الخميس، 22 ديسمبر 2011

استراتيجية التنمية لدولة قطر: قراءة نقدية

الدكتور علي خليفه الكواري

الدكتور علي خليفة الكواري
صدرت إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011– 2016 في آذار 2011(1). وذلك بعد حوالي عامين ونصف من صدور رؤية قطر الوطنية 2030. ومن هنا رأيت تقديم قرأه نقدية لهذه "الإستراتيجية" لعلها تفتح مجالا لحوار قطري مفقود حول هذه الوثيقة الهامة.
ألإستراتيجية
تبدأ الوثيقة بالتأكيد على رؤية قطر الوطنية 2030. فتذكر الركائز الأربع للرؤية
دون ذكر للإصلاح السياسي أو اهتمام بإصلاح أوجه الخلل المزمنة ألأخرى، ومنها الخلل السكاني المتفاقم. وتحصر هذه الركائز في:
التنمية البشرية :" تطوير وتنمية سكان قطر لكي يتمكنوا من بناء مجتمع مُزدهر." ويلاحظ هنا أن التنمية البشرية لكل سكان قطر, مواطنين 12% ووافدين 88% من إجمالي السكان دون تركيز على المواطنين وإعادة دورهم في المجتمع باعتبارهم التيار الرئيسي.
"التنمية الاجتماعية: تطوير مجتمع عادل وآمن مُستند على الأخلاق الحميدة والرعاية الاجتماعية وقادر على التعامل والتفاعل مع المجتمعات الأخرى ولعب دور هام في الشراكة العالمية من أجل التنمية.
التنمية الاقتصادية: تطوير اقتصاد وطني متنوع وتنافسي قادر على تلبية احتياجات مواطني قطر في الوقت الحاضر وفي المستقبل وتأمين مستوى معيشي مرتفع.
التنمية البيئية: إدارة البيئة بشكل يضمن الانسجام والتناسق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة"
ويلاحظ هنا غياب التنمية السياسية في ركائز رؤية قطر الوطنية وبالتالي غابت عن إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر.
وتختم الإستراتيجية تأكيدها على الرؤية بذكر التحديات الرئيسية الخمس المتمثلة في الموازنة بين الخيارات التالية:-
*التحديث والمحافظة على التقاليد.
*احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال القادمة.
*النمو المُستهدف والتوسع غير المُنضبط.
*مسار التنمية وحجم ونوعية العمالة الوافدة المُستهدفة.
*التنمية الاقتصادية و الاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها.
و الإستراتيجية هنا تترك هذه الموازنات الحاسمة في تشكيل مستقبل شعب قطر كما تركتها الرؤية، لتقدير مُتخذ القرار في المستقبل دون التزام واضح ومُحدد، فلا نعرف على سبيل المثال، ما المقصود بالنمو المستهدف والتوسع غير المنضبط، ولا حجم التنمية وضوابط حجم وتركيب العمالة المستهدفة، ولا احتياجات الجيل الحالي واحتياجات ألأجيال القادمة ومن المقصود بالأجيال القادمة، ولا أين يقف مد ما يسمى تحديث ومتى تُشكل التقاليد خطاً أحمرا وما هو مقصود بالتقاليد؟.
فكل هذه الخيارات متروكة للتوجيهات الشخصية والآنية للقيادة المتمثلة وفقا لنص ألرؤية في سمو الأمير وولي العهد والشيخة موزة.
وهذا الغموض والعمومية يسري على بقية الموازنات الخمس.
وتتناول الوثيقة إعداد الإستراتيجية قائلة " أن هذه الإستراتيجية أول إستراتيجية تنموية في قطر". وهذا غير دقيق فقد سبق أن أعدت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط عام 1995 "الإستراتيجية العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدولة قطر" (2) والتي حددت أهداف التنمية في "غايات المجتمع الأساسية والمتمثلة في المحافظة على أمن البلاد واستقرارها وتأصيل انتمائها العربي الإسلامي وبناء المواطن القوي المؤمن بدينه المُعتز بوطنه، وإرساء الأسُس الصالحة لترسيخ دعائم الديمقراطية وتحقيق النهضة الاقتصادية والرفاه الاجتماعي للفرد والمجتمع".
ويبدو أن هذا التجاهل لذكر إستراتيجية 1995 التي لم توضع موضع التنفيذ بعد أن تم حل المجلس ألأعلى للتخطيط، هو تجاهلاً لتوجهاتها وما جاء بها من أهداف تؤكد على ضرورة إصلاح بعض أوجه الخلل المُزمنة في قطر مثل: غياب الديمقراطية، الخلل الأمني، التأكيد على دور المواطن في التنمية، والسعي لمُعالجة الخلل السكاني، وهذه كلها قضايا لا تعترف بها الإستراتيجية الراهنة ولا تقدم حلولاً لمعالجتها.
وتُشير الوثيقة عند حديثها عن مرحلة الإعداد، إلى أتساع نطاق المشاورات حولها حتى "شملت المجتمع بأسره". والحقيقة أنه عندما أعُلنت الإستراتيجية لم يكن أحداً ممن أعرفه في قطر ناقشها أو أطلع عليها، وقد كتبت مقالاً عنوانه "الإشادة بالإستراتيجية قبل الإطلاع عليها نوع من النفاق" (3). وذلك عندما فاجأتنا الصحف القطرية بسيل من إشادات البعض بينما كان المهتمين بالشأن العام يبحثون عن وثيقة الإستراتيجية من أجل الإطلاع عليها.
وتتناول الوثيقة كيفية إعدادها قائلة " إن إستراتيجية التنمية الوطنية هي خطة
عمل وهي تقدم مبادرات جديدة، وكذلك تبنى على المبادرات الموجودة حالياً". وهذا يُشير إلى أن إستراتيجية التنمية الوطنية في قطر ليست إستراتيجية بالمعنى المُتعارف عليه، وإنما هي جمع لأربعة عشر "إستراتيجية" قطاعية أعد كل منها منفردا لقطاع في دولة قطر - من قبل استشاريين أجانب باللغة ألانجليزية، مثلما أعدت وثيقة الإستراتيجية قبل أن يتم ترجمتها إلى اللغة العربية-، ولذلك نجد تكراراً في وثيقة الإستراتيجية لعبارات مثل من المتوقع ، من المحتمل ، من المنتظر ، يجب ، ينبغي ، سيتم ، يتوقف على ... وأمثالها من العبارات التي تدل على أن وثيقة "الإستراتيجية" هي أقرب لقرأه وتنسيق لملف يضم تصورات قائمة لجهات متعددة، من كونها إستراتيجية آمرة ذات أهداف محددة كميا ونوعيا تكون ملزمة للجهات المُنفذة.
ولعل هذا القصور المنهجي في إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011-2016 هو ما جعل عيسى الغانم، وهو من المختصين القطرين القلائل في التخطيط يقول عند حديثه عن هذه ألإستراتيجية (4):
في العادة "الإستراتيجية يتم صياغتها منهجيا بعد دراسة البيئة المحيطة"... "من خلال دراسة: نقاط القوة - لاستغلالها، نقاط الضعف - لعلاجها، الفرص المتاحة – للاختيار من بينها، التحديات – للتعامل معها، أو ما يسمى منهجية SWOT ويجب أن يتم ذلك أيضا بمشاركة الأطراف المتأثرة بها وصاحبة المصلحة".
ويضيف الغانم قائلا، تحليل "البيئة المحيطة كان يفترض أن يتم بطريقة معّمقة تكشف وتعالج "القضايا الإستراتيجية". ومن بين القضايا التي أوردها عيسى الغانم ما يلي:
" كيفية التعامل مع الاقتصاد ألبالوني المتضخم والنمو الاقتصادي المنفلت وهو مفتاح حل للعديد من المشاكل المصيرية
مسألة الخلل السكاني، ويعتبر عيسى، هذا الخلل السكاني أكبر تهديد يواجه مستقبل البلاد، ويقول لقد كان من المتوقع أن يطلب من الجهات المختصة وضع خطة بمعايير كمية محددة بزمن لعلاج الخلل السكاني.
قطاع البترول: تقديم خطة لمعالجة معدل النضوب للنفط والغاز وخلق بدائل لتنمية الإيرادات
علاج الانفلات في الاستثمار العقاري المدمر للاقتصاد والبيئة والمجتمع بما فيه تفاقم الخلل السكاني
ويقول الغانم "لا يوجد في الإستراتيجية إلا وصف لبعض هذه المشاكل دون الطلب من أي جهة علاجها".
ويضيف, قد يكون هناك سببان رئيسيان لعدم التطرق لعلاج هذه المشاكل، الأول هو فني- منهجي حيث إن ما حدث عند إعداد الإستراتيجية إلى حد كبير هو تجميع مهمات المؤسسات والوزارات والهيئات المشاركة في إعداد الإستراتيجية ومشروعاتها الحالية ومن ثم بناء منطق حولها لتشّكل بعد ذلك جزء من "الإستراتيجية الوطنية". و"السبب الثاني هو غير فني, كون هذه التحديات هي نتاج لنمط التنمية المستمر منذ السبعينيات، والتي لا يمكن علاجها ضمن البيئة العامة.
وتبدءا وثيقة الإستراتيجية بتناول "الإنجازات والمشهد الإستشرافي للفترة ( 2011 – 2016)" وتقول يرتبط مسار الاقتصاد القطري ارتباطا وثيقاً بالتطورات في قطاع الموارد الهيدروكربونية. وفي هذا التأكيد اتجاها لاستمرار حجم صادرات النفط والغاز خارج نطاق التخطيط الوطني.
وجدير بالذكر أن عدم قدرة و ربما رغبة الدول المُصدرة للنفط على إخضاع تصدير النفط والغاز ونمط تخصيص عائداتهما, لاعتبارات التنمية هي من أهم أسباب استمرار الخلل الإنتاجي–الاقتصادي المزمن في المنطقة.
وبعد ذكر عدد من الاستثمارات القائمة والاتجاهات الجديدة مثل النقل الجوي والإعلام والصحة والتعليم, تتوقف الوثيقة مُعترفة بأن هذه الإنجازات القائمة والمُخطط لها " تُعاني من نقص في التكامل والمواءمة. وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض هذه التدابير ما يزال حبراً على ورق وبعضها تأخر تنفيذه ".
وتضيف "في الوقت الذي ستستفيد فيه إستراتيجية التنمية الوطنية 2011 – 2016 من المبادرات القائمة، فمن واجبها أن توفر أيضاً الإطار الذي يُمكًن من سد الفجوات وتوفير التكامل الفعال والمواءمة بين مختلف القطاعات". ويمكننا القول هنا, أنه إذا كان ذلك من واجب الإستراتيجية، إذا, لماذا لم تقم به عند بدايتها بدل تركه رغبة مُعلقة ؟.
وتقول الوثيقة " سيصل برنامج قطر الناجح للاستثمار الذي دام عشرين سنة إلى ذروته". وهذه مسألة تحتاج إلى توضيح وتوثيق فالمجلس الأعلى للاستثمار في قطر لا يتيح معرفة حجم الاستثمارات العامة ولا تركيبها ولا ينشر حسابات ختامية تُبين ذلك وترصد أداء الاستثمارات العامة وما يترتب عليها من ديون إن وجدت, حتى نتأكد من نجاح برنامج قطر للاستثمار خلال عشرين عام ونطمئن على مسيرته من أجل الاستمرار فيه، فهذا الاستمرار مُتضمن في الإشادة به مما يعني استمرار وضع برنامج الاستثمار على حالته وربما مواصلة الغموض بدل الشفافية في شئونه.
وتقول الوثيقة أيضاً "ويقدر أن يبلغ استثمار الحكومة المركزية (مخصصات الميزانية العامة للبنية الأساسية), 347 مليار ريال قطري وذلك خلال فترة الإستراتيجية ".
وجدير بالذكر أن ألإستراتيجية لا تتوقف عند تكاليف الصيانة الكبير لهذه البنية ألأساسية المبالغ فيها, والتي تقدر, إضافة إلى تكاليف صيانة ما هو قائم من بنية أساسية, بحوالي 50مليار ريال قطري سنويا, وهذا سوف يمثل نسبة عالية من الميزانية العامة.
وتذكر الوثيقة دون أن تكون متأكدة " كما يتوقع أن يظل المركز المالي للحكومة قوياً، وسيكون كافياً لدعم الاستثمارات الرأسمالية في المستقبل، وتغطية نفقات تنفيذ المبادرات التي تضمنتها إستراتيجية التنمية الوطنية"
وتضيف الوثيقة قائلة "من المتوقع أن ينمو عدد سكان قطر بنسبة تبلغ 2.1% في السنة ويرتفع مجموع سكان قطر من 1.64 مليون نسمة في نهاية 2010 إلى أقل بقليل من 1.9 مليون نسمة عام 2016 ".
و هذا يعني عدم الاعتراف بالخلل السكاني وغياب توجهات إصلاحه. فالسكان سوف يزيدون بحوالي 260 ألف نسمة خلال خمس سنوات. وهنا لا يتوقف, بل لا يستطيع القائمين على وضع الإستراتيجية ذكر عدد المواطنين ولا نسبتهم في السكان– فذلك سر من أسرار الدولة لا يجوز للمواطنين معرفته-, ولا تتوقف الإستراتيجية عند تأثير تلك الزيادة على تخفيض نسبة المواطنين التقديرية من 12% إلى أقل من 10 % في الفترة المدروسة .
وتختتم الوثيقة قرأتها للمشهد العام بالتأكيد على أن جميع المؤشرات والافتراضات سوف تتوقف على حجم إنتاج النفط والغاز وعلى أسعارهما. وهنا تؤكد ألإستراتيجية أنها غير معنية بالسياسة النفطية التي تقع خارج نطاق التخطيط الوطني.
وتتطرق الوثيقة إلى تنظيم كأس العالم 2022 وارتفاع إنفاق الحكومة الاستثماري. وهذا القسم يبدو أنه إضافة إلى الإستراتيجية، حيث أن استضافة قطر لكأس العالم لم تتأكد إلا في مطلع 2011 بعد أن كانت الإستراتيجية قد أُعدت قبل ذلك. وهذا مؤشر على أن الإستراتيجية دراسة لواقع الحال، وما قد يطرأ عليه من قرارات حكومية أنية تصدر لاحقا.
ونجد الوثيقة عند تناولها هدف " استدامة الازدهار الاقتصادي " تُحدد ثلاثة أهداف مترابطة للاقتصاد وهي:
*استدامة مستوى عالي من المعيشة .
*زيادة قدرة الابتكار وريادة الأعمال
*تحقيق المواءمة بين النتائج الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي
وهذه أهداف عامة غير مُحددة بزمن ولا تخص المواطنين وإنما السكان جميعهم, من وفد ومن سيستقدم مستقبلا.
ويلاحظ على الوثيقة تأكيدها على ضرورة المحافظة على المكانة الموروثة للأسر العريقة!!!، عند حديثها عن " حفظ التراث والثقافة القطرية وتعزيزها ", قائلة "على الرغم من التغير الاجتماعي والاقتصادي السريع الذي شهدته قطر خلال فترة قصيرة نسبياً فقد حافظ المجتمع القطري على جوهر ثقافته وإستمراريته مع الماضي ، التي تشمل التقييد بالمبادئ الأساسية للإسلام ، وبقاء الوضع الاجتماعي الموروث والمُحافظ على المكانة الاجتماعية للأُسر العريقة، والمحافظة على وحدة الأُسرة باعتبارها نواة المجتمع"
وعند حديث الوثيقة عن " الانتقال من الإستراتيجية إلى التنفيذ " نجدها تُحيل ذلك إلى توجيهات القيادة. وتقول " وسوف يتوقف التنفيذ الناجح أولاً وأخراً على طلب قيادة دولة قطر معلومات مُنتظمة عن التقدم والنتائج ، وسوف يعتمد أيضاً على تعميم الإستراتيجية عبر الحكومة بأسرها. وسوف تحتاج الوزارات والأجهزة الحكومية تبني ملكية الإستراتيجية في خططها التشغيلية وقبول المُسألة عن تنفيذها. وفي المركز سيلزم أن تؤثر الإستراتيجية في العمليات التي تؤثر على القرارات الحاسمة بشأن كيفية استخدام الموارد ...".
وهكذا نجد إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011-2016 تحيل ما كان يجب أن تقوم به باعتبارها خارطة طريق التنمية , إلى آخرين. وبذلك تحيل وظيفتها الجوهرية في متابعة وتنفيذ الإستراتيجية إلى طلب القيادة معلومات منتظمة عن التنفيذ, والذي يحتاج بدوره إلى تبني الوزارات والأجهزة الحكومية للإستراتيجية. وبهذه ألإحالة الختامية تنفي "الإستراتيجية" عن نفسها صفة الإستراتيجية بالمعنى العلمي لإستراتيجية التنمية. فالإستراتيجية غير ملزمة وليست خارطة طريق تم تحديده واختيار أللآليات و ألأجهزة الواجبة لتنفيذه.
الملاحظات
1- الإستراتيجية (ألأمانة العامة للتخطيط التنموي, إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011-2016, الدوحه أذار/مارس 2011.
2- ألأمانة العامة للمجلس ألأعلى للتخطيط, الإستراتيجية العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدولة قطر, الأمانة العامة , الدوحه, 1995 ص 5-12)
3- علي خليفه الكواري, ألإشادة بالإستراتيجية دون الاطلاع عليها نوع من النفاق,
http://dr-alkuwari.net/sites/akak/files/qatardevelopmentstrategy.pdf
4-عيسى شاهين الغانم, إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011-2016 -مراجعة نقدية,
http://www.arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/824





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق