الاثنين، 25 مايو 2009
توجه اقليمي ودولي مع الوحدة اليمنية وضد النظام القائم
لم يخل لقاء قناة 'الحرة' الأمريكية مع المهندس حيدر ابو بكر العطاس يوم الجمعة 16 ايار (مايو) 2009 من رسائل ضمنية موجهة الى النظام القائم في اليمن والى قادة الحراك في الجنوب. فقد جاء اللقاء ليؤكد توجها أمريكيا لدعم الحراك الجنوبي ودعم القيادات التاريخية للجنوب تحديدا. وكان ملحوظا ان القناة واثناء بث اللقاء حرصت على ابراز الموقف الأمريكي من الأحداث والذي كان قد تم اعلانه من خلال بيان وزعته السفارة الأمريكية في صنعاء في 3 ايار (مايو) 2009. ويمكن تلخيص الموقف الأمريكي بانه 'مع الوحدة اليمنية' و 'ضد النظام القائم'. وليس المقصود بالنظام القائم الرئيس صالح بالضرورة.
مع الوحدة
تتطلب عملية سبر اغوار الموقف الأمريكي مما يحدث اليوم في اليمن سواء على جبهة صعدة أو جبهة الجنوب أو جبهة الحرب على الإرهاب قراءة دقيقة لبيان السفارة الأمريكية سالف الذكر والذي نص على ما يلي:
'تراقب سفارة الولايات المتحدة باهتمام أحداث العنف السياسي المتزايدة في المناطق الجنوبية من اليمن. إن الولايات المتحدة تدعم يمناً مستقراً موحداً وديمقراطياً. لقد كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي رحبت بالوحدة اليمنية عام 1990. واثناء الحرب الأهلية عام 1994، كانت الولايات المتحدة داعماً قوياً للوحدة اليمنية ودعت إلى وقف إطلاق النار والمفاوضات بين الأطراف المتحاربة آنذاك. تؤمن الولايات المتحدة الأمريكية بأن الوحدة اليمنية تعتمد على قدرتها على ضمان المساواة بين جميع المواطنين وفقاً للقانون والحصول على فرص المشاركة المتساوية في الحياة السياسية والاقتصادية. ومن هنا فإننا ندعو الحكومة اليمنية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين اليمنيين إلى المشاركة في حوار يحدد ويعالج الشكاوى الشرعية. لا يمكن أن تحل القضايا بالعنف مطلقاً، حيث أن العنف لا يخدم إلا مصالح أولئك الذين يسعون لتعميق الإنقاسامات والإضرار باستقرار اليمن.'
ويلاحظ في البيان تأكيده اولا على ان العنف السياسي المتزايد في المناطق الجنوبية هو محل اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما ستؤكده بعد ذلك بيانات الكثير من القوى بما في ذلك مصر. وفي تفصيل الموقف الأمريكي يلاحظ أن البيان قد أكد على ان الولايات المتحدة تدعم 'يمنا مستقرا موحدا وديمقراطيا' ولا يخلو الترتيب من مغزى. فالإستقرار يمثل أولوية على ما عداه من الأمور واذا تناقض الإستقرار مع الوحدة أو الديمقراطية أو مع الإثنين معا فإن الولايات المتحدة ستنحاز بالتأكيد الى الإستقرار. ولا يمثل هذا الموقف تحولا عن السياسة الأمريكية تجاه اليمن خلال الـ70 عاما الماضية، وان كان ظهور الإرهاب والقلق الأمريكي من افغنة اليمن وتحولها الى قاعدة للارهاب قد زادا من قوة وحدة الخطاب الأمريكي بشأن الإستقرار في اليمن.
لقد كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول المرحبة بالوحدة اليمنية لأنها نظرت اليها على انها عامل من عوامل الإستقرار في اليمن، ودعمت الولايات المتحدة الوحدة اليمنية خلال حرب عام 1994 لأنها رأت ان ما سمي بقوى 'الشرعية' اكثر قدرة من غيرها على حسم المعركة وضمان الإستقرار. وقد تمت صياغة العبارة الخاصة بدعم الولايات المتحدة للوحدة في عام 1994 في البيان السابق على النحو التالي: 'واثناء الحرب الأهلية عام 1994، كانت الولايات المتحدة داعماً قوياً للوحدة اليمنية ودعت إلى وقف إطلاق النار والمفاوضات بين الأطراف المتحاربة آنذاك'. وما يفهم من العبارة هو ان الولايات المتحدة دعمت الوحدة القائمة على المفاوضات وعلى الشراكة، ولذلك اقترنت الإشارة في بيان السفارة لدعم الولايات المتحدة للوحدة اليمنية بالإشارة ايضا الى ان الولايات المتحدة دعت ايضا الى المفاوضات بين الأطراف المتحاربة.
وحتى لا تترك الولايات المتحدة اي مجال للشك في حقيقة موقف الولايات المتحدة في الماضي او في الحاضر، أكد بيان السفارة بأن الولايات المتحدة تؤمن 'بأن الوحدة اليمنية تعتمد على قدرتها على ضمان المساواة بين جميع المواطنين وفقاً للقانون والحصول على فرص المشاركة المتساوية في الحياة السياسية والاقتصادية'. ورغم الغموض المقصود في صياغة العبارة الا ان ما يفهم منها هو ان قدرة الوحدة اليمنية على البقاء والإستمرار مرهونة بضمان المساواة امام القانون بين جميع المواطنين وبتكافؤ الفرص امام المواطنين وهذه هي الشروط لقيام الإستقرار الذي تتطلع اليه الولايات المتحدة.
ثم دعت السفارة وكما فعلت خلال حرب عام 1994، وان كانت اللغة اقوى هذه المرة، الأطراف اليمنية الى 'المشاركة في حوار يحدد ويعالج الشكاوى الشرعية'. وانتهى البيان بتحذير مبطن للحكومة اليمنية وجماعات الحراك الجنوبية بان 'العنف لا يخدم إلا مصالح أولئك الذين يسعون لتعميق الإنقاسامات والإضرار باستقرار اليمن'. وقد لوحظ في الصياغة الإنكليزية ان السفارة استخدمت لفظ 'لن' بعد لفظ 'العنف' مرتين متتاليتين وبحيث تقرأ العبارة كالتالي 'العنف لن/لن يخدم' لكن الترجمة العربية خففت الصياغة الى 'العنف لا يخدم'. ومن غير الواضح من الذي عنته السفارة بمصالح اولئك الذين يسعون لتعميق الإنقسامات والإضرار باستقرار اليمن.
ضد النظام
لا يمكن عزل المواقف التي عبر عنها الفاعلون الإقليميون والدوليون بشأن الوضع في اليمن عن الموقف الأمريكي الذي ينظر للوحدة اليمنية على انها عامل استقرار، بينما بدأ ومنذ فترة ينظر الى النظام القائم على انه عامل عدم استقرار في المنطقة. بل ان الموقف المصري الذي عبر عنه السفير حسام زكي المتحدث باسم وزارة الخارجية يكاد يتطابق تماما مع الموقف الأمريكي. وتراهن الولايات المتحدة وحلفاؤها كما يبدو في سعيهم لإعادة صياغة شكل الدولة في اليمن على الضغوط السلمية المختلفة من الداخل ومن الخارج. لكنه من غير المستبعد أن تلجأ الولايات المتحدة لتوظيف ادوات الشرعية الدولية مستفيدة من قرارين كان اصدرهما مجلس الأمن الدولي خلال حرب عام 1994 وهما القرار رقم 924 والقرار رقم 931 واللذان يحتويان على الكثير من المداخل التي تتيح للمجتمع الدولي توظيفهما في تمرير مخططاته لإعادة صياغة الخريطة اليمنية.
'استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق