د. عبد الله الفقيه
05/05/2009
عن القدس العربي
اطل المهندس حيدر ابو بكر العطاس الذي رأس أول مجلس وزاء تم تشكيله بعد قيام الجمهورية اليمنية، على المشاهد العربي عبر حلقتين من برنامج 'زيارة خاصة' بثتهما قناة 'الجزيرة' خلال الأسبوعين الثاني والثالث من شهر ابريل (نيسان) 2009. وقد أكد المهندس العطاس ومن خلال مقطع تم استخدامه للدعاية للبرنامج ان الوحدة اليمنية سقطت تماما في حرب عام 1994 وان جنوب اليمن سينال حقوقه في النهاية حتى وان تم قمع هذا الجيل. ومع ان حوار العطاس مع 'الجزيرة' قد ساهم في ظهور المزيد من التوترات والصدامات في المحافظات الجنوبية وهو امر ليس بمستغرب بالنظر الى المكانة التي يحتلها ، الإ ان حديث الرجل عن سقوط الوحدة وامكانية قمع الجيل الجنوبي الحالي لم يكن موضوعيا في فهم ما حدث بالأمس، ولا مستوعبا لحقائق الواقع في حكمه على الحاضر والمستقبل. وما يشفع للعطاس السياسي المخضرم الذي كان واحدا من أهم قادة دولة الوحدة خلال السنوات الأربع الأولى من عمرها (1990- 1994) هو انه، وكنتيجة مباشرة لحرب عام 1994 الأهلية، فقد ليس فقط منصبه الرسمي في دولة الوحدة، ولكن أيضا حقه في العيش في وطنه، وقضى السنوات الـ15 التي انصرمت منذ انتهاء تلك الحرب متنقلا في المنافي.
بقاء الوحدة
لم تسقط الوحدة اليمنية في حرب عام 1994 كما يقول العطاس لإن تلك الحرب لم تكن في الواقع بين الشمال والجنوب وانما كانت بين قوتين سياسيتين تتصارعان على السلطة. ما سقط في عام 1994 هو الدولة الإنفصالية التي اعلن عنها في الـ21 من ايار (مايو) من ذلك العام وقد سقطت لإن الكثير من الجنوبيين كانوا يعقدون الكثير من الآمال على دولة الوحدة، ولذلك حاربوا في صفوفها بشراسة وساهموا بقوة في القضاء على الجمهورية الإنفصالية التي أسند الى العطاس رئاسة حكومتها. لم تسقط الوحدة اليمنية، حتى الان على الأقل. والجنوب بدوره لم يسقط بدليل الحراك الكبير الذي يقوم به. وحتى الحزب الإشتراكي الذي تلقى هزيمة قاسية في عام 1994 لم يتم الغاؤه من على الخارطة السياسية اليمنية، وأثبتت التطورات اللاحقة منذ انتهاء تلك الحرب البغيضة وحتى اليوم أن الحزب خسر معركة فقط، ولم يخسر الحرب.
وهذا لا يعني ان الوحدة اليمنية لم تتضرر بحرب عام 1994 وما نتج عنها من خروج للحزب الإشتراكي من السلطة. بل تضررت الوحدة كثيرا بفعل الحرب. لكن الضرر الأكبر الذي لحق بالوحدة انما نتج عن السياسات التي تم اتباعها في الجنوب والشمال في مرحلة ما بعد الحرب وهي السياسات التي قادت الى تصدعات في جدران الوحدة اليمنية ليس فقط في بعدها الجنوبي ولكن أيضا في بعدها الشمالي. واذا كان الشمال لم يشهد حتى الان ظهور حركة انفصالية كما هو الحال في الجنوب، فان الجنوب لم يشهد حتى الان ظهور تمرد مسلح قاد الى خمس حروب كما حدث في الشمال.
استحالة القمع
بالنسبة لما أشار اليه المهندس العطاس من احتمال قمع الحراك الذي يقوم به هذا الجيل من الجنوبيين فهو احتمال بعيد التحقق واقرب الى المستحيل ليس فقط لإن عصر قمع الشعوب قد ولى ولكن أيضا لإن الشعوب لا يمكن ان تقمع عندما تصل الى مرحلة لا تعود معها بقادرة على المفاضلة بين الموت والحياة. ورغم ان المصادمات العديدة بين المتظاهرين وقوات الأمن قد أدت خلال قرابة عامين من الحراك الى سقوط قتلى وجرحى الإ ان النظام اليمني يدرك جيدا كما اثبتت الأحداث أن قمع الجنوبيين ليس فقط مستحيلا ولكنه أيضا ذا عواقب وخيمة. ضف الى ذلك أن تكلفة القمع في ظل الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تمر بها اليمن حاليا تحمل معها تكلفة عالية للنظام القائم وللبلاد وللمجتمعين الإقليمي والدولي مقارنة بالحلول السلمية للخلافات القائمة.
واذا كان هناك في الأحداث الجارية ما يمكن قمعه، فهو تلك المحاولة اليائسة للهروب من مشاكل اليمن الموحد عن طريق الدعوة الى اعادة تجزئة البلاد من جديد. ولن يتم قمع الدعوة الى الإنفصال من قبل النظام اليمني، بل ستقمع نفسها بنفسها في ظل غياب الدعم الإقليمي والدولي لتلك الدعوة. ويمكن النظر الى دعوات الإنفصال على انها امتداد لتبني اليمنيين الجنوبيين للنظام الإشتراكي قبل قيام دولة الوحدة بالرغم من الرفض العربي للاشتراكية. وقد كان طبيعيا ان تنتهي التجربة الإشتراكية الى الزوال لغياب القبول والدعم الإقليمي للمشروع الإشتراكي. واذا كانت الإشتراكية قد تمكنت كفكرة وكتطبيق عملي من الحياة لفترة بفضل الدعم الذي تلقته من الإتحاد السوفييتي السابق والدول التي كانت تدور في فلكه، فانه من الصعب ان لم يكن من المستحيل العثور على ممول وداعم سياسي لمشروع فصل اليمن عن اليمن لإن مثل هذا المشروع لا يخدم أحدا، لا اصدقاء اليمن ولا اعداءه.
إمكانية الإنقاذ
القول بان الوحدة اليمنية لم تسقط كما زعم العطاس، وان الإنفصال كمشروع ليس له مستقبل كما يزعم كاتب هذا المقال، لا يعني باي حال أن الوحدة اليمنية راسخة رسوخ الجبال كما ظل النظام اليمني يردد لسنوات. فالوحدة اليمنية ليست بخير بالتأكيد. وهناك امراض كثيرة تتهدد صحتها وتماسكها وقدرتها على الإستمرار. لكن تلك الأمراض العديدة لم تصبح مزمنة بعد. ولم يكتسب جسد الوحدة حتى الان مناعة ضد الأدوية التي يمكنها ان تعالج الأدواء الكثيرة. وما زال هناك امكانية لإنقاذ الوحدة اليمنية رغم ما اصابها من أوجاع وما الم بها من محن. ومن المهم ان تدرك الأطراف المعنية بالشأن اليمني جيدا، وسواء أكانت تلك الأطراف يمنية أو إقليمية أو دولية، بانه لا يمكن معالجة مشاكل الوحدة اليمنية بالعودة الى التشطير. كما لا يمكن كذلك الحفاظ على الوحدة اليمنية عن طريق التظاهر بالصمم وادارة الظهور للمشاكل والتحديات والمخاطر التي أفرزتها سنوات من الفساد وغياب الديمقراطية والشراكة الوطنية.
استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق