دخلت اعتصامات اليمنيين مع بداية الثلث الثاني من مايو 2011 شهرها الرابع ليحقق اليمنيون حتى الآن رقما قياسيا يؤهلهم لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأول شعب يعتصم سلميا بشكل مستمر، وبهذا العدد من الناس، ولهذا العدد من الشهور، وفي هذا العدد من الميادين، وبهذا القدر من الإصرار على تحقيق أهدافهم في التحرر من الفساد واللصوصية وإقامة الدولة الوطنية العادلة. لقد الصق النظام الكهنوتي المتخلف الذي حكم اليمن بين عامي 1978 و2011 كل الأرقام القياسية القذرة باليمن واليمنيين، فجعلهم البلد الأكثر سكانا داخل سجن جوانتناموا سيء الصيت، والأشد فقرا والأقل تعليما، والأعلى معدلا في امتلاك قطع السلاح.
ونجح نظام الجهل والبلطجة من خلال عجزه وسوء تدبيره في تجنيس الإرهابي الأول في العالم بالجنسية اليمنية رغم براءة اليمن منه ومن الإرهاب. كما نجح في وصم اليمني أينما حل وارتحل بالإرهاب. وحول نظام الجهل، في رحلة سقوطه المروع، الإرهاب ذاته إلى صناعة يبتز بها مواطنيه وجيرانه والعالم. وربما كان الشعب اليمني هو الشعب الوحيد في العالم الذي حكمه لثلاث وثلاثين عاما شخص جاهل لم يتجاوز تعليمه المرحلة الأساسية، والشعب الوحيد الذي لم يعتمد حاكمه الجاهل في إدارة شئون الدولة سوى على أقاربه الذين لا يتجاوز تعليمهم في الغالب الثانوية العامة وليس لهم من مؤهلات الحكم سوى رابطة الدم التي تجمعهم برأس الدولة. وربما كان الشعب اليمني الصبور هو الشعب الوحيد في العالم الذي ظل حاكمه ينفق ملايين الدولارات على مشاريع لا هدف لها سوى إشباع رغبة الشعور بالعظمة في نفسه بينما كان شعبه وفي ذات الوقت يملك أعلى معدل في العالم لوفيات النساء عند الولادة وواحدا من أعلى المعدلات في العالم في سوء التغذية.
لقد تكبد الشعب اليمني خلال ثلث قرن من الزمن الكثير من الخسائر. فقد سرق من أبنائه عمر جيل كامل ذهب هدرا في عبث لا طائل منه في حين كان يمكن استغلال كل تلك السنوات في بناء دولة النظام والقانون وتحقيق قدر من التنمية والشراكة الوطنية. وتعرضت موارد اليمن خلال عقدين من الزمن إلى عملية استنزاف فاقت في آثارها التدميرية عمليات الاستنزاف التي قام بها المستعمرون الأوروبيون لأراضي الشرق، وذهبت عائدات الحكم إلى رأس الدولة وأقاربه وحفنة من الفاسدين بالوراثة في حين كان حظ أبناء الشعب اليمني الفقر والحرمان والتهميش والتشرد. وبينما كان الشعب اليمني يئن من الجوع والفقر والمرض، كان قائده المصاب بجنون الوضاعة ينفق ثروات شعبه في بناء جامع أسطوري يخلد به اسمه وفي شراء طائرات يهدم بها بيوت أبناء شعبه وقنابل يواجه بها الملايين المطالبة برحيله. ولم يحدث في تاريخ أي شعب أن لجأ رئيسه إلى افتعال الحروب الداخلية ليقوم بعد ذلك بتكليف عصابات بقتل أفراد جيشه من الخلف. لكنه حدث في اليمن وللشعب اليمني وبتدبير من شخص أفلس في كل شيء بما في ذلك الدسائس والمؤامرات.
وعزاء الشعب اليمني اليوم فيما سرق من سنوات عمره، وما نهب من ثرواته، وما أضاعه نظام الجهل والأنانية والتخلف من فرص لتحقيق التنمية هو أن أبنائه البررة يسطرون اليوم بنضالهم السلمي انصع الصفحات ويتحدون نظام الظلم والقهر والأنانية بصدور عارية وبمعين لا ينضب من الدماء الزكية التي جعلتهم يحظون باحترام الأعداء قبل الأصدقاء والبعيدين قبل الأقرباء. أما عصابة الإجرام واللصوصية المغتصبة للسلطة والناهبة للثروة فإنها تصاب بالانتكاسة تلو الأخرى ويتكشف للعالم يوما بعد آخر حجم الزيف الذي ضللت به الناس وحجم الغبن الذي لحق بالشعب اليمني من جراء ممارساتها الإجرامية.
كما أن عزاء الشعب اليمني سيكون في وضع نهاية وبأي ثمن كان لنظام مثل وافرز وابرز أسوأ ما في اليمن، وفي تأسيس الدولة المدنية التي تراهن على الكفاءة وتسعى إلى تحقيق العدالة وتعمل على تحقيق التنمية ولا يسمح فيها للمهرب أو الجاهل أو الكذاب الأشر أن يصبح رئيسا يتقدم الصفوف فيسيء بأفعاله القبيحة إلى تاريخ أمة عرفت الحضارة قبل أن يعرفها الكثيرون حول العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق