الغزو الخارجي، الحرب الأهلية، والانهيار الاقتصادي
د. عبد الله الفقيه ، عن صحيفة اليقين
استقبل اليمن العقد الأخير من القرن العشرين بتحقيق الوحدة مع ما حمله الحدث من آمال وتطلعات، ودخل اليمن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين مهددا بالغزو الأمريكي المتحجج بمكافحة الإرهاب، وها هو اليمن يدخل العقد الثاني من ذات القرن مثقلا بالعديد من الأزمات المتزامنة والمتشابكة. ويتم التركيز هنا على ثلاثة تهديدات هي: الغزو الخارجي؛ الحرب الأهلية؛ والانهيار الاقتصادي.
الغزو الخارجي
تخلل عام 2010 عددا من التطورات التي عكست تآكلا غير مسبوق في شرعية النظام اليمني على المستويين الإقليمي والدولي.وكان أهم تلك التطورات الضربات الجوية التي وجهتها طائرات امريكية الى اهداف داخل الحدود اليمنية، الدعوة الى مؤتمر لندن وظهور آلية اصدقاء اليمن، تتابع المؤتمرات الدولية حول اليمن، واستمرار السعودية كطرف في حرب صعدة والأهداف التي سعت الى تحقيقها من خلال الحرب، ورفض مبادرة اليمن لإصلاح الجامعة العربية بشكل كلي، وامتناع المانحين عن الوفاء بالالتزامات التي قطعوها على انفسهم في عام 2006 او الالتزام باي منح مالية جديدة، وتحول اتجاه المجتمع الدولي نحو المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية وادارية ومالية عميقة كشرط مسبق لأي دعم اقتصادي فعال، وبروز مؤشرات على وجود دعم دولي سياسي واعلامي لقوى الحراك.
ولعل أهم مؤشر على الأزمة الكبيرة التي تشهدها علاقة اليمن بدول الإقليم والمجتمع الدولي قد تمثلت في رد فعل دول العالم القريبة والبعيدة على حادثة الطرود المزعومة حيث سارعت العديد من الدول بما في ذلك دول شقيقة وصديقة الى اتخاذ اجراءات احادية قاسية مثل تعليق الرحلات من اليمن او الامتناع عن نقل الطرود او غير ذلك من الخطوات التي بدت وكأنها حصار اقتصادي شامل ضد اليمن تم اتخاذه قبل ان يتأكد لتلك الدول اي شيء. ولعل اخطر ما في تلك الإجراءات هو ما عكسته من لا مبالاة باليمن واليمنيين، وما أظهرته من ضجر دولي بالنظام اليمني ومن فقد للثقة به. واذا كانت الإجراءات التي اتخذتها الدول ثم تراجعت عنها فيما بعد لم تلحق اذى كبيرا باليمن، فإن الحملة الإعلامية الدولية المركزة، والتي لم تخلو من استهداف واضح للرئيس اليمني وللنظام السياسي ولليمنين بشكل عام، ربما تكون قد الحقت اضرارا ستحتاج، بسبب عمقها، الى عشرات السنين لتجاوزها. فقد وصمت الحملة المكثفة اليمن كبلد واليمني كفرد بالإرهاب واصبحت اليمن مثلها مثل افغانستان وباكستان مع فارق بسيط هو ان اليمن ليس فيها قوات دولية تكافح الإرهاب.
وجاءت تسريبات ويكيليكس التي بدأت ولم تنته بعد لتعكس في تفاصيلها الدقيقة حجم الأزمة التي تشهدها علاقة اليمن بالخارج، وحجم فجوة الثقة التي تفصل اليمن عن جيرانها واصدقائها، وحجم التهديد الذي باتت اليمن تمثله للخارج من وجهة نظر الخارج وبات الخارج يمثله لليمن من وجهة نظر اليمن. ولعل النتيجة المباشرة والأكثر خطورة لحادثة الطرود وتسريبات ويكيليكس هي انها أزاحت الستار عن الوضع الصعب للنظام اليمني في مواجهة الخارج، وكشفت حجم التهديد الذي يتعرض له البلد وامنه القومي وسيادته واستقلاله. ويمكن ان يتخذ الغزو الخارجي اشكال عدة تتدرج من توجيه الضربات العسكرية الجوية لأهداف داخل اليمن برضى أو عدم رضى الحكومة اليمنية، وقد تصل الى الغزو العسكري الغربي المباشراذا ما نجحت القاعدة في تنفيذ عمل متهور في الجوار الإقليمي أو على الصعيد الدولي. لقد تم اعداد الرأي العام العالمي لحدث مثل هذا وما تبقى هو ان تقوم القاعدة بالخطوة التالية.
ومما يزيد من حجم التهديد بالغزو الخارجي تنامي الوعي في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وغيرها من العواصم بان التواجد الغربي في باكستان وافغانستان كان بمثابة خطأ استراتيجي وان الخطر الحقيقي الذي يتهدد الغرب وحلفائه ومصالحه انما يأتي من اليمن وليس من اي مكان آخر.
الحرب الأهلية
هناك تداخل كبير بين خطر الحرب الأهلية وخطر الغزو الخارجي، وفي الحالة اليمنية فان حدوث ايا منهما سيستدعي حتما حدوث الآخر. واذا كان خطر الغزو الخارجي يتصل بوضع الشرعية الخارجية للنظام السياسي، فإن خطر الحرب الأهلية يتصل بوضع الشرعية الداخلية للنظام السياسي. وهناك عدد من بؤر التوتر على الساحة اليمنية التي يمكن ان يكون أيا منها الشرر الذي يشعل الحريق الكبير. فهناك التمرد الحوثي في الشمال والحراك الانفصالي في الجنوب، والخلاف العميق بين السلطة والمعارضة الذي يشهد تصعيدا غير مسبوق.
وعلى صعيد الصراع مع الحوثي، فقد شهد شهر فبراير من العام المنصرم توصل الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين الى اتفاق لوقف اطلاق النار، توقيع العديد من الاتفاقيات السرية والعلنية المكملة والمفسرة لاتفاقات سابقة.وبناء على تلك الاتفاقات، فقد استأنفت اللجنة اليمنية القطرية المشتركة أعمالها لمعالجة الأسباب المغذية للحرب وفي مقدمتها مشاكل المعتقلين في سجون السلطة او لدى الحوثيين، استرجاع اسلحة الجيش المنهوبة من قبل الحوثيين، عودة المتمردين من الجبال، تعويض المتضررين واعادة بناء ما دمرته الحرب. وتكمن التحديات بالنسبة للتمرد الحوثي في ان اجزاء واسعة من محافظات صعدة، عمران، والجوف بدأت تشهد ظهور مؤشرات على فشل الدولة وهو ما اوجد فراغا كبيرا بدأت جماعات مختلفة تسعى لملأه وفي مقدمتها الحوثي والقبائل وبعض الشخصيات الاجتماعية. وفي الوقت الذي يأمل فيه الكثيرون ان تكون الجولة السادسة من الحرب بما شهدته من خسائر فادحة في الأرواح والأموال والممتلكات هي الجولة الأخيرة، فإن هناك شبه اجماع بين المحللين الاستراتيجيين في الداخل والخارج على ان بعض القوى الاجتماعية والسياسية والدينية تعيد تشكيل نفسها لخوض حرب سابعة قد تكون نواة لحرب أهلية شاملة في ظل الاستقطاب الحاد الذي تشهده الحياة السياسية والإصطفافات الطائفية والمناطقية.
اما على صعيد الحراك الجنوبي، فإنه يمكن القول ان عام 2010 قد شهد العديد من التطورات. بالنسبة للحراك فقد تمكن خلال العام من احكام السيطرة على ثلاث محافظات على الأقل (الضالع، لحج، ابين) واصبح له ثقله الكبير فيها وهذه هي المحافظات التي تشهد تصاعدا في اعمال العنف. وتمكن الحراك خلال العام من تعزيز مواقعه وشرعيته الخارجية وحظي بتغطية اعلامية اقليمية ودولية واسعة واعتراف اقليمي ودولي بعدالة القضايا التي يناضل من اجلها، ومطالب دولية للحكومة اليمنية بالتحاور مع الجنوبيين وحل المشاكل القائمة. وشهد العام 2010 تنامي العنف في المواجهات بين السلطة والحراك وتنامي القمع السلطوي، وتمكنت السلطة خلال العام من احتواء الحراك والحد من حركته في بعض المناطق مثل المهرة وحضرموت وعدن.وفي حين تشهد نهاية العام ظهور انقسامات في اوساط الحراك فان ذلك قد يعني تدويل قرار الحراك واعطاء القيادات الجنوبية في الخارج سلطة نهائية في اتخاذ القرار.
وتمثل علاقة السلطة بالمعارضة بؤرة ثالثة من بؤر التوتر المرشحة للانفجار.فقد جاء قرار السلطة المفاجئ بإنهاء الحوار الوطني الشامل من طرف واحد وهو ما زال في مرحلة التحضير وبارتكاب سلسلة من المخالفات الدستورية والقانونية واللائحية في تعديل قانون الانتخابات وتشكيل لجنة من القضاة وغير ذلك من الإجراءات لتثير الكثير من التساؤلات عما يمكن ان يترتب على تلك التصرفات سواء بالنسبة للسلم الاجتماعي أو بالنسبة للوحدة اليمنية او بالنسبة للديمقراطية الشكلية. فلأول مرة بعد عقدين من قيام الوحدة يتم الإطاحة بشرعية التوافق الحزبي في تشكيل لجنة الانتخابات ويتم الإطاحة بحق قطاع كبير من اليمنيين قد يصل الى مليوني مواطن في الإنتخاب وفي مخالفة دستورية فاضحة لا تقل في خطورتها عن فضيحة السماح لقوة اجنبية بقتل يمنيين ابرياء داخل الأرض اليمنية والعمل على التغطية على مثل ذلك التصرف.
وهناك مخاوف مبكرة بعض الشيء من ان تكون النخبة اليمنية الحاكمة قد قررت القبول بانفصال الجنوب في سبيل الاحتفاظ بالسلطة وان على جزء صغير من اليمن. ومع ان هناك من يعتقد بان السلطة اتخذت تلك الإجراءات غير الدستورية وغير القانونية لتربك المطالب الخجولة بالتحقيق في الخروقات التي ارتكبها كبار مسئولي الدولة في حق الدستور والتي وردت في وثائق ويكيليكس الإ انه يصعب القبول بذلك بالنظر الى ان الإجراءات السلطوية التي تم اتخاذها قد تدفع بالمعارضة الى طرح تلك المخالفات على الشعب والدفع بالأزمة اليمنية الى مراحل اكثر خطورة. كما ان القمع الذي بدأت السلطة تمارسه ضد المعارضين على خطوط طائفية ومناطقية كما لم يحدث من قبل يزيد من حجم المخاطر التي تحيط بالبلاد. لقد جاء القبض على القيادي الجنوبي في اللقاء المشترك محمد غالب احمد المعروف بوطنيته ووحدويته ليثيركما المح الأستاذ محمد قحطان عضو الهيئة العليا للإصلاح بذكاء في تصريح صحفي له الشكوك "حول نية السلطة تجاه الوحدة الوطنية في البلاد."
وأيا كانت نوايا السلطة، فإن الواضح ان انتخابات ابريل 2010 ان تمت ستعطي الجنوبيين فرصة نادرة للتصويت بأقدامهم على الوحدة وستعطي المعارضة اليمنية السلمية الفرصة الأخيرة للبرهنة على انها رقم صعب في الحياة السياسية. وبالنظر الى ان الانتخابات التي ينوي الحاكم تنفيذها ستكون حاسمة فيما يخص الوحدة والديمقراطية والثورة والجمهورية، فانه من غير المتوقع ان تشارك فيها المعارضة او تقاطعها وكذلك الأمر بالنسبة للحراك والتمرد الحوثي. ومع ان تراجع النظام اليمني عن الانقلاب الذي قام به ضد الدستور والديمقراطية والوحدة اليمنية وتخليه عن فكرة انتخابات "الأرض المحروقة" قد يخفف من درجة المخاطرالإ ان ذلك قد لا يكون كافيا لمنع البلاد من الانزلاق الى حرب اهلية تبدأ من الشمال او من الجنوب او حتى من الوسط.
وما يزيد من خطر الحرب الأهلية هو ان السنوات الخمس الماضية قد اثبتت محدودية قوة النظام في مواجهة التمرد الحوثي والحراك الجنوبي والقاعدة واقتصرت فاعلية النظام على قمع الصحافيين والمعارضة السلمية وخصوصا تلك التي لا تستمد قوتها من قاعدة قبلية قوية.
وما يزيد من خطر الحرب الأهلية هو ان السنوات الخمس الماضية قد اثبتت محدودية قوة النظام في مواجهة التمرد الحوثي والحراك الجنوبي والقاعدة واقتصرت فاعلية النظام على قمع الصحافيين والمعارضة السلمية وخصوصا تلك التي لا تستمد قوتها من قاعدة قبلية قوية.
الإنهيار الاقتصادي
يعاني الاقتصاد اليمني من العديد من المشكلات الكبيرة المتصلة بشحة الموارد من جهة وسوء ادارتها من جهة ثانية. وتعتبر المشاكل المتصلة بسوء ادارة الموارد الأكثر صعوبة في المعالجة كما اثبتت السنوات العديدة الماضية. ويحظى الوضع الاقتصادي في اليمن والذي بات المجتمع الدولي ينظر اليه على انه مصد ر الكثير من الأزمات الحالية والمتوقعة مستقبلا باهتمام دولي كبير. واذا كانت اليمن قد اعتمدت على المعونات الخارجية في دعم الاقتصاد لسنوات طويلة وعلى طفرة نفطية مؤقتة،فأن الواضح، بالنظر الى تراجع الإنتاج والأسعار السائدة، أن عصر الطفرة النفطية في اليمن ربما قد ولى الى غير رجعة.
أما الخارج فيبدو انه قد وصل الى قناعات جديدة خلال السنوات القليلة الماضية بان اي معونات خارجية لليمن مهما كان حجمها لن تكون مجدية في ظل الفساد المستشري وضعف مؤسسات الدولة وتوجيه الموارد المحدودة نحو برامج التسلح والحروب الداخلية. وقد شهد عام 2010 وبوضوح ظهور منظومة واسعة من الاشتراطات الدولية التي تربط بين المعونات بكافة انواعها من جهة وبين الإصلاح الشامل بجوانبه السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية من جهة ثانية.
وتضمنت تلك المنظومة في الجانب السياسي قيام حوار وطني شامل يضع نهاية للصراعات القائمة في الشمال والجنوب ويفتح باب المشاركة واسعا امام جميع اليمنيين ويضع اليمن على طريق التنمية والنهوض. لكن الواضح ان السلطة في اليمن قد قلبت ظهر المجن لشركاء الداخل والخارج وتنكرت للدستور وللشراكة الوطنية وللأسس التي قامت عليها الوحدة واتخذت اجراءات مثلت صدمة للداخل والخارج. وفي ظل مثل تلك الإجراءات فإن السلطة تكون قد وضعت عقبات كبيرة امام آلية "اصدقاء اليمن." وفي حين ينتظر اصدقاء اليمن ما ستحققه السلطة اليمنية على صعيد الحوار الوطني الشامل والإصلاحات، فان السلطة اليمنية تنتظر ما سيجود به عليها الخارج من دعم. وبين شد الخارج وجذب الداخل يواجه الاقتصاد اليمني اصعب مراحله حتى في ظل التحسن الطفيف في اسعار النفط والضرائب الجديدة المفروضة.
هامش
يهنئ الكاتب د. بكيل احمد الزنداني الزميل في قسم العلوم السياسة بجامعة صنعاء بمناسبة حصوله على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة "نبراسكا" في الولايات المتحدة الأمريكية عن رسالته "مبدأ بوش، الحرب على الإرهاب، والسياسة الأمريكية في تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط: حالات مصر واليمن."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق