انتخب باراك حسين أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2008 بأغلبية كبيرة من أصوات أعضاء المجمع الانتخابي حيث حصل على 365 صوتا مقابل 173 لمنافسه الجمهوري السيناتور جون ماكين (1936-2018). وجلب فوز أوباما، الذي يعد أول شخص اسود ينتخب كرئيس، الكثير من الآمال والتطلعات الكبيرة داخل أمريكا، وعلى المستوى الدولي.
ولم يفز الحزب الديمقراطي بالرئاسة فقط، بل أنه حصل في الكونجرس (الدورة
111 والتي تبدأ من يناير 2009 وتنتهي في يناير 2011) على أغلبية كبيرة في مجلس
النواب الذي يبلغ عدد مقاعده المنتخبة 435
وفي مجلس الشيوخ الذي يبلغ عدد مقاعده 100. حصل الديمقراطيون في مجلس النواب على 256
مقعدا مقابل 178 للجمهوريين، وفي مجلس
الشيوخ على 57 مقعدا مقابل 41 للجمهوريين.
كانت انتخابات نوفمبر 2008 بمثابة ثورة أمريكية على 8 سنوات عجاف من حكم الجمهوريين شهدت
خلالها الولايات المتحدة عددا من الأحداث الكارثية أهمها: هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ الغزو
الأمريكي لأفغانستان في عام 2001؛ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003؛ والأزمة
المالية العامية في عامي 2007-2008.
لكن عامين من حكم الرجل الأسود (او الملون بالأصح) للبيت الأبيض كانت كفيلة
بقلب الموازين. فقد خسر الديمقراطيون في الانتخابات النصفية في نوفمبر 2010 أغلبيتهم
في مجلس النواب وانخفض عدد مقاعدهم إلى 193 مقعدا مقابل 242 للجمهوريين. وانخفضت
أغلبيتهم في مجلس الشيوخ إلى 51 مقابل 47. أما بعد انقضاء قرابة 6 سنوات على حكم
أوباما، فقد بلغ وضع الديمقراطيين في مجلسي الكونجرس مستوى أسوأ بكثير مما وصل إليه في انتخابات نوفمبر 2010. فقد انخفض عدد مقاعد الديمقراطيين في انتخابات
نوفمبر 2014 في مجلس النواب إلى 188 مقعدا وفي مجلس الشيوخ إلى 44 مقعدا.
وبينما كانت دول الخمسة زائدا واحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تخوض
المفاوضات النهائية مع إيران بشأن برنامجها النووي، كان أمام الرئيس أوباما احد
خيارين: الأول، اعتبار الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه مع إيران "معاهدة
دولية" وهذه تتطلب في النهاية موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين (67 عضو من
عدد أعضائه الـ100)، وهو ما بدا على ضوء توزيع المقاعد في مجلس الشيوخ مستحيلا؛ والثاني،
معاملة الاتفاق على أنه التزام سياسي ليس له قوة القانون بالنسبة للمواطنين
الأمريكيين ولا يحتاج نتيجة لذلك إلى التصديق عليه من قبل مجلس الشيوخ، ويمكن
الانسحاب منه في أي وقت بقرار من الرئيس. وتعاملت إدارة اوباما مع الاتفاق المتوقع
التوصل إليه مع إيران على أنه اتفاق من النوع الثاني، أي "التزام
سياسي."
وقد فطن المعارضون للاتفاق النووي مع إيران داخل أمريكا، وأبرزهم الحزب
الجمهوري واللوبي الصهيوني، وخارج أمريكا وأبرزهم إسرائيل والسعودية للخطوة التي
قام بها اوباما فتحرك الكونجرس في مايو 2015، في سياق جدل بشأن قانونية خطوة
اوباما في اعتبار الاتفاق مع إيران مجرد التزام سياسي ولا يتطلب مصادقة مجلس
الشيوخ، وسن في 14 مايو قانونا يعطي الكونجرس بمجلسيه الحق بمراجعة أي اتفاق يتم
التوصل إليه مع إيران بشأن برنامجها النووي من خلال آلية الـ5+1. واقر مشروع القانون
بمجلس الشيوخ في 7 مايو بأغلبية 98 مقابل 1، وفي مجلس النواب في 14 مايو بأغلبية
400 مقابل 25.
ومع أنه كان بإمكان اوباما استخدام
الفيتو ضد ذلك القانون، إلا أنه فضل أثناء مناقشة الكونجرس لمشروع القانون التلويح
بالفيتو للحصول على بعض التنازلات في صياغة نصوص القانون، وعندما وصل إليه القانون
بالصياغات التي أرادها، وقعه بدلا من الاعتراض عليه. وحتى لو كان اوباما قد اعترض
على القانون، فقد كان واضحا أن هناك اغلبيات كبيرة تدعمه في المجلسين ويمكنها
بالتالي إسقاط اعتراض الرئيس بسهولة.
ورغم أن البعض أعتبر خطوة أوباما في الموافقة على قانون مراجعة أي اتفاق
يتم التوصل إليه مع إيران من قبل الكونجرس "استسلاما"، إلا أن كل ما
فعله أوباما، مكرها لا بطل، هو أنه أجل استخدام الفيتو. ففي حال راجع الكونجرس
الاتفاق المحتمل التوصل إليه، وقرر رفضه فإنه سيفعل ذلك من خلال مشروع قانون سيرسل
بعد إقراره من قبل مجلسي الكونجرس إلى الرئيس، وبإمكان الرئيس حينئذ استخدام
الفيتو وإعادته إلى الكونجرس الذي سيحتاج في هذه الحالة إلى أغلبية الثلثين في
المجلسين لإسقاط اعتراض الرئيس، وهو أمر سيكون صعبا، رغم الاغلبيات التي يتمتع بها
الجمهوريون في المجلسين.
ومع أن اوباما واجه صعوبات بالغة في الحكم نتيجة سيطرة الجمهوريين على
الكونجرس أو على احد مجلسيه، إلا أن أكثر ما كان يقلقه بالنسبة للاتفاق مع إيران ليس
المعارضة الجمهورية المحتملة في الكونجرس. كان الدور الذي يمكن أن تلعبه السعودية
وإسرائيل، وما يتبعهما من لوبيات ومناصرين وشركات للعلاقات العامة وخبراء في
الاتصال السياسي، في تاليب الكونجرس وإثارة الرأي العام الأمريكي والدولي ضد
الاتفاق، هو أكثر ما يقلقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق