في 29 ابريل
2015، أي بعد سبعة أيام فقط من الأمر بتحريك قوات الحرس الوطني إلى الحدود
الجنوبية، أبعد سلمان بأمر ملكي أخاه غير الشقيق الأمير مقرن، الذي لا قرون له، من
منصبه كولي للعهد وهو المنصب الذي لم يبق فيه سوى لحوالي ثلاثة أشهر.
وعين سلمان الأمير
محمد بن نايف، ابن أخيه الشقيق، وليا للعهد مع احتفاظه بموقعه كوزير للداخلية. كما
عين نجله محمد، الذي لم يتجاوز حينها الثلاثين من عمره، وليا لولي العهد مع
احتفاظه بمنصب وزير الدفاع. وأعفى الملك
يومها أيضا الأمير سعود الفيصل من منصبه الذي قضى فيه قرابة 40 عاما كوزير لخارجية
المملكة بناء على طلبه، وكان الوضع الصحي للأمير سعود قد تدهور بشكل كبير،
وسيتوفاه الله بعدها بحوالي شهرين. وعين سلمان لأول مرة في تاريخ المملكة وزيرا للخارجية
من خارج الأسرة المالكة هو عادل الجبير الذي كان يعمل سفيرا للسعودية في
واشنطن.
بالنسبة لبن
نايف الذي حقق قفزتين خلال حوالي ثلاثة أشهر انتقل بموجب الأولى من وزير للداخلية
الى "ولي لولي العهد" مع الاحتفاظ بحقيبة الداخلية، وفي الثانية من "ولي
ولي العهد" إلى "ولي العهد" مع الاحتفاظ أيضا بحقيبة الداخلية، فقد
أوجدت خطوة إبعاد الأمير مقرن من ولاية العهد سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ
الأسرة المالكة، وكان يفترض أن تجعله يشعر بالقلق، لكنه بدا شديد الولاء لعمه الملك.
ووزعت صورة لبن نايف تناقلها الناشطون على الشبكات الاجتماعية وهو يقبل يد عمه
مقرن الذي اعفي من موقعه عندما جاء الأخير لمبايعته.
ولم يكن
محتملا، على أي حال، والبلاد تعيش حالة حرب أن تظهر أي معارضة علنية من داخل
الأسرة أو خارجها لقرارات الملك، ناهيك
بالطبع عن أن مقرن، الذي لا قرون له، لا يحظى بأي دعم يذكر داخل الأسرة. بالنسبة
لمقرن نفسه، فيبدو أن الملك إذا ما صدقت التسريبات قد استرضاه بمبلغ مالي كبير،
غير أنه لا يعتقد أن المبلغ وصل إلى عشرة مليار ريال سعودي كما ذهبت التسريبات.
كانت مخاوف
الملك سلمان ونجله تدور حول رد الفعل المحتمل لنجل الملك الراحل ووزير الحرس
الوطني الأمير متعب، ولذلك حرصا على أن لا تصدر تلك القرارات سوى بعد مرور أسبوع
على أمر الملك بتحريك قوات الحرس الوطني نحو الحد الجنوبي. وكانت المخاوف السائدة تنبع
بشكل أساسي من أن فرص متعب في الوصول إلى الملك ارتبطت كلها بوصول عمه مقرن، وأنه
بإزاحة مقرن تبخرت كل آماله في الوصول إلى العرش،
ولم يكن ذلك أسوأ ما سيحدث لمتعب ولآخرين غيره. وبدا واضحا منذ 29 ابريل
2015، أن بقاء متعب وزيرا للحرس الوطني لم يعد له من هدف، وإن إبعاده من قيادة
الحرس أصبح مسألة وقت فحسب.
وفي منتصف
مايو 2015، أي بعد حوالي أسبوعين على صدور القرارات، نشرت الواشنطن بوست تحليلا
ذهبت فيه إلى أن أهم نتيجة للعمليات العسكرية في اليمن هي أنها سمحت للملك، في ظل
التفاف النخبة الحاكمة حوله، أن يقدم على تغييرات هي الأكبر في تاريخ القيادة
العليا للسعودية. وكانت تلك هي طريقة الأمريكيين في تسويق الحرب لسلمان ونجله مرة
بعد أخرى. وأضافت الصحيفة أن الملك تمكن بقراراته تلك من: حل مشكلة الزعامات المسنة؛
تقوية الجبهة الداخلية الداعمة للتدخل في اليمن؛ وتعزيز العلاقات مع أمريكا بحكم
أن ولي العهد الجديد وولي ولي العهد مقربان من أمريكا.
كان أسوأ ما
في أوامر سلمان الصادرة في 29 ابريل 2015، أي بعد مرور شهر وبضعة أيام منذ بدء
التدخل في اليمن ومرور 13 أسبوعا على تولي سلمان هو أنها أطاحت باربعة عقود من
التوازن التاريخي، وإن الهش، والذي بدأ
بعد مقتل الملك فيصل في مارس عام 1975، بين تيار السديرين، وتيار غير السديرين من أبناء
عبد العزيز (انظر الحلقة 10).
ولأول مرة
منذ وفاة الملك المؤسس في عام 1953 أصبح الملك، ولي العهد، وولي ولي العهد (النائب
الثاني) كلهم من التيار السديري. لكن سلمان، الذي يقوم مشروعه على تقويض كافة
الترتيبات القديمة، لم يكن ليبالي بذلك الجانب، وكان بإمكانه أن يلفت انتباه من
يطرح الموضوع إلى الطريقة التي تعامل بها مع أخوه الشقيق احمد في عام 2012 ومع
أبناء شقيقه سلطان (انظر الحلقة 13)، ومع غيرهم
من السديرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق