شهدت العلاقات السعودية الفرنسية منذ أن أصبح سلمان ابن عبد العزيز (الأمير
في ذلك الوقت) وزيرا للدفاع في عام 2011 ووليا للعهد في عام 2012 تطورا ملحوظا، ويرجع
ذلك جزئيا على الأقل إلى سياسة توزيع الأدوار التي لجأ إليها الأمريكيون في ظل
احتدام الصراع على السلطة داخل الأسرة المالكة في السعودية، وشعورهم بأنهم لا
يستطيعون أن يكونوا قريبين من الملك عبد الله (تيار غير السديرين)، ومن ولي العهد
(تيار السديرين)، في الوقت ذاته، وبالدرجة ذاتها.
ولعل الرئيس أوباما قد شعر، مع تقدم عملية التفاوض الأولية مع إيران خلال
عامي 2013 و2014، وعلى نحو متزايد أنه سيكون عليه في مرحلة ما، وخصوصا بعد أن استنزف
مخزون الثقة الذي كان يحتفظ به الخليجيون في علاقاتهم معه، ارتداء مسوح الرهبان
والظهور بمظهر القديس الذي يعامل أبناء الله كلهم بطريقة واحدة. ضف إلى ذلك أن أوباما كان يشعر بالقلق من أن تأتي مرحلة يصم
فيها الخليجيون آذانهم كلما تحدث، ومهما كانت جودة ما يقول. ولأن ترك "عيال الله" في الخليج يفعلون ما
يريدون، لم يمثل أبدا خيارا معقولا، فقد كان على اوباما أن يكون ابتكاريا في البحث
عن حلول حتى لو استدعى الأمر أن يتلبس في مظهره وجه شخص آخر.
وبالتزامن مع التقدم الذي كانت تحققه المفاوضات بين إيران والـ5+1، بدأ
الدور الفرنسي في الخليج يتنامى أكثر فأكثر. وأخذت العلاقات بين فرنسا وقبائل
الخليج وفي مقدمتها آل سعود تشهد وبشكل مفاجئ ارتفاعا سريعا في درجة الحميمية. وفي
المقابل، كان الدور السياسي الألماني في إيران يشهد ازدهارا مماثلا.
وبدت فرنسا، بما أشيع عن مواقفها المتشددة تجاه البرنامج النووي الإيراني،
وكأنها أصبحت الممثل والناطق الرسمي باسم دول الخليج العربي على مائدة المفاوضات
بين إيران ودول الـ5+1. ونتيجة لذلك، وخلال
فترة قصيرة، تجاوزت قيمة صفقات السلاح التي عقدتها دول الخليج مع فرنسا، ومعظمها
لشراء طائرات رافال، الـ14 مليار دولار. وبلغت
العلاقات الخليجية الفرنسية حدا تجاوز كل التوقعات بالإعلان عن مشاركة الرئيس
الفرنسي فرانسوا هولند، الذي أصبح في أعين الخليجيين بمثابة "الرجل
الطيب"، في القمة التشاورية الخامسة عشر لقادة دول مجلس التعاون والتي كانت ستعقد
في مدينة الرياض في مايو 2015، ليكون بذلك أول رئيس دولة غربي يحضر قمة خليجية في
سابقة عدت الأولى من نوعها منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981. وظل الطرف
الذي وجه الدعوة إلى هولند مجهولا، الأمر الذي يفهم منه أن الرئيس هولند كان في
الأساس ضيفا ثقيلا.
وأثارت مسألة مشاركة الرئيس الفرنسي في قمة خليجية والغرام الخليجي المفاجئ
بسيد الشانزليزيه، وبالمقاتلات الفرنسيات من طراز "رافال"، التي لم تكن
في الحقيقة تحظى بشعبية على المستوى الدولي منذ كشف الغطاء عنها في عام 1988، الكثير
من الأسئلة والقليل من الأجوبة.
وفيما ظن البعض أن فرنسا وليس أمريكا هي
التي تقوم بتنفيذ الضربات الجوية في اليمن، بدليل صفقات الأسلحة التي انهالت عليها
فجأة، ذهب آخرون إلى أن فرنسا ورغم كونها حليف تاريخي للديمقراطيين في أمريكا، بدأت
تعمل على ملء الفراغ الذي بدأ الأمريكيون يتركونه خلفهم في منطقة الشرق الأوسط،
ومن ضمنها الخليج. لكن تخلي الأمريكيين عن مصالحهم في الخليج لفرنسا، هكذا ببساطة،
بدا أمرا يصعب تصديقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق