهداف التحالف لقوات الأمن الخاصة في العاصمة صنعاء، أن قصف الجيش
بهذه الطريقة سيضعف قدرة السيطرة ويدفع نحو المزيد من الفوضى، فإنه إما لم يكن
مدركا أو كان مدركا ولكن غير قادر على التصريح، بان ذلك بالضبط ما تريده أمريكا
والسعودية.
وكان من الواضح أن معسكر محسن يتعامل مع الوضع بناء على افتراضين خاطئين:
الأول، أن السعودية تتدخل في اليمن لنصرة ما سمي بـ"الشرعية"؛ والثاني،
أن السعودية سيدة نفسها وأن القرار السعودي بشأن اليمن مستقل تماما عن القرار
الأمريكي.
وتعرض هادي وحكومته إلى انتقادات شديدة من اليمنيين المتواجدين في الرياض
والمحسوبين على الشرعية بسبب الطريقة التي كان يدير بها الأزمة وظهر ذلك حتى في
وسائل الإعلام السعودية التي كانت تستضيف الشخصيات اليمنية المتواجدة هناك للتعليق
على الأحداث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق