تحركت الممالك والإمارات والسلطنات الخليجية في الاجتماع ألتشاوري السنوي الذي عقد في الرياض في 10 مايو 2011 بشكل مفاجئ وفي الاتجاه الخطأ وبطريقة ربما تكون قد كشفت شرعية المجلس الخليجي الذي أنشأ في عام 1981 ونزعت عنه ورقة التوت التي سترته منذ إنشائه. فبينما كان الكثير من العرب ينتظرون ما سيخرج به قادة الخليج من معالجات ومواقف بشأن موضوعات جد "ساخنة" تهم شعوب الخليج والمنطقة والعالم فوجئ الجميع بصدور بيان مقتضب عن القمة يرحب بانضمام المملكة الأردنية الهاشمية ويدعو المملكة المغربية إلى الدخول في مفاوضات حول الإنضام الى مجلس لطالما تحججت تلك الأنظمة الوراثية بأنه يقوم على أساس جغرافي.
لقد كشف البيان المقتضب في مضمونه والمفاجئ في توقيته للكثيرين درجة غير متوقعة من الذعر تعيشه الأنظمة الوراثية في الخليج ليس بسبب البعبع الإيراني كما حاولت تلك الأنظمة ايهام شعوبها لسنوات طويلة ولكن وهو الأهم من جراء الثورات التي بدأت في اجتياح العالم العربي منذ يناير الماضي مطالبة بالحرية والديمقراطية والتي ادت حتى الان الى سقوط مدوي للنظامين الفاسدين في تونس ومصر وما زالت قواها تعتمل في كل من ليبيا واليمن وسوريا.
ولأول مرة تفصح الأنظمة الخليجية وبطريقة لا تحتمل اللبس ان همها الأساسي هو الحفاظ على نفسها وليس على مصالح شعوبها وانها قد تضحي بالجغرافيا وتتحمل تكاليف نقل المملكة المغربية من اقصى الغرب العربي الى اقصى الشرق العربي ظنا منها ان خطوة مثل تلك يمكن ان تحسن فرصها في البقاء، واذا كانت النقلة الخليجية غير الموفقة قد اعادت الى الأذهان الصراع الشهير بين الأنظمة الجمهورية من جهة والأنظمة الملكية من جهة اخرى خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي فإنها ايضا قد بينت عدم استيعاب الأنظمة الخليجية للاختلافات الكبيرة بين ما يحدث اليوم وما جرى في الماضي.
فما يعتمل اليوم من المحيط الى الخليج ليس معركة بين أنظمة جمهورية واخرى ملكية يمكن للأنظمة الملكية كسبها عن طريق التكتل مع بعضها، بل هو مواجهة بين انظمة جمهورية وملكية استنفذت غرضها التاريخي من جهة، وشعوب نفذ صبرها واصبحت تتطلع الى حياة المواطنة المتساوية والدولة المدنية. وفي معركة اليوم لن يكون تكتل الأنظمة الأسرية ملكية كانت أو جمهورية مجديا. كما أن العلاقة الحميمة مع الغرب لن تكون قادرة على توفير الاطمئنان لأي نظام كان. والخيار الوحيد الذي يمكن ان يحمي الأنظمة القائمة التي لم يصلها المد الثوري بعد وسواء أكانت جمهورية او ملكية هو خيار الإصلاحات التي تعيد الروح الى الأنظمة الجمهورية وتؤسس للملكية الدستورية في الأنظمة الوراثية.
الرسائل الضمنية
يمكن فهم الخطوة الخليجية على انها أنطوت على ثلاث رسائل ضمنية: الأولى لممالك الأردن والمغرب والثانية لمصر، والثالثة للولايات المتحدة الأمريكية. فبالنسبة للرسالة الموجهة الى المملكتين الأردنية والمغربية اللتين تعدان اكثر الأنظمة احتمالا في السقوط، فتحمل التضامن معهما ومحاولة القاء حبل النجاة لنظاميهما. وقد تساعد الخطوة الخليجية المباغتة في انقاذ هذين النظامين وقد لا تساعد والأخير هو الأرجح. لكن الشيء الأكيد انها ستمثل خصما كبيرا من رصيد الأنظمة الخليجية في عيون شعوبها وستدفع مثل هذه الخطوة المرتبكة الى مزيد من التداعيات.
أما الرسالة الثانية فموجهة الى التحولات في مصر والتي تنظر اليها المملكة العربية السعودية على انها مصدر تهديد لها سواء تعلقت تلك التحولات بالانتقال الى نظام ديمقراطي حقيقي أو بإعادة النظر في العلاقة مع ايران. فالسعوديون يدركون أن المصريين في المستقبل لن يهبوا لنجدة الأنظمة الوراثية في الخليج عندما تبدأ معاركها مع شعوبها وهم لذلك يبحثون عن حلفاء جدد. وتكمن المشكلة في ان الفراغ الذي يتركه غياب مصر عن نادي الجمهوريات والممالك الوراثية لا يمكن لأي دولة أو مجموعة من الدول شغله.
كما ان الخطوة المملوءة بالارتباك كانت بمثابة رسالة الى الغرب وتحديدا الى الولايات المتحدة الأمريكية التي بدا من الواضح انها في ظل ادارة اوباما لا يمكن ان تدعم قلبا وقالبا الأسر الحاكمة ملكية كانت او جمهورية على حساب الشعوب التواقة الى الحرية والانعتاق. ومع ان الرسالة الى الولايات المتحدة تؤكد ان ممالك الخليج يمكن ان تبحث عن خيارات اخرى لحماية امنها وضمان استمرارها الإ ان الرسالة بدت ضعيفة وباهتة. فالخيارات البديلة التي يتم التلويح بها تبدو من الهشاشة الى الحد الذي يبعث على السخرية.
ثورة اليمن
اظهرت القمة الخليجية التي انتظر اليمنيون بفارغ الصبر ما ستخرج به من قرارات بشأن ما يحدث في اليمن ان الأنظمة الخليجية وخصوصا النظام السعودي مشغولة بنفسها وبهمومها ومنقسمة فيما بينها بشأن طريقة التعامل مع الوضع في اليمن. ويبدو الموقف السعودي على نحو خاص مرتبكا وكمن لا يملك رؤية لما ينبغي ان يحدث. واي قراءة متعمقة في المبادرة الخليجية ستصل الى نتيجة هي ان السعوديين لا يريدون بقاء صالح ولا نجاح الثورة. فلو اراد السعوديون بقاء صالح لرحبوا بانضمامه الى مجلس التعاون الخليجي كما فعلوا مع الأردن ومع المغرب التي لم تتقدم حتى الان بطلب واحد للانضمام الى المجلس. ولو ارادوا نجاح الثورة لكان لهم موقف آخر يضع نهاية غير دموية للنظام اليمني. لكن الموقف السعودي المرتبك مما يجري في اليمن لا يختلف كثيرا عن سعيهم للتكتل مع الأنظمة الملكية الأخرى في مواجهة مطالب الإصلاح. فكلا الخطوتين ستضعفان شرعية الأسرة الحاكمة في السعودية وتجعلانها اكثر عرضة للانهيار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق