والدارس المنصف لما سمي ب"مشروع اللائحة التنظيمية للحرس الجامعي" ولما سمي ب"النظام الموحد لشئون الطلاب بالجامعات اليمنية" والخاص بالمرحلة الجامعية الأولى سيلاحظ دون الكثير من العناء، وخصوصا في الأولى، الحضور الكثيف ل"الاستبداد" الذي يتنافى مع متطلبات "التعليم" و"التعلم" ومع مقتضيات إنتاج وتطوير ونشر المعرفة. أما المتابع للطريقة التي تدار بها الجامعات فانه سيدرك ودون الكثير من العناء بان ما يمارس على أرض الواقع من استلاب لحقوق الطلاب والأساتذة يفوق بكثير ما تتضمنه اللوائح المعمول بها والمشاريع التي يتم العمل على تطبيقها والى الحد الذي تحولت فيه الجامعات إلى مؤسسات لخصي "العقول."
أن الذي يحضر في الجامعات اليمنية بقوة هو "الاستبداد" الذي يشكل التعريف الأمني لعلاقة السلطة السياسية بقيادات الجامعة، وعلاقة قيادات الجامعة بالأساتذة والموظفين والطلاب، وعلاقات الأساتذة والموظفين بالطلاب وعلاقة الطلاب ببعضهم البعض. وتتحول العملية التعليمية في ظل الحضور الطاغي للاستبداد إلى تفاعل اجتماعي هدفه تأكيد وترسيخ العلاقات السلطوية الماضوية وإعادة إنتاجها و"حظر" أي معرفة تتناقض مع مصالح السلطة. ومع ان هناك تغيير وان كان محدودا في أنماط التفاعل بين الطلاب والأساتذة وبين الطلاب والإداريين وبين الطلاب بعضهم البعض الإ ان ذلك التغيير ما زال محدودا. وهناك انتكاسات دورية في هذا التطور تبدو واضحة ليس فقط من خلال اللوائح والأنظمة التي يتم تبنيها داخل الجامعات ولكن وهو الأهم من خلال التفاعلات اليومية. وتمثل مشاريع اللوائح التي بين أيدينا اليوم والممارسات التي يتم إتباعها والانتهاكات الواسعة للحقوق السياسية والمدنية— ليس فقط للطلاب ولكن للأساتذة أيضا—مؤشرا خطيرا على ما وصل إليه حال الثورتين في اليمن وحال الوحدة والديمقراطية وحال السلطة في علاقتها بالوطن وبالمواطن وبالمعرفة.
والشيء الأكيد هو أن واضعي مشاريع تلك اللوائح لا يمكن ان يكونوا أساتذة أو مربين أو مفكرين. وهم فقط "مستبدون" ينطبق عليهم قول عبد الرحمن الكواكبي "والمستبد يتحكم في شئون الناس بارادته لا بارادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه انه الغاصب المعتدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق ومطالبتها به." ولو كانت مشاريع هذه اللوائح رجلا وأرادت ان تحتسب وتنتسب لقالت، والكلمات مازالت للكواكبي، "أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة وأخي الغدر، وأختي المسكنة وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة."
يعكس مشروعا اللائحتين المشار إليهما توجها سياسيا نظاميا لتحويل الجامعات إلى مراكز لوأد العقول وقهر إرادات الشباب وخلق جيل ذليل خنوع مهزوم من الداخل. ويمكن تلمس ذلك من خلال العديد من النقاط. أولا، برغم ان الجامعات العامة هي ملك لطلابها وأساتذتها الذين يفترض ان يختاروا قادتهم ويسنوا لوائحهم من خلال عمليات شفافة تقوم على الحوار والمشاركة والمواطنة المتساوية الإ أن اللائحتين موضع النقاش تعكسان وضعا تبدو معه جامعة صنعاء وكأنها ملكية خاصة لمجموعة من الشخصيات التي لا ترى بالعين المجردة.
ثانيا، برغم ان مبادئ الثورتين اليمنيتين والأنظمة الجمهورية المتعاقبة في الشمال والجنوب والنظام السياسي لدولة الوحدة قامت كلها على نظرة تحترم كرامة الإنسان وتنظر إليه على انه كائن خير بطبيعته الإ ان مشروعي اللائحتين محل الجدل (والممارسات اليومية داخل الجامعة) ينظران ليس فقط إلى الطالب اليمني—ولكن أيضا إلى الأستاذ—على انه شرير بطبيعته مخرب، لص، شكلجي، يسعى لإشعال الحرائق وهدم مرافق الجامعة، بوق دعاية للأحزاب، مغفل لا يعرف مصلحته، وثور يردع بقرونه كل من يجده في طريقه.
فالمادة الرابعة من اللائحة الخاصة ب"مشروع اللائحة التنظيمية للحرس الجامعي" تنص على ان مهام الحرس الجامعي "حفظ النظام والسكينة والآداب العامة"، "الحفاظ على منشاءات الجامعة وممتلكاتها من أعمال السرقة والتخريب"، "منع العبث بالحدائق والمرافق"، "مراقبة الأسوار"، "حراسة مصادر الطاقة والمياه ووسائل الاتصالات والمعلومات"، "مواجهة المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها الحرس الجامعي"، "إطفاء الحرائق"، "عدم السماح بتوزيع أي منشورات أو بيانات في الحرم الجامعي"، "احتواء أعمال الشغب"...الخ. وينص مشروع اللائحة في المادة رقم (3) على ان الغرض من إنشاء الحرس الجامعي، بالإضافة إلى أهداف أخرى، هو "منع كافة الأنشطة الحزبية داخل الجامعة او أي مرفق تابع لها ومنع الدعاية لصالح أو ضد أي حزب أو تنظيم سياسي داخل الجامعة أو أي مرفق تابع لها..." والحق ان ما يتم محاربته داخل الجامعات هو المعرفة والعقول المتفتحة والابتكار والإبداع والتنوع الفكري الخلاق. أما ما يتم تكريسه داخل هذه الجامعات فهو الحزبية في أسوء أشكالها ومعانيها والفساد في أقبح صوره.
رابعا، تتنافى اللوائح المنظمة للأنشطة الطلابية في الجامعات اليمنية والممارسات العملية مع قواعد القانون الدولي—وعلى نحو خاص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق والحريات المدنية والسياسية والإعلانات الدولية الخاصة بالحريات الأكاديمية—ومع دستور الجمهورية اليمنية والقوانين النافذة. وتنتهك الممارسات الجارية العديد من حقوق الأساتذة والطلاب وأهم تلك الحقوق هي حقوق المساواة في المواطنة والتعبير والتنظيم والحق في الحياة الحرة الكريمة وفي سلامة الجسد من الأذى، و"الحريات الأكاديمية."والأخيرة ليست مجرد امتداد للحقوق السابقة عليها بل تتميز عنها. والحريات الأكاديمية ليست مطلقة ولا هي دون مسئولية. لكن الجامعات هي التي ينبغي ان تتولى الرقابة والمحاسبة.
ولا يمكن للجامعات اليمنية ان تمارس دورها في إنتاج وتطوير وحفظ ونقل المعرفة في ظل الغياب الواضح للحد الأدنى من الاستقلال للجامعات كمؤسسات، وللأساتذة وللطلاب. ان منع طالب من توزيع صحيفة داخل الجامعة، وهو فعل لا يمكن ان يعاقب عليه إذا قام به خارج الجامعة، لهو مؤشر على تحول الجامعات اليمنية إلى سجون ومراكز للتجهيل. أما الاعتداءات والانتهاكات للحقوق المدنية والسياسية للأساتذة والطلاب والتي تضرب عرض الحائط بالحقوق الدستورية والقانونية فإنها جرائم لا تسقط بالتقادم ولا بد ان يحاكم مرتكبيها ان لم يكن في حياتهم فبعد مماتهم. والمهم هو أن يحرص الجميع على توثيق الانتهاكات التي تمارس بدقة وأمانة ونشرها في الصحف وتحويلها إلى قصص يحكيها الآباء للأبناء والكبار للصغار.
ولا ينبغي للانتهاكات مهما بلغت ان تخيف الأساتذة أو الطلاب أو ان تزعزع إيمانهم بالقضايا العادلة التي يناضلون سلميا من اجلها والتي ينبغي ان تتخذ دائما طابعا وطنيا لان النضال من اجل المصالح الشخصية—حتى وان كانت تلك المصالح مشروعة—بمعزل عن القضايا الوطنية يمثل هزيمة للقضايا الشخصية والوطنية معا. ومن المهم ان يلتزم الجميع ب، ويتدرب على مبادئ وأساليب النضال السلمي وان يقاوموا محاولات جرهم إلى دائرة العنف والعنف المضاد لأنهم ان فعلوا يكونون حينئذ قد تقمصوا شخصية "الطاغوت" الذي يسعون لإسقاطه. ومع التقدير لكل الجهود التي تقوم بها تنظيمات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الإ ان تلك الجهود ينبغي إعادة النظر فيها وبحيث تتمحور كلها حول هدف واحد وهو تحقيق "استقلال الجامعات" عن السلطة وعن الأحزاب وعن القوى والتنظيمات ذات المصلحة في التأثير على أداء الجامعات لوظائفها بالدرجة المطلوبة من الحياد.
عن ورقة قدمت الى ندوة نظمها اتحاد طلاب جامعة صنعاء، نشرت في صحيفة العاصمة في اواخر مارس 2009
أن الذي يحضر في الجامعات اليمنية بقوة هو "الاستبداد" الذي يشكل التعريف الأمني لعلاقة السلطة السياسية بقيادات الجامعة، وعلاقة قيادات الجامعة بالأساتذة والموظفين والطلاب، وعلاقات الأساتذة والموظفين بالطلاب وعلاقة الطلاب ببعضهم البعض. وتتحول العملية التعليمية في ظل الحضور الطاغي للاستبداد إلى تفاعل اجتماعي هدفه تأكيد وترسيخ العلاقات السلطوية الماضوية وإعادة إنتاجها و"حظر" أي معرفة تتناقض مع مصالح السلطة. ومع ان هناك تغيير وان كان محدودا في أنماط التفاعل بين الطلاب والأساتذة وبين الطلاب والإداريين وبين الطلاب بعضهم البعض الإ ان ذلك التغيير ما زال محدودا. وهناك انتكاسات دورية في هذا التطور تبدو واضحة ليس فقط من خلال اللوائح والأنظمة التي يتم تبنيها داخل الجامعات ولكن وهو الأهم من خلال التفاعلات اليومية. وتمثل مشاريع اللوائح التي بين أيدينا اليوم والممارسات التي يتم إتباعها والانتهاكات الواسعة للحقوق السياسية والمدنية— ليس فقط للطلاب ولكن للأساتذة أيضا—مؤشرا خطيرا على ما وصل إليه حال الثورتين في اليمن وحال الوحدة والديمقراطية وحال السلطة في علاقتها بالوطن وبالمواطن وبالمعرفة.
والشيء الأكيد هو أن واضعي مشاريع تلك اللوائح لا يمكن ان يكونوا أساتذة أو مربين أو مفكرين. وهم فقط "مستبدون" ينطبق عليهم قول عبد الرحمن الكواكبي "والمستبد يتحكم في شئون الناس بارادته لا بارادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه انه الغاصب المعتدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق ومطالبتها به." ولو كانت مشاريع هذه اللوائح رجلا وأرادت ان تحتسب وتنتسب لقالت، والكلمات مازالت للكواكبي، "أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة وأخي الغدر، وأختي المسكنة وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة."
يعكس مشروعا اللائحتين المشار إليهما توجها سياسيا نظاميا لتحويل الجامعات إلى مراكز لوأد العقول وقهر إرادات الشباب وخلق جيل ذليل خنوع مهزوم من الداخل. ويمكن تلمس ذلك من خلال العديد من النقاط. أولا، برغم ان الجامعات العامة هي ملك لطلابها وأساتذتها الذين يفترض ان يختاروا قادتهم ويسنوا لوائحهم من خلال عمليات شفافة تقوم على الحوار والمشاركة والمواطنة المتساوية الإ أن اللائحتين موضع النقاش تعكسان وضعا تبدو معه جامعة صنعاء وكأنها ملكية خاصة لمجموعة من الشخصيات التي لا ترى بالعين المجردة.
ثانيا، برغم ان مبادئ الثورتين اليمنيتين والأنظمة الجمهورية المتعاقبة في الشمال والجنوب والنظام السياسي لدولة الوحدة قامت كلها على نظرة تحترم كرامة الإنسان وتنظر إليه على انه كائن خير بطبيعته الإ ان مشروعي اللائحتين محل الجدل (والممارسات اليومية داخل الجامعة) ينظران ليس فقط إلى الطالب اليمني—ولكن أيضا إلى الأستاذ—على انه شرير بطبيعته مخرب، لص، شكلجي، يسعى لإشعال الحرائق وهدم مرافق الجامعة، بوق دعاية للأحزاب، مغفل لا يعرف مصلحته، وثور يردع بقرونه كل من يجده في طريقه.
فالمادة الرابعة من اللائحة الخاصة ب"مشروع اللائحة التنظيمية للحرس الجامعي" تنص على ان مهام الحرس الجامعي "حفظ النظام والسكينة والآداب العامة"، "الحفاظ على منشاءات الجامعة وممتلكاتها من أعمال السرقة والتخريب"، "منع العبث بالحدائق والمرافق"، "مراقبة الأسوار"، "حراسة مصادر الطاقة والمياه ووسائل الاتصالات والمعلومات"، "مواجهة المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها الحرس الجامعي"، "إطفاء الحرائق"، "عدم السماح بتوزيع أي منشورات أو بيانات في الحرم الجامعي"، "احتواء أعمال الشغب"...الخ. وينص مشروع اللائحة في المادة رقم (3) على ان الغرض من إنشاء الحرس الجامعي، بالإضافة إلى أهداف أخرى، هو "منع كافة الأنشطة الحزبية داخل الجامعة او أي مرفق تابع لها ومنع الدعاية لصالح أو ضد أي حزب أو تنظيم سياسي داخل الجامعة أو أي مرفق تابع لها..." والحق ان ما يتم محاربته داخل الجامعات هو المعرفة والعقول المتفتحة والابتكار والإبداع والتنوع الفكري الخلاق. أما ما يتم تكريسه داخل هذه الجامعات فهو الحزبية في أسوء أشكالها ومعانيها والفساد في أقبح صوره.
رابعا، تتنافى اللوائح المنظمة للأنشطة الطلابية في الجامعات اليمنية والممارسات العملية مع قواعد القانون الدولي—وعلى نحو خاص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق والحريات المدنية والسياسية والإعلانات الدولية الخاصة بالحريات الأكاديمية—ومع دستور الجمهورية اليمنية والقوانين النافذة. وتنتهك الممارسات الجارية العديد من حقوق الأساتذة والطلاب وأهم تلك الحقوق هي حقوق المساواة في المواطنة والتعبير والتنظيم والحق في الحياة الحرة الكريمة وفي سلامة الجسد من الأذى، و"الحريات الأكاديمية."والأخيرة ليست مجرد امتداد للحقوق السابقة عليها بل تتميز عنها. والحريات الأكاديمية ليست مطلقة ولا هي دون مسئولية. لكن الجامعات هي التي ينبغي ان تتولى الرقابة والمحاسبة.
ولا يمكن للجامعات اليمنية ان تمارس دورها في إنتاج وتطوير وحفظ ونقل المعرفة في ظل الغياب الواضح للحد الأدنى من الاستقلال للجامعات كمؤسسات، وللأساتذة وللطلاب. ان منع طالب من توزيع صحيفة داخل الجامعة، وهو فعل لا يمكن ان يعاقب عليه إذا قام به خارج الجامعة، لهو مؤشر على تحول الجامعات اليمنية إلى سجون ومراكز للتجهيل. أما الاعتداءات والانتهاكات للحقوق المدنية والسياسية للأساتذة والطلاب والتي تضرب عرض الحائط بالحقوق الدستورية والقانونية فإنها جرائم لا تسقط بالتقادم ولا بد ان يحاكم مرتكبيها ان لم يكن في حياتهم فبعد مماتهم. والمهم هو أن يحرص الجميع على توثيق الانتهاكات التي تمارس بدقة وأمانة ونشرها في الصحف وتحويلها إلى قصص يحكيها الآباء للأبناء والكبار للصغار.
ولا ينبغي للانتهاكات مهما بلغت ان تخيف الأساتذة أو الطلاب أو ان تزعزع إيمانهم بالقضايا العادلة التي يناضلون سلميا من اجلها والتي ينبغي ان تتخذ دائما طابعا وطنيا لان النضال من اجل المصالح الشخصية—حتى وان كانت تلك المصالح مشروعة—بمعزل عن القضايا الوطنية يمثل هزيمة للقضايا الشخصية والوطنية معا. ومن المهم ان يلتزم الجميع ب، ويتدرب على مبادئ وأساليب النضال السلمي وان يقاوموا محاولات جرهم إلى دائرة العنف والعنف المضاد لأنهم ان فعلوا يكونون حينئذ قد تقمصوا شخصية "الطاغوت" الذي يسعون لإسقاطه. ومع التقدير لكل الجهود التي تقوم بها تنظيمات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الإ ان تلك الجهود ينبغي إعادة النظر فيها وبحيث تتمحور كلها حول هدف واحد وهو تحقيق "استقلال الجامعات" عن السلطة وعن الأحزاب وعن القوى والتنظيمات ذات المصلحة في التأثير على أداء الجامعات لوظائفها بالدرجة المطلوبة من الحياد.
عن ورقة قدمت الى ندوة نظمها اتحاد طلاب جامعة صنعاء، نشرت في صحيفة العاصمة في اواخر مارس 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق