حاوره/ عبدالله مصلح
حذر الرئيس من مصير السادات بأيدي السلفيين وكشف عن ندوات حوارية بالخارج.. د. المتوكل لـ"الناس": الرئيس لم يعد قادراً، والحل في كسر احتكار السلطة والثروة
الاحد, 07.26.2009, 09:00am (GMT)
شخصية وطنية مخلصة.. صاحب رؤى ومواقف وسطية.. ومالك خبرات طويلة وعميقة وواعية.. إنه الدكتور محمد عبدالملك المتوكل الذي التقته "الناس" وناقشت معه آخر المستجدات السياسية على الساحة وفي مقدمتها قضية الساعة "الحوار مع السلطة".
* ما الجديد في حواركم مع السلطة الذي تسمونه تواصلاً أو لقاءً تمهيدياً؟
- بالنسبة للحوار، أعتقد أن المشكلة الواضحة بين المشترك وبين السلطة هي قضية، هل المناخ القائم مناخ انتخابات أم أن علينا أن نعالج أولاً المناخ السياسي فكيف ستقيم الانتخابات وعندك مشاكل في الجنوب وصعدة وفي مناطق اليمن المختلفة .
* وما هو المطلوب حالياً؟
- لماذا لا نعمل على تهدئة الجو ومواجهة هذه المشاكل من خلال إيجاد الحلول لها، وفي نفس الوقت نتعاون على عملية تنظيم الانتخابات القادمة بحيث تحقق التغيير الحقيقي بالإرادة الحرة للناس.
* ما هو جوهر الخلاف القائم بينكم وبين الحزب الحاكم؟
- الخلاف القائم بين السلطة والمشترك، هو أن السلطة موافقة على الحوار في موضوع الانتخابات، ولكن المشكلة أنها غير موافقة للحوار على قضية المناخ السياسي بشكل عام.
* وما المشكلة في بدء الحوار حول الانتخابات ومن ثم بقية القضايا؟
- الناس لا يتحملون بصراحة على المستوى الشعبي أن تتحاور السلطة والمعارضة على قضية الانتخابات واللجنة العليا، متناسين أن هناك أناساً يتعرضون للقتل، هناك مظالم وانتهاكات، هناك حروب ودماء تسفك، فالناس لا يمكن أن يقبلوا من السلطة والمشترك حصر الحوار في مسألة الانتخابات، وبالتالي ستجد نفسك بعيداً عن المواطنين وعن قضاياهم، ولذلك يتلقى المشترك اللوم، فكلما سمع الناس عن قضية حوار بينك وبين السلطة حول الانتخابات كلما توجه الناس بنقد كبير للمشترك، وتصوّر الناس أنها ليست أكثر من محاولة إيجاد صفقة، وهذا ما يحاول المؤتمر الشعبي أن يوحي للناس به، أن أحزاب المشترك تبحث عن صفقة، كيف تكون في اللجنة العليا، وكيف يدخلون لها قليل أعضاء في البرلمان، وبالتالي حلّت مشكلتهم.
* لكن جميع حواراتكم السابقة مع السلطة كانت بعيدة عن قضايا الناس، فكيف هبطت هذه الإنسانية فجأة عليكم الآن؟
- هذا صحيح، كان الحوار مع المؤتمر ولم تكن هناك أزمة كبيرة خانقة، أما اليوم الأزمة فوق قدرات الأحزاب، وهذا ما دفع بالمشترك إلى الاتجاه نحو التشاور، لأنه لا بد من خلق تكتل وطني واسع، وبالتالي تكون السلطة أمام كتلة شعبية كبيرة (وليس أمام مجموعة من الآخرين) ويتم الحوار فيها على حل وطني شامل.
* يعني تريدون حواراً وطنياً مع الشعب وليس حواراً سياسياً مع السلطة؟
- بالنسبة للمشترك فأمر الحوار لديه محسوم، يجب أن يكون الحوار مع الناس وبالناس، حتى لو تم الحوار غداً مع السلطة يجب أن يكون الناس شركاء في هذا الحوار.
* لكن الاتفاق الأخير الذي وقعتم عليه يحدد مكونات الحوار بالأحزاب الممثلة بالبرلمان فقط؟
- نعم وقعوا، ولكن على أساس أن هذا لا ينفي الآخرين، ولهذا تلاحظ النقطة الثانية من الاتفاق تشير إلى أن يكون الحوار واسعاً، والاتفاق لا يلغي مشاركة الآخرين، بل أن النقطة الثانية من الاتفاق تشير بالنص إلى "إتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني من مناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية".
فإذا كان المشترك وقع على هذا الاتفاق فالسؤال هنا هو: هل الهدف لدى المؤتمر من توقيع هذا الاتفاق فعلاً أن يصل إلى حلول مع المشترك، أم أن الهدف هو "سنتين في العزّ كثير" وبعدها "ما بدا بدينا عليه"، وإذا استطعنا أن نضرب الحراك في الجنوب والمشاكل في صعدة وصفينا مشاكلنا عن طريق القوة، نرجع نصفي هؤلاء ونخلص منهم ونفعل بعدها ما نريد!
* ولماذا لا تتوجه بهذا السؤال للمشترك أيضاً؟
- إذا كان لدى المؤتمر خيار الوصول إلى اتفاق مع المعارضة لإصلاح الأوضاع، أنا متأكد أن المعارضة مستعدون أن يتحولوا إلى جنود في سبيل برنامج إصلاح حقيقي.
* لكنكم تشترطون اشتراك قوى انفصالية وإمامية (في نظر السلطة) لقبول حواركم مع الحاكم؟
- لا بد أن نقبل بالجميع، الحوثيون والجنوبيون ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بما فيها حزب الرابطة والتجمع الوحدوي، كل هؤلاء وطنيون ومن حقهم أن يشاركوا في مستقبل بلدهم، وتقرير مصيرهم، فالبلد تمر بأزمة حقيقية.
* لماذا تصرون على إشراك الحوثيين والحراك مع أنكم تدركون موقف السلطة الرافض لهم؟
- لأننا نعتبرهم مواطنين من حقهم أن يشاركوا في صنع مستقبل بلدهم، وأنت عندما ترفض المواطنين معنى هذا انك إقصائي وتريد أن تصعَّد الأزمة، وتوصلها إلى مرحلة خطيرة جداً تهدد استقرار البلد ووحدته وأمنه، ولهذا أنا أقول: هؤلاء مواطنون يمنيون مختلفون في الرأي، يحتاجون إلى حوار، فلماذا لا ندعو الجميع إلى حوار صادق ومخلص نصل فيه إلى قناعة، كيف ندير هذا الوطن وأن نبني مستقبله، فهل لدى السلطة استعداد.
* لكن هؤلاء قد تكون لديهم قناعات راسخة بالانفصال أو غيره؟
- هناك كثير من أبناء المحافظات الجنوبية يرفضون احتكار السلطة والثروة، ويريدون الشراكة، فهل هذا من حقهم ومن حق المواطنين جميعاً أم لا؟ فاليوم هناك قوى محدودة تحتكر السلطة والثروة.
* من هي هذه القوى؟
- قيادات عسكرية، وبعض القيادات المشائخية وبعض التكنوقراط الانتهازية، هؤلاء يحتكرون السلطة والثروة، في ظل مخرجات جامعية تقدر بـ200 ألف طالب يتخرجون من الجامعة، وكل منهم يريد تغيير موقعه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فيلقى مركزه الاقتصادي مغلقا، وبالتالي ليس له مركز اجتماعي، ويأتي إلى مركزه السياسي وإذا به مخنوق، ولهذا هناك حراك شعبي كبير.
* هذه الأمور قد تعالج، لكن كيف يتم التعامل مع أناس يريدون الانفصال، وهذا ما عجز عنه الحاكم حسب رئيس دائرته السياسية؟
- أولاً لا بد أن نبحث عن الأسباب التي جعلت هؤلاء يصلون إلى طلب الانفصال وهم كانوا أكثر وحدوية منا، الرئيس علي عبدالله صالح نزل إلى عدن يطالب بالفيدرالية وهم طرحوا الوحدة الاندماجية، وهم تنازلوا عن الرئاسة وقبلوا بنائب للرئيس، وهل تعرف أنهم حتى قبل الوحدة عملوا رئيساً لهم من الشمال وهو عبد الفتاح إسماعيل، ونحن لم نقبل بعد بأن نعمل رئيس من ذمار وما تحت! فهم بصراحة كانوا أكثر وحدوية منا، فما الذي جعلهم يصلون إلى هذا الضيق، فلا بد من بحث الأسباب، ونتحاور معهم ونتناقش معهم.
* السلطة لا تقبل بأي حوار إلا تحت سقف الوحدة والثوابت الوطنية؟
- أنا أرى أن يكون الحوار تحت سقف المصلحة العامة، ولتكن هي معيارنا، فهل المصلحة العامة في الانفصال .. هل المصلحة العامة في الوحدة، هل المصلحة العامة في شكل من الأشكال الأخرى، وأنا متأكد ومتيقن أن بالإمكان أن نصل إلى حلول، لكن أما أن أرفض التحاور مع الآخرين أو أن أقبل كلام الآخرين وأن أنفذ فقط ما أريده، فالناس لم تعد عبيداً، ولم يعد الناس رعايا، الآن بفضل الحراك من التسعينات إلى اليوم قد تخلقت قوى جديدة غير مستعدة لأن تكون "رعيّة" وبدأت تنتقل من الرعوية إلى المواطنة، فمشكلة السلطة أنها لم تدرك المتغيرات الكبيرة داخل مجتمعنا، فإما أن تقبلها السلطة أو تتصاعد الأزمة.
* لو كنتم في السلطة هل ستقبلون مثل هذا الكلام والحوار حول الانفصال؟
- لو كنا نحن في السلطة لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه (فهذه وجهة نظري، لا أدري عندما نكون في السلطة ما الذي سيكون) لكن في تصوري لو نحن مسؤولون عن إدارة الدولة لما وصلت الأمور إلى هذا الحد، وكنا سنقبل بلا أي إشكال بمبدأ الديمقراطية الحقيقية.
* نفهم من كلامك بأن السلطة لم تلتزم بمبدأ الديمقراطية الحقيقية؟
- نعم، وما حصل في حرب 94 هو صراع على السلطة والثروة لقوى شمولية كانت حاكمة في الشمال وحاكمة في الجنوب، وأعلنت الديمقراطية دون أن تؤمن بها، ولهذا الأخوة في الجنوب دخلوا الوحدة قبل أن يتصالحوا مع أصحابهم، وفي الشمال حصلت فيها تلك المذابح والمجازر بسبب الحكم الشمولي الفردي، واليمنيون منذ الثلاثينيات إلى اليوم وهم يناضلون من أجل الحد من سلطات الفرد، وتوسيع صلاحية المؤسسات، ولا تزال معركة النضال هذه مستمرة.
* نعود لقضية الحوار وتباين آراء قيادات المشترك حوله، ما صحة ذلك؟
- المشترك اليوم يقول: إذا كان هناك حوار يجب أن يكون حواراً حول القضايا العامة، وأن يكون حواراً مفتوحاً وشفافاً، وتشترك فيه قوى وطنية متعددة بما فيها مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب الأخرى، ويتم معالجة القضايا الشاملة، فلا بد لنا بصراحة أن نرسخ أسساً لبناء الدولة الحديثة، وإلا فإن المشكلة ستظل قائمة.
* المؤتمر لم يلمس منكم نوايا حسنة للبدء في الحوار فما بالك ببناء دولة حديثة؟
- باعتقادي أن المؤتمر هو الذي لا يلتزم بالحوار من خلال تجربتنا معه في الفترات السابقة وأكثر من يحفظ هذه السلسلة من التجارب الأستاذ عبد الوهاب الآنسي والذي دائماً يطرح كيف عانى المشترك من الحوارات مع المؤتمر، وحين يصلون إلى اقتراب في قضية معينة يستبدل المؤتمر الشخص الذي يحاور، ويأتون بمحاور آخر، فالمؤتمر يفاوض ولا يحاور.
* وما الفرق؟
- الفرق أنه في الحوار يحاول الطرفان أن يصلا إلى الأفضل في قضية معينة، أما المفاوضة فهي ما هو لك وما هو لي وتسمى بالعامية "مهازرة" فما الذي أعطيك وما الذي تعطيني وفي النهاية ميزان القوى هو الذي يحكم، فالوطن بحاجة إلى حوار يتم الاتفاق عليه على ما هو الأفضل لبناء الدولة.
* ولهذا ترفضون حوار "المهازرة" مع السلطة؟
- أنت كسياسي لا تستطيع أن تقول إنني أرفض الحوار، لكن تستطيع أن تقول بأنه لا بد أن تكون هناك أسس لهذا الحوار، فاليوم لا يزال الخلاف حول أسس الحوار.
* ما هي هذه الأسس بالنسبة للمشترك؟
- أولاً أن يكون الحوار شفافاً ومفتوحاً، وبمشاركة أوسع، معالجة الأزمة اليمنية ونظام الحكم بشكل كامل وليس جزئياً.
* وهذا ما ينادي به المؤتمر، بل أن رئيس دائرته السياسية دعا مؤخراً إلى حوار علني وعبر شاشة التلفاز؟
- وأنا أؤيد ذلك تماماً، وكم أتمنى أن يكون حواراً مشهوداً سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الخارجي، وأن يكون لدينا قوى عربية ومن مؤسسات المجتمع المدني الدولية المهتمة بالحريات، وليشهدوا ذلك ولماذا لا؟ فليس هناك ما يخيف، فهل هم مستعدون لذلك.
* وهذا ما يراه البعض مشكلتكم كمعارضة، تستعينون بالآخر، ولا تدركون أنكم البديل؟
- المعارضة ليس بيدها شيء، وأنا قلت سابقاً للمعارضة بأن مركز قوتها ثلاثة أشياء إذا خسرتها فأنصحها أن تنضم إلى المؤتمر وهي أولاً: تلاحم المشترك وثانياً التلاحم مع الشعب وقضاياه، وثالثاً: الاستعانة بالقوى الديمقراطية خارج البلد.
* لماذا الاستعانة بالخارج ما دام أنها متلاحمة مع نفسها ومع الشعب؟
- من أجل الضغط المعنوي على السلطة لمصلحة قضايا الوطن لأننا اليوم أصبحنا عالماً واحداً.
* يعني ما زلت متمسكاً بمقولة الاستعانة بالخارج رغم غضب الرئيس عليك في المرة السابقة؟
- أنا أقصد الاستعانة من أجل الضغط فقط ولمصلحة الوطن، أما الاستعانة بالخارج فالأنظمة العربية هي التي تستعين بها اليوم وليس المواطنين.
* ما آخر مبادراتك الذاتية التي اعتدناها منك في مثل هكذا أزمة؟
- مبادرتي الجديدة هي أن نتجه إلى بناء السلطة الشعبية الموازية.
* كيف؟
- مثلاً، اليوم نحن نشكو من غياب استقلال القضاء، فلماذا لا نعمل قضاءً شعبياً. في كل منطقة من المناطق يتفقون على قاضي أو عدد من القضاة يلجأون إليهم، وهذا جزء من تاريخ اليمن بما كان يسمى بـ"حاكم التراضي" ونلغي أي تعامل مع القضاء الفاسد، وأيضاً نأتي إلى قضية المجالس المحلية التي نعتبرها بأنها لم تنتخب انتخاباً حراً ونزيهاً، فلماذا لا ننتخب نحن على المستوى الشعبي مجلساً محلياً شعبياً نتعامل معه فقط (وهذا جزء من النضال السلمي) ونعمل مؤسسات تنموية خيرية واستهلاكية وغيرها لبناء عدد من المشاريع التي لا تقوم بها الدولة كالمدارس والمراكز الصحية وغيرها، ما دام أننا نشكو من سلطة الدولة وفسادها فنبني نحن على المستوى الشعبي السلطة الشعبية الموازية.
* من أنتم هنا؟
- الشعب.. أنا وأنت وكل الذين يشكون من السلطة.
* لكن الشعب بحاجة إلى قيادة تدير هذه السلطة الموازية؟
- ولهذا أنا أرى أن يتبنى هذا مؤتمر الحوار الوطني القادم واللقاء المشترك.
* متى؟
- عندما يصلون إلى مرحلة الطريق المسدود، يتبنون هذه القضية، وليس فيها أي خلل ولا أي عنف، ومن حق الناس أن يديروا أمورهم بالطريقة التي يريدونها.
* وأين تذهب السلطة غير الموازية "السلطة القائمة"؟
- موجودة، يبقى مدير المديرية مديراً، ويبقى المحافظ محافظاً، لكن الناس لا يلجأون إليهم، يتجه الناس إلى مجالسهم المحلية ويتولون شؤون أمورهم، وهذا جزء من النضال السلمي.
* أي نضال سلمي وأنت تريد استبدال كل مؤسسات الدولة التي لا يمكن أن تسكت على ذلك؟
- الدولة ماذا تريد منا؟ نحن ندير عملنا لأنفسنا ولا ننازعها في شيء فلماذا تمنعنا، وما الذي يضيرها؟! لدينا حاكم "قاضي" نرتضي أن نتحاكم إليه، وهذه المجموعة "المجلس المحلي الشعبي" نرتضي بأن تتولى أمورنا ومشاكلنا، هذه المنظمات نتعاون معها في عملية القضايا التنموية، فما الذي سيزعج السلطة، إذا أرادت أن تنافس فلتنافس على الخير وتعمل أحسن من هذا.
* وماذا عن استبدال الوزارات والمؤسسات الأخرى؟
- هنا لا نقصد استبدال الوزارات وإنما إدارة الناس لشؤونهم المحلية فقط، وعلى اللقاء المشترك أن يعمل وزارة الظل ويكون عاملاً مساعداً للسلطة الشعبية الموازية.
* هل هذا هروب وعجز أم أنه مقدمة لانقلاب؟
- بالعكس هذا تدريب للشعب أن يتولى أمر نفسه بنفسه، هل تعلم أن إدارة التعاونيات "أيام الحمدي" كانت هي البداية لبناء الدولة من تحت، فعندما تصلح السلطة حينها تجد من يتعاون معها، وتجد الناس قد تعودوا على الأعمال المفيدة.
* وإذا لم تصلح السلطة؟
- إذا لم تصلح السلطة فهي تجلس في وادي والناس في وادٍ آخر.
* وهل ستقبل السلطة بهذا الفصل بينها وبين الناس؟
- ما الذي ستفعله السلطة، هل تعاقب القاضي الشعبي لأنه يحكم بين الناس الذين اختاروه، ففي مثل هذا الحال فإن السلطة تصبح أكثر عدوانية، وهذا موضوع آخر.
* وهل سيقبل اللقاء المشترك بتبني هذه السلطة الشعبية الموازية؟
- أنا أنوي أن أطرح الموضوع على المشترك، ولا أعتقد أنه سيرفض ذلك، فما المانع لديه، فهو لا يحتاج أكثر من تشجيع الناس لإدارة أمورهم.
* وهل سيستجيب له الناس برأيك؟
- ولهذا أنا قلت لا بد على المشترك أن يلتحم مع جماهير الشعب، أما إذا لم يلتحم بالناس فالأفضل له الانضمام للمؤتمر الشعبي العام.
* لماذا لا تهتمون إلا بالجنوب والحوثي، فأين بقية المظلومين في الحديدة وحجة وتعز وغيرها ؟
- الظلم لا يقع إلا على من يشعر به، وكثير من الرعية في الشمال لا يشعرون بالظلم، لأنهم يتصورون أن هذا الظلم شيء طبيعي، ولأنه قد سحقت آدميتهم إلى درجة أنهم يتصورون أن هذا الظلم من حق السلطة "كثر الله خيرها" فإذا كان الشماليون متقبلين للظلم فهل يجوز أن ننتقد الآخرين الذين لا يتقبلون الظلم. فأنا أقول: هل لدينا استعداد لتلافي المخاطر؟ وهل لدينا استعداد لبناء الدولة الحديثة، والتنازل عن احتكار السلطة والثروة، ونبني الدولة من جديد، وعلى يد الرئيس علي عبدالله صالح إذا قبل بذلك، لكن هل ما زالت لديه الاستطاعة، فأنا أخشى أن الدائرة التي عملها الرئيس حوله أصبحت تتحكم في كل القضايا، وأصبح هو يخشى أن يتحرك فتأكله، أو أن يقفز عليها فيخاف من الذين خارجها، وهذا ما حصل لسياد بري ومانجستو وسوهارتو، وماركو، تجربة مرت بها كل الأنظمة الديكتاتورية والفردية.
* هل هذا خوف على الرئيس أم شماتة به؟
- أنا قلت مرة للرئيس: نحن وأنتم جالسون في بيت واحد، أنتم جالسون في أجمل مكان فيه (بتكسروا الخشب وتتقهووا به) ونحن لا نريد قهوة ولا تكسير خشب، لكن عندما يقع هذا البيت سيقع على رؤوس الجميع، ومن خرج من هذا البيت فحمران العيون بانتظاره خارج، فهذه ليست شماتة بقدر ما هي دفاع عن النفس والوطن وعن مستقبلنا جميعاً ومستقبل أجيالنا، وأيضاً الرئيس مرة قال لي إنه يفرح عندما ينتقده الآخرون، فقلت له: لماذا؟ فقال: إذا كان النقد صحيحاً فنستفيد منه، وإن كان النقد كاذباً فالناس يقولون هؤلاء كذابين، فهذه حكمة جميلة لكن هل يطبقها!
* وماذا بعد ملتقى التشاور الذي لم يحضره أهم أطراف الأزمة وخاصة الحوثيين والحراك الجنوبي ومعارضة الخارج؟
- سيكونون شركاء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسيشاركون في الحوار سواء حوار من مناطقهم أو من خلال إرسال من يمثلونهم، وهناك احتمالات أن تعقد ندوات خارج الوطن بتعاون بعض الإخوة العرب القوميين ومؤسسات مدنية، ويشارك في هذه الندوة كل الفرقاء وممكن أن يحضرها من المؤتمر الشعبي من يريد، ومن الحراك من يريد، ويحضرها من الحوثيين من يريد، ومن المشترك من يريد، ويتم الحوار، اليوم لم يعد المكان أو المسافات مشكلة في ظل الانترنت وغيرها من التقنيات الحديثة.
وقد تم في الاجتماع الموسع للجنة التحضيرية الاثنين الماضي إقرار مشروع رؤية الانقاذ الوطني، وتشكيل خمس لجان حوارية على طريق مؤتمر الحوار الوطني القادم.
* وماذا بعد هذه الرؤية؟
- بعدها الإرادة الشعبية، الآن وجدت الرؤية ووجدت القضية التي يتفق الناس عليها جميعاً، قيادات المجتمع وأحزابه ومؤسساته ورجالاته، ويبقى الاتفاق حول الآليات التي يعملوا بها عبر مختلف وسائل النضال السلمي.
* برأيك هل تتوافق الإرادة الشعبية مع الإرادة السياسية لإصلاح الأوضاع؟
- أنا دائماً أقول أن الإصلاح لن يتم إلا بأحد أمرين إما بإرادة سياسية أو بإرادة شعبية،وبصراحة الأمل ضعيف في الإرادة السياسية، ولابد من إرادة شعبية ضاغطة على الإرادة السياسية، ودور المعارضة أن تنمي هذه الإرادة الشعبية.
* ولماذا الأمل ضعيف في الإرادة السياسية؟
- الرئيس علي عبدالله صالح عندما كان يصل مرحلة تأزم كان يعمل انفراجا، عمل الميثاق الوطني، عمل المؤتمر الشعبي، عمل مجلس الشورى (السابق) عمل الوحدة عمل الحرب، الآن للأسف الشديد أنه وصل إلى مرحلة لم يعد فيها قادرا على فعل شيء، ونتمنى أن يستعيد الرئيس قدراته ويفتح نافذة للإنفراج، لكن هذا يحتاج إلى إرادة شعبية قوية.
* كيف؟
- مادام الحاكم لا يسمع إلا "كل شي تمام يافندم" ولا يشعر بإرادة شعبية قوية، فهو يعمل ما يريد، وأنا مرة شاركت في مؤتمر بالقاهرة حول الخيار الديمقراطي وهل أن الديمقراطية أصبحت خياراً شعبياً أم منحة فوقية، وبعد عودتي من القاهرة قابلت الرئيس وسألني عما توصل إليه هذا المؤتمر، فقلت له: وصلوا إلى أن كثيرا من الديمقراطية لا تزال منحة من فوق، فقال: غلطانين.. قلت له لماذا؟ قال (ما فيش حاكم يتنازل عن سلطاته وهو يريد الاحتفاظ بها، لكنه يفكر هل يطلع من الطاقة أم من الباب، حسب الضغوطات) فإحتمال أن الرئيس يتذكر هذا الموضوع، ويتذكر أن الباب أحسن.
*برأيك ما جدوى توطيد السلطة لعلاقتها مع السلفيين مؤخراً؟
- محاولة التقرب من السلفيين سيكون هو الحبل الذي سيختنق به النظام.
* كيف ذلك؟
- هؤلاء هم الذين قتلوا أنور السادات، وعليه أن يجرّب، رغم أن اليمنيين لا يقبلون التطرف لا يساراً ولا يميناً، فاليمني رجل براجماتي عملي نتيجة للفقر والجوع.
* لكن هناك شماليون متطرفون في إنفصال الجنوب حسب اتهام الرئيس؟
- أولاً لا نستطيع إلى اليوم أن نتحمل أن يأتي رئيس من ريمة أو حضرموت أو الحديدة، وكما قيل "ما فيش إمام دخل من باب اليمن" وثانياً الذين قبلوا بالتنازل عن أشياء كثيرة حتى في تموضع الجنود، فمن هم الذين كانت نواياهم غير حسنة، هل هم الذين رموا جيشهم في عمران وفي خولان كمحيط غير مستأنس لهم؟! أم الذين وضعوا معسكراتهم في أبين ومرتبط بالبيضاء وله امتداده؟ من أكثر تدبيراً حينها لما سيحدث في المستقبل وأيضاً قبل الحرب لماذا قتل 150 شخصاً من الحزب الاشتراكي في الفترة الانتقالية، وصلنا إلى وثيقة العهد والاتفاق كأفضل وثيقة يمنية صنعت بأيدٍ يمنية ومن تجربة يمنية، لكن كل طرف منهما كان يعدّ نفسه للحرب.
* لا يفيد تذكر الماضي، كيف تقرأ اليوم مستقبل البلاد في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه؟
- لا يمكن أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه، إما أن تستقيم أو أن تنهار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق