د عبدالله الفقيه
نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية يوم السبت السابع من يونيو 2008 تحقيقا حول حرب صعدة بعنوان "في اليمن: استمرار الحرب الطائفية التي يتم التغطية عليها." وقد اعد التحقيق مراسلة الصحيفة في الشرق الأوسط ايلين نيكمير. كانت السيدة نيكمير قد زات الكاتب في منزله الى الشمال من صنعاء برفقة صحفي يمني وناقشت معه الكثير من الأفكار الواردة في المقال بما في ذلك الزعم الكبير بان الحرب الدائرة في صعدة هي حرب طائفية لكن الكاتبة بدت مصرة على رؤية معينة للاحداث ربما املاها عليها السفير الأمريكي في صنعاء ستيفن سش والذي كانت قد قابلته قبل التقائها بالكاتب مباشرة. ومع ان العادة في مثل هذه الحالة هي ان يورد الصحفي الراي الآخر الا ان السيدة نيكمير خرجت على ابسط قواعد العمل الصحفي وهي ان يعكس عملها الرؤى الموجودة على الساحة وان لا يبحث الصحفي لنفسه عن اجوبة معينة.
وهكذا جاء تقرير الواشنطن بوست ليكون انموذجا للعمل الصحفي السيىء بكل ما تعنيه الكمة من معنى. والمشكلة لا تكمن في انحياز الصحفية الى صف الحوثيين ضد النظام اليمني او العكس بقدر ما تكمن في محاولة تعريف الصراع بطريقة ملتوية لا تخدم الحوثيين ولا النظام اليمني. فتعريف الحرب الدائرة بانها حرب طائفية والإيحاء بتورط السعودية وايران والحديث عن السنة المتطرفين المتعطشين للقتال هي مسائل يتم توظيفها بعناية لأعطاء الصراع ابعادا لا يحتملها. فكيف يمكن الحديث عن حرب طائفية اذا كان الحوثيون زيود ورئيس الجمهورية زيدي وقادة المعسكرات هم زيود؟ وكيف يمكن الحديث عن حرب طائفية ومعظم قادة الحزب الحكم هاشميين؟
اخطاء الأمريكيين
كان الأمريكيون خلال الثمانينات من القرن الماضي يدعمون ايران لضرب العراق ويدعمون العراق لضرب ايران على امل ان الحرب طويلة الأمد كفيلة باضعاف الإثنين وهو ما تحقق الى حد ما. فقد كان عقد الثمانينات بالنسبة للعراق وايران هو عقد اهدار الموارد المادية والبشرية في حرب لم تنتج للطرفين سوى الحرب مئات الالاف من الضحايا. وتمكنت الولايات المتحدة من خلال اللعب على التناقضات بين ايران والعراق من الدفع بالدولتين الى حافة الهاوية. ثم تمكنت بعد ذلك من الإنفراد بالعراق وضربه. وها هي تحاول الإستفراد بايران وضربها.
وما يحدث في صعدة ليس بعيدا عن ما حدث في ثمانينات القرن الماضي. وهناك مؤشرات على تورط امريكي في صعدة يفوق المؤشرات الدالة على تورط ايراني أو سعودي. وليس من المستبعد ان حكومة الولايات المتحدة تسعى لإستدراج ايران والسعودية الى حرب طويلة الأمد في شمال اليمن تكون كفيلة باضعاف الدولتين معا بالإضافة الى اضعاف اليمن بالطبع. والمستفيد الوحيد، كما تعتقد الحكومة الأمريكية، هو المشروع التحديثي الأمريكي . فغير خاف على احد ان امريكا قد عرفت في الفترة التالية لأحداث سبتمبر الكثير من فرق السنة والشيعة كاعداء لمشروعها الثقافي التحديثي. وفي اليمن اضافت الولايات المتحدة الى قائمة الإعداء القبائل والمشايخ والناصريين والبعثيين. وربما ان اندلاع احداث العنف وبالتزامن في لبنان والسودان وشمال اليمن لم يكن محض مصادفة.
وتكمن الإشكالية في السياسات والممارسات الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السبعين عاما الماضية في انها كانت وبشكل مستمر معزولة عن تفضيلات ورغبات وظروف الناس. وانطلقت تلك السياسات والممارسات من معرفة ضحلة بالعرب والمسلمين والثقافة العربية والشرق الأوسط. ولذلك قادت السياسات الأمريكية دائما الى خلق ظروف أسوء كما حدث في العراق حين فاقت اساليب التعذيب التي ابتكرها "العم سام" كل الأساليب التي كان جلاوزة صدم حسين قد اخترعوها. ولذلك فقد كانت سياساتها المختلفة طيلة السبعين عاما الماضية مسئولة الى حد الكبير كليا أو جزئيا عن الكثير من الأزمات في المنطقة.
فالدعم الأمريكي غير المشروط لشاه ايران وسياساته قادت الى الثورة الإسلامية في ايران والتي مهدت بدورها للعداء الإيراني الخليجي ولقيام حرب الخليج الأولى بين العراق وايران. وبدورها قادت الحرب العراقية الأيرانية الى الغزو العراقي للكويت. ولا ينبغي لأحد ان ينسى الدور الأمريكي في الجهاد في افغانستان والذي ساهم مع التدخل الأمريكي في خلق السياق لظهور تنظيم القاعدة .
ولم يتعلم الأمريكيون من الدروس. فبعد احداث سبتمبر قرروا غزو العراق ليطيحوا بتوازن القوى التقليدي الذي كان قائما في المنطقة وليساهموا في الدفع باسعار النفط الى تسجيل ارقام قياسية لم تعرفها اسواق الطاقة. وساهمت الإدارة الأمريكية في اعقاب ال11 من سبتمبر في جعل العالم اسوء بكثير مما كان عليه قبل ذلك التاريخ ليس فقط للعرب والمسلمين ولكن لجميع سكان العالم بما في ذلك الأمريكيين. ومع ان الرئيس جورج بوش الأبن الرئيس الأمريكي الحالي قد اعترف في خطاباته وبشكل متكرر باخطاء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الإ ان اعترافه لم يرق الى حجم الخطأ والمعاناة. والأهم من ذلك هو ان الإدارة الحالية لم تعترف باخطائها الجسيمة في المنطقة والتي جعلت وجه الإرهاب القبيح يبدو اكثر جمالا مقارنة بالممارسات الأمريكية. وهناك شواهد تدل على ان الولايات المتحدة ماضية في ارتكاب المزيد من الأخطاء معيدة الى الأذهان فترة الحرب الباردة.
وعلى ضوء سبعون عاما من التخبط الأمريكي في الشرق الأوسط ومن الإدارة بالأخطاء لا يملك اي مراقب سوى ان يتساءل عن طبيعة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في اليمن وجنوب الجزيرة العربية وعن موقع الصراع في صعدة من التكتيك والإستراتيجية الأمريكية. فهل يحاول الأمريكيون مثلا الزج باليمن في حرب طائفية تمكنهم من اعادة صياغة المشاهد السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في المنطقة؟ وهل يحاول الأمريكيون استدراج السعودية وايران الى مستنقع صعدة؟ وما هو هدف الأمريكيين من ركوب مأسأة 18 يمنيا تعرضوا للحرق في خميس مشيط؟
ليس هناك اجوبة واضحة مائة في المئة على الأسئلة السابقة ولكن هناك مؤشرات على ان الأمريكيين يحضرون بقوة في صعدة بشكل أو باخر وانهم اصحاب مصلحة في استدراج ايران وكذلك السعودية وذلك لإن مقتضيات مشروع التحديث الأمريكي تتطلب اضعاف الجميع. والأمل هو ان يفيق العرب لأنفسهم ليس فقط رافة بانفسهم ولكن ايضا رأفة باصدقائهم الأمريكيين.
عن صحيفة ايلاف بتاريخ السابع عشر من يونيو 2008
وهكذا جاء تقرير الواشنطن بوست ليكون انموذجا للعمل الصحفي السيىء بكل ما تعنيه الكمة من معنى. والمشكلة لا تكمن في انحياز الصحفية الى صف الحوثيين ضد النظام اليمني او العكس بقدر ما تكمن في محاولة تعريف الصراع بطريقة ملتوية لا تخدم الحوثيين ولا النظام اليمني. فتعريف الحرب الدائرة بانها حرب طائفية والإيحاء بتورط السعودية وايران والحديث عن السنة المتطرفين المتعطشين للقتال هي مسائل يتم توظيفها بعناية لأعطاء الصراع ابعادا لا يحتملها. فكيف يمكن الحديث عن حرب طائفية اذا كان الحوثيون زيود ورئيس الجمهورية زيدي وقادة المعسكرات هم زيود؟ وكيف يمكن الحديث عن حرب طائفية ومعظم قادة الحزب الحكم هاشميين؟
اخطاء الأمريكيين
كان الأمريكيون خلال الثمانينات من القرن الماضي يدعمون ايران لضرب العراق ويدعمون العراق لضرب ايران على امل ان الحرب طويلة الأمد كفيلة باضعاف الإثنين وهو ما تحقق الى حد ما. فقد كان عقد الثمانينات بالنسبة للعراق وايران هو عقد اهدار الموارد المادية والبشرية في حرب لم تنتج للطرفين سوى الحرب مئات الالاف من الضحايا. وتمكنت الولايات المتحدة من خلال اللعب على التناقضات بين ايران والعراق من الدفع بالدولتين الى حافة الهاوية. ثم تمكنت بعد ذلك من الإنفراد بالعراق وضربه. وها هي تحاول الإستفراد بايران وضربها.
وما يحدث في صعدة ليس بعيدا عن ما حدث في ثمانينات القرن الماضي. وهناك مؤشرات على تورط امريكي في صعدة يفوق المؤشرات الدالة على تورط ايراني أو سعودي. وليس من المستبعد ان حكومة الولايات المتحدة تسعى لإستدراج ايران والسعودية الى حرب طويلة الأمد في شمال اليمن تكون كفيلة باضعاف الدولتين معا بالإضافة الى اضعاف اليمن بالطبع. والمستفيد الوحيد، كما تعتقد الحكومة الأمريكية، هو المشروع التحديثي الأمريكي . فغير خاف على احد ان امريكا قد عرفت في الفترة التالية لأحداث سبتمبر الكثير من فرق السنة والشيعة كاعداء لمشروعها الثقافي التحديثي. وفي اليمن اضافت الولايات المتحدة الى قائمة الإعداء القبائل والمشايخ والناصريين والبعثيين. وربما ان اندلاع احداث العنف وبالتزامن في لبنان والسودان وشمال اليمن لم يكن محض مصادفة.
وتكمن الإشكالية في السياسات والممارسات الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السبعين عاما الماضية في انها كانت وبشكل مستمر معزولة عن تفضيلات ورغبات وظروف الناس. وانطلقت تلك السياسات والممارسات من معرفة ضحلة بالعرب والمسلمين والثقافة العربية والشرق الأوسط. ولذلك قادت السياسات الأمريكية دائما الى خلق ظروف أسوء كما حدث في العراق حين فاقت اساليب التعذيب التي ابتكرها "العم سام" كل الأساليب التي كان جلاوزة صدم حسين قد اخترعوها. ولذلك فقد كانت سياساتها المختلفة طيلة السبعين عاما الماضية مسئولة الى حد الكبير كليا أو جزئيا عن الكثير من الأزمات في المنطقة.
فالدعم الأمريكي غير المشروط لشاه ايران وسياساته قادت الى الثورة الإسلامية في ايران والتي مهدت بدورها للعداء الإيراني الخليجي ولقيام حرب الخليج الأولى بين العراق وايران. وبدورها قادت الحرب العراقية الأيرانية الى الغزو العراقي للكويت. ولا ينبغي لأحد ان ينسى الدور الأمريكي في الجهاد في افغانستان والذي ساهم مع التدخل الأمريكي في خلق السياق لظهور تنظيم القاعدة .
ولم يتعلم الأمريكيون من الدروس. فبعد احداث سبتمبر قرروا غزو العراق ليطيحوا بتوازن القوى التقليدي الذي كان قائما في المنطقة وليساهموا في الدفع باسعار النفط الى تسجيل ارقام قياسية لم تعرفها اسواق الطاقة. وساهمت الإدارة الأمريكية في اعقاب ال11 من سبتمبر في جعل العالم اسوء بكثير مما كان عليه قبل ذلك التاريخ ليس فقط للعرب والمسلمين ولكن لجميع سكان العالم بما في ذلك الأمريكيين. ومع ان الرئيس جورج بوش الأبن الرئيس الأمريكي الحالي قد اعترف في خطاباته وبشكل متكرر باخطاء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الإ ان اعترافه لم يرق الى حجم الخطأ والمعاناة. والأهم من ذلك هو ان الإدارة الحالية لم تعترف باخطائها الجسيمة في المنطقة والتي جعلت وجه الإرهاب القبيح يبدو اكثر جمالا مقارنة بالممارسات الأمريكية. وهناك شواهد تدل على ان الولايات المتحدة ماضية في ارتكاب المزيد من الأخطاء معيدة الى الأذهان فترة الحرب الباردة.
وعلى ضوء سبعون عاما من التخبط الأمريكي في الشرق الأوسط ومن الإدارة بالأخطاء لا يملك اي مراقب سوى ان يتساءل عن طبيعة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في اليمن وجنوب الجزيرة العربية وعن موقع الصراع في صعدة من التكتيك والإستراتيجية الأمريكية. فهل يحاول الأمريكيون مثلا الزج باليمن في حرب طائفية تمكنهم من اعادة صياغة المشاهد السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في المنطقة؟ وهل يحاول الأمريكيون استدراج السعودية وايران الى مستنقع صعدة؟ وما هو هدف الأمريكيين من ركوب مأسأة 18 يمنيا تعرضوا للحرق في خميس مشيط؟
ليس هناك اجوبة واضحة مائة في المئة على الأسئلة السابقة ولكن هناك مؤشرات على ان الأمريكيين يحضرون بقوة في صعدة بشكل أو باخر وانهم اصحاب مصلحة في استدراج ايران وكذلك السعودية وذلك لإن مقتضيات مشروع التحديث الأمريكي تتطلب اضعاف الجميع. والأمل هو ان يفيق العرب لأنفسهم ليس فقط رافة بانفسهم ولكن ايضا رأفة باصدقائهم الأمريكيين.
عن صحيفة ايلاف بتاريخ السابع عشر من يونيو 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق