وفرت الحرب التي تخوضها السعودية "اسميا" على رأس تحالف هلامي
على الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق في اليمن (هكذا صورت الحرب في البداية) الفرصة
الذهبية للرئيس الأمريكي باراك أوباما للضغط على السعوديين والإيرانيين على السواء
وتطويعهم لما يريد الوصول إليه من اتفاق حول البرنامج النووي لإيران من خلال آلية
الـ5+1. وصحيح أن السعوديين والأمريكيين
قد قضوا قرابة عقد ونصف في الإعداد للحرب على اليمن، وأنفقوا مئات المليارات من
الدولارات في عمليات الإعداد والتجهيز للحرب، غير أن الصحيح أيضا أن دور السعوديين
أنفسهم في الحرب وهو محدود بطبيعته تأثر بدرجة كبيرة، وخصوصا خلال الأشهر الأولى
من الحرب، بالعوامل الثلاثة التالية:
أولا، الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية بين تيار
السديرين، وتيار غير السديرين، وهو الصراع الذي عمل منذ عام 1975 كإحدى المحركات
الهامة للصراعات والأزمات والتطورات الدراماتيكية في المنطقة العربية، بما في ذلك
قيام ثورات الربيع العربي (ثورات السديرين) والثورات المضادة (ثورات غير
السديرين). ولأن الحرب على اليمن كانت "سديرية بحتة"، فقد أدى رحيل
الأميرين سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ووزير الدفاع ونايف بن عبد العزيز ولي
العهد وزير الداخلية إلى تآكل سريع في المعرفة المتوفرة بشأن عمليات التحضير.
ثانيا، حداثة الملك سلمان بالحكم من جهة، وافتقاره إلى الخلفية الأمنية
التي امتلكها إخوانه السديرين، سلطان ونايف، من جهة ثانية. ولم يكن سلمان قد قضى
في السلطة عشية قيام الحرب على اليمن كملك لا ينازع سوى شهرين وبضعة أيام.
ثالثا، طريقة أوباما في إرباك خصومه وحلفائه على السواء حيث عمل بفضل علاقات
إدارته بإيران، وبالرئيس اليمني السابق الذي خدم لوقت طويل في المخابرات المركزية
الأمريكية، على إرباك السعوديين من خلال اختيار توقيت الحرب بما يتلاءم والأهداف
التي أراد الوصول إليها.
وبينما كانت أمريكا تنفذ العمليات الجوية وتدير الحرب من كافة الأوجه وإن
بشكل خفي، وتعمل على منع أي طرف خلال مرحلة التفاوض مع إيران من تحقيق أي اختراق،
كانت السعودية المرتبكة والمنقسمة على نفسها مشغولة باستقبال القيادات السياسية
والحزبية والإعلامية والعسكرية والفضوليين والمغامرين والباحثين عن فرص من خبرة
الرئيس هادي وبياعو المسابح من اليمنيين عامة وزوجات وعشيقات احمد بن دغر، وترتيب
أوضاعهم القانونية والمعيشية. وفوق كل ذلك، كان على السعوديين أن يعملوا على
استيعاب الآلاف من اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب في سوريا ليلتقوا بها وجها لوجه وعلى غير موعد في اليمن، ولم يكن أمامهم من منفذ
سوى الفرار إلى السعودية.
وافتقرت السعودية بقيادة الملك سلمان
لأي خطة قابلة للتطبيق فيما يتعلق بالحرب سواء للمستقبل القريب، أو البعيد، وكان
حالها أشبه ما يكون بالمزارع الذي حرث الأرض وقلبها وهيئها وحين جاء موسم البذر فوجئ
بأنه لا يملك البذور ولا يدري ماذا ولا كيف يبذر بالضبط. وإذا كان السعوديون قد نجحوا، أو هكذا اعتقدوا،
في فرض حصار جوي وبحري على الموانئ اليمنية البرية والبحرية والجوية لمنع أي دعم
بشري أو عسكري أو اقتصادي من الوصول للحوثيين، فإنهم قد واجهوا على نحو متزايد
خلال الأسابيع الأولى للحرب التحديات
التالية:
أولا، إعادة اليمنيين العالقين في مختلف دول العالم، والذين قدر عددهم بنحو
25 ألفا، إلى بلادهم بطريقة أو بأخرى مع ضمان عدم تسلل غير اليمنيين معهم. وتصدرت
القاهرة كمحطة يقصدها اليمنيون وخاصة من كبار السن للإستطباب، رأس القائمة بعد أن زاد
عدد العالقين فيها وفق تقديرات صحفية على
5 آلاف.
ثانيا، إعادة النظر في الحصار المفروض على دخول المشتقات النفطية إلى اليمن
نظرا للنتائج الكارثية لمثل ذلك الإجراء، الذي لم يكن له أي مبرر عسكري معقول، على
حياة المدنيين وخصوصا على قطاعات المواصلات والاتصالات والمرافق الطبية والأعمال
الحرفية.
ثالثا، رغم أن الأمريكيين كانوا قد نجحوا بأساليبهم وطرقهم الخاصة في إبعاد
الحوثيين عن الحدود السعودية خلال الأسابيع الخمسة الأولى من الحرب (إرسالهم عمدا
وفي ظل تفاهمات وتكتيكات مع الإماراتيين والرئيس السابق إلى المحافظات الجنوبية ليكونوا بعيدين عن جبهة
الحدود)، إلا أن الوضع تغير بعد ذلك،
وبدأت أطراف الداخل توجه جهودها نحو الحدود مع السعودية وهي الجبهة الوحيدة التي
حظيت بالتأييد الشعبي منقطع النظير وسقط فيها الكثيرون في معركة عدها اليمنيون
عادلة.
رابعا، العمل على إدارة الخلافات في صفوف الشرعية بطريقة تمنعها من التأثير
سلبا على شرعية واستمرارية الحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق