د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاءفي أواخر أكتوبر الماضي ارتكب الرئيس علي عبد الله صالح خطأ استراتيجيا كبيرا. لقد أساء كعادته قراءة التفاعلات الداخلية والإقليمية والدولية. وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن يدفع نحو البدء الفوري للحوار الذي كان يجري التحضير له مع شركاء الحياة السياسية، قرر صالح كعادته وبشكل فجائي الانقلاب على شركائه في الداخل، وعلى الشركاء الإقليميين والدوليين لحكومته والذين كانوا قد وجهوا له رسائل واضحة أكدت على أهمية الحوار السياسي الذي لا يستثني أحدا كمدخل للإصلاح الشامل في اليمن.
ضرب الرئيس بالدستور وبالقانون المنظم لأعمال مجلس النواب عرض الحائط، وأدخل بشكل منفرد تعديلات غير دستورية وغير قانونية في مضمونها وفي إجراءاتها على قانون الانتخابات نزع بموجبها من مئات الآلاف من اليمنيين حق الانتخاب، وعين لجنة لإدارة الانتخابات بالمخالفة لنصوص الدستور والقوانين النافذة. وفي مطلع ديسمبر الماضي عين الرئيس حافظ فاخر معياد مديرا للمؤسسة الاقتصادية اليمنية خلفا لنسبه علي الكحلاني في خطوة يقول مراقبون إن الهدف منها كان وما زال أن يعمل معياد على توظيف إمكانات المؤسسة الاقتصادية اليمنية، التي تعتبر دولة داخل الدولة وربما فاقت عملياتها المالية في حجمها عمليات الدولة ذاتها، في إخراج برلمان موال لنجل الرئيس العميد أحمد.
وزاد الرئيس على ذلك بأن قرر، ومن طرف واحد أيضا، تعديل الدستور بغرض إسقاط نص المادة رقم 112 والتي ينتهي بموجبها حقه في الترشح للرئاسة في عام 2013. وخرج أحد أتباع الرئيس ليؤكد في سخرية كبيرة بالشعب اليمني وثوابته بأن حزبه لن يصفر العداد فحسب بل سيقلع العداد كلية وبحيث يمكن للرئيس البقاء في منصبه مدى الحياة. ويبدو أن الرئيس قد أراد من خلال تعديل الدستور والمضي في الانتخابات منفردا ضمان خوض الانتخابات القادمة منفردا وفي غياب أي منافس حقيقي.
كان الرئيس قد نجح بالرغم من تشكيك الكثيرين في تنظيم خليجي 20، لكنه أساء تقدير حجم ذلك النجاح وما يمكن أن يبنى عليه. وكانت النتيجة أنه شرع في قيادة انقلاب كبير وخطير على ما تبقى من مبادئ الثورتين والجمهوريتين والوحدة والديمقراطية، وقرر كما يقول مؤيدوه ومعارضوه على السواء التمديد والتأبيد للسلطة والثروة التي كان قد حولها بالتدريج إلى شأن شخصي وأسري بحت. ومع أن الكثير من الأصوات ارتفعت هنا وهناك محذرة من عواقب ما أقدم عليه الرئيس، إلا أن صالح الذي لم يعد يعيش في ذات العالم الذي يعيش فيه مواطنوه لم يلتفت لتلك الصيحات والتحذيرات. ولعل صالح قد قال لنفسه إنه إذا كان شريف الأردن وفرعون مصر قد نجحا في تنظيم انتخابات مزورة تم فيها إقصاء ممثلي الشعب، ولم يحدث شيء، فإن إمام اليمن يمكنه أن يفعل أكثر من ذلك.
وعندما تهاوى نظام "الباي" في تونس، كان من السهل على صالح أن يقول ببساطة بان اليمن ليست تونس وإن علي عبد الله صالح ليس زين العابدين بن علي. لكن انفجار الثورة في أرض الكنانة التي مثلت تاريخيا القوة الملهمة لكل فعل خلاق في الوطن العربي وخصوصا في اليمن قد وضع النظام الذي يقوده صالح في مأزق صعب إن لم يكن قد نزع عنه تماما غطاء الشرعية. وتدل أقوال الرئيس على أنه يدرك جيدا المأزق الخطير الذي يجد نفسه فيه، لكن أفعال الرئيس ما تزال بعيدة جدا عن ما يتطلبه الوضع وما زالت تصب في دوائر المراوغة ومحاولة كسب الوقت. وما لم يتحرك الرئيس بسرعة خلال الأيام "القليلة" القادمة ويعيد الاعتبار للثورة والجمهورية والوحدة، فإن اليمن ستكون في خطر عظيم، وستقع المسئولية الدينية والقانونية والأخلاقية أمام الله وأمام التاريخ وأمام الإنسانية جمعاء عن كل ما سيلحق البلاد كاملة عليه هو شخصيا.
http://www.alrushed.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1006%3A2011-02-17-07-04-58&catid=40%3A2010-10-20-17-00-07&Itemid=77
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق