استمات أوباما،
الذي آمن منذ وقت مبكر إن الخطر الذي يهدد
الخليجيين ليس "التعرض لهجوم من
إيران" بل "سخط الشباب" داخل دولهم، في الضغط على الملك سلمان لحضور قمة "كامب
ديفيد" إمعانا منه في تحدي واهانة خصومه الجمهوريين، والمحسوبين عليهم. وعلى الرغم من أن "أصحاب الجلالة والسمو" من حكام الخليج، قد عبروا في البيان الصادر عن
القمة التشاورية الخليجية التي عقدت في 5 مايو "عن تطلعهم للقاء فخامة الرئيس
الأميركي باراك أوباما في 13 و14" مايو، إلا أن اوباما لم يكن ليأخذ بتلك
العبارة على عواهنها.
وحتى يتبين الخيط
الأبيض من الخيط الأسود، أرسل أوباما في 7 مايو، وزير خارجيته جون كيري إلى الرياض
لاستبطان النوايا، ولإقناع السعوديين
بإعلان هدنة إنسانية لمدة 5 أيام في الحرب التي تشن على اليمن يتم خلالها إيقاف
إطلاق النار والسماح لمنظمات الإغاثة بالوصول إلى مختلف مناطق اليمن، وعلى أن
يتزامن بدء الهدنة مع انعقاد القمة الخليجية الأمريكية. كان كيري نفسه واحدا من أهم اللاعبين، إن لم
يكن اللعب الأهم على الإطلاق، في المفاوضات الجارية بين إيران والـ5+1، رغم ما كان
قد أثير إعلاميا بشأن علاقة النسب التي تربطه بالإيرانيين، حيث أن ابنته الطبيبة
فانيسا متزوجة من جراح دماغ أمريكي مولود لأبوين إيرانيين.
وأكد السعوديون
لكيري في يوم الزيارة، كما ذهبت تسريبات البيت الأبيض، أن الملك سيحضر "كامب
ديفيد." وفي 9 مايو، استضاف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، مستغلا الدفء
الذي تشهده العلاقات الخليجية الفرنسية، اجتماعا في باريس لوزراء خارجية دول مجلس
التعاون الخليجي لمناقشة المفاوضات مع إيران والقمة الخليجية الأمريكية في كامب
ديفيد. ومن جديد، أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير
لكيري، على هامش الاجتماع، أن الملك سيترأس وفد المملكة إلى القمة.
لكن السعوديين
فجأة اخطروا الأمريكيين في مساء اليوم ذاته (9 مايو) وفق التسريبات الأمريكية، بأن هناك احتمال بأن تتغير خطط الملك بالنسبة
لحضور القمة. وفي 10 مايو، ابلغ السعوديون
الأمريكيين رسميا بأن الملك لن يحضر قمة كامب ديفيد وأنه سينيب عنه ولي العهد-وزير
الداخلية محمد بن نايف (ابن شقيق الملك)، وولي ولي العهد -وزير الدفاع محمد بن
سلمان (نجل الملك). وبرر غياب الملك من
قبل السعوديين بانشغاله بالهدنة الإنسانية في اليمن، وبإجراءات افتتاح مركز الملك
سلمان للإغاثة.
ويبدو أن إعلان
البيت الأبيض في يوم الجمعة 8 مايو عن قمة ثنائية ستعقد بين الرئيس الأمريكي
والعاهل السعودي على هامش قمة "كامب ديفيد" قد ساهم على الأقل جزئيا في
تغيير رأي الملك، إذ ربما رأى، في ظل الوضع الصعب الذي وجد نفسه فيه، أن اوباما يدفع
بالأمور إلى ابعد مما يمكن احتماله. ففي حين تعارض السعودية أي اتفاق مع إيران
بنفس القدر الذي تعارض به إسرائيل مثل ذلك الاتفاق، وكذلك بنفس القدر الذي يعارض
به حلفاؤها الجمهوريون في الكونجرس الاتفاق، فقد كان للملك سلمان طريقته المختلفة
في التعامل مع الرئيس الأمريكي، ولا تنبع تلك الطريقة من النظام الأخلاقي أو
البروتوكولي الذي يلتزم به ملك السعودية كما حاولت التسريبات الصحفية الصادرة عن
البلاط السعودي الإيحاء لاحقا، ولكن لأن الملك لم يكن يستطع في سنته الأولى في
الحكم خوض مواجهة مع اوباما كما يفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو الجمهوريون في
الكونجرس.
وفي حين كان
اوباما يضغط على الملك سلمان لحضور قمة "كامب ديفيد" والمشاركة في
استعراض يظهر وجود درجة عالية من الانسجام والوحدة والتوافق بين السعودية وإدارة
اوباما بشأن السياسة الأمريكية تجاه
إيران، كان حلفاء السعودية في الكونجرس يطالبونها بمواقف أكثر قوة وتشددا في
معارضتها للاتفاق، ولا يخلو إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية 98 مقابل 1 لمشروع
قانون يلزم إدارة اوباما بعرض أي اتفاق تبرمه مع إيران على الكونجرس للمراجعة في
اليوم ذاته الذي كان فيه وزير الخارجية الأمريكي كيري يزور السعودية (7 مايو) من
رسالة ما في هذا الجانب.
بالنسبة للرئيس
اوباما، فإن عدم حضور الملك سلمان كان يعني بأن الشخص الذي يقوم بالدور الرئيس في
المسرحية التي كان يقوم بإخراجها لن يحضر، ولم يكن ذلك مؤشرا جيدا غير أن ذلك ما
كان ليعني تأجيل أو إلغاء القمة. فبالنسبة لأوباما، وقياسا على الطريقة التي يفكر
بها، فإن "قمة بتمثيل منخفض أو حتى فاشلة، أفضل من عدم عقد القمة نهائيا."
وسارع مسئولون
أمريكيون وسعوديون، نقلت عنهم وكالة رويترز يوم 10 مايو دون ان تسميهم، إلى
التأكيد أن درجة التوتر بين الرياض وواشنطن تبلغ "صفر"، وان السعودية ودول الخليج
الأخرى سعيدة بالمواقف الأمريكية، وأن عدم حضور الملك لا يتضمن أي رسالة، ولا يحمل
أي ازدراء للرئيس أوباما كما كانت قد تكهنت بعض الصحف مثل النيويورك تايمز. أما عن
أسباب غياب الملك عن القمة، فقد ذكر أولئك المسئولين، أن الطبيعة الفنية للنقاشات
التي ستدور في "كامب ديفيد" جعلت
الملك يعتقد أن ولي العهد، وولي ولي العهد مستعدين بشكل أفضل للتعاطي مع
تلك الأمور. وربما رأى الأمريكيون أن هذا العذر أكثر ملائمة للعقلية الأمريكية من
عذر الانشغال بالهدنة الإنسانية.
وفي وقت متأخر من
مساء الـ10 من مايو 2015، أعلنت القوات الملكية المغربية المسلحة أن إحدى طائراتها
المشاركة في العمليات التي تقودها السعودية في اليمن، وهي من طراز اف 16 (أمريكية
الصنع)، فقدت خلال مهمة كانت تنفذها في اليمن. وتبين لاحقا أن الطائرة، وفي حادث
عد الأول من نوعه منذ بداية عمليات القصف الجوي في 26 مارس 2015، سقطت في وادي
النشور بمحافظة صعدة اليمنية.
وبينما أعلن التحالف
عن فقدان قائد الطائرة المغربي ياسين بحتي البالغ من العمر 26 عاما، تبين بعد ذلك أنه
لقي مصرعه، ليكون بذلك أول طيار يلقى حتفه في العمليات، وأن الحوثيين عثروا على جثمانه
غير بعيد عن المكان الذي سقطت فيه الطائرة.
واختلفت الروايات حول أسباب سقوط الطائرة. ففي حين ذكرت قناة "المسيرة"
التابعة للحوثيين أن رجال قبائل اسقطوا الطائرة بمضادات الطائرات، أكد المتحدث
باسم التحالف سيء السمعة احمد عسيري أن سقوط الطائرة يعود إما إلى خلل فني، أو
بسبب خطأ بشري، وأنها بالتأكيد، حسب قوله، لم تتعرض للإسقاط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق