د. عبد الله الفقيه
في لقاء له مع صحيفة عكاظ نشر الأسبوع الماضي قال الرئيس اليمني المخلوع علي صالح مشيرا الى الجنرال علي محسن الأحمر الذي اعلن اواخر شهر مارس الماضي دعمه للثورة الشبابية "لست منزعجا ]من اولئك الذين انشقوا عني[ بالعكس اولئك الذين تتحدث عنهم كانوا اعباء فوق كتفي وتخليت عنهم، كانوا عبئا وجزءا من رموز الفساد وتجار الحروب، وكانوا حملا على كاهلي." وعندما سأله الصحفي "هل يزعجكم ان تروهم في ساحة العمل السياسية اجاب "اعرف ما يدور في اذهانهم، واعرف ثقافتهم، وهم جزء من عباءة تنظيم الإخوان المسلمين. هم خانوا علي عبد الله صالح. واللواء علي محسن الأحمر كان ضابطا عاديا افتعل الحرب الأولى في صعدة وافتعل الحرب الثانية وافتعل الحرب الثالثة، وهو قابع في طرف الجامعة لا يستطيع الخروج من البوابة الى بيته ولا يوجد اي انشقاق في محيط الجيش."
واذا كان صالح قد اراد من خلال اجوبته السابقة، بكل ما فيها من سوء استخدام للغة العربية وعجز عن التعبير عن المعاني، الظهور بمظهر الزعيم الفذ وتصوير علي محسن على انه الضابط العادي جدا فإن هذا المقال يذهب الى القول، معتمدا على معطيات التحليل النفسي والحقائق السياسية ان هناك الكثير من الدلائل التي تشير الى ان صالح قد لعب دائما دور "الشاويش" في حين ان محسن قد لعب دائما دور الجنرال.
الشاويش صالح
ربما كان الرئيس المصري الراحل انور السادات هو أول من اطلق لقب "الشاويش" على صالح. فقد ادت سياسات السادات تجاه اسرائيل الى تعرضه الى الكثير من النقد والى تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية وفي احدى المرات وقد بلغ الحنق بالسادات ايما مبلغ عندما علم بان صالح ينتقده قال ساخطا "حتى شاويش اليمن." لكن اللقب سيلتصق بصالح بعد ذلك وسيوظفه نقاده بشكل متزايد للسخرية منه والهزء به. وتطلق كلمة "شاويش" التركية الأصل على من يحمل رتبة عسكرية اقل من ضابط وارفع من جندي وعندما تطلق على مشير كان حتى وقت قريب رئيس دولة فإنها بالتأكيد تعني غياب المعرفة والخبرة والكفاءة وهذا ما يفهم من تعبير "الشاويش الذي اصبح رئيسا" الذي شاع استخدامه كثيرا خلال الأشهر السابقة.
والحقيقة ان المتأمل في خطابات وتصرفات صالح خلال الأشهر القليلة الماضية سيدرك بوضوح ان لقب "شاويش" ربما كان كبيرا عليه. فالشخص الذي يقول بعد 33 سنة في الرئاسة انه في بلد "ديمجراطي" لا يمكن ان يكون قادرا على التمييز او التفكير السليم ولا ينبغي ان يؤتمن على نفسه ناهيك عن ادارة بلد وقيادة جيش وتمثيل امة لدى الأمم الأخرى. واي تحليل منصف لما ورد في مقابلة صالح مع صحيفة عكاظ أو مع اي وسيلة اعلامية اخرى بشأن علي محسن سيدرك بسهولة انه امام شخص معتوه يقول الشيء ونقيضه في ذات الجملة وينكر المعلوم من الأشياء ويعتقد انه "الخليفة السادس" من بين الخلفاء الراشدين كما كتب على لافتة رفعت في احدى المهرجانات المؤيدة له. واذا عدنا الى الاقتباسات الواردة في بداية هذا المقال، فانه يلاحظ ان صالح ينكر مثلا ان محسن تخلى عنه ويؤكد في اعتراف خطير انه هو نفسه من تخلى عن محسن بل ويذهب ابعد من ذلك فينكر ان هناك انقسام في الجيش لان ذلك الانقسام يمثل اكبر فشل يمكن ان يلحق بقائد عسكري اثبتت الأيام انه ليس اكثر من شاويش.
الجنرال محسن
هناك ما يبعث على الاعتقاد بان محسن، وعلى عكس صالح، قد لعب دائما دور الجنرال. فهو شخصية احاطت نفسها بغموض كبير الى الحد الذي لم يعرف فيه الكثير من اليمنيين وحتى بداية هذه الأزمة ما اذا كان محسن اخ غير شقيق لصالح كما اعتقد الكثيرون أم انه ابن عم لبعض اخوان الرئيس غير الأشقاء كما تبين مؤخرا. وزاد من ذلك الغموض تغيير محسن للقب عائلته الى "الأحمر" بدلا عن "القاضي" وتغيير صالح للقب عائلته الى "الأحمر" بدلا عن "عفاش" (بشدة مع الفتحة على الفاء) وهو تغيير ربما اقتضته السلطة وما تتطلبه من هالة لكنه بالتأكيد ساهم في الغموض السائد. ومع ان السفير الأميركي الأسبق في صنعاء توم كراجكسي وصف محسن في برقية ارسلها الى واشنطن في عام 2005 بانه "القبضة الحديدية" لصالح الإ ان هذا التعبير غير الدقيق وما ورد في البرقية ذاتها من معلومات وتقييمات واتهامات اثبتت الأيام خطأ بعضها على الأقل تؤكد الغموض المحيط بالجنرال الذي لا يذكر الناس اسمه كما جاء في البرقية الإ بشكل عابر.
وما يهم هنا هو ان محسن قد اثبت دائما وبشكل متكرر انه وليس غيره الشخص الذي لعب دائما دور الجنرال. واذا كان محسن قد فرض على نفسه حياة بعيدة عن الأضواء فإن ذلك بالتحديد هو المتوقع من الجنرال المحترف الواثق بنفسه وقدراته. ويلاحظ أن محسن، حتى عندما بدأت الخلافات بينه وبين صالح تظهر الى السطح، قد فضل التزام الصمت. ولم يتغير الوضع كثيرا بعد اعلانه تأييده السلمي للثورة الإ قليلا. فقد حرص محسن دائما، وعلى عكس الشاويش النزق، على ان لا يتكلم الا القليل وان لا يتكلم الإ من نص مكتوب وبكلمات محدودة جدا. واذا كان صالح قد كذب كثيرا على الناس وتناقض مع نفسه طيلة ثلث قرن، فإن الكثير من اليمنيين يميلون اليوم الى تصديق الجنرال الذي من النادر ان يتكلم. ويقول مراقبون انه لو كان محسن سيئا كما تصوره الماكنة الإعلامية النازية لصالح واقاربه ما كان صبر على صالح كل هذه السنوات. ولا احد يتوقع بالطبع من الجنرال ان يكون ملاكا للرحمة أو حمامة سلام.
وبالنسبة لقول صالح ان محسن "يقبع في طرف الجامعة" فإن ذلك قد لا يعني الخوف كما يريد صالح اقناع اليمنيين والعالم بل قد يعني ادراك محسن ان خصما مثل صالح سيهزم نفسه بنفسه وهو ما فعله صالح حتى الان وما سيمضي فيه حتى النهاية. وكما يعتقد الكثيرون فان الجنرال محسن لم يلعب حتى الان ايا من اوراقه وانه يحرص بشكل كبير على ان يضع نهاية مشرفة لعهده وان لا يدخل في صراع عسكري مع صالح مهما كان حجم الاستفزاز. ولعل محسن يدرك جيدا كم سيكون الأمر سيئا فيما لو انفجر الموقف عسكريا بينه وبين صالح وخصوصا وانه وصالح ينتميان الى نفس القرية ونفس القبيلة.
الحرب المحتملة
اظهرت بيانات الجنرال وتصريحاته منذ قرر دعم ثورة الشباب السلمية انه يلتزم بالدعم السلمي لثورة الشباب. وعندما بدأ الشاويش يتحدث عن انقلاب عسكري سارع محسن الى الإعلان عن التزامه بعدم السعي لتولي اي منصب بعد نجاح الثورة وان الجيش لا يسعى لتولي السلطة. واذا كان محسن لا يسعى لتفجير الموقف عسكريا فإن ذلك لا يعني بالطبع ان محسن ينتظر أن يقرر صالح مصيره. فالجنرال يأمل بالحلول السلمية لكنه بالتأكيد وكما فعل دائما يعد للحرب التي قد تفرض عليه. ورغم الفارق الكبير في التسلح والتمويل بين قوات الطرفين والذي يرجح كفة صالح الإ ان اي مواجهة عسكرية كما يقول مراقبون سترجح في الغالب كفة محسن الذي كسب كل معارك صالح عندما كان الرجلان يعملان معا والذي سيخوض المعركة في صف الثورة بينما سيخوضها صالح في صف البلاطجة.
واخذا في الاعتبار ان صفحة صالح يتم طيها فان هناك الكثير من الشكوك حول المواقف الحقيقية لأشخاص مقربون جدا من صالح وما اذا كان ولائهم للشعب ونظامه الجمهوري أم لشخص تورط في الكثير من الجرائم بحق ابناء شعبه. وابرز الأشخاص الذين تدور التساؤلات حول ولائهم الأخ غير الشقيق لصالح محمد صالح الأحمر قائد القوات الجوية وكذلك اخاه نصف الشقيق علي صالح الأحمر الذي عين مؤخرا بعد اعلان محسن دعمه للثورة قائدا للعمليات في الحرس الجمهوري تحت امرة نجل الرئيس. بالنسبة لمحمد صالح فقد تعرض للتوقيف مرارا من منصبه فيما بدا انه محاولة من الرئيس لإضعافه كي يحل محله في الموقع نجله خالد الذي تخرج مؤخرا من الكلية الملكية البريطانية--ساندهيرست. وقد تخلى صالح عن تلك المحاولات بعد التحدي القاسي الذي واجهه في انتخابات عام 2006 والتي ليس من المستبعد ان يكون بعض المقربين جدا من صالح قد ساهموا في تمويله.
ويلاحظ ان صالح قد قام خلال الأسابيع القليلة الماضية بتحريك الطائرات الحربية التي عادة ما تنطلق من صنعاء الى عدد من المطارات الأخرى فيما يفهم منه على ان صالح ربما يعد لشن هجمات بالطيران على مواقع محسن وخصوصا اذا ما قرر الأخير الاستيلاء على القصر الجمهوري بالقوة، او ان صالح يخاف من استيلاء محسن على سلاح الطيران وخصوصا وان عددا من وحدات الدفاع الجوي كانت اعلنت ولائها للثورة بالإضافة الى ان المطارين الحربي والمدني يقعان في الجزء الشمالي من العاصمة حيث تترجح كفة السيطرة لمحسن. وكما ان صالح سيجد صعوبة كبيرة في الاستفادة من وحدات الحرس الجمهوري المنتشرة في المحافظات والتي بدأت القبائل في محاصرتها والحد من تحركاتها في اكثر من مكان، فإنه سيجد كذلك صعوبة كبيرة في توظيف سلاح الطيران في الصراع السياسي مع خصومه حيث قد تستولي المجاميع المعارضة لصالح والتي تشكل اغلبيات كبيرة في المحافظات المعنية على القواعد الجوية التي تنطلق منها تلك الطائرات. وما يجدر الإشارة اليه هنا هو ان لغز سقوط طائرات الميج فوق مناطق في صعدة اثناء الحرب مع المتمردين ما زال حتى اليوم يثير الكثير من الأسئلة وان كان هناك من يفترض ان سقوطها ربما كان سببه ان الأهداف التي طلب منها ضربها يوم سقوطها لم تكن سوى اهداف صديقة.
اما علي صالح الأحمر والذي تولى قيادة الحرس الجمهوري لقرابة عقدين من الزمن فقد تم عزله من ذلك الموقع بعد صراع بينه من جهة وبين الرئيس ونجله احمد من جهة اخرى حول قيادة الحرس الجمهوري. وقد سقط نتيجة لذلك الصراع المكتوم ابن للقائد السابق للحرس الجمهوري تختلف الروايات حول ظروف مقتله، وان لم يكن صالح قد قتله بيده فان الحرس الخاص بصالح قد قتلوه بعد ان رفض تسليم سلاحه لهم قبل الدخول على عمه الرئيس كما تقول بعض الروايات. وفي حين تمكن صالح من حسم الصراع مع اخيه غير الشقيق لصالح نجله الذي تم توليته قيادة الحرس الجمهوري ، فإن القائد السابق للحرس الجمهوري قضى سنوات عديدة متنقلا بين سفارات اليمن في الخارج كملحق عسكري ليعين بعد ذلك، نتيجة لجهود بذلها الجنرال محسن كما يقول محللون، مستشارا للقائد الأعلى للقوات المسلحة. ومع بداية الثورة الشبابية واعلان محسن دعمه لها عين صالح القائد السابق للحرس الجمهوري رئيسا لعمليات الحرس هذه المرة تحت امرة نجل الرئيس فيما فهم على انه محاولة من صالح الاستفادة من خبرات اخيه الطويلة كقائد للحرس الجمهوري في اي مواجهات عسكرية يمكن ان تندلع.
مستقبل الجنرال
حقق محسن خلال 33 سنة الكثير من الانتصارات في المعارك التي خاضها والتي جيرها صالح دائما لنفسه. واكتسب محسن بفضل انتصاراته العديدة الكثير من الأصدقاء والكثير من الأعداء ايضا. وستقرر المعركة التي يخوضها محسن اليوم في نفس الجبهة مع الأصدقاء الذين صنعهم والأعداء الذين اكتسبهم نتيجة الحرب. ومن حسن حظ الجنرال، أو ربما من شدة دهائه، انه يخوض اليوم ما يبدو على انه المعركة الأخيرة وقد ضمن انه لن يخرج منها الإ منتصرا بغض النظر عن مجريات المعركة والنتائج التي ستنتهي اليها. لقد حدد الجنرال هدفه من المعركة بطريقة لا يمكن ان يخرج منها الإ منتصرا. وعلى العكس من ذلك فقد حدد الشاويش هدفه من المعركة بطريقة لا يمكن ان يخرج منها الا مهزوما. وسيكتب المؤرخون المنصفون ذات يوم ان جنرال سنحان خاض العديد من المعارك قبل ان يكسب حربا امتدت لثلث قرن. اما خليفة بني "عفاش" فسيسجل التاريخ بأنه كان مجرد شاويش كثير الكلام قليل العمل حكم بالجهل والأنانية وانقلب على النظام الجمهوري لبلاده، وان امره انتهى بخروج شعبه وجيشه عليه، وان محاولاته في آخر عهده إقامة عرشه على جماجم ابناء شعبه مستعينا بجيش من البلاطجة والمرتزقة قد باءت بالفشل الذريع.
في لقاء له مع صحيفة عكاظ نشر الأسبوع الماضي قال الرئيس اليمني المخلوع علي صالح مشيرا الى الجنرال علي محسن الأحمر الذي اعلن اواخر شهر مارس الماضي دعمه للثورة الشبابية "لست منزعجا ]من اولئك الذين انشقوا عني[ بالعكس اولئك الذين تتحدث عنهم كانوا اعباء فوق كتفي وتخليت عنهم، كانوا عبئا وجزءا من رموز الفساد وتجار الحروب، وكانوا حملا على كاهلي." وعندما سأله الصحفي "هل يزعجكم ان تروهم في ساحة العمل السياسية اجاب "اعرف ما يدور في اذهانهم، واعرف ثقافتهم، وهم جزء من عباءة تنظيم الإخوان المسلمين. هم خانوا علي عبد الله صالح. واللواء علي محسن الأحمر كان ضابطا عاديا افتعل الحرب الأولى في صعدة وافتعل الحرب الثانية وافتعل الحرب الثالثة، وهو قابع في طرف الجامعة لا يستطيع الخروج من البوابة الى بيته ولا يوجد اي انشقاق في محيط الجيش."
واذا كان صالح قد اراد من خلال اجوبته السابقة، بكل ما فيها من سوء استخدام للغة العربية وعجز عن التعبير عن المعاني، الظهور بمظهر الزعيم الفذ وتصوير علي محسن على انه الضابط العادي جدا فإن هذا المقال يذهب الى القول، معتمدا على معطيات التحليل النفسي والحقائق السياسية ان هناك الكثير من الدلائل التي تشير الى ان صالح قد لعب دائما دور "الشاويش" في حين ان محسن قد لعب دائما دور الجنرال.
الشاويش صالح
ربما كان الرئيس المصري الراحل انور السادات هو أول من اطلق لقب "الشاويش" على صالح. فقد ادت سياسات السادات تجاه اسرائيل الى تعرضه الى الكثير من النقد والى تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية وفي احدى المرات وقد بلغ الحنق بالسادات ايما مبلغ عندما علم بان صالح ينتقده قال ساخطا "حتى شاويش اليمن." لكن اللقب سيلتصق بصالح بعد ذلك وسيوظفه نقاده بشكل متزايد للسخرية منه والهزء به. وتطلق كلمة "شاويش" التركية الأصل على من يحمل رتبة عسكرية اقل من ضابط وارفع من جندي وعندما تطلق على مشير كان حتى وقت قريب رئيس دولة فإنها بالتأكيد تعني غياب المعرفة والخبرة والكفاءة وهذا ما يفهم من تعبير "الشاويش الذي اصبح رئيسا" الذي شاع استخدامه كثيرا خلال الأشهر السابقة.
والحقيقة ان المتأمل في خطابات وتصرفات صالح خلال الأشهر القليلة الماضية سيدرك بوضوح ان لقب "شاويش" ربما كان كبيرا عليه. فالشخص الذي يقول بعد 33 سنة في الرئاسة انه في بلد "ديمجراطي" لا يمكن ان يكون قادرا على التمييز او التفكير السليم ولا ينبغي ان يؤتمن على نفسه ناهيك عن ادارة بلد وقيادة جيش وتمثيل امة لدى الأمم الأخرى. واي تحليل منصف لما ورد في مقابلة صالح مع صحيفة عكاظ أو مع اي وسيلة اعلامية اخرى بشأن علي محسن سيدرك بسهولة انه امام شخص معتوه يقول الشيء ونقيضه في ذات الجملة وينكر المعلوم من الأشياء ويعتقد انه "الخليفة السادس" من بين الخلفاء الراشدين كما كتب على لافتة رفعت في احدى المهرجانات المؤيدة له. واذا عدنا الى الاقتباسات الواردة في بداية هذا المقال، فانه يلاحظ ان صالح ينكر مثلا ان محسن تخلى عنه ويؤكد في اعتراف خطير انه هو نفسه من تخلى عن محسن بل ويذهب ابعد من ذلك فينكر ان هناك انقسام في الجيش لان ذلك الانقسام يمثل اكبر فشل يمكن ان يلحق بقائد عسكري اثبتت الأيام انه ليس اكثر من شاويش.
الجنرال محسن
هناك ما يبعث على الاعتقاد بان محسن، وعلى عكس صالح، قد لعب دائما دور الجنرال. فهو شخصية احاطت نفسها بغموض كبير الى الحد الذي لم يعرف فيه الكثير من اليمنيين وحتى بداية هذه الأزمة ما اذا كان محسن اخ غير شقيق لصالح كما اعتقد الكثيرون أم انه ابن عم لبعض اخوان الرئيس غير الأشقاء كما تبين مؤخرا. وزاد من ذلك الغموض تغيير محسن للقب عائلته الى "الأحمر" بدلا عن "القاضي" وتغيير صالح للقب عائلته الى "الأحمر" بدلا عن "عفاش" (بشدة مع الفتحة على الفاء) وهو تغيير ربما اقتضته السلطة وما تتطلبه من هالة لكنه بالتأكيد ساهم في الغموض السائد. ومع ان السفير الأميركي الأسبق في صنعاء توم كراجكسي وصف محسن في برقية ارسلها الى واشنطن في عام 2005 بانه "القبضة الحديدية" لصالح الإ ان هذا التعبير غير الدقيق وما ورد في البرقية ذاتها من معلومات وتقييمات واتهامات اثبتت الأيام خطأ بعضها على الأقل تؤكد الغموض المحيط بالجنرال الذي لا يذكر الناس اسمه كما جاء في البرقية الإ بشكل عابر.
وما يهم هنا هو ان محسن قد اثبت دائما وبشكل متكرر انه وليس غيره الشخص الذي لعب دائما دور الجنرال. واذا كان محسن قد فرض على نفسه حياة بعيدة عن الأضواء فإن ذلك بالتحديد هو المتوقع من الجنرال المحترف الواثق بنفسه وقدراته. ويلاحظ أن محسن، حتى عندما بدأت الخلافات بينه وبين صالح تظهر الى السطح، قد فضل التزام الصمت. ولم يتغير الوضع كثيرا بعد اعلانه تأييده السلمي للثورة الإ قليلا. فقد حرص محسن دائما، وعلى عكس الشاويش النزق، على ان لا يتكلم الا القليل وان لا يتكلم الإ من نص مكتوب وبكلمات محدودة جدا. واذا كان صالح قد كذب كثيرا على الناس وتناقض مع نفسه طيلة ثلث قرن، فإن الكثير من اليمنيين يميلون اليوم الى تصديق الجنرال الذي من النادر ان يتكلم. ويقول مراقبون انه لو كان محسن سيئا كما تصوره الماكنة الإعلامية النازية لصالح واقاربه ما كان صبر على صالح كل هذه السنوات. ولا احد يتوقع بالطبع من الجنرال ان يكون ملاكا للرحمة أو حمامة سلام.
وبالنسبة لقول صالح ان محسن "يقبع في طرف الجامعة" فإن ذلك قد لا يعني الخوف كما يريد صالح اقناع اليمنيين والعالم بل قد يعني ادراك محسن ان خصما مثل صالح سيهزم نفسه بنفسه وهو ما فعله صالح حتى الان وما سيمضي فيه حتى النهاية. وكما يعتقد الكثيرون فان الجنرال محسن لم يلعب حتى الان ايا من اوراقه وانه يحرص بشكل كبير على ان يضع نهاية مشرفة لعهده وان لا يدخل في صراع عسكري مع صالح مهما كان حجم الاستفزاز. ولعل محسن يدرك جيدا كم سيكون الأمر سيئا فيما لو انفجر الموقف عسكريا بينه وبين صالح وخصوصا وانه وصالح ينتميان الى نفس القرية ونفس القبيلة.
الحرب المحتملة
اظهرت بيانات الجنرال وتصريحاته منذ قرر دعم ثورة الشباب السلمية انه يلتزم بالدعم السلمي لثورة الشباب. وعندما بدأ الشاويش يتحدث عن انقلاب عسكري سارع محسن الى الإعلان عن التزامه بعدم السعي لتولي اي منصب بعد نجاح الثورة وان الجيش لا يسعى لتولي السلطة. واذا كان محسن لا يسعى لتفجير الموقف عسكريا فإن ذلك لا يعني بالطبع ان محسن ينتظر أن يقرر صالح مصيره. فالجنرال يأمل بالحلول السلمية لكنه بالتأكيد وكما فعل دائما يعد للحرب التي قد تفرض عليه. ورغم الفارق الكبير في التسلح والتمويل بين قوات الطرفين والذي يرجح كفة صالح الإ ان اي مواجهة عسكرية كما يقول مراقبون سترجح في الغالب كفة محسن الذي كسب كل معارك صالح عندما كان الرجلان يعملان معا والذي سيخوض المعركة في صف الثورة بينما سيخوضها صالح في صف البلاطجة.
واخذا في الاعتبار ان صفحة صالح يتم طيها فان هناك الكثير من الشكوك حول المواقف الحقيقية لأشخاص مقربون جدا من صالح وما اذا كان ولائهم للشعب ونظامه الجمهوري أم لشخص تورط في الكثير من الجرائم بحق ابناء شعبه. وابرز الأشخاص الذين تدور التساؤلات حول ولائهم الأخ غير الشقيق لصالح محمد صالح الأحمر قائد القوات الجوية وكذلك اخاه نصف الشقيق علي صالح الأحمر الذي عين مؤخرا بعد اعلان محسن دعمه للثورة قائدا للعمليات في الحرس الجمهوري تحت امرة نجل الرئيس. بالنسبة لمحمد صالح فقد تعرض للتوقيف مرارا من منصبه فيما بدا انه محاولة من الرئيس لإضعافه كي يحل محله في الموقع نجله خالد الذي تخرج مؤخرا من الكلية الملكية البريطانية--ساندهيرست. وقد تخلى صالح عن تلك المحاولات بعد التحدي القاسي الذي واجهه في انتخابات عام 2006 والتي ليس من المستبعد ان يكون بعض المقربين جدا من صالح قد ساهموا في تمويله.
ويلاحظ ان صالح قد قام خلال الأسابيع القليلة الماضية بتحريك الطائرات الحربية التي عادة ما تنطلق من صنعاء الى عدد من المطارات الأخرى فيما يفهم منه على ان صالح ربما يعد لشن هجمات بالطيران على مواقع محسن وخصوصا اذا ما قرر الأخير الاستيلاء على القصر الجمهوري بالقوة، او ان صالح يخاف من استيلاء محسن على سلاح الطيران وخصوصا وان عددا من وحدات الدفاع الجوي كانت اعلنت ولائها للثورة بالإضافة الى ان المطارين الحربي والمدني يقعان في الجزء الشمالي من العاصمة حيث تترجح كفة السيطرة لمحسن. وكما ان صالح سيجد صعوبة كبيرة في الاستفادة من وحدات الحرس الجمهوري المنتشرة في المحافظات والتي بدأت القبائل في محاصرتها والحد من تحركاتها في اكثر من مكان، فإنه سيجد كذلك صعوبة كبيرة في توظيف سلاح الطيران في الصراع السياسي مع خصومه حيث قد تستولي المجاميع المعارضة لصالح والتي تشكل اغلبيات كبيرة في المحافظات المعنية على القواعد الجوية التي تنطلق منها تلك الطائرات. وما يجدر الإشارة اليه هنا هو ان لغز سقوط طائرات الميج فوق مناطق في صعدة اثناء الحرب مع المتمردين ما زال حتى اليوم يثير الكثير من الأسئلة وان كان هناك من يفترض ان سقوطها ربما كان سببه ان الأهداف التي طلب منها ضربها يوم سقوطها لم تكن سوى اهداف صديقة.
اما علي صالح الأحمر والذي تولى قيادة الحرس الجمهوري لقرابة عقدين من الزمن فقد تم عزله من ذلك الموقع بعد صراع بينه من جهة وبين الرئيس ونجله احمد من جهة اخرى حول قيادة الحرس الجمهوري. وقد سقط نتيجة لذلك الصراع المكتوم ابن للقائد السابق للحرس الجمهوري تختلف الروايات حول ظروف مقتله، وان لم يكن صالح قد قتله بيده فان الحرس الخاص بصالح قد قتلوه بعد ان رفض تسليم سلاحه لهم قبل الدخول على عمه الرئيس كما تقول بعض الروايات. وفي حين تمكن صالح من حسم الصراع مع اخيه غير الشقيق لصالح نجله الذي تم توليته قيادة الحرس الجمهوري ، فإن القائد السابق للحرس الجمهوري قضى سنوات عديدة متنقلا بين سفارات اليمن في الخارج كملحق عسكري ليعين بعد ذلك، نتيجة لجهود بذلها الجنرال محسن كما يقول محللون، مستشارا للقائد الأعلى للقوات المسلحة. ومع بداية الثورة الشبابية واعلان محسن دعمه لها عين صالح القائد السابق للحرس الجمهوري رئيسا لعمليات الحرس هذه المرة تحت امرة نجل الرئيس فيما فهم على انه محاولة من صالح الاستفادة من خبرات اخيه الطويلة كقائد للحرس الجمهوري في اي مواجهات عسكرية يمكن ان تندلع.
مستقبل الجنرال
حقق محسن خلال 33 سنة الكثير من الانتصارات في المعارك التي خاضها والتي جيرها صالح دائما لنفسه. واكتسب محسن بفضل انتصاراته العديدة الكثير من الأصدقاء والكثير من الأعداء ايضا. وستقرر المعركة التي يخوضها محسن اليوم في نفس الجبهة مع الأصدقاء الذين صنعهم والأعداء الذين اكتسبهم نتيجة الحرب. ومن حسن حظ الجنرال، أو ربما من شدة دهائه، انه يخوض اليوم ما يبدو على انه المعركة الأخيرة وقد ضمن انه لن يخرج منها الإ منتصرا بغض النظر عن مجريات المعركة والنتائج التي ستنتهي اليها. لقد حدد الجنرال هدفه من المعركة بطريقة لا يمكن ان يخرج منها الإ منتصرا. وعلى العكس من ذلك فقد حدد الشاويش هدفه من المعركة بطريقة لا يمكن ان يخرج منها الا مهزوما. وسيكتب المؤرخون المنصفون ذات يوم ان جنرال سنحان خاض العديد من المعارك قبل ان يكسب حربا امتدت لثلث قرن. اما خليفة بني "عفاش" فسيسجل التاريخ بأنه كان مجرد شاويش كثير الكلام قليل العمل حكم بالجهل والأنانية وانقلب على النظام الجمهوري لبلاده، وان امره انتهى بخروج شعبه وجيشه عليه، وان محاولاته في آخر عهده إقامة عرشه على جماجم ابناء شعبه مستعينا بجيش من البلاطجة والمرتزقة قد باءت بالفشل الذريع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق