بعد يوم واحد من "انفجار فج عطان" سيئ السمعة، أي في يوم 21 ابريل 2015، شهدت العاصمة السعودية عددا من التطورات الدرامية السريعة، غير المتوقعة، وغير المفهومة للكثير من المتابعين داخل السعودية وخارجها. بدأ ذلك اليوم، بإصدار الملك سلمان أمرا إلى وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بتحريك قواته نحو الحدود الجنوبية للسعودية للمشاركة في عمليات "عاصفة الحزم" بما يعنيه ذلك من إرسال تلك القوات الى مواقع تبعد عن العاصمة السعودية الرياض بمئات الكيلومترات، وبالتالي تحييدها في أي صراع قادم على السلطة بين سلمان ونجله من جهة، ورجال العهد السابق من جهة ثانية.
وجاء أمر
الملك بتحريك قوات الحرس الوطني بعد أيام من خلافات عاصفة بين وزير الدفاع (نجل
الملك الحالي) ووزير الحرس الوطني (نجل الملك السابق) حول مشاركة قوات الحرس
الوطني في الحرب الدائرة مع الحوثيين. وبدت
الفجوة بين نجل الملك الراحل (السلف)، ونجل الملك الجديد (الخلف) جد واسعة، وإن
حرص الطرفان على إبقاء الخلاف طي الكتمان، وإظهار موقف موحد من الحرب العدوانية
والبربرية التي تشنها الطائرات الأمريكية باسم بلادهم على اليمن.
بالنسبة
لمحمد بن سلمان وزير الدفاع، فقد مثلت الحرب دفاعا عن أمن السعودية وجيرانها في
مواجهة الحوثيين والرئيس السابق المدعومين من ايران، والذين استولوا على السلطة في
اليمن، ونهبوا اسلحة الجيش وباتوا يمثلون من وجهة نظره تهديدا لأمن المملكة وأمن
جيرانها. أما من وجهة نظر الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني القريب
بمواقفه وتوجهاته السياسية من الحوثيين والرئيس اليمني السابق والبعيد كثيرا عن
سلمان ونجله، فقد اختلفت الصورة كليا. فقد كان يرى، رغم العلاقات الوثيقة التي
تربطه بالأمريكيين، أن ادارة اوباما استغلت طيش واندفاع وزير الدفاع للعمل على توريط المملكة في حرب غير
واضحة الأهداف، وضد تهديد لا وجود له.
ولم تكن
المسألة مجرد اختلاف في الرأي حول الحرب، بل تعدت ذلك إلى خلاف عميق بين جناحين
داخل الأسرة الحاكمة حول ما اذا كان على قوات
الحرس الوطني التي يقودها متعب أن تشارك في الحرب أم لا. فبالنسبة لبن سلمان، فإن الفشل في تحريك قوات
الحرس الوطني نحو الحد الجنوبي يعني أن الغرض الأساسي للحرب قد أنتفى، وأن الحرب
في هذه الحالة تكون قد حققت أهدافها ووصلت إلى نهايتها ولم يتبق سوى الاعلان عن
النهاية رسميا.
وقد أعد بن
سلمان نفسه لخيار اعلان انتهاء الحرب، وهو أسوأ الخيارات، بطريقتين على الأقل:
الأولى من خلال التصريحات التمهيدية التي يدلي بها المتحدث الرسمي باسم التحالف
العميد ركن احمد عسيري المستشار بوزارة الدفاع السعوديةعن قرب انتهاء المرحلة
الأولى من الحرب بعد تحقيق أهدافها وإن اتصفت تلك التصريحات بالغموض؛ والثاني
تفجير عطان.
بالنسبة
لعسيري، فقد تناقلت له مختلف وسائل الاعلام تصريحات أدلى بها خلال المؤتمر الصحفي
اليومي للتحالف يوم 19 ابريل 2015 أكد فيها أن التحالف دمر 80% من مستودعات
الأسلحة الخاصة بالحوثيين وحيد 95% من اسلحتهم المستخدمة في الدفاعات الجوية،
والغموض عند الحديث عن الأسلحة المستخدمة في الدفاعات الجوية، مقصود. وعندما سأل
احد الصحفيين عسيري عن "الصواريخ البالستية"، رد إنها دمرت، وقال جازما إنها
لن "تشكل تهديدا على دول الجوار" والغموض الذي يشوب مصطلح "دول
الجوار" مقصود ايضا.
ويمتاز مصطلح
"الدول المجاورة/دول الجوار" بأنه يضفي مسحة من القداسة على حرب
الطائرات التي يشنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما على اليمنيين باسم السعودية، ويجعل
من السعودية بقيادة سلمان وابنه بمثابة الاخ الأكبر الذي يهب لإنقاذ شقيقاته الخمس
الصغيرات من براثن "الغول" الذي ظهر في اليمن. ويبني مثل هذا الخطاب
الاعلامي المراوغ والمخادع، وإن بسذاجة بالغة، على ما ترسخ في الذاكرة الشعبية
الخليجية عندما قام الأخ الأكبربالاستنجاد بـ"آل بوش" لإنقاذ شقيقته
الصغرى من براثن صدام حسين، وما يغفله مثل هذا الخطاب، هو أن الأخ الأكبر كان هو
الذي دفع بشقيقته في أحضان "الوحش" حتى يتمكن من استدراج الوحش الى المصيدة،
غير عابئ بما سيلحق بالشقيقة من أذى نفسي ومادي.
وفيما يتصل
بتفجير عطان، فقد خطط له ليكون "أبو التفجيرات"، وليضع نهاية لقول كل
خطيب، وليكن إذا أقتضى الأمر، مبررا كافيا لوضع نهاية للحرب يسمع دويها العالم كله
وليس فقط سكان اليمن والجزيرة العربية والقرن الأفريقي والمحيط الهندي.
وبينما بدا
في الظاهر أنه يمكن لخلاف الأميرين أن يضع نهاية سريعة لواحدة من أشد الحروب عبثية
في التاريخ الانساني، الا أن الحقيقة المروعة التي لم يكن يدركها أي من الطرفين
المتخاصمين هي ان قرار الحرب والسلم لم يكن بيد أي منهما، لأن بذرة الفتنة التي يختلفان حولها كانت قد القيت
في التراب قبل عقد ونصف على الأقل، بينما كان طفل سلمان المدلل ما زال تلميذا في
المرحلة الأساسية، وقد نمت بذرة الفتنة وترعرعت خلال سنين،
وبدد في ريها الكثير من الأموال والكرامات، ووصلت في النهاية إلى مرحلة من التجذر
بات من الصعب على أي كان أن يقتلعها قبل
أن ينضج ثمرها المر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق