يعد الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما أول رئيس أمريكي، وربما أول رئيس لدولة غربية عموما، يقترب في توصيفه لعلاقة المسلمين بالولايات المتحدة من حقيقة ما جرى ويجري على أرض الواقع وليس كما يراها البعض سواء في أمريكا أو في العالم الإسلامي. يقول أوباما /’’تشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية/’’. ومع ان أوباما يرى ان الحقبة القائمة ليست حقبة /’’حسن التعايش والتعاون/’’ ولا /’’حقبة عداء/’’، بل هي مرحلة تتسم كما يقول ب /’’التوتر في العلاقات/’’. ويرى أوباما ان الأسباب المباشرة لهذا التوتر هي:
1. تجربة الاستعمار التي حرمت العديد من المسلمين من الحقوق والفرص.2. الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة.
3. التغيير الكاسح الذي جاءت به قوى الحداثة والعولمة والذي دفع بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.
4. هجمات الـ11 من سبتمبر 2001 التي حاول من خلالها المتطرفون استغلال حالة التوتر القائمة.
5. ما نتج عن هجمات سبتمبر من اعتبار الإسلام معاد ليس فقط للولايات المتحدة والغرب ولكن أيضاً لحقوق الإنسان.
وهناك خياران لبناء حاضر ومستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي من وجهة نظر أوباما. الخيار الأول يتمثل في التركيز على نقاط الاختلاف وهو ما يصب في مصلحة القوى المتطرفة التي تعادي السلام وتراهن على زرع الكراهية وتفضل الصراع على التعاون الذي من شأنه مساعدة الشعوب على تحقيق الازدهار. ويؤكد أوباما هنا وفي إشارة إلى خطورة استمرار التوتر في العلاقات انه من السهل بدء الحروب لكنه من الصعب بعد ذلك وضع نهاية لها. أما الخيار الثاني لبناء العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وهو الذي يفضله أوباما، فيركز على نقاط الاتفاق والجوانب المشتركة.
ويدعو أوباما، وكخطوة عملية لتعزيز الخيار الثاني، إلى الخروج من ما اسماه ب/’’دائرة الارتياب والشقاق/’’ وبدء صفحة جديدة في العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي تقوم على /’’المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل/’’ والمبادئ والقواسم المشتركة بين أمريكا والإسلام وأهمها /’’مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان/’’. ومهما كانت الاختلافات، كما يقول، فان /’’المصالح المشتركة بيننا كبشر هي أقوى بكثير من القوى الفاصلة بيننا/’’.
ويدرك الرئيس أوباما بان البداية التي يبحث عنها ليست سهلة ولا يمكن ان تحدث بين عشية وضحاها لكنه يرى أن الصراحة في التعبير عن مكنونات الصدور وعما لا يقال إلا خلف الأبواب المغلقة هو الخطوة الأولى في طريق الألف ميل. أما الخطوة الثانية فتتمثل في بذل الجهود التي لا تتوقف /’’للتعلم من بعضنا البعض والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة/’’.
والأيام القادمة وحدها هي القادرة على كشف الأهمية الحقيقية لخطاب أوباما وما إذا كان سيمثل علامة فارقة في العلاقة بين الشرق والغرب أم مجرد خطاب آخر لرئيس ماهر في إدارة حملات العلاقات العامة.
وإذا كانت أفعال أوباما لم تختبر بالقدر الكافي حتى الآن حتى يمكن الحكم عليها، فان ما يحسب له هو ان خطابه يمثل مغادرة كبيرة عن خطاب وسياسة سلفه الجمهوري الذي قسم العالم إلى أصدقاء وأعداء واعتبر ان كل من ليس معه عدوا له. ولعل التغيير الأهم في سياسة أمريكا الخارجية تجاه العالم الإسلامي والتي مثلت اللحن الناظم لخطاب أوباما هي في إقرار أمريكا وربما لأول مرة بان للمسلمين إسهامات حضارية لا ينبغي إنكارها، ولهم مصالح ومظالم لا ينبغي التغطية عليها.
* صدر للأستاذ احمد علي الشامي كتاب /’’الوحدة اليمنية: حوارات ودراسات/’’. ويتضمن الكتاب مجموعة من الحوارات والمقالات التي سجلت انطباعات وتقييمات نخبة من السياسيين والأكاديميين والصحفيين اليمنيين للوحدة اليمنية في عيدها التاسع عشر. ومن ضمن المساهمين في الكتاب الدكاترة عبد العزيز المقالح، ابو بكر القربي، فارس السقاف، محمد عبد الجبار، محمد الظاهري، سيف العسلي، وفيصل الحذيفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق