د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
كلفني الزملاء الأعزاء في الجماعة العربية للديمقراطية بمهمة التنسيق لأول مسابقة في الدراسات الديمقراطية يتم اطلاقها من قبل الجماعة وتستهدف الباحثين الشباب من الذكور والإناث. ولعل ما حفزني على القيام بهذه المهمة الشاقة في عالم عربي يكثر فيه عدد ضباط المباحث والاستخبارات ويقل فيه عدد الباحثين هو ان الجماعة ، بالإضافة الى استهدافها للشباب الذين يمثلون معظم الحاضر وكل المستقبل، قد اختارت وفي هذا المنعطف التاريخي بالذات، مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية وواقع ذلك المفهوم في الدول العربية ليكون موضوع تنافس الباحثين الشباب على الجائزة في دورتها الأولى.
لقد ناضل الكثير من الباحثين والمفكرين والنشطاء العرب على صغر عددهم خلال العقدين الماضيين من اجل توطين وموائمة مفهوم "المواطنة المتساوية" في فكر وثقافة ووجدان وسلوك الإنسان العربي ادراكا منهم للأهمية البالغة للمفهوم في بناء الدولة القومية والتأسيس للنظام الديمقراطي. ولم تكن المهمة سهلة في ظل أنظمة تحالفت مع التخلف، وراهنت على التجهيل، ورأت في وعي الإنسان بإنسانيته وبحقوقه وواجباته عدوا لها وخطرا يتهدد بقائها. وفي عالم عربي يعتقد فيه الكثيرون حتى اليوم أن المواطنة هي الجنسية وانها تتحقق بحصول الفرد على بطاقة شخصية أو جواز سفر، ويظن آخرون انها شكل من اشكال الكفر أو الغزو الفكري كان لا بد من بذل الكثير من الجهود لإزالة الالتباس حول هذا المفهوم وتبرئته من تهمتي "اللادين" و"المؤامرة" ، والتأكيد للناس بأن المواطنة تعني "مساواة" و"مشاركة" وانها ليست حرية مطلقة ولا تقوم على وضع مصالح ورغبات وتطلعات الفرد فوق مصالح ورغبات وتطلعات الجماعة، وانها تتبلور من خلال عملية ديناميكية تمكن الفرد وعلى قاعدة المساواة وعدم التمييز من المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الذي يعيش فيه وتحقيق اقصى ما يمكنه تحقيقه.
وقد تحقق بعض التقدم في توطين مفهوم المواطنة المتساوية ، مما لا يتسع المجال لذكره هنا، سواء على صعيد التطور الفكري أو على صعيد الوعي الإنساني أو حتى على صعيد النصوص الدستورية والقانونية التي تم تبنيها في هذا البلد العربي أو ذاك. لكن ما تحقق على صعيد التحول الفكري وانتشار الوعي بتلك الأفكار ما زال دون الحد الأدنى وما زالت الفجوة بين الوعي والنصوص النظرية المتعلقة بالمواطنة من جهة، والممارسة العملية من جهة اخرى جد واسعة. وفي حين بدأت نخب صغيرة في العديد من الدول العربية برفع شعار "مواطنون لا رعايا" و "شركاء لا تابعون"، فإن الحقيقة المؤلمة هي ان المواطنة المتساوية التي تمثل حجر الزاوية في بناء الدولة المدنية الحديثة والنظام الديمقراطي ما زالت، على الصعيدين النظري والتطبيقي، اما غائبة تماما عن اذهان وحياة الكثير من العرب، او يتسم حضورها بالغموض والهلامية.
واذا كانت الثورات العربية المطالبة بالحرية والديمقراطية والتي شهدتها بالأمس كل من تونس ومصر، وتشهدها اليوم كل من اليمن وليبيا وسوريا، وستمتد في الغد لتشمل المغرب والجزائر والأردن والبحرين ودول أخرى، تتيح للعرب من المحيط الى الخليج فرصة نادرة لتدشين مرحلة النهوض الفكري والحضاري وبناء دولة الأمة على انقاض دولة الأسرة والقبيلة والطائفة الحاكمة، فإنه لا ينبغي ان يغيب عن اذهان شباب تلك الثورات حقيقة ان التغيير المنشود في اتجاه بناء دولة الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون سيتطلب حدوث ثورة موازية في التفكير حول، والمعرفة والوعي بالكثير من المفاهيم المتصلة بالدولة والنظام الديمقراطي وفي مقدمتها المواطنة المتساوية. وما لم يحدث ذلك فإن شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" الذي يمثل عنوان المرحلة التي تمر بها الأمة قد يختزل على صعيد النتائج التي يتم تحقيقها الى "الشعب يريد اسقاط الرئيس."
وانطلاقا من هذا الوعي، تحاول الجماعة العربية للديمقراطية التي تمثل امتدادا لمشروع دراسات الديمقراطية الذي بدأ انشطته في عام 1991 وساهم بشكل كبير خلال عقدين من الزمن وبجهود ذاتية في اثراء وتعزيز حركة التنوير والوعي بالديمقراطية في العالم العربي، من خلال هذه المسابقة حول المواطنة المتساوية المساهمة في خلق وتعميق وتركيم المعرفة العلمية حول المفهوم وجذوره العميقة سواء في الحضارات الإنسانية المتعاقبة او في التجربة الإسلامية وصولا الى واقعه المعاصر في الدول الديمقراطية وفي الدول العربية.
* للاستفسار حول المسابقة يمكن التواصل على contest@arabsfordemocracy.org كما يمكن زيارة موقع الجماعة العربية على العنوان التالي: www.arabsfordemocracy.org
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق