(1)
أدار بن سلمان خلال زيارته المطولة إلى الولايات المتحدة
خلال شهري مارس وابريل من عام 2018 بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين نقاشات موسعة مع الجانب
الأمريكي تتعلق بالجانب الأمني للنظام السعودي، واتسمت تلك النقاشات في معظمها بالسرية
وإن لم ينقصها الوضوح في الطرح وإن كانت لم تتوصل بعد إلى قرارات نهائية حول الكثير
من التفاصيل.
وكان"مستقبل القوات السعودية بمختلف تشكيلاتها"
(الجيش، الحرس، والأمن) ابرز الموضوعات التي تناولتها النقاشات. وفي مستهل جلسات النقاش،
أثنى الأمريكيون على قرار بن سلمان الشجاع باعتقال رموز تيار الصحوة في السعودية يوم
11 سبتمبر 2017 مشيرين إلى أهمية التوقيت وما يحمله من رسائل نفسية رادعة دون الإشارة
بالطبع إلى الدور الذي لعبه الفريق الأمني الأمريكي المتواجد في السعودية بشكل مستمر
في حملة التوقيفات تلك.
ولم يفتهم أن يثنوا أيضا على الحملة التي نفذها بن سلمان
يوم 4 نوفمبر 2017 على رموز الفساد (رجال العهد السابق) مشيرين إلى ما تمثله ليبرالية
أوباما التي يعتنقها رجال النظام السابق من مخاطر على مستقبل القوى المحافظة في العالم،
بما في ذلك الحزب الجمهوري في أمريكا وحزب المحافظين في بريطانيا والأسر الحاكمة في
السعودية ودول الخليج، ومؤكدين في ذات الوقت على الخطورة التي بات يمثلها اليسار في
أوروبا بسياساته الاجتماعية المقوضة للرأسمالية، والتي تدفع بالعالم حسب رأيهم إلى
الخلف.
وعندما وصل النقاش إلى موضوع مستقبل القوات السعودية، فقد
أشار الأمريكيون في البداية الى طبيعة المشروع الذي يحمله بن سلمان وما يتسم به من
شمول وجذرية وتزامنات، مؤكدين أن القوات السعودية الثلاث (الجيش، الأمن، والحرس الوطني)
تمثل وإن اختلفت الدرجة تهديدا لذلك المشروع ولحامله السياسي والاجتماعي بطريقتين:
الأولى، أنها لا توالي النظام القائم (سلمان ونجله)؛ والثانية، أنها بشكل عام ذات طابع
عقائدي أو قبلي يناهض المشروع التحديثي للنظام والذي ما زال في مرحلة التخلق. وفي حين
خلصت النقاشات إلى أن الخيار الأمثل هو خيار "الهدم-البناء" للتشكيلات الثلاثة
للقوات، فقد اختلفت الآراء بشأن الطريقة المثلى لتحييد التهديد الذي يمثله أفراد تلك
القوات بالسرعة والفعالية المطلوبة.
(2)
تبنى بن سلمان وفريقه الضيق الذي حضر معه أو بالنيابة عنه بعض
المناقشات مع الجانب الأمريكي بشأن مستقبل القوات السعودية فكرة التقاعد
المبكر حيث يخفض سن التقاعد إلى الـ30 سنة وعلى أن يتم إحلال تلك القوات
بشكل كبير خلال بضع سنوات بجيل من الشباب يخضع للفحص الدقيق للتأكد من
ولائه للنظام وتشربه للقيم التي تتفق مع المشروع الجديد (العلمنة).
لكن الفكرة واجهت بعض التحفظات من المشاركين في النقاش. فقد رأى بعض المشاركين أن الجيل بأكمله ملوث بالوهابية
وما تحمله من تشدد وتطرف، وأن الطريقة المثلى هي تخصيص مدارس خارج النظام
العام للتعليم لتعمل بإشراف خبراء دوليين على إعداد جيل جديد للخدمة في
التشكيلات المسلحة، محذرين في الوقت ذاته من أن هذا الخيار نظرا لما يحتاج
إليه من وقت (عقد ونصف على الأقل) يمكن أن يكون مفيدا خلال الأجل الطويل في
حين أن التهديد الذي يواجهه النظام آن وملح.
ورأى آخرون، أن التخلص من القوات عن طريق التقاعد يمكن أن يجعلها أكثر
خطورة على النظام مما هي عليه وهي في الخدمة. فالتقاعد يخرج تلك العناصر من
دائرة المراقبة والملاحظة ويجعلها عرضة لاعتناق مختلف الأفكار والانخراط
في مختلف التنظيمات المعروفة وغير المعروفة.
وذهب فريق ثالث إلى أن
دينامكية الإحلال عن طريق التقاعد يمكن أن تزعزع استقرار المؤسسات وتزيد من
درجة التهديد للنظام حيث من السهل على الفئات المستهدفة أن تدرك وإن بعد
مرور بعض الوقت حقيقة ما يجري، ويصعب في مثل هذه الحالة التنبؤ بما يمكن أن
تقوم به.
وأثار مشاركون مسألة عدم وجود رؤية واضحة بالنسبة
للقوات المسلحة حول الجيش المستقبلي الذي سيتم بنائه والأدوار التي ستسند
اليه، وبدت هذه النقطة جد خلافية بين السعوديين والأمريكيين. وبينما تسائل
احد الحاضرين من الجانب السعودي عما اذا كان هذا هو الوقت المناسب لمناقشة
مستقبل هذه التشكيلات العسكرية أم أنه ينبغي الانتظار حتى حدوث انتقال تام
للسلطة، فقد سارع احد الحاضرين من الجانب الأمريكي إلى التأكيد أن التهديد
الأكبر الذي يمكن أن تمثله التشكيلات القائمة يتركز على مرحلة ما قبل
انتقال السلطة، مرحلة انتقال السلطة، والمرحلة التالية مباشرة لانتقال
السلطة.
وعندما وصل النقاش إلى هذا الحد سارع السعوديون إلى
التأكيد بأن المملكة لا تقف مكتوفة الأيادي وأنها قد قطعت مع حلفائها
الأمريكيين شوطا طويلا في تحييد الخطر في كافة التشكيلات، منبهين إلى أن
حرب دعم الشرعية في اليمن قد تكفلت وما زالت تتكفل بالقضاء على الكثير من
الأشرار. وأضافوا أن المملكة حافظت على سياسة الحدود المفتوحة مع الحوثيين
في عدد من المناطق تماما كما اقترح عليها أصدقاؤها. وأتفق الأمريكيون مع
الجانب السعودي حول أهمية ما تم انجازه، غير أنهم أكدوا أن ما تحقق حتى
الآن ما زال غير كاف ولا يمكن الركون إليه، وخصوصا بعد أن كشف النظام
أوراقه للجميع، وكسب الكثير من الأعداء.
وأبدى بعض المشاركين من
الجانب الأمريكي خشيتهم من أن الجانب السعودي غير مدرك بالشكل الكافي لحجم
التحولات التي هو مقدم عليها وما يمكن أن تحمله من نتائج غير مرغوب بها
للجميع. واكتفى المشاركون من الجانب السعودي بالصمت.
(3)
وطرحت فكرة استهداف مختلف التشكيلات، والأمنية منها على نحو خاص،
بسلسلة من العمليات النفسية المعقدة التي تركز على الثقة والروح المعنوية
وتجمع بين العمليات الإعلامية المركزة وبين عمليات الحرب غير النظامية كشن
العمليات الخاطفة على النقاط والمقرات الأمنية والاغتيالات، إلا أن الجانب
السعودي وإن كان قد أشاد بما حققته تلك الطريقة من نجاح في قصقصة أجنحة
"هيئة الأمر بالمعروف والنهي المنكر" وإخضاع عناصرها، لم يبد ارتياحا
لتطبيق تلك الإستراتيجية على التشكيلات المسلحة وخصوصا قوات الأمن. وبدا
مترددا في القبول بالفكرة رغم ما تلقاه من تطمينات بأن يده ستبقى نظيفة
تماما، ورأى أن تطبيق الفكرة في الظروف الحالية على التشكيلات الأمنية يمكن
أن يقوض النظام العام ويخل بالجانب الأمني ويخلق مشكلات اكبر للبلاد.
ولم يستبعد الجانبان الفكرة تماما من النقاش لكنهما اتفقا بأن تظل محل بحث
مستقبلي.
وبدت فكرة الفرز الدقيق للقوات، وإرسال العناصر الأكثر
تشددا والأبعد في مواقفها وقيمها عن النظام الجديد إلى حروب خارجية غير
قابلة للكسب أكثر قربا إلى ما يريده الأمريكيون والسعوديون على السواء، غير
أن الجانب السعودي تحفظ جزئيا على الفكرة عندما اقترح احد المشاركين إرسال
تلك القوات إلى اليمن لخوض معارك مع الحوثيين نظرا لما يمكن أن تقود إليه
من نتائج عكسية على النظام كما قال. واسهب الجانب السعودي في الحديث عن ما
يمكن أن يقود إليه إرسال قوات سعودية إلى اليمن من إخلال بمعادلة الحرب
والوظائف التي تؤديها بالنسبة للنظام. وأضاف أحد المشاركين أن ما يمكن
للنظام الإماراتي تحمله، وهو يدير دولة معظم سكانها أجانب، لا يمكن للنظام
السعودي تحمله، وأن السعودية حرصت دائما على إبقاء الجيش في نطاق معين، ولا
تريد لهذا الجيش أن يتلوث بمخدرات الوطنية أو أن يكتسب شرعية من نوع ما
تقوض الاستقرار داخل المملكة.
ووجدها احد المشاركين من الجانب
السعودي فرصة للحديث عن فلسفة بلاده بشأن الوطنية والقومية وعن الخطورة
التي تمثلها مثل هذه الإيديولوجيات إذا ما تسللت إلى صفوف الجيوش أو
الرعايا، وعن الجهود التي بذلتها المملكة طوال تاريخها لتجنب مزالق الوطنية
والقومية والعسكرتارية حتى لو اضطرت لجلب المرتزقة للدفاع عن المملكة أو
شراء الحماية بعشرات المليارات من الدولارات سنويا. وقال أن المملكة تلجأ
داخليا إلى تقطيع المجتمع إلى فضاءات متصارعة فيما بينها، وأنها عندما تعقد
الانتخابات المحلية تنفذها على فترات زمنية تجنبا لعقدها في يوم واحد،
وتفرض قيودا على الدعاية ومضامين البرامج الانتخابية للمرشحين، تجنبا لظهور
عوامل توحد السكان سياسيا وتشكل تهديدا لاستقرار البلاد.
وأضاف
المتحدث، أن ظهور الروح الوطنية بين السعوديين لا يشكل خطرا على النظام
السعودي فقط ولكن أيضا على المصالح الغربية والأمريكية في المملكة ودول
الخليج والمنطقة عموما. واستطرد المتحدث فأشار إلى الجهود التي بذلتها
وتبذلها المملكة في محاربة الوطنية والقومية على امتداد العالمين العربي
والإسلامي، وإلى المبالغ الطائلة التي أنفقتها المملكة لدعم قيام نظام
فدرالي في العراق، وأنها تتجه إلى فعل ذات الشيء في اليمن وليبيا وسوريا.
وداخل متحدث آخر، مستكملا الحديث عن السلبيات التي يمكن أن تنتج عن إرسال
قوات سعودية للحرب في اليمن، فقال أن تجربة إرسال ضباط وجنود الحرس الوطني
إلى الحدود مع اليمن ابتداء من دخول الشهر الثاني للحرب غير مشجعة رغم ما
حققته من نتائج ايجابية. وبعد توقف قصير، أضاف أن فرار الآلاف من قوات
الحرس الوطني خلال ثلاث سنوات من الحرب يثير قلق السلطات السعودية. وعندما
سأله احد المشاركين من الجانب الأمريكي عما إذا كانت السعودية تخشى أن يكون
بعض تلك القوات قد تسرب إلى دول مجاورة كاليمن أو قطر أو حتى إلى إيران أو
إلى دول أخرى، رد المتحدث بأنه لا يوجد لدى بلاده حتى اللحظة تصور متكامل
حول مصير تلك القوات، لكنه رجح أن معظم الفارين موجودين في المملكة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق