السبت, 10 ديسمبر 2011
عن موقع صحيفة صوت الشورى
الديمقراطية في الأحزاب اليمنية كانت موضوع الفصل الخامس من كتاب ( مفهوم الأحزاب الديمقراطية وواقع الأحزاب في البلدان العربية) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية (2011)، الذي أكد فيه الدكتور عبدا لله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، أن دراسته تهدف إلى تقييم مستوى الديمقراطية داخل الأحزاب اليمنية الرئيسية الثلاثة (المؤتمر الشعبي العام، التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني) وفقا لمقياس اقترحه الباحث للديمقراطية الداخلية يبدأ من الصفر (حالة الغياب التام للديمقراطية) وينتهي عند 10 (الحضور التام للديمقراطية) معتمدا في هذا المقياس على سبع مؤشرات للديمقراطية داخل الأحزاب وهي (الأعضاء مصدر السلطة، سيطرة نظم الحزب ولوائحه، عدم الجمع بين السلطات، ضمان حرية التعبير، تداول السلطة، القبول بالأحزاب الأخرى، التحول الديمقراطي).
تناولت دراسة "الفقيه" أربع نقاط رئيسية، ناقشت الأولى مفهوم الحزب الديمقراطي وخصائصه والشروط اللازمة لقيامه، وركزت النقطة الثانية على الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني كمثال على الحزب الديمقراطي، وتناولت النقطة الثالثة وضع الديمقراطية داخل الأحزاب اليمنية الثلاثة وفقا للمقياس السابق الإشارة إليه والذي انتهي إلى أن الحزب الإشتراكي اليمني هو الأكثر ديمقراطية من بين الأحزاب اليمنية الثلاثة موضع الدراسة تلاه حزب الإصلاح ثم حل أخير حزب المؤتمر الشعبي العام، فيما تناولت النقطة الربعة الإصلاحات المطلوب القيام بها لتعزيز وضع الديمقراطية داخل تلك الأحزاب اليمنية، وانطلاقا من أن الأحزاب اليمنية الثلاثة محل الدراسة تواجه في محاولتها لبناء الديمقراطية العديد من المعوقات الداخلية المتصلة بالأحزاب ذاتها، مثل الطابع النخبوي والتقليدي للقيادات المركزية العليا، وبناء الأحزاب من الأعلى إلى الأسفل، والمحسوبية السياسية، ومحدودية المعرفة بالديمقراطية سلوكا وممارسة، والمعوقات الخارجية المتصلة بالنظام السياسي مثل ضعف التأصيل الدستوري والقانوني للأحزاب ولحق الأحزاب في التأسيس والنشاط بحرية، ولدورها في تشكيل الإرادة العامة، وللديمقراطية داخلها، وانطلاقا من هذه المعوقات اقترح الباحث إصلاحات حتى تتمكن من بناء وتطوير الديمقراطية داخلها، مصنفا هذه الإصلاحات إلى إصلاحات تتعلق بالسياق الداخلي للأحزاب محل الدراسة وإصلاحات تتعلق بسياق النظام السياسي ككل، ومن أمثلة الإصلاحات المتعلقة بالأحزاب أشار "الفقيه" إلى ضرورة استهداف قواعد الأحزاب وقطاعات الشباب والنساء بالتدريب على الديمقراطية، و تشجيع القواعد الحزبية على تطوير وسائلها الإعلامية كالنشرات والملصقات والبث الإذاعي، وخلق قنوات اتصال بين الهيئات العليا للأحزاب وفروعها في المحافظات والمديريات، والتركيز على تدريب القيادات الحزبية العليا والوسطى ولفترات كافية على فوائد الديمقراطية بالنسبة للحزب وتعريض تلك القيادات إلى التجارب الحزبية الناجحة، والعلنية والشفافية في اجتماعات الهيئات الحزبية، وتقوية الالتزام الحزبي، وإعادة النظر في فترة خدمة المؤسسات الحزبية بحيث لا تزيد المدة عن عامين، وفيما يتعلق بالإصلاحات المرتبطة بالنظام السياسي اقترح الباحث تعزيز التأصيل الدستوري للأحزاب وللتمويل العام لأنشطتها وإزالة كافة القيود الواردة في قوانين الأحزاب والانتخابات والتي تحد من قدرة الأحزاب على التأسيس والنشاط والحركة، و تبني نظام انتخابي نسبي يعزز من مكانة الأحزاب، وتخصيص دعم سنوي كافي للأحزاب من الموازنة العامة للدولة، تخفيض فترة خدمة كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب وبما يؤدي إلى عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية كل 4 أو 5 سنوات على الأكثر، وتعزيز استقلال القضاء، و الفصل القانوني والفعلي الواضح بين الجهاز الإداري للدولة والمناصب السياسية التي يتولاها أعضاء الحزب أو الأحزاب الفائزة في الانتخابات.
في تعقيبه على الدراسة أكد عبده حمود الشريف، الأستاذ الجامعي المقيم في واشنطن، أن الدكتور عبد الله الفقيه أدرك مواطن الخلل في التجربة اليمنية بصورة تكشف عن الحاجة إلى مسارات جديدة مبتكرة لتطوير الديمقراطية داخل الأحزاب اليمنية، مشيدا بما أشارت إليه الورقة من أهمية تطوير أدوات قانونية جديدة لجعل هذه الأحزاب تلبي متطلبات الديمقراطية الفاعلة، ولكن "الشريف" يؤكد أن المعضلة هي انه حتى مع افتراض وجود قوانين لتنظيم الديمقراطية داخل الأحزاب اليمنية، تبقى المشكلة هي: من هي الجهة التي ستقع على عاتقها مسئولية تطبيق مثل هذه القوانين، خاصة أن النظام السياسي اليمني أكثر ميلا للتقاليد القبلية منه للتقاليد القانونية أو الدستورية، مشيرا إلى معضلة ثانية تتعلق بمسألة الحاجة إلى التحول من الانتماءات التقليدية إلى البرامج والأيدلوجيات الحديثة التي أشارت إليها ورقة "الفقيه"، وهي كيفية حدوث مثل هذا التحول في ظل النظام الأبوي patriarchic الذي يسيطر في الثقافة القبلية اليمنية، مؤكدا انه حتى مع وجود برامج مكتوبة تبقى هذه الأحزاب مشدودة إلى شخص الزعيم أو حتى رئيس القبيلة أكثر من تلك البرامج.
في تعقيب ثاني على الدراسة أشار سمير عبد الرحمن الشميري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عدن، إلى آفات أخرى تعيب العمل الحزبي في اليمن، مشيرا إلى أن من المشاهد المألوفة في الحياة الحربية الداخلية: سيطرة الحرس القديم على مقاليد الأمور في الأحزاب السياسية فهو يدير الحياة الحزبية من خلف الكواليس وكان الأمور من بعــده ستنهار، وأن القوى الشابة غير قادرة على إدارة العملية الحزبية الداخلية والخارجية، وأن العمل الحزبي مدبوغ بالبصمة الأمنية، حيث تحولت الهيئات والمنظمات الحزبية من هيئات لقيادة العمل الجماهيري إلى هيئات سرية أو شبه سرية تدار بعقول أمنية، مؤكدا أن كل ذلك أضاف أعباء ثقيلة على مسيرة الديمقراطية الحزبية وديمقراطية المجتمع في ظروف قاسية تفشت فيها البطالة وساءت فيها ظروف المعيشة.
في تعقيب أخر أشار سمير العبدلي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، إلى عدة ملاحظات أبرزها أن المقارنة بين تجربة الأحزاب الألمانية وتجربة الأحزاب اليمنية مقارنة غير عادلة لتقييم تجربة الحزبية في اليمن، لا من حيث البيئة المدنية والحضرية في ألمانيا والبيئة القبلية والبطريركية في اليمن، أو من حيث الإمكانات المادية والدستورية والفكرية التي تعمل من خلالها الأحزاب الألمانية، أو مستوى التعليم، أو من حيث التاريخ الطويل لنشأة وممارسة تجربة الحزبية لديهم، وأشار "العبدلي" إلى انه كان من الأفضل اختيار بيئة عربية مقاربة لمقارنة نشأة الأحزاب وطريقة تنظيمها وعملها تكون اقرب لواقعنا العربي، خاصة وأن التجربة الألمانية قديمة ولها أرث تاريخي كبير بغض النظر عن كونها صبغت في مرحلة من مراحلها في ثلاثينيات القرن العشرين بصبغة عنصرية نازية، كما أعتبر "العبدلي" إيضاح تجربة الأحزاب والديمقراطية في اليمن كان يقتضي ألا يقتصر الأمر على دراسة الأحزاب اليمنية الثلاث المؤتمر والاشتراكي والإصلاح، وانه كان يجب أن يدرس معهم حزبين آخرين لاستكمال صورة الحياة الحزبية والعلاقات داخلها أو فيما بينها، الحزب الأول يمكن أن يكون احد الأحزاب القومية الناصرية أو البعث لما لها من رصيد شعبي، وتاريخ طويل في العمل الحزبي والسياسي سواء في مرحلة السرية أو مرحلة العلانية بعد إعلان التعددية السياسية في عام 1990م، والحزب الثاني كما يرى "العبدلي" كان يجب أن يكون حزب الحق أو اتحاد القوى الشعبية باعتبارها أحزاب تميل إلى البعد الديني ذو التوجه (الشيعي الزيدي) بهدف معرفة طبيعة العلاقات التنظيمية الديمقراطية في إطارها الداخلي أو العلاقات فيما بينها كأحزاب دينية.
أثارت ورقة "الفقيه" الكثير من النقاشات والمداخلات كان أبرزها ما طرحه رغيد الصلح، الذي أعلن اختلافه مع ما طرحه "الفقيه" حول موضوع حوكمة الأحزاب، أي منع الأحزاب غير الديمقراطية عبر سلسلة من القوانين والنصوص الدستورية، حيث أكد "الصلح" أن هذا جرى تطبيقه في ألمانيا وايطاليا واسبانيا والنتائج كانت مخيبة للآمال حيث كانت تنشأ أحزاب بأسماء جديدة لكنها كانت تحمل فكر نازي أو فاشي أو معادي للديمقراطية، كما أن النصوص الدستورية والقانونية التي تصدر عن الدولة تحت شعار حماية الأحزاب والمساعدة على تطورها تحمل إشكالية خطيرة، فأحيانا تطبق هذه النصوص لغير حرية الأحزاب السياسية، حيث يمكن تضمينها العديد من القيود والاشتراطات التي تحد عمليا من حرية إنشاء الأحزاب، مبرهنا على ذلك بمحاولتين جرتا في لبنان لإصدار قانون جديد للأحزاب السياسية، ولكن الأحزاب اللبنانية استشعرت أن القانون الجديد قد يتضمن قيود على عمل تلك الأحزاب، وهو ما دفعها لتنظيم حملات للإبقاء على قانون الأحزاب اللبناني الصادر أيام الإمبراطورية العثمانية في عام 1906 الذي اعتبر اقل تدخلا في شؤون الأحزاب من القوانين المقترحة.
فيما أشار عبد النبي العكري إلى أن هناك مهمتين كبيرتين تصدت لهم الأحزاب اليمنية، وهي مسألة الوحدة اليمنية ومسألة الديمقراطية والتنمية، مؤكدا انه بعد 20 عاما على نشأة الأحزاب اليمنية فإنها فشلت في انجاز كلتا المسألتين، فلا هي أنجزت الوحدة ولا هي أنجزت الديمقراطية والتنمية، فالوحدة تحولت إلى صراع وهناك رفض كبير في الجنوب للصيغة الحالية مع الشمال، أما الديمقراطية فالمصيبة اكبر، على حد وصفه، نفس الطرح تقريبا أكده "علي فخرو" في مداخلته، حيث أشار إلى أن غياب الديمقراطية في الأحزاب العربية يمكن أن يؤدي إلى كوارث وإلى تجاوز كل الخطوط الحمراء، مستشهدا بالحالة اليمنية وكيف أن قضية مقدسة مثل قضية الوحدة كانت الأحزاب مستعدة للتضحية بها والسبب هو تصارع هذه الأحزاب وافتقادها للديمقراطية.
عن موقع صحيفة صوت الشورى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق