لكن الفاجعة التي اصابت اليمنيين هي أن مجلس الشورى اختار في الواقع 30 "مخبرا" كما وصف أحد اليمنيين على الفيس بوك الأعضاء المرشحين. ويثير تشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد الإختلالات العميقة التي تعاني منها الهيئة ذاتها، وضع مجلس الشورى، وكذلك جدية الرئيس الإنتقالي في مكافحة الفساد..
هيئة مكافحة الفساد
صورة لموقع الهيئة كما في الأول من مايو ..كبر ولاحظ العناوين |
وقد لوحظ ان قانون انشاء الهيئة قد تم التلاعب به بطريقة تجعل الهيئة قادرة على النباح فقط ( وبشرط عدم ذكر اسماء الفاسدين) بدون ان تكون قادرة على العض. وقد تم اختيار اعضاء الهيئة في دورتها الأولى بعناية شديدة ومن انصار النظام السابق وبحيث يمثلون دور مكافحي الفساد دون ان يوغلوا جديا في ذلك الدور.ورغم ان انهيار نظام صالح تزامن مع انتهاء فترة الهيئة في دورتها الأولى الا ان الرئيس الإنتقالي عبد ربه منصور هادي الذي ينتمي الى حزب صالح، المؤتمر الشعبي العام، فضل ان تتابع الهيئة عملها حتى انتهاء الفترة الإنتقالية التي كان يفترض ان لا تزيد عن سنتين تنتهي بانتخابات رئاسية وتشريعية.ولعل السبب في ذلك هو خشية هادي من ان تحصل قوى الثورة على تمثيل في الهيئة التي يستأثر بالعضوية فيها مؤتمريون موالون لصالح وكان هادي يعتقد أن بامكانه وراثة ولائهم من صالح واسرته.
لكن المشكلة تمثلت في ان الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وافراد اسرته وفي اطار الثورة المضادة التي يقودونها بدأوا في استخدام اعضاء الهيئة الموالين لهم ضد حكومة الوفاق الوطني وتحديدا ضد رئيس حكومة الوفاق ووزراء الكهرباء والمالية وغيرهم من الوزراء المحسوبين على قوى الثورة. وهكذا تحولت الهيئة التي تعمل على التغطية على الفساد، كما فعلت في قضية فساد رئيس جامعة صنعاء االسابق الدكتور خالد طميم والذي سرق مئات الملايين من جامعة صنعاء وحولها الى استثمارات خاصة باسمه شخصيا وباسم الحزب الحاكم ، في الوقت الإضافي الى كتلة حرجة في حركة الثورة المضادة..
واضطرت الحكومة نتيجة لذلك الى توجيه وزير الإعلام بعدم التعامل مع اخبار وانشطة الهيئة المنتهية الشرعية. كما طلبت من الرئيس هادي التوجيه بانتخاب هيئة جديدة وفقا لما ينص عليه قانون مكافحة الفساد، وهو ما وجه به الرئيس هادي الى مجلس الشورى قبل شهور عديدة بعد اقتناعه بان الهيئة الحالية اصبحت طرفا في الصراع السياسي.
مجلس الشورى الذي لا يستشار
نص دستور عام 2001 الذي حاول نظام صالح تفصيله جاهدا على مقاسه ومقاس ابنه من بعده في المادة (125) على أن "ينشأ بقرار من رئيس الجمهورية مجلس شورى من ذوي الخبرات والكفاءات والشخصيات الإجتماعية لتوسيع قاعدة المشاركة في الراي والإستفادة من الكفاءات والخبرات الوطنية." وفي 28 ابريل 2001 تم تشكيل المجلس بقرار جمهوري.
وحددت المادة (126) عدد اعضاء المجلس بـ111 عضوا ولم تحدد فترة خدمة عضو المجلس وهو ما يفهم منه بان المجلس انشأ على غرار مجلس اللوردات في بريطانيا وعلى ان تكون العضوية فيه مدى الحياة، لكن القانون الخاص باللائحة الداخلية للمجلس والذي صدر في العام التالي على تشكيل المجلس نص في المادة (120) على انه يحق لرئيس الجمهورية (صالح وقتها) "استبدال عضو أو اكثر من اعضاء المجلس متى رأى ذلك ضروريا" في محاولة من صالح للإبقاء على ولاء اعضاء المجلس خالصا له!
وعزز صالح من ولاء اعضاء المجلس له شخصيا باللجوء من وقت الى آخر الى تعيين احد اعضاء المجلس في موقع وزاري أو في اي وظيفة عامة أخرى . وتكونت عضوية المجلس بشكل اساسي من الوزراء السابقين الذين يشكلون اغلبية كبيرة في عضوية المجلس، وكذلك من الوجاهات الإجتماعية. وقد أدت طريقة تشكيل المجلس والسلطات المطلقة لصالح في تعيين اعضائه الى تحوله الى مجلس مناطقي حيث ان 68 من اعضاء المجلس كما ذهب عبد الرقيب الجبيحي، احد المرشحين لعضوية الهيئة الذين لم يختارهم مجلس النواب، ينتمون الى خمس محافظات بالإضافة الى أمانة العاصمة في حين تقاسمت 15 محافظة 43 عضوا.
ورغم تبعية المجلس لرئاسة الجمهورية بحكم التعيين، الا انه مع ذلك اعطي اختصاصات مشتركة مع مجلس النواب المنتخب منها تزكية المرشحين لرئاسة الجمهورية على ما في ذلك من تناقض فكأن صالح يعين اعضاء المجلس لضمان تزكيته في الإنتخابات ومنع الآخرين من الحصول على التزكية.
وفي حين ان بعض اعضاء المجلس حاولوا منذ البداية استخدام العضوية في المجلس للتأثير على قرارات صالح، الإ ان ذلك ادى في النهاية الى تعطيل صالح للوظيفة الإستشارية للمجلس ليتحول المجلس بحسب وصف الكثيرين الى دار للعجزة بمرتبات وبدلات مجزية.
وعند انشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد في عام 2007 اعطي لمجلس الشورى حق ترشيح 30 عضوا لمجلس النواب من بين المتقدمين لشغل مواقع في الهيئة، وقد تشكلت الهيئة العليا الأولى من اعضاء الحزب المملوك لصالح، المؤتمر الشعبي العام، وان تم تقديم بعضهم على انهم ممثلين للمجتمع المدني كما حدث مع عز الدين الأصبحي أو ممثلين للمرأة كما حدث مع الدكتوره بلقيس ابو اصبع..
وسقط صالح سقوطا مريعا، لكن مجلس الشورى الموالي في معظمه لصالح واسرته ظل قائما بكل اختلالاته ، وكان طبيعيا ان يلجأ المجلس في اختياره للمرشحين الثلاثين لعضوية هيئة مكافحة الفساد الذين قدمهم الى مجلس النواب هذه المرة الى تطبيق معيار واحد في اختيار المرشحين هو الولاء لصالح واسرته وبحيث يستمر صالح في توظيف الهيئة كقفاز في حربه على حكومة الوفاق الوطني ومنعها من تحقيق اي تقدم.
وبينما انسحب ممثلوا قوى الثورة في المجلس والذين لا يزيدون عن حوالي 6% من قوام العضوية فان المجلس لم يلتفت لا لقوى الثورة ولا للأصوات التي ارتفعت ضد المخالفات الجسيمة التي ارتكبها المجلس في اجراءات الترشيح منذ البداية.
وما سبق يعني ان مجلس الشورى تحول الى اداة من ادوات الثورة المضادة يستخدمها صالح في حربه ضد اليمنيين وتطلعاتهم المشروعة في مكافحة الفساد مكافحة حقيقية، وشأن مجلس الشورى في ذلك، شأن هيئة مكافحة الفساد ذاتها، وهو ما يتطلب العمل أولا وقبل كل شيىء اما على حل مجلس الشورى أو اعادة تشكيله ليكون ممثلا للقوى السياسية والإجتماعية داخل البلاد وبما يكفل تفعيله في اداء العديد من الأدوار، ومن ضمنها اختيار عناصر نزيهة ومؤهلة لعضوية الهيئة العليا لمكافحة الفساد.
لكن الرئيس الإنتقالي عبد ربه منصور هادي لا يبدو مهتما كثيرا بهذا الجانب، وهو يخشى في ظل حرصه على تثبيت نظامه الفردي على غرار نظام صالح أن تتحول هيئة الفساد الى قيد عليه، ولذلك فهو حريص على الحصول على نصيب في تشكيل الهيئة أكثر من حرصه على مكافحة الفساد..
اقرا ايضا: الى من يهمه حاضر ومستقبل اليمن- عبد الرقيب الجبيحي
حوار الطبخات الجاهزة- عبد الكريم الخيواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق