د. عبد الله الفقيه
عن اليقين
عن اليقين
في بداية اكتوبر 2010 ارتكب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح (1978-2011) واحدا من أكبر الأخطاء السياسية في حياته أن لم يكن الخطأ الأكبر والأخير. فبعد شهور من الحوار مع المعارضة اليمنية حول الطريقة المثلى للتحضير والتنفيذ للحوار الوطني الشامل، وجه صالح وبشكل فجائي حزبه الحاكم المؤتمر الشعبي العام بالانسحاب من عملية التحضير التي كان قد بدأها بنفسه في منتصف يوليو، ودشن صالح بذلك مرحلة غير مسبوقة من الجنون السياسي ستلعب دورا جوهريا ومحوريا في سقوط نظامه.
انقلاب مفاجئ
جاءت خطوة صالح في الاتجاه الخطأ بعد أن كانت لجنة مكونة من اربعة اشخاص اثنان منهم من الحزب الحاكم واثنان من اللقاء المشترك قد اتفقت على مسودة خارطة طريق للكيفية التي ينبغي من خلالها التحضير والتنفيذ للحوار الوطني ولما يسفر عنه الحوار بعد ذلك من اتفاقات. ولم يكتفي صالح بالانسحاب من الحوار بل انه اعلن ايضا ان حزبه سيمضي بشكل منفرد في تنظيم انتخابات برلمانية في ابريل 2011 وبغض النظر عن مواقف احزاب اللقاء المشترك.
وايفاء بوعيده للقوى السياسية الأخرى على الساحة، وظف صالح الأغلبية الكبيرة لحزبه في مجلس النواب فعمل بشكل منفرد على تعديل قانون الانتخابات وتغيير آلية اختيار اللجنة العليا للانتخابات وتعيين اعضاء اللجنة الجديدة. والأكثر من ذلك هو ان صالح وفي مطلع يناير 2011 دفع بالأغلبية الكبيرة لحزبه في مجلس النواب الى تقديم مقترحات بتعديل الدستور في خطوة هدفت كما بدا واضحا الى ازالة النص المتعلق بتحديد خدمة الرئيس بفترتين فقط وبما يمكن صالح من الترشح لعدد غير محدود من المرات.
كان اللقاء المشترك ولأشهر عديدة يطالب صالح وحزبه بحوار وطني شامل يشارك فيه كل الأطراف ذات العلاقة وتناقش فيه كل القضايا والموضوعات وقد ارادت احزاب اللقاء المشترك تحقيق هدفين من خلال الحوار الوطني: الأول معالجة المظالم والمشاكل القائمة؛ والثاني اعادة بناء الدولة والنظام السياسي على نحو يمكن اليمنيين من معالجة الاختلالات النظامية التي تمثل مصدرا للخلافات والصراعات العنيفة وعدم الاستقرار. وباختصار، فقد ارادت احزاب اللقاء المشترك ان يقود الحوار الوطني الى صفقة تاريخية يتم بموجبها تفكيك النظام الاستبدادي الذي اقامه الرئيس صالح وتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي.
خيبة أمل
كان صالح المشهور بمهاراته في التكتيك قد وافق في منتصف يوليو 2010، تحت ضغوط اقليمية ودولية كبيرة، على الدعوة الى حوار وطني شامل لا يستثني احد اراد به استباق اجتماع لمجموعة اصدقاء اليمن خطط لعقده في اواخر سبتمبر من نفس العام وخصص لمناقشة التقدم الذي حققته الحكومة اليمنية على جبهة الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها المانحون. وربما ظن صالح المحتاج دائما الى النقود ان تكتيكاته يمكن ان تساعده في الحصول على المزيد من الدعم المالي من قبل المانحين الدوليين. لكن اجتماع نيويورك خيب آمال صالح حيث لم يسفر عن أي التزامات مالية جديدة من قبل المانحين. وبينما كان صالح قد عمل على تضييع الوقت بين منتصف يوليو واواخر سبتمبر في البحث عن طرق لتشتيت خصومه واثارة النزاعات بينهم قبل ان يبدأ الحوار، فإن نتائج اجتماع نيويورك قد جاءت لتؤكد من بين اشياء أخرى على تسريع الحوار الوطني واصفة اياه بانه "الطريق الأمثل لبناء الأمن والاستقرار." لكن صالح الذي قاوم بشدة تدخلات المانحين بالجانب السياسي وطالب بإلحاح بالمعونات الاقتصادية قرر ان يتصرف بالطريقة التي راها مناسبة. ويبدو واضحا ان صالح ومن خلال قراره بالذهاب الى الانتخابات التشريعية والتعديلات الدستورية منفردا قد أخطأ تماما في قراءة تفاعلات البيئات السياسية الداخلية، والإقليمية، والدولية، ومن المحتمل ان يكون صالح قد ظن ان بإمكانه ان ينجح فيما كان الرئيس المصري محمد حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني قد نجحا فيه الا وهو عقد انتخابات مزورة تزيل من مجلس النواب أي تمثيل للمعارضة، وتعديل الدستور بما يلبي الاحتياجات المتجددة لأسرته المالكة.
وبينما مضى صالح في تنفيذ مخططاته غير الدستورية وغير القانونية فقد ظلت احزاب المعارضة المنضوية في اللقاء المشترك والشخصيات السياسية المستقلة ونشطاء المجتمع المدني وحتى بعض اعضاء الحزب الحاكم في مطالبة صالح بالعودة الى الحوار. لكن صالح كان كما يبدو قد سد اذنيه أمام كل المناشدات. وعندما وجهت وزارة الخارجية الأمريكية في نهاية ديسمبر 2010 نداء الى الأحزاب اليمنية بتأجيل الإجراءات البرلمانية المتعلقة بتعديل الدستور والعودة الى طاولة الحوار، ردت الحكومة اليمنية باتهام الإدارة الأمريكية بالتدخل في الشئون الداخلية.
تواريخ مهمة في ثورة اليمن الحالية | |
17 يوليو 2010 | صالح يوافق على الحوار الوطني الشامل |
24 سبتمبر 2010 | مجموعة اصدقاء اليمن تلتقي في نيويورك |
31 اكتوبر 2010 | المؤتمر الشعبي العام ينسحب من التحضير للحوار للوطني الشامل |
11 ديسمبر 2010 | الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم تعدل قانون الانتخابات بشكل منفرد |
15 ديسمبر 2010 | صالح يعين اعضاء اللجنة العليا للانتخابات من صفوف القضاة |
31 ديسمبر 2010 | الحكومة الأمريكية توجه نداء للأحزاب اليمنية لتأجيل أي اجراء برلماني بشأن تعديل الدستور والعودة الى الحوار |
01 يناير 2011 | الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام تقر في مجلس النواب من حيث المبدأ النظر في التعديلات الدستورية |
14 يناير 2011 | انهيار نظام الرئيس زين العابدين بن علي في تونس |
25 يناير 2011 | اندلاع الثورة المصرية |
02 فبراير 2011 | صالح يدعو الى العودة للحوار |
03 فبراير 2011 | احزاب اللقاء المشترك تنضم تظاهرة كبيرة في سائر انحاء الجمهورية تتويجا لشهر من المهرجانات الجماهيرية |
11 فبراير 2011 | مبارك يتخلى عن السلطة وبدء الثورة اليمنية في نفس اللحظة |
18 فبراير 2011 | سقوط عدد من القتلى في تظاهرة كبيرة في عدن |
21 فبراير 2011 | اللقاء المشترك والحوثيون يعلنون دعمهم لثورة الشباب |
32 فبراير 2011 | عشرة اعضاء مؤثرين في مجلس النواب يستقيلون من الحزب الحاكم احتجاجا على قمع الاحتياجات السلمية |
25 فبراير 2011 | مئات الالاف يتظاهرون ومقتل 10 على الأقل |
26 فبراير 2011 | شخصيات مشيخية محورية من حاشد وبكيل تعلن الالتحاق بالثورة |
27 فبراير 2011 | مقتل 12 متظاهرا على الأقل في مدينة عدن |
01 مارس 2011 | خروج الملايين في مظاهرات يوم غضب |
10 مارس 2011 | صالح يقترح تغيير الدستور وتبني النظام البرلماني والمعارضون يرفضون |
13 مارس 2011 | مقتل 8 اشخاص على الأقل وجرح العشرات في محاولة للشرطة اليمنية لفض الاعتصام امام جامعة صنعاء باستخدام غازات سامة، وفي مدن يمنية اخرى |
14 مارس 2011 | مقتل 5 محتجين في عدن |
15 مارس 2011 | استقالة معظم اعضاء المجلس المحلي لمحافظة عدن من مناصبهم ومن الحزب الحاكم احتجاجا على قتل المحتجين |
18 مارس 2011 | قناصة تابعين للأمن المركزي والحرس الجمهوري يقتلون على الأقل 52 من المعتصمين امام جامعة صنعاء ويجرحون المئات وصالح يعلن حالة الطوارئ |
19 مارس 2011 | علماء اليمن وشيوخ القبائل بما في ذلك قبيلة الرئيس ورجال الأعمال يطالبون صالح بالرحيل درءا للفتنة وقادة المعارضة يعتصمون مع الشباب لأول مرة |
20 مارس 2011 | صالح يقيل الحكومة نتيجة لتزايد عدد الاستقالات من بين صفوف الوزراء احتجاجا على قمع المحتجين |
21 مارس 2011 | علي محسن الأحمر وقادة عسكرين آخرين ينضمون الى ثورة الشعب؛ واستقالة سفراء اليمن في 18 دولة |
25 مارس 2011 | مئات الالاف يتظاهرون مطالبين صالح بالرحيل |
26 مارس 2011 | صالح يتراجع عن اتفاق مع المعارضة على نقل السلطة لنائب يسميه |
28 مارس 2011 | انفجار في مصنع الذخيرة بعدن يخلف اكثر من 150 قتيلا |
01 ابريل 2011 | مئات الالاف يخرجون الى الشوارع في اكثر من 15 محافظة مطالبين برحيل الرئيس |
03 ابريل 2011 | المعارضة اليمنية تقدم رؤية لحل الأزمة اليمنية تتضمن رحيل صالح |
04 ابريل 2011 | سقوط 17 قتيلا في تعز و7 في الحديدة على ايدي رجال امن وبلاطجة وجرح المئات؛ الولايات المتحدة تطالب صالح بالرحيل |
05 ابريل 2011 | صالح يحاول اغتيال اللواء علي محسن ومقتل 4 اشخاص |
06 ابريل 2011 | دول مجلس التعاون الخليجي تتقدم بمبادرة لحل الأزمة اليمنية تتضمن رحيل صالح |
العاملان التونسي والمصري
سارع صالح بعد انهيار نظام زين العابدين بن علي في تونس في 14 يناير 2011 الى جمع كبار قادة الجيش في قاعة كبيرة بالعاصمة صنعاء وقال لهم وللمتابعين عبر الفضائيات بأن اليمن ليست تونس، وربما اتفق الكثير من اليمنيين معه في الراي بان اليمن تختلف في بعض الجوانب عن تونس. ومع ذلك قرر صالح وكأجراء وقائي رفع مرتبات العاملين في قطاعات الدولة المدنية والعسكرية ووجه الحكومة الى استيعاب 25% من العاطلين من خريجي الجامعات وتأسيس صندوق لدعم الشباب.
أما بعد أن انتقلت الثورة الى مصر وبدأت تكتسب قوة وزخما فقد تخلى صالح عن التلويح بالقوة وسارع بدلا عن ذلك الى الدعوة لعقد اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى في الـ2 من فبراير 2011. لكن الموعد الذي حدده صالح للاجتماع كان يسبق بيوم واحد فقط تظاهرة كبيرة كانت احزاب اللقاء المشترك دعت اليها في الثالث من فبراير وهو ما يعني ان صالح كان يناور كعادته. ومع ان صالح اعلن في الاجتماع بصوت عال بانه "لا تمديد، ولا توريث"، ودعا فيما اسماه بالمبادرة الى تأجيل الانتخابات والتعديلات الدستورية والعودة الى طاولة الحوار. لم يطلب من المجلسين اتخاذ قرارات تلغي تعديلاته غير الدستورية على قانون الانتخابات أو تحل اللجنة العليا للانتخابات أو تسحب التعديلات الدستورية المقدمة. كان صالح يحاول فقط كسب الوقت ليرى الى اين تقود الرياح العاتية التي انطلقت بتونس وحطت بمصر وباتت تهدد عرش اليمن. كل ما دعا اليه ذلك اليوم كان عبارة عن تصحيح للأخطاء والتجاوزات التي ارتكبها خلال الأشهر السابقة. والأكثر من ذلك انه وبدلا من ان يتخذ الإجراءات اللازمة لإلغاء التجاوزات التي كان قد قام بها فانه جعل اتخاذ تلك الإجراءات موضوعا للتفاوض مع المعارضة. وفشلت مناورة صالح واخرجت المعارضة الالاف الذين هتفوا لأول مرة خلال سنوات حكم صالح يطالبونه بالرحيل.
اندلاع الثورة
وربما كانت نقطة التحول الهامة لنظام صالح قد حدثت في مساء 11 فبراير عندما سقط نظام حسني مبارك. ففي ساعتها ولحظتها خرج النشطاء من الشباب الى الشوارع للاحتفاء بالمناسبة والتظاهر ضد صالح. اما صالح فقد دعا الى اجتماع عاجل لمجلس الدفاع الوطني وبعض القادة السياسيين وسارع الى اخراج قوات الجيش والأمن بثياب مدنية للاعتداء على المتظاهرين واحتلال ميدان التحرير حتى يمنع النشطاء من بدء اعتصام هناك. ومع ان صالح بدا اشطر من بن علي ومبارك الإ ان احتلال ميدان التحرير بكل ما يحمله من رمزية لم يمنع الشباب من خلق ميدان التغيير أمام جامعة صنعاء بكل ما يحمله المكان من رمزية. وانتشرت الاحتجاجات في غضون ايام قليلة الى العديد من المدن اليمنية وحطمت حواجز الطبقية والفئوية والجغرافيا. ومع ان اللقاء المشترك تردد كثيرا في البداية في اللحاق بالركب بكل ثقله الا انه سرعان ما وجد نفسه محاصرا بالأصوات المنتقدة لتردده. واذا كان 11 فبراير يمثل تاريخ ميلاد الثورة فإن يوم 18 مارس يمثل التاريخ الفعلي لسقوط نظام صالح. فقد ادت المذبحة الى ارتكبها نظامه الى انهيار مريع داخل ذلك النظام وبحيث انتقل ثقل الشرعية الى الثورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق