التزمت الأطراف السياسية اليمنية بموجب المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2014) بعقد انتخابات رئاسية مبكرة يوم 21 من فبراير بمرشح واحد للأطراف السياسية الموقعة على المبادرة واليتها التنفيذية تم تحديده بالاسم، وهو عبد ربه منصور هادي. وهناك بالطبع من يعارض المبادرة الخليجية بكل ما جاء فيها، ومن الطبيعي ان يعارض الانتخابات الرئاسية باعتبارها جزءا من تلك الترتيبات الداخلية والإقليمية والدولية.
كما ان هناك من القوى الاجتماعية من يعارض هادي لإنه يرى في صعوده تعطيلا لمشروعه الخاص في الوصول الى السلطة. ورغم التنوع في دوافع المعارضين الإ انه لا يمكن ان يخفى على المتابع ان جزءا كبيرا من تلك المعارضة يقف خلفه بقايا النظام المتباكين على الديمقراطية وغياب المرشح المنافس تارة، وعلى الثورة اليمنية المسروقة بحسب تعبيرهم تارات اخرى. والغريب ان تلك الأطراف التي تذرف دموع التماسيح على الديمقراطية اليوم، لم تكن تذرف حتى دمعة واحدة عندما كان صالح يزور الانتخابات التنافسية ويستأجر المنافسين ويخرب الحياة السياسية ويفسد الحياة العامة باسم الديمقراطية البريئة منه ومن تصرفاته براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وحتى لو كانت انتخابات فبراير تنافسية، فإن بقايا النظام كانت ستجد سببا آخر لمعارضتها.
اسباب المرشح الواحد
بغض النظر عن الدوافع الحقيقية لمعارضي الانتخابات الرئاسية المبكرة، فإنه يجب الإقرار بان انتخابات رئاسية بمرشح واحد لا يمكن ان تمثل الهدف الذي قامت من اجله الثورة. وما يجعلني انضم لمؤيدي الانتخابات وادعو طلابي واخواني واصدقائي واساتذتي وقرائي للمشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات والعمل على انجاحها ليس لإنها النموذج الديمقراطي الذي يريد اليمنيون تبنيه، ولكن لأسباب ومبررات سأورد فيما يلي اهمها.
اولا، نعرف جميعا ان النظام البائد عجز منذ انتخابات عام 2006 الرئاسية عن تنظيم اي انتخابات بعد ان وصل عبثه بقانون الانتخابات والسجل الانتخابي واللجنة العليا للانتخابات حدا باتت معه اي انتخابات عبارة عن اجراءات شكلية الهدف منها احلال الأسرة محل الشعب والتأسيس لنظام حكم عشائري يمثل انقلابا على تضحيات عشرات الالاف من الشهداء الذين سقطوا على طريق النضال من اجل الجمهورية.
ثانيا، راهن صالح على الانتخابات الرئاسية المبكرة كشرط تعجيزي، وقد جاءت فكرة المرشح التوافقي كمحاولة لقطع الطريق على مخططات صالح الإجرامية التي اراد من خلالها الزج باليمن في مشروع صوملة يبدأ ولا ينتهي.
ثالثا، في ظل سجل انتخابي مزور، ولجنة انتخابات يعرف الجميع كيف تم تعيينها والطرف الذي تخدمه، وفي ظل سيطرة صالح واسرته على الجيش والأمن وعلى مقدرات البلاد بشكل عام لم يكن ممكنا ان يتم تنظيم انتخابات رئاسية تنافسية. ولم يكن ممكنا ابدا ان يتوفر لأي "انتخابات تنافسية" اي قدر من العدالة والنزاهة في ظل الأوضاع القائمة. ولذلك يمكن النظر الى انتخابات 21 فبراير (غير التنافسية) بانها اصدق انتخابات يشهدها اليمن حتى تاريخه بعد ان قادت كل انواع الانتخابات السابقة الى اعادة انتاج صالح ونظامه الأسري والقروي المقيت.
رابعا، سيذهب اليمنيون يوم 21 فبراير الى صناديق الاقتراع ليس لاختيار رئيس للبلاد من بين عدد من المرشحين، ولكن لإعلان دعمهم وتأييدهم لعبد ربه منصور هادي الذي حظي بالتوافق الداخلي والإقليمي والدولي على شخصه لقيادة البلاد بالشراكة مع حكومة الوفاق الوطني لفترة قصيرة جدا في حياة الشعب اليمني وهي عامين وليس لفترة رئاسية كاملة. وعلى اليمنيين ان يعوا جيدا انهم في وضع افضل من اخوانهم المصريين بالنسبة لهذه النقطة. ففي حين عين القادة العسكريون المصريون انفسهم قادة خلال فترة الانتقال ودون ان يأخذوا راي احد، فان قيادة الفترة الانتقالية في اليمن سواء تمثلت في الحكومة او في الرئاسة قد جاءت نتيجة توافق للقوى السياسية في الداخل، وكذلك نتيجة لتوافق اقليمي ودولي.
خامسا، يعرف الكثيرون ان اختيار هادي مرشحا توافقيا للجميع لم يأت من فراغ ولكنه جاء نتيجة تحليل للواقع السياسي اليمني وما يتسم به من تفتت تعمق خلال فترة الثورة وبحيث اصبح هناك العديد من القوى التي تسعى لتجيير الثورة لصالحها، وهو ما يمكن ان يخدم خطط صالح في نشر الفوضى وتحقيق نبوءته في الصوملة والعرقنة.
اهمية الانتخابات
يقول الكثيرون انه ما دام هادي قد اصبح بحكم المبادرة الخليجية رئيسا توافقيا سواء بالانتخابات او بدونها وبانتخابات مباشرة او غير مباشرة، فإنه لا جدوى من الحماس والمشاركة وان خروج الناس أو عدم خروجهم لن يضيف شيئا. وما يتم اغفاله هنا هو ان انتخاب هادي رئيسا للجمهورية وبغض النظر عن الطريقة التي سيتم بها انتخابه سيضع نهاية واضحة لعهد صالح وسيمثل بداية جديدة لمرحلة انتقالية يتحقق خلالها الأهداف التي خرج الشباب اليمني وضحى بالنفس من اجل تحقيقها. واذا تمت هذه الانتخابات بشكل مباشر، فإنها تقدم لمعارضي المبادرة الخليجية فرصة للتصويت ضد المبادرة الخليجية واظهار حجمهم الحقيقي. كما انها وبالمثل تقدم لمؤيدي المبادرة الفرصة لإظهار حجمهم الحقيقي ايضا. وبالنسبة لهادي، فان حجم التأييد والالتفاف الشعبي حوله سيكون له اهميته ودلالاته. ومع انه غير واضح حتى الان كيف سيتم اخراج بطاقة الاقتراع الإ انه يفترض ان تكون تلك البطاقة اشبه ببطاقة استفتاء وبحيث تتيح ليس فقط للمؤيدين ولكن للمعارضين ايضا التعبير عن آرائهم بوضوح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق