أنجب الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود 44 ابنا من الذكور
(وقيل مثلهم تقريبا من الإناث) مات بعضهم صغارا، وانحصر ورثته من الذكور عند وفاته
في 35 ابنا. ودأب المهتمون بدراسة الأسرة المالكة السعودية من علماء الاجتماع
والسياسة والتاريخ وغيرهم على تقسيم أبناء عبد العزيز وفقا لنسب الأم إلى تيارين
(أو مجموعتين) يطلق على الأول تيار السديرين،
في إشارة إلى الأشقاء السبعة الذين أنجبتهم للملك المؤسس زوجته حفصة بنت احمد السديري، وهم فهد
(1923-2005)، سلطان (1931-2011)، عبد الرحمن (1931-2013)، تركي الثاني (1932- 2017)، نايف (1934-2012)، سلمان (1935- )، وأحمد
(1942- ). ويتميز التيار السديري بالتماسك كون المنتمين إليه إخوة أشقاء يتشاركون
في الأب والأم.
أما التيار الثاني، ويضم 28 ابنا، فيطلق عليهم "غير السديرين"
وقد ولدوا لأمهات مختلفات. ومع انه يوجد بين غير السديرين مجموعات صغيرة تتكون من
إخوة أشقاء إلا أن أي من تلك المجموعات لا يساوي ولا يقترب في حجمه أو ثقله
الاجتماعي من تيار السديرين.
وكان سلمان، الذي ينتمي إلى تيار السديرين، ولأسباب كثيرة ملكا بلا شعبية سواء
في أوساط النخبة أو بين السعوديين بشكل عام، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب ربما
كان أهمها: محدودية الدور السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي الذي كان يلعبه من
موقعه كأمير لمنطقة الرياض؛ شخصيته
الصدامية؛ والدعاية المكثفة التي تعرض لها خلال فترة ولاية العهد، والتي رسمت له
صورة منفرة.
وبينما كان سلمان، وقد أصبح ملكا، يراهن في سعيه لتحقيق الاستقرار، على زرع
الخوف في نفوس الشعب من سلمان أكثر مما يراهن على زرع حب سلمان في نفوس الشعب، فإنه
كان يدرك أن زرع الخوف سيحتاج إلى وقت، وأن عليه أن يعمل خلال الأجل القصير على الدخول
في شهر عسل حقيقي مع الشعب السعودي مهما كلفه ذلك.
وقد جاءت أوامر سلمان الملكية الصادرة ليلة الخميس/الجمعة (29-30 يناير
2015)، والتي صادفت الذكرى الأسبوعية الأولى لتولي المسئولية، لتحقق ذلك التوازن
بين الانقضاض جزئيا على رجال العهد السابق، وبين الفوز بعقول وقلوب الجماهير، ولو
لفترة قصيرة، يتمكن خلالها الخوف من الحلول مكان الحب والاحترام.
ولعل أهم ما تضمنته الأوامر الملكية الصادرة في تلك الليلة بالنسبة للقطاع
العريض من السعوديين قد تمثل في الأمر بصرف راتب شهرين أساسين لجميع موظفي الدولة السعوديين
من مدنيين وعسكريين، وصرف مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي داخل المملكة
وخارجها وراتب شهرين للمتقاعدين على نظام المؤسسة العامة للتقاعد ونظام المؤسسة العامة
للتأمينات الاجتماعية. ووجه الملك بالعفو عن بعض السجناء السعوديين والوافدين في قضايا الديون وسجناء الحق العام على أن يشمل الإعفاء
الغرامات التي لا تتجاوز نصف مليون ريال.
وتحملت الخزينة السعودية العامة فاتورة كسب عقول وقلوب السعوديين والتي
بلغت، وفقا لتقديرات بعض وسائل الإعلام السعودية،
حوالي 30 مليار دولار، وهو ما يفوق
المائة وعشرة مليار ريال سعودي.
وأعاد الملك تشكيل مجلس الوزراء من 31 حقيبة ذهبت 6 منها فقط إلى أمراء آل
سعود (ولي العهد، ولي ولي العهد وزير الداخلية، وزير الخارجية، وزير الدفاع
والطيران، وزير الحرس الوطني، ووزير دولة)، بينما ذهب ما تبقى من حقائب إلى الأسر
الارستقراطية الموالية والقريبة من آل سعود. وقد احتفظ معظم وزراء العهد السابق بحقائبهم وخصوصا
وزراء الخارجية والمالية والنفط في رسالة أراد سلمان من خلالها طمأنة الغرب بأن
السياسات السعودية في عهده لن تختلف، كما سبق أن أعلن، عما كانت عليه في عهد
سابقيه.
وبينما احتفظ الأمير متعب، نجل الملك الراحل، بحقيبة الحرس الوطني في مجلس
الوزراء، فقد أعفى الملك اثنين من إخوان متعب من مواقعهما المهمة جدا وهما أمير
مكة مشعل بن عبد الله، وأمير الرياض تركي بن عبد الله. وأعفى سلمان كذلك الأمير بندر بن سلطان نجل ولي العهد الراحل
سلطان والذي كان ينادي صراحة بخلع سلمان من ولاية العهد، من موقعه كأمين عام لمجس الأمن
الوطني والغي المجلس ذاته، والأمير خالد بن
بندر بن عبدالعزيز من منصبه كرئيس للاستخبارات العامة، والدكتور عبد اللطيف بن عبدالعزيز
بن عبدالرحمن آل الشيخ من موقعه كرئيس لهيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحمد بن
عبدالله الشريف رئيس هيئة مكافحة الفساد، والأمير فهد بن عبدالله بن محمد آل سعود من
موقعه كرئيس الهيئة العامة للطيران المدني، والشيخ محمد
بن عبدالكريم بن عبدالعزيز العيسى من عضوية هيئة كبار العلماء.
وألغت الأوامر الملكية 12 مجلسا وهيئة ولجنة مرتبطة بمجلس الوزراء، وأنشأ
بدلا عنها مجلسين هما: مجلس الشئون السياسية والأمنية برئاسة ولي ولي العهد وزير
الداخلية؛ ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية برئاسة وزير الدفاع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق