بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشن العمليات الجوية ضد الحوثين والرئيس
السابق في اليمن في 26 مارس 2015 وهو ذات التاريخ الذي بدأت فيه دول الخمسة (الدول
دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي وهي الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا،
روسيا، والصين) زائدا واحد (المانيا) المرحلة
الأولى من الجولة النهائية من المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وقد أراد اوباما، الذي برهن بشكل متكرر بأنه من أشد المؤمنين بمبدأ
"القيادة من الخلف"، من الحرب في اليمن، من ضمن أهداف أخرى، إدارة إيران
على طاولة المفاوضات من جهة، وإدارة المعارضة السعودية للتفاوض مع إيران من جهة
ثانية. وحرص أوباما في سياساته الإعلامية على تصوير الصراع بأنه يدور بين "الدول
السنية" التي لم يعرف عددها بالضبط، والحوثيين الشيعة المدعومين من ايران.
وتعدت المسألة، بالنسبة لأوباما والحزب الديمقراطي الذي يمثله، قضية
العلاقات الأمريكية الإيرانية أو امن دول الخليج أو الحد من انتشار الأسلحة
النووية إلى قضية صراع منفلت بين الديمقراطيين من جهة، والجمهوريين من جهة ثانية، داخل
أمريكا وعلى المستوى الدولي للحصول على المزيد من الموارد والنفوذ.
والت السعودية تاريخيا الحزب
الجمهوري، وبنى اوباما قناعاته بهذا الخصوص من ملاحظته للسعوديين وهم ينفقون بسخاء
على حملات الدعاية الخاصة بالمرشحين الجمهوريين المنافسين له في انتخابات الفترة
الأولى في عام 2008 وفي انتخابات الفترة الثانية في عام 2012، وكان الديمقراطيون
وشأنهم في ذلك شأن الجمهوريين، بحاجة إلى دولة تدعمهم وتوازن في ثقلها السعودية،
وكان هناك الكثير من الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة ويمكن لأوباما وحزبه أن
ينالوا منها "لقمة" محترمة، ولنقل على سبيل التقدير بضع مليارات يمكن
وضعها جانبا دون أن يلاحظ أحدا ذلك ودون أن تترك العملية أي أثر عندما يتم شحن
النقود المجمدة إلى إيران. ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد. فرفع العقوبات عن إيران
وعودتها إلى سوق النفط يعني أنها ستحصل
على المزيد من النقود، وان الديمقراطيين قد يحصلون على مصدرا ماليا لا ينضب يرفدون
به مصادرهم المالية الحالية.
لم يكن أوباما، أو الحزب الديمقراطي، مبتدعا في هذا الجانب. فقد عمل
الجمهوريون وبالتنسيق مع السعوديين منذ عام 1987 على فرض العقوبات على إيران وتشديدها
مع مرور الزمن بما يخدم مصالحهم النفطية والمالية بشكل اساسي، ثم مع الغزو
الأمريكي للعراق وتوقف تصدير النفط العراقي، تمكن الجمهوريون وال سعود من إيصال
سعر برميل النفط لأول مرة في التاريخ إلى أكثر من 150 دولار للبرميل وجنوا مئات المليارات
من الدولارات.
وأراد اوباما كذلك في فترته الرئاسية الثانية أن يرد الصاع صاعين
للجمهوريين وللسعوديين على السواء من خلال التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن
برنامجها النووي، مدركا بأن تحقيق مثل ذلك الهدف يمكن أن يعني: إعادة نفط إيران
إلى الأسواق، وبالتالي حرمان السعوديين وحلفائهم الجمهوريين من جني أرباح طائلة؛ شحن
أموال إيران المجمدة إلى طهران لتكتسب النصيرة المحتملة للديمقراطيين المزيد من
القوة؛ وزيادة الدور الإقليمي لإيران على
حساب السعوديين والجمهوريين، ولصالح الديمقراطيين.
ولا يعني كل ما سبق أن اوباما أراد فقط التوصل إلى اتفاق مع إيران والحصول
على ما يمكن الحصول عليه من مصالح شخصية أو حزبية، وبغض النظر عن أي اعتبار آخر.
لقد أراد أوباما الوصول في التفاوض مع إيران إلى أفضل اتفاق يمكن الوصول إليه حتى
يتمكن من إقناع الأمريكيين به، غير أن الاتفاق الذي كان يمكن لأوباما كرئيس
لأمريكا عن الحزب الديمقراطي القبول به، ما كان ليحظى بقبول الحزب الجمهوري
والسعودية وإسرائيل باي حال من الأحوال.
وقد راقت كثيرا لأوباما فكرة أن تخوض أمريكا حربا مستترة باسم السعودية ضد
النفوذ الإيراني باليمن، وأن يوظف تلك الحرب
للضغط على إيران على طاولة المفاوضات، على أن يقوم وفي ذات الوقت وبالتنسيق مع
ايران، بتوظيف النفوذ الإيراني في اليمن للضغط على السعودية للحد من معارضتها للمفاوضات
وللاتفاق الذي سيتم التوصل إليه في نهاية المطاف. وسيمضي اوباما في خطته ولن يتردد،
كما ستكشف الحلقات القادمة، في توجيه الصفعات للإيرانيين والسعوديين على السواء
عند الضرورة حتى يتمكن من الحصول على ما أراد الحصول عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق