تناقلت وسائل الإعلام قبل ايام خبر عقد قرآن نجل ملك البحرين الشيخ خالد بن حمد آل خليفة (من مواليد عام 1989) من الأميرة سحاب بنت عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية المولودة في عام 1993. ومع ان التزاوج بين افراد الأسر الحاكمة في دول الخليج ليس جديدا الإ أن هذا الزواج بالتحديد وفي خضم التطورات التي تمر بها مملكة البحرين يثير بسبب توقيته واطرافه العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام. فمملكة البحرين تواجه اليوم ثورة شعبية تقودها اغلبية سكانية شيعية مهمشة ومحرومة من الحقوق ضد عصبية سنية صغيرة تملك السلطة والثروة والقوة وشأنها في ذلك شأن الجمهورية السورية مع اختلاف المواقع حيث تقود في الأخيرة اغلبية سنية مهمشة تقارب الـ90% ثورة ضد عصبية علوية صغيرة تمتلك السلطة والثروة والقوة منذ أكثر من اربعة عقود.
ومع انه لا يمكن وصف الثورة الشعبية في البحرين أو في سوريا بانها ثورة طائفية الإ أن الدعم الإيراني لأسرة الأسد في سوريا، والسعودي لأسرة آل خليفة في البحرين يضيف بعدا طائفيا الى الثورتين. واذا كان آل الاسد في سوريا يملكون من ادوات القمع والحقد الطائفي ما يجعلهم في غنى عن دعم ايراني مكشوف، فان ضعف الأسرة المالكة في البحرين قد جعل الأسرة المالكة في السعودية تسارع بإرسال قواتها الى البحرين لمساندة ديكتاتورية سنية تملك من الحقد عدة اضعاف ما تملكه من القوة.
لكن السعودية ذاتها ليست بمعزل عن تجليات الربيع العربي، ويبدو من خلال الإرهاصات العديدة التي تشهدها المنطقة ان ربيع المملكة هو قريب لا بعيد وحتمي لا احتمالي. فالملك عبد الله (من مواليد عام 1924) يوشك ان يكمل العقد التاسع من عمره ويبدو معزولا تماما عن ما يعتمل على الأرض سواء داخل بلاده أو في الدول العربية من حوله، وهو معذور في ذلك. ومن الظلم ان يتوقع منه الثوار العرب أو حتى اعداء الثورات العربية الكثير وقد وصل الى هذا السن المتأخر. فملك السعودية لا يمكن ان يكون ببساطة ضد الثورة اليمنية كما يتهمه الثوار في ميدان التغيير في العاصمة اليمنية صنعاء وساحة التحرير في مدينة تعز، ولا هو مع دكتاتورية آل خليفة في البحرين ذات العمق الطائفي، ولا حتى مع سنة سوريا في ثورتهم ضد فاشية آل الأسد. لكنه يتصرف كما اعتاد دائما في عالم بات جد مختلف. ويكفي ان يصور علي عبد الله صالح حربه ضد الحوثيين في شمال اليمن بانها ضد ايران وان يزعم طاغية البحرين ان ثورة شعبه ضده هي مؤامرة ايرانية حتى يرسل الملك عبد الله قواته ومعداته وامواله.
وقد أخطا الملك هذه المرة عندما ارسل رجاله ومصفحاته لإنقاذ آل خليفة في البحرين تماما مثلما اخطأ عندما قرر خوض حرب ضد الحوثيين في شمال اليمن نهاية العام قبل الماضي ومثلما اخطأ بدعوة مملكتي الأردن والمغرب الى الالتحاق بمجلس التعاون الخليجي في محاولة منه لإنقاذهما من السقوط.
وفي حين يعتمل تحت رمال المملكة نار موقدة، فإن النائب الأول للملك الأمير سلطان ابن عبد العزيز (من مواليد عام 1931) يستقل طائرته الخاصة ميمما نحو الولايات المتحدة في رحلة استشفاء جديدة لأمير عاش طويلا واصبح الكبر بكسر الكاف داءه الأخطر الذي لا شفاء منه. تولى الأمير سلطان وزارة الدفاع والطيران قبل نصف قرن وما زال حتى اليوم يحتفظ بذلك المنصب الى جانب ولاية العهد وربما كانت الحرب التي خاضها الجيش السعودي ضد الحوثيين خلال عامي 2009 و2010 هي الحرب الوحيدة في سجل ذلك الجيش الذي كشفت حربه ضد الحوثيين بانه لا يمكن الاعتماد عليه في اي مهمة حقيقية.
أما الأمير سعود الفيصل (مولود في عام 1940) وزير الخارجية السعودي منذ عام 1975 واقدم وزير خارجية في العالم، فليس في وضع افضل من الملك عبد الله أو من النائب الأول. فالأمير المصاب بمرض الزايمر "يكافح" كما وصفه صحفي عربي "لإبقاء قامته منتصبه ولمنع رأسه ورقبته من الانحناء الى الأمام"، ومع ذلك فإنه يتشبث بالمنصب الذي ورثه عن والده الملك فيصل الذي جمع بين منصب الملك ووزير الخارجية من المهد الى اللحد. ويبدو ان الأمير الذي قضى في منصبه حتى الان حوالي 35 عاما ويتحدث سبع لغات على الأقل لم يتعلم لغة التغيير والتجديد.
لقد فشل كهول آل سعود المتشبثين بالسلطة والذين لا تنزع عنهم المواقع العامة رسميا الإ من قبل عزرائيل قباض الأرواح في ابسط تحد وهو نقل السلطة الى الجيل الثاني من الأسرة بطريقة سلسة وآمنة. كما فشلوا ايضا في مواكبة التغييرات العاصفة التي يشهدها العالم والتكيف معها. واصبح الملوك والأمراء الذين لطالما فاخروا بانهم يسيرون في المقدمة ومن خلفهم الشعب ويستجيبون لتطلعات شعبهم قبل ان تتحول الى مطالب يسيرون خلف شعبهم وتفصلهم عنه مسافة تزداد طولا مع مرور الزمن.
ويخطأ من يراهن اليوم على السعودية في مواجهة المد الثوري او في البقاء والاستمرار في عالم عربي اصبح من المستحيل على شعوبه ان تعيش خارج العصر كما تريد لها الأسر الحاكمة التي تعيش في العصور الوسطى وما زالت تظن ان بقاء الممالك أو زوالها يمكن ان يتحدد من خلال زواج سياسي بين عائلتين حاكمتين أو من خلال تركيم الثروات الخاصة التي تقدر بالنسبة للأسرة المالكة في السعودية بأكثر من ترليون دولار (نعم .. الف الف مليون دولار)، أو حتى من خلال انشأ تكتل اقليمي خاص بالأنظمة الملكية المطلقة.
فالمملكة السعودية التي هي اصغر في عمرها من عمر الملك الذي يحكمها والتي ينظر اليها الكثيرون في الغرب على انها عاصمة التشدد الديني في العالم تقترب، مع اندلاع كل ثورة عربية جديدة، من الانفجار الكبير الذي ينتظرها. ومن غير المتصور ان ينتهي الربيع العربي الذي يتوقع ان يمتد طويلا دون المرور بالسعودية التي تعتبر اليوم، اذا ما تم استثناء سوريا التي يتساقط نظامها شبيحة بعد شبيحة، النظام الأكثر استبدادية في العالم اجمع. ويدرك الكثيرون انه لا يمكن الحديث عن ربيع عربي اذا لم تظهر علامات ذلك الربيع على صحاري السعودية القاحلة تماما مثلما كان من الصعب الحديث عن ثورة في شرق أوروبا دون أن تظهر علاماتها في موسكو.
ولم يبق امام السعوديين حكومة وشعبا كما يبدو سوى انتظار الانفجار الكوني الذي لن يستطيع احد منع حدوثه. وسيزلزل ذلك الانفجار بقوة وشدة المملكة التي اسسها رجل صلب هو عبد العزيز آل سعود واصبحت اليوم بفعل صراع ابنائه الكهول على السلطة والثروة وفشلهم في التكيف مع العصر في مهب الريح. ولن يقتصر تأثير الانفجار الكوني الوشيك على السعودية، ولكن اصدائه ستسمع في العديد من ارجاء الأرض. وعندما تبدأ الثورة سيقفز كثيرون من مركبة الأسرة الحاكمة التي تغرق الى مركبة الثورة وقليلون فقط داخل الأسرة سيتماهون مع الماضي الذي لا بد ان يصبح ماضيا وسيغرقون في غياهبه. وستنتهي الدولة السعودية الثالثة كما انتهت الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية وستبدأ هذا المرة دولة شعب الجزيرة العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق